“السفر إلى البلاد تقليد وانتماء راسخ”.. كورونا يحرم الأسر الجزائرية بفرنسا من إجازة الصيف الثمينة

عربي بوست
تم النشر: 2020/07/29 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/07/29 الساعة 11:39 بتوقيت غرينتش
"قضاء العطلة في البلاد جسر ثقافي.. إذ يسمح للناس بإعادة اكتشاف هويتهم من خلال آبائهم"/ مواقع التواصل

يعتبِر العديد من المواطنين الفرنسيين من أصول جزائرية ممن هاجرت أسرهم عن طريق  البحر المتوسط في النصف الثاني من القرن العشرين قضاءَ العطلة الصيفية في الجزائر تقليداً راسخاً؛ إذ يتجه الآلاف منهم كل عام إلى ما يدعونه عادة "البلاد" في إشارة إلى الجزائر.

تقول جينيفر بيديت، خبيرة علم الاجتماع في جامعة باريس ديكارت، التي تقدر، بناء على إحصائيات رسمية، أن 82% من الفرنسيين من أصل جزائري أمضوا عطلة واحدة على الأقل في الجزائر خلال فترة طفولتهم، ويسافر 34% منهم إلى هناك كل عام، تقول بيديت لصحيفة The New York Times الأمريكية: "السفر إلى البلاد أثناء العطلة أمر روتيني". 

ولكن مع استمرار تفشي جائحة كوفيد-19، واصلت الجزائر إغلاق حدودها حتى إشعار آخر. وهذا يعني حرمان العائلات الفرنسية الجزائرية من زيارة الجزائر التي أصبحت ركناً أساسياً في هويتهم متعددة الثقافات، وهو ما أثار استياءهم كثيراً.

"جسر راسخ"

يقول مصطفى بن زيتوني (45 عاماً)، وهو فرنسي جزائري: "قضاء العطلة في البلاد جسر ثقافي، إذ يسمح للناس بإعادة اكتشاف هويتهم من خلال آبائهم، من خلال انتمائهم إلى شعب، من خلال انتمائهم إلى ثقافة".

وربما لم يتأثر الجزائريون بحظر السفر في أي مكان مثل تأثرهم في تولوز، المدينة التي يقطنها حوالي 500 ألف شخص في جنوب غرب فرنسا، والتي شكلتها موجات الهجرة.

ومئات العائلات ذات الأصول الجزائرية في تولوز عالقون الآن في منازلهم، ولا يمكنهم تحمل تكلفة، أو ببساطة غير راغبين في قضاء الإجازات الصيفية في أي مكان باستثناء الجزائر.

وعلى عكس الجزائر، أعاد المغرب وتونس فتح حدودهما مؤخراً للسياح ومواطنيهم الذين يعيشون في الخارج، ما يعني أن بعض سكان حي لو ميريل بمدينة تولوز يمكنهم المضي قدماً في خططهم الصيفية. أما بالنسبة للجزائريين، فحظر السفر يعني أن الآباء بحاجة إلى وضع خطط بديلة لأطفالهم.

"أحد عشر شهراً من العمل الشاق"

يقول جلول زيتوني (38 عاماً)، وهو أب لثلاثة أطفال كان يلهو معهم في ملعب صغير يقع في وسط حي لو ميريل: "قضاء الصيف هنا مستحيل، فلا يمكن فعل أي شيء".

ومثل كل عام، كان زيتوني -الذي هاجر إلى فرنسا من الجزائر قبل 14 عاماً للعمل سائقاً- قد خطط لقضاء شهر أغسطس/آب في مسقط رأسه، مدينة وهران الساحلية. وقال: "أحد عشر شهراً من العمل الشاق من أجل شهر واحد من الأحلام". وقال زيتوني إنه سيحاول هذا العام "تدبير أمره مع الأطفال"، وسيصطحبهم إلى المسبح المحلي وشاطئ البحر.

ويُشار إلى أن الاستعمار الفرنسي للجزائر، الذي استمرّ من عام 1830 إلى عام 1962، شكّل علاقات معقدة بين البلدين، وصفها مؤرخ الجزائر بنيامين ستورا بأنها "علاقة شديدة الخصوصية تجمع بين الكراهية والافتتان". وقال ستورا إن "العودة إلى البلاد" طريقة الفرنسيين الجزائريين "لإعادة التواصل مع جذورهم الوطنية".

ويقول ستورا إنه فيما قد يورَّث الجزائريون الفرنسيون شعوراً بأنهم لا يندمجون بالكامل مع فرنسا، فإنهم أيضاً "لا يحظون بالاحترام في الجزائر"، حيث يُنظر إليهم على أنهم مواطنون فرنسيون تراثهم الجزائري ليس سوى شيء هامشي. 

مفارقات

يقول أحمد أجيلوت (72 سنة) الذي كان منتظراً في إحدى وكالات السفر في وسط مدينة تولوز، على أمل حجز موعد جديد لرحلته إلى وهران في 22 يوليو/تموز، التي ألغيت للتو: "هم يعاملوننا كما لو كنا فرنسيين من الطبقة البرجوازية ويرفعون الأسعار بمجرد وصولنا". 

ويروي أجيلوت، وهو رجل متقاعد، كيف يطلق عليه الجزائريون "مهاجراً وغريباً" حين يسافر إلى البلد الذي غادره عام 1967. وأضاف أجيلوت: "المفارقة هي أنه في الجزائر، يعتبروننا فرنسيين وفي فرنسا، يعتبروننا جزائريين".

وهذا الوضع المربك -العيش بين ثقافتين دون الانتماء لأي منهما- قد يجعل من بناء هوية تحدياً لما يقدر بنحو 2.5 مليون شخص من أصل جزائري يعيشون في فرنسا، خاصة بالنسبة للجيل الثاني والثالث من المهاجرين الذين تعد الجزائر بالنسبة لهم مجرد مكان لقضاء العطلة الصيفية.

تقول فتيحة زلمات، التي تأخذها والدتها نوال ماتي إلى الأزقة الحجرية القديمة في الجزائر العاصمة كل صيف منذ ولادتها باستثناء ذلك العام: "من الصعب التعامل مع الجانبين، الفرنسي والجزائري، ما من ثقافة ترحب بنا".

مشاعر مختطلة 

تقول فتيحة (21 عاماً)، إن لديها ذكريات جميلة من الوقت الذي قضته في الجزائر، لكنها مستاءة أيضاً من ثقافتها المتحفظة التي  تمنع النساء من التدخين أو ارتداء بعض الملابس. وقالت: "لديّ مشاعر مختلطة تجاه الجزائر".

تقول جينيفر، خبيرة علم الاجتماع، إن قضاء العطلات في الجزائر بالنسبة لبعض الشباب -حيث يمكنهم تحمل تكاليف أنشطة تتجاوز إمكاناتهم في فرنسا- فرصة للهروب من وضعهم الاجتماعي السيئ الذي يعيشونه عادة، لكنها أشارت إلى أن هذا التغير في الحالة الاجتماعية مؤقت ولا يفعل شيئاً لمعالجة مشكلات الاندماج التي يواجهونها في فرنسا.

وتقول نوال، التي كانت تغطي شعرها بحجاب أبيض أنيق، إن الشباب المنحدرين من أصل جزائري مثل ابنتها لم يندمجوا في الجزائر ولا في فرنسا، حيث يشبّون في كثير من الأحيان في أحياء معزولة اجتماعياً، مثل حي لو ميريل.

تقول نوال: "أبناؤنا يتوقفون عن الذهاب إلى الجزائر، لأنهم لا يشعرون بالانتماء إليها، ولكن أين يمكنهم الذهاب بدلاً منها؟".

علامات:
تحميل المزيد