هل يستطيع مجلس الأمن أن ينقذ مصر فعلاً من أزمة سد النهضة؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/06/21 الساعة 11:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/06/24 الساعة 10:02 بتوقيت غرينتش
سد النهضة

يبدو أن كثيراً من المصريين يعتقدون أن مجلس الأمن الدولي يمكنه أن يتخذ موقفاً حاسماً يحافظ على حقوق مصر التاريخية في مياه النيل، في ظل إعلان إثيوبيا أنها ستبدأ عملية تخزين المياه خلف سد النهضة مطلع يوليو المقبل، فهل يستطيع مجلس الأمن فعلاً أن ينقذ مصر من المصير المجهول؟ وماذا تبقى للقاهرة بعد أن أصبح الصدام مع إثيوبيا يبدو وكأنه الملاذ الأخير؟

التزام بالدبلوماسية

السبت 20 يونيو/حزيران، قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، إن القاهرة ملتزمة بالدبلوماسية لحل أزمتها مع إثيوبيا حول بناء سد النهضة على النيل الأزرق، وذلك في تعليقه على تعثر مفاوضات سد النهضة الإثيوبي.

وقال السيسي: "عندما تحركنا إلى مجلس الأمن… كان (السبب) هو الحرص مننا على أن دايما نأخذ المسار الدبلوماسي والسياسي حتى نهايته"، وأضاف "إحنا محتاجين نتحرك بقوة من أجل إنهاء المفاوضات والوصول إلى اتفاق… وإلى حلول تحقق المصلحة للجميع".

السيسي مع آبي أحمد
السيسي مع آبي أحمد

حديث الرئيس المصري جاء بعد أن دعت بلاده مجلس الأمن الدولي الجمعة 19 يونيو/ حزيران إلى التدخل من أجل استئناف المحادثات وذلك بعد فشل المفاوضات مرة أخرى هذا الأسبوع، وقالت وزارة الخارجية في بيان "اتخذت جمهورية مصر العربية هذا القرار على ضوء تعثر المفاوضات التي جرت مؤخرا حول سد النهضة نتيجة للمواقف الإثيوبية غير الإيجابية".

ما حجة مصر أمام مجلس الأمن؟

التحرك المصري أمام مجلس الأمن يأتي في إطار أنَّ فشل المفاوضات حول السد يهدد "الأمن والسلم في المنطقة"؛ ومن ثم تقع القضية في نطاق المسؤولية القانونية للمجلس المنوط به حفظ الأمن والسلم الدوليين، والمقصود هنا أن إصرار إثيوبيا على البدء في ملء وتعبئة السد دون التوصل إلى اتفاق لن يترك للقاهرة خياراً آخر سوى المواجهة العسكرية؛ وهو ما سيؤدي إلى تهديد الأمن والسلم في المنطقة.

وتعتمد مصر بشكل شبه كامل على النيل في الحصول على ما يلزمها من المياه العذبة، وترى أن السد يمثل تهديداً وجودياً محتملاً؛ ومن ثم تحرص على التوصل إلى اتفاق ملزم قانوناً يضمن الحد الأدنى من تدفق مياه النيل، وآلية لحل النزاعات قبل أن يبدأ تشغيل السد.

ماذا عن الموقف الإثيوبي؟

إثيوبيا من جهتها، ترى أن مجلس الأمن غير مختص بالقضية من الأصل، على أساس أنها "قضية تنمية"؛ ومن ثم لا يوجد مسوغ قانوني يستدعي تصدي المجلس لمناقشة القضية من الأصل، فضلاً عن أن يُصدر قراراً بشأنها.

وتحت عنوان "اتفاق أو لا اتفاق"، كرر وزير خارجية إثيوبيا موقف بلاده من البدء في تشغيل السد الشهر المقبل، مؤكداً أن ذلك سيتم سواء توصل الطرفان إلى اتفاق أو لم يتوصلا، وكان لافتاً اللغة العنيفة والمتحدّية التي استخدمها وزير الخارجية غيدو أندارغاتشيو، في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس الأمريكية، الخميس الماضي.

وألقى الوزير الإثيوبي باللوم على الجانب المصري، زاعماً أن بلاده "تعمل بشكل جاد للتوصل إلى اتفاق، لكننا سوف نواصل مراحل التشغيل حسب الجدول الزمني الخاص بنا أياً كانت التداعيات"، مضيفاً: "لو انتظرنا مباركة الآخرين، فسيظل السد معطَّلاً لسنوات، وهذا ما لن نسمح به".

ما نقطة الخلاف الآن؟

وزير الري السوداني ياسر عباس، الذي توسطت بلاده من أجل العودة للمفاوضات بعد رفض إثيوبيا التوقيع على الاتفاق الذي تم في فبراير/شباط الماضي، برعاية أمريكا والبنك الدولي، لخَّص الموقف بالقول إن الجانب الإثيوبي يرفض التوقيع على أي اتفاق ملزم من الناحية القانونية.

السيسي والبشير ورئيس وزراء إثيوبيا السابق/رويترز

إثيوبيا إذاً تريد أن يكون هناك اتفاق تشاوري يسمح لها بالبدء في تشغيل سد النهضة وملء خزانه العملاق، وفي حالة انخفاض كمية المياه التي تصل للسودان ومصر -خصوصاً في سنوات الجفاف والجفاف الشديد- تتصرف إثيوبيا بما تراه مناسباً لها، انطلاقاً من مبدأ أساسي تصر عليه أديس أبابا وهو أن "المياه مياهنا"، بينما لا يكون لدى الجانب المصري والسوداني أي أحقية قانونية في الاعتراض.

والحقيقة التي اعترف بها مؤخراً الجانب المصري، هي أن إثيوبيا تستخدم المفاوضات التي بدأت قبل نحو عقد من الزمان، لغرض واحد هو فرض أمر واقع يتمثل في الانتهاء من بناء وتشغيل السد العملاق الذي تبلغ تكلفته أكثر من 4.6 مليار دولار، وتأمل من ورائه إثيوبيا أن تصبح أكبر مصدّر للطاقة الكهربائية في قارة إفريقيا.

والآن وقد وصلت الأمور بالفعل إلى ما أرادته إثيوبيا وأصبحت "لحظة الحقيقة" قاب قوسين أو أدنى، والمقصود هنا البدء في عملية تشغيل السد دون التوصل إلى اتفاق، وهو ما يمثل خطاً أحمر لمصر كما أعلن الرئيس ووزارة الخارجية، نعود للسؤال الخاص بما تنتظره مصر من مجلس الأمن.

ماذا يمكن أن يقدم مجلس الأمن؟

من الممكن أن يتم إدراج القضية بالفعل على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي، لكن ذلك لا يعني أنه يمكن أن يصدر قرار ملزم يمنع إثيوبيا من البدء في تشغيل السد وتعبئة خزانه بالمياه قبل التوصل إلى اتفاق بالفعل، لسببين: أولهما ضيق الوقت وطبيعة عمل المؤسسات الدولية بشكل عام ومجلس الأمن بشكل خاص، وهو ما قد يعني أن تبدأ إثيوبيا بالفعل في هذه الخطوة بينما تستمر المناقشات في أروقة المجلس؛ بحثاً عن صيغة يوافق عليها الجميع.

مجلس الأمن الدولي /رويترز

والسبب الثاني هو وجود الأعضاء الخمسة الدائمين (أمريكا وروسيا والصين وإنجلترا وفرنسا)، وكل منها تملك حق النقض، فهل تمتلك مصر ضمانات بأن الدول الخمس ستقف في صفها؟ لا أحد يمكنه الجزم بالنتيجة، لأن هناك مصالح متشابكة ومتضاربة بصورة تجعل من المستحيل الجزم بالإجابة.

لكن ربما يكون السؤال الأهم مرتبطاً بخطوة القاهرة التالية في حال لم يصدر قرار ملزم من مجلس الأمن يجبر إثيوبيا على تأخير عملية تشغيل السد حتى التوصل إلى اتفاق، لأنه من غير المتصور أن يصدر مثل هذا القرار وتواصل أديس أبابا عنادها وتعنُّتها وتقْدم على تشغيل السد متحدِّيةً مجلس الأمن.

لكن إذا لم يصدر قرار من مجلس الأمن، فستجد القاهرة نفسها في مواجهة الحقيقة التي ظهرت مؤشراتها منذ يوليو/تموز الماضي، بشكل واضح لا يقبل التأويل، وهي أن أديس أبابا لا نية لديها لاحترام الحقوق التاريخية لدولتي المصب مصر والسودان، وأنها تعتبر مياه نهر النيل ملكاً خالصاً لها وتتصرف على هذا النحو، في تحدٍّ للقوانين الدولية المنظِّمة لعمل الأنهار العابرة للحدود، فهل -في هذه الحالة- ستواصل القاهرة سياسة "الصبر" كما يسميها السيسي، أم أن المنطقة ستشهد السيناريو الذي لا يتمناه أحد وهو اندلاع أولى حروب المياه على الكوكب كما توقعت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها قبل عام؟

تحميل المزيد