ربما استيقظ الإسرائيليون على حقبة جديدة الجمعة 12 يونيو/حزيران، بعد نشر سفير الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة مقالاً يحذر فيه من أن ضم إسرائيل المعتزم لأجزاء من الضفة الغربية "سيقوض التطلعات الإسرائيلية لتحسين العلاقات الأمنية والاقتصادية والثقافية مع العالم العربي والإمارات". وجاءت هذه الرسالة بعنوان "ضم أو تطبيع". وتعد تحذيراً غير مسبوق من بلد لا تجمعه علاقات بإسرائيل ولكن العلاقات معه لها إمكانات فريدة على ما يبدو، كما تقول صحيفة Jerusalem Post الإسرائيلية.
وعددت الصحيفة لهذه المقالة العديد من "التبعات المهمة"، وفيما يلي أهم 5 منها:
تأتي من السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة
كاتب هذا المقال هو يوسف العتيبة، سفير الإمارات لدى الولايات المتحدة. ونشرته مديرة الاتصالات الاستراتيجية بوزارة الخارجية الإماراتية هند العتيبة، في تغريدة باللغة العبرية. وهذه النقطة مهمة لأن العتيبة حضر أيضاً إعلان ما يعرف بـ"صفقة القرن" في القاعة الشرقية بالبيت الأبيض في يناير/كانون الثاني.
كما أدلى ببيان في يناير/كانون الثاني أعرب فيه عن "تقديره لجهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للتوصل إلى اتفاق سلام، وأنه يجب على جميع الأطراف المعنية التوصل إلى اتفاق في طريق التقدم".
وبشكل عام، لم تكن التصريحات الواردة في المقال أو مقطع الفيديو حادة اللهجة. بل بدت وكأنها "تحذير من زميل أكثر منه خصم". وجاءت بنبرة معتدلة دون تهديدات. وهذه النقطة مهمة لأنها تترك مجالاً للمناورة في سياق الضم ومناقشات "التطبيع". ولم يبدُ أنها ترسم خطاً أحمر، بل بدت أشبه بهذا النوع من التأنيب اللين الذي اعتادت عليه دول الخليج. وهذا يعني أن "الضم قد لا يعطل العلاقات بالكامل".
نُشرت في صحيفة "يديعوت أحرنوت" تحديداً
جاءت هذه الرسالة عن طريق صحيفة يديعوت أحرنوت، أكبر صحيفة يومية ناطقة بالعبرية في إسرائيل، لتحقق أقصى تأثير ولاستمالة التيار الغالب. وكان التوجه إلى الجمهور الإسرائيلي الأكبر مباشرة خياراً فريداً. والأمر المهم أيضاً هو أنه رغم نشرها باللغة العبرية، لم تنشر في صحيفة Haaretz مثلاً، وهذا يعني أنها لم تكن موجهة لاستمالة اليسار، الذي ينتقد سياسات إسرائيل بشدة، ولم تُنشر في صحيفة Israel HaYom شديدة القرب من بنيامين نتنياهو. وقد يعني هذا أنها موجهة لبيني غانتس، شريك نتنياهو في الائتلاف الحالي. ويمكن النظر إليها أيضاً على أنها رسالة لنتنياهو لإعطائه مخرجاً من المضي في طريق الضم؛ لأن نتنياهو من أشد المناصرين للعلاقات الخارجية لإسرائيل. والمهم هو أنه يبدو أنها موجهة إلى أكبر جمهور عبري ممكن، مع العلم أنها ستُقرأ باللغة الإنجليزية أيضاً.
هبوط طائرتين إماراتيتين في إسرائيل
خلال الأسابيع الأخيرة، وصلت طائرتان إماراتيتان محملتان بمساعدات إنسانية إلى إسرائيل. ووصلت أولاهما في 20 مايو/أيار. ولم تأتِ بالتنسيق مع السلطة الفلسطينية وتجنبت المجال الجوي الأردني في رحلتها، مما أثار تساؤلات حول الجدل الذي ربما تسببت فيه ومحاولات أبوظبي لتجنب هذا الجدل. وفي 9 يونيو/حزيران، وصلت رحلة ثانية، تحمل الشعار المميز لشركة الاتحاد الإماراتية للطيران وعلم الإمارات. وكان هذا رمزاً مهماً وبدراسة ردود الفعل عليه. وفي ضوء هاتين الرحلتين، يبدو أن المقال ومقطع الفيديو الجديدين يشيران إلى أن هذا التقدم في خطر.
باقي دول الخليج
استضافت البحرين في يونيو/حزيران عام 2019، ورشة كان من المفترض أن تكون جزءاً من "صفقة القرن" التي اقترحها ترامب. وعرضت الحزمة الاقتصادية المتاحة للفلسطينيين باعتبارها جزءاً من الخطة. وانتقدت إيران ودول أخرى البحرين لاستضافتها هذا المؤتمر الذي يناقش الخطة. لكن البحرين كانت بشكل عام بالون الاختبار في بعض التصريحات عن إسرائيل طوال السنوات الماضية.
ومقال هذا الأسبوع من الإمارات هو نوع من التصعيد. وهذه نقطة مهمة لأن الرياض وأبوظبي والبحرين تتعاون بشكل وثيق فيما بينها. إذ تعاونت في حصار قطر، على سبيل المثال. وفضلاً عن ذلك، على عكس النظام الأميري في الكويت، بدا أنها تتقرب إلى إسرائيل في العقود الأخيرة. إلا أن الكويت أكثر انتقاداً بكثير. وهذه الدول أيضاً، على عكس الأردن، لم تستخدم "لغة قاسية" في حديثها عن ضم إسرائيل المحتمل.
الآثار الإقليمية
يوجد بالفعل ما يكفي من الأزمات في الشرق الأوسط، لذلك يمكن للضم إما أن يزيدها سوءاً أو يمكن اعتباره مشكلة أخرى. فلبنان وسوريا، على سبيل المثال، في خضم كارثة اقتصادية. وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) يعيد تنظيم صفوفه مجدداً في العراق، فيما تفكر الولايات المتحدة في سحب بعض قواتها من هناك. وتذكي إيران التوترات في اليمن والعراق ولبنان وسوريا بتهريب الأسلحة. وتركيا ترسل طائرات بدون طيار وقوات إلى ليبيا لدعم الحكومة المعترف بها دولياً أمام حفتر.
ومن الجائز أن المعارضة للضم التي قد تأتي من تركيا، على سبيل المثال، تشتتها الصراعات في سوريا وليبيا، ولكن من المحتمل أنها ستصعد المعارضة، إذ تعتبر تركيا صديقة لحركة حماس، وهي أحد أكبر أعداء السياسات الإسرائيلية. وحين نقل ترامب السفارة إلى القدس، كانت تركيا هي المعارض الرئيسي لهذه الخطوة في المنطقة، كما تقول الصحيفة الإسرائيلية.
في هذا السياق، يمكن أن يكون للتحذير والرسائل الإماراتية عن المصالح أو التهديدات المشتركة تبعات كبيرة تتعلق بالتحالفات الإقليمية في الشرق الأوسط اليوم. فتركيا وقطر تعارضان نظام التحالف بين الإمارات والسعودية ومصر والبحرين. وإيران وشبكاتها في لبنان وسوريا واليمن تعارض النظام الذي تقوده السعودية كذلك. ومن المحتمل أن يعني هذا أن إيران وتركيا يمكنهما تنسيق المعارضة للضم الإسرائيلي. ومن الجائز أن رسالة الإمارات تشير رمزاً إلى أن إسرائيل ودول الخليج بحاجة إلى بعضهم البعض وأنه من الضروري تطوير العلاقات وليس إعاقتها. وقد تكون الرسالة هي أنه لا يمكن لإسرائيل أن تحظى بعلاقات وثيقة وتتجاهل القضية الفلسطينية تماماً عن طريق إعادة رسم خطوط الوضع الراهن. فهل تخاطر إسرائيل بموقفها القوي حالياً في الشرق الأوسط بالمضي قدماً في خطتها. هذا هو السؤال المفصلي الذي يطرح نفسه في المنطقة، تقول الصحيفة الإسرائيلية.