أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو شراكةً جديدة مع دولة الإمارات العربية المتحدة، يوم الخميس 25 يونيو/حزيران، في المعركة ضد فيروس كورونا، مُصوِّراً الخطوة باعتبارها "أحدثَ تقدمٍ في مساعي الدولة اليهودية لبناء علاقات أقوى مع الدول العربية"، على حد تعبيره.
لكنَّ وصف نتنياهو المتحمّس جرى نقضه بعد ساعات حين أصدرت الإمارات بياناً أكثر فتوراً بكثير، يعلن عما وُصف بأنه اتفاق بين شركتين خاصتين إماراتيتين وشركتين إسرائيليتين لتطوير تكنولوجيا لمحاربة الفيروس، كما تقول صحيفة The New York Times الأمريكية.
التطبيع العلني في زمن الضمّ
تقول الصحيفة إن البيان الإماراتي ثبَّط ما روَّج له نتنياهو باعتباره "انقلاباً دبلوماسياً"، وأشار إلى أن البلدين، رغم تعمُّق العلاقات بينهما، ما يزالان على خلاف بشأن تعهُّد نتنياهو بضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة.
كان نتنياهو يخاطب الخريجين في إحدى قواعد سلاح الجو قرب تل أبيب، وتحدث بكلماتٍ كبيرة عما وصفها بأنها شراكة جديدة يمكن أن تفيد الشرق الأوسط الأوسع نطاقاً.
وقال إن الشراكة من شأنها أن تتضمَّن التعاون بين وزاراتي الصحة الإسرائيلية والإماراتية في البحث والتطوير بالمشروعات الطبية المتعلقة بفيروس كورونا.
لكن ليس واضحاً لماذا قد يوافق الإماراتيون على اتخاذ خطوة علنية كتلك في وقتٍ تُجهِّز فيه إسرائيل خططاً لضمّ أجزاء من الضفة الغربية، في خطوة أدانتها الدول العربية مراراً.
وبعد أربع ساعات، وفيما كان المسؤولون الإسرائيليون في حالة نشوة جاء الرد في تغريدة بموقع تويتر من متحدثة باسم وزارة الخارجية الإماراتية.
كتبت المتحدثة هند العتيبة قائلة: "في ضوء تعزيز التعاون الدولي في مجالات البحث والتطوير والتكنولوجيا لخدمة البشرية، وقَّعت شركتان خاصتان في الإمارات اتفاقاً مع شركتين في إسرائيل لتطوير تكنولوجيا البحث لمحاربة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19)".
ولم يكن هناك أي ذكر للشراكة على مستوى الدولة بين البلدين، كما لم يكن هناك أي شيء بشأن وزارتي الصحة. ولا يقيم البلدان علاقات دبلوماسية، لكنَّ العلاقات بينهما تحسَّنت في السنوات الأخيرة.
هل كانت الإمارات غير مستعدة بعد لهذا الإعلان؟
لم يكن واضحاً، الخميس، ما إن كان البلدان قد توصّلا سراً إلى اتفاق قبل أن ينهار حينما شارف على الخروج إلى العلن، أو ماذا كان السبب وراء الفجوة بين الإعلانين. لكن بدا أنَّ خطط نتنياهو لضم أجزاء من الضفة الغربية قد جعلت المسؤولين الإماراتيين غير مرتاحين لمثل هذه الخطوة العلنية تجاه إسرائيل، بحسب ما تقول الصحيفة.
قالت باربارا ليف، السفيرة الأمريكية السابقة لدى الإمارات والزميلة بمعهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى حالياً، إنَّ حديث نتنياهو على ما يبدو دفع الإمارات لإصدار بيان لم تكن مستعدة لإصداره.
ولو كانت هناك اتصالات أقوى جارية على مستوى البلدين، فمن الواضح أنَّ الإماراتيين لم يريدوا جعلها علنية.
وأضافت ليف: "إنَّهما ليستا متفقتين في مرحلةٍ لا تبحث فيها الحكومة الإسرائيلية صراحةً ما إن كانت ستضم (أجزاء) من الضفة الغربية أم لا، بل تبحث فيها مقدار ما ستضمه من الضفة الغربية".
وكان السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة، يوسف العتيبة، قد كتب قبل أسبوعين مقالاً تاريخياً في إحدى الصحف الإسرائيلية يحذر فيه الإسرائيليين بصورة مباشرة من أنَّ "الضم سيؤدي إلى تغيير كافة التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الثقافية والاقتصادية والأمنية مع العالم العربي ومع الإمارات العربية المتحدة إلى الضد". وأضاف: "إمَّا الضم أو التطبيع".
مكسب سياسي لنتنياهو
وكان من شأن الشراكة العلنية مع الإمارات أن تمثل مكسباً سياسياً مفاجئاً لنتنياهو، الذي يسعى لبناء علاقات مع الدول العربية دون إحراز تقدم في اتفاق السلام مع الفلسطينيين.
وتحولت ممالك الخليج في السنوات الأخيرة من رؤية إسرائيل باعتبارها الطرف الباغي في صراعها مع الفلسطينيين، وراحت تنظر إليها باعتبارها شريكاً قيِّماً في التجارة والأمن ومنافستهم مع إيران.
قالت شيمريت مئير، المحللة الإسرائيلية لشؤون العالم العربي، إنَّ إعلانيّ الخميس ما يزالان مهمين، على الرغم من الأخطاء. وأضافت: "في لغة الشرق الأوسط، القول إنَّ لدينا شركتين خاصتين تتعاونان مع شركات إسرائيلية بشأن كوفيد هو أمر لم يُسمَع به من قبل تقريباً".
الدعم الخليجي لإسرائيل
ووفقاً لتقارير إعلامية أوروبية، تعاون البلدان سراً في محاربة الفيروس مؤخراً، حين حصل جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" بهدوء على بعض المعدات التي كانت إسرائيل تحتاجها لمحاربة فيروس كورونا من بلدان خليجية.
وفي حين لا تزال إسرائيل عدوة بشدة في أنحاء العالم العربي، تقلَّصت أهمية القضية الفلسطينية بالنسبة للمنطقة في ظل انكفاء الدول العربية على نفسها للتعامل مع الأزمات الاقتصادية، والانتفاضات الشعبية، وصعود المجموعات الإرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
قال إيلي أفيدار، الذي أشرف على البعثة الإسرائيلية في قطر بين عامي 1999-2001 وهو الآن عضو بالبرلمان الإسرائيلي: "لم تغيِّر الإمارات مقاربتها للعلاقات مع إسرائيل إلا في ضوء الخطر الإيراني، الذي يرونه هم أيضاً مُهدِّداً لهم".
وقد أدَّى ذلك إلى الزيادة التدريجية في التعاملات السرية لدول الخليج مع إسرائيل بشأن قضايا تشمل الأمن والتكنولوجيا والزراعة، ومؤخراً الصحة.