الوباء والاقتصاد.. كيف حافظت تونس ومصر على الدينار والجنيه، وماذا عن السودان؟

عربي بوست
تم النشر: 2020/05/27 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/27 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
الحياة بدأت تعود تدريجياً إلى طبيعتها في تونس بعد قرار تخفيف القيود المفروضة بسبب كورونا.

لا يمثل فيروس كورونا خطراً داهماً على أرواح الناس وصحتهم فقط، بل يهدد أرزاقهم أيضاً، حيث اضطرت الدول لوقف النشاط الاقتصادي، والآن مع بدء العودة التدريجية للأنشطة الاقتصادية، تبرز التساؤلات حول التأثير الاقتصادي للوباء في الدول العربية، وكيف يمكن التخفيف من وطأته إن أمكن؟

كيف يمكن أن يتعافى اقتصاد تونس؟

ونبدأ من تونس التي يعتمد اقتصادها بالأساس على الدخل من السياحة والصادرات، وهما من أكثر المجالات التي تأثرت بتداعيات الإغلاق الاقتصادي للوقاية من الوباء، وكان المعهد الوطني للإحصاء قد قال إن الناتج المحلي الإجمالي لتونس انكمش 1.7% على أساس سنوي في الربع الأول من 2020، إذ تضرر قطاع السياحة الحيوي بشدة من أزمة فيروس كورونا.

يأتي ذلك مقارنة مع نمو بنسبة 1.1% في نفس الربع من العام الماضي، وتتوقع السلطات التونسية أن ينكمش اقتصاد البلاد 4.3% هذا العام، وهو أكبر انكماش في أكثر من 60 عاماً، بعد أن انخفضت إيرادات السياحة في الأشهر الثلاثة الأولى من 2020 بنسبة 27% مقارنة مع نفس الفترة من 2019 إلى مليار دينار، إذ خلت الفنادق والمنتجعات التونسية من السائحين الأجانب.

وقال وزير المالية نزار يعيش، الشهر الماضي، في خطاب إلى صندوق النقد الدولي، إن قطاع السياحة قد يخسر 1.4 مليار دولار و400 ألف وظيفة هذا العام بسبب جائحة فيروس كورونا، حيث يساهم القطاع بأكثر من 10% من دخل البلاد سنوياً.

أخبار جيدة للدينار التونسي

الخبر الجيد حتى الآن هو صمود سعر صرف الدينار أمام النقد الأجنبي خلال شهور جائحة كورونا، في وقت عانت فيه البلاد في العامين الماضيين تذبذب وفرته، ما أثر سلباً على أسعار الصرف، ويرجع هذا الصمود لسببين، بحسب تقرير لوكالة الأناضول التركية اليوم الأربعاء 27 مايو/أيار.

رئيس مجلس النواب التونسي راشد الغنوشي والرئيس التونسي قيس سعيد، أرشيفية/ الأناضول

وحصل الدينار على شبه استقرار خلال الشهور القليلة الماضية، لتوفر سببين يلخصهما محسن حسن، وهو خبير اقتصادي محلي، يتمثل السبب الأول في توفر رصيد مهم من العملة الصعبة والمتأتي أساساً من القطاع السياحي، ودخول بعض الموارد من قروض وهبات.

أما السبب الثاني، فهو الاضطراب الذي تشهده سوق الصرف العالمية، وتراجع العملات الأجنبية خاصة الدولار الأمريكي، ويقول الخبير: "ما بعد الأزمة، هناك تخوُّف من تراجع سعر صرف الدينار، لأن أزمة الاقتصاد التونسي أصبحت هيكلية وهي ليست مرتبطة فقط بكورونا، خاصة إذا لم يتم التسريع في نسق الإصلاحات الاقتصادية"، ويضيف: "القطاعات التصديرية لم ترجع عجلتها للدوران بالشكل المطلوب، بما في ذلك السياحة، والاستثمارات الأجنبية المباشرة التي لا أتوقع أن تعود خلال 2020″، مشيراً إلى أنه "ربما يكون هناك عامل آخر وراء استقرار سعر الصرف، وهو تراجع العجز في الميزان التجاري نتيجة تراجع قيمة الواردات بشكل أكبر من التراجع في الصادرات خلال نفس الفترة".

ويعتبر محمد الصادق جبنون، الاستشاري في الاستثمار أن "البنك المركزي التونسي تمكن من تثبيت سعر الصرف، ومع احتياطي العملة لن يكون هناك انحدار كبير لمستوى سعر قيمة الدينار"، ويؤكد جبنون، في تصريح للأناضول، أن "الوضع سيبقى مستقراً في هذه المستويات"، وحسب إحصائيات البنك المركزي التونسي، بلغ الاحتياطي من العملة الصعبة 21.7 مليار دينار (7.5 مليار دولار) تعادل 134 يومَ توريدٍ حتى تاريخ 22 مايو/أيار الجاري.

ويرى "جبنون" أن مستوى تراجع الصادرات التونسية، رغم تجاوزه 10% فإنه "يبقى نسبياً ولم يكن كارثياً مثلما كان متوقعاً"، ويوضح أن "هناك إمكانية لإعادة الانتشار بالنسبة إلى الصادرات وأيضاً بالنسبة إلى نوعيتها.. علينا فتح الباب أمام الصادرات الفلاحية لدول الجوار مثل الجزائر والمغرب، وللقارة الإفريقية"، ويتابع: "المطلوب اليوم تمويل المؤسسات المصدرة، وبالتالي خفض نسبة الفائدة لدى البنك المركزي، ودعم هياكل التصدير للخارج، وخاصة مراكز النهوض بالصادرات"، ويؤكد: "لا بد من تيسير شروط التصدير ورفع كل الضرائب عن الصادرات المباشرة أو غير المباشرة إلى غاية منتصف 2021 ليعود الإنتاج بأقصى قوة".

وحسب إحصائيات رسمية، فإن الصادرات التونسية شهدت تراجعاً حاداً في أبريل/نيسان الماضي بنسبة 48.9% على أساس سنوي، كما تراجعت الصادرات التونسية في الأربعة أشهر الأولى من العام الجاري بـ20.6% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2019، وشهدت الواردات التونسية أيضاً انخفاضاً غير مسبوق بنسبة 46.8% في أبريل/نيسان الماضي، وبنسبة 21.5% في الأربعة أشهر الأولى من 2020 على أساس سنوي.

ويلفت محمد الصادق جبنون إلى أن السياحة مرتبطة بتطورات أوضاع الفيروس، وأنها ستتغير جذرياً عما كانت عليه من قبل، فيما يشدد على أن السياحة بالكثافة قد انتهت، وستكون مستقبلاً سياحة نخبوية مرتبطة بتوفير وسائل الوقاية من فيروس كورونا.

"يجب على السياحة التونسية أن تواكب المعايير الدولية الجديدة، ولهذا يجب أن توفر الدولة نحو 2 مليار دينار (700 مليون دولار) لإعادة هيكلة القطاع، وتقليل الوحدات الفندقية مقابل رفع مستوى الخدمات المقدمة"، بحسب جبنون، فيما يعتبر محسن حسن أنه "لا يمكن التعويل على عودة القطاع، إلا بالنسبة إلى السياحة الداخلية أو المغاربية إذا تحسن الوضع الصحي، في حين أن الأسواق التقليدية لن تعود قبل 2021".

السودان.. الأولوية لمكافحة الوباء

دولة عربية أخرى تواجه أيضاً تداعيات وباء كورونا على الاقتصاد، هي السودان، لكننا هنا بصدد حالة مختلفة عن الحالة التونسية لعدد من الأسباب، أهمها أن الاقتصاد السوداني كان يعاني بشدة قبل أن يتفشى خطر الوباء، فالثورة السودانية ضد نظام الرئيس المعزول البشير اندلعت بالأساس بسبب التضخم والارتفاع الجنوني لأسعار السلع الأساسية مثل الخبز.

لذلك لم يكن غريباً أن تتخذ الحكومة السودانية قراراً بتأجيل مؤتمر اقتصادي كان الهدف منه صياغة إصلاحات تتعلق بالدعم يطلبها المانحون الأجانب، إلى ما بعد انتهاء وباء كورونا، حسبما ذكرت وكالة الأنباء السودانية قبل أيام.

رئيس وزراء السودان عبد الله حمدوك – رويترز

كان من المقرر عقد المؤتمر في الثاني من يونيو/حزيران، على أن تعقد الاجتماعات التحضيرية في مايو/أيار الجاري، لكن الوكالة نقلت عن اللجنة التحضيرية للمؤتمر قولها إنه سيتم تحديد موعد جديد بعد انتهاء الوباء في البلاد.

معدلات تضخُّم قياسية

الاقتصاد السوداني المتعثر لم ينتعش بعد الإطاحة بعمر البشير منذ عام، وتحاول الحكومة الانتقالية التغلب على نقص الوقود والطحين المستوردين اللذين يستنزفان الكثير من أموال الدعم. ويزيد معدل التضخم عن 80% بحسب الإحصاءات الرسمية، بينما يضغط المانحون الأجانب المحتملون من أجل إجراء إصلاحات في مظلة الدعم وزيادة الشفافية في القطاع الاقتصادي.

لكن حكومة اقتسام السلطة بين المدنيين والجيش منقسمة حول طريقة معالجة القضية، وكانت قد أجلت أي إجراء إلى ما بعد المؤتمر الاقتصادي الذي كان مقرراً أصلاً فى مارس/آذار، كما يضغط السودان لرفعه من قائمة الدول التي تعتبرها الولايات المتحدة راعية للإرهاب، وهو توصيف يعرقل الجهود الرامية إلى التفاوض على اتفاق حول الديون الخارجية، ويعطل تدفق التمويل الدولي، ويمنع الاتصال بالأنظمة المصرفية الدولية.

وحذرت مفوضة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ميشيل باشليه، يوم الثلاثاء، من أن السودان، الذي ظل يعاني من الصراع الداخلي والعزلة الدولية لعقود، قد يتعرض "لمعاناة لا توصف" و"كارثة إنسانية" ما لم يتحرك المانحون بسرعة، في الوقت الذي يلوح فيه تهديد كوفيد-19 في الأفق، وقالت في بيان: "إننا نخاطر بانتكاسة دولة لديها مقومات العودة إلى الاضطراب السياسي والصراع المحتمل"، مشيرة إلى أن السودان غير مؤهل للوصول إلى صندوق ائتماني بقيمة 50 مليار دولار أنشأه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمساعدة الدول في مكافحة كورونا.

مصر تحمي الجنيه، والسؤال إلى متى؟

ومن السودان إلى مصر التي كان يشهد اقتصادها نمواً بنسب قياسية، بحسب تقارير الحكومة وصندوق النقد الدولي، قبل أن تأتي جائحة كورونا وتتسبب في تباطؤ وتيرة النمو بصورة لافتة، ورغم ذلك وحتى نهاية أبريل/نيسان الماضي حقق الجنيه المصري ارتفاعاً نادراً بين عملات الأسواق الناشئة المتضررة من تداعيات فيروس كورونا، وهو ما أثار التكهنات بشأن مدى واقعية الإجراءات الوقائية التي يتخذها البنك المركزي لدعم العملة المحلية التي من المفترض أنه تم تعويمها قبل سنوات وأصبحت خاضعة لقواعد السوق.

وبحسب تقرير لرويترز، قال اقتصاديون ومصرفيون إن احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، التي هي بالفعل عند أدنى مستوياتها في أكثر من عامين، ستتعرض لمزيد من الضغط بسبب هبوط متوقع في التحويلات من المصريين العاملين في دول الخليج الغنية بالنفط، وسداد ديون، وانهيار في إيرادات السياحة، وتراجع في أسعار الغاز العالمية.

وقال محللون إن البنك المركزي المصري -شأنه شأن السلطات النقدية في الاقتصادات الناشئة الأخرى- أبقى على ثبات الجنيه في الأسابيع الأخيرة باستخدام بعض احتياطياته من النقد الأجنبي، إذ تدفع جائحة فيروس كورونا المستثمرين للتخلص من الأصول العالية المخاطر.

ويقول اقتصاديون إن اتفاق تمويل محتملاً مع صندوق النقد الدولي قد يزيد الضغط على الجنيه في الأجل المتوسط، والنظرة العامة لصندوق النقد الدولي هي أنه من الأفضل تحديد قيمة العملات من خلال الأسواق، على الرغم من أن كريستالينا جورجيفا، المديرة الجديدة للصندوق، تقول في الآونة الأخيرة إن أسعار الصرف المرنة ربما لا تكون دائماً ممتص الصدمات الأكثر ملاءمة للاقتصادات النامية التي تتعرض لضغط.

ما مدى انعكاس مؤشرات النمو الاقتصادي على المواطنين في مصر؟ / رويترز

وقال فاروق سوسة، الاقتصادي المعني بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا لدى غولدمان ساكس: "تنامت مخاطر بعض التعديل في الأجل القريب"، مضيفاً أنه يتوقع أن تركز مصر على الإبقاء على ثبات الجنيه في الوقت الحالي.

وأضاف قائلاً: "نسمع مخاوف من أن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد ربما يتطلب مرونة أكثر للجنيه في الأجل المتوسط أيضاً، لكن الأدلة تشير إلى أن استقرار الجنيه وبرنامج من صندوق النقد الدولي لا يتعارضان مع بعضهما البعض".

تعديل توقعات العجز بسبب كورونا

اليوم ومع قرب انتهاء عطلة عيد الفطر وبداية المرحلة الأولى من إعادة فتح النشاط الاقتصادي في مصر، بدأت الصورة تتضح أكثر بشأن تأثير كورونا على التوقعات الاقتصادية الكلية، حيث كان وزير المالية محمد معيط قد رفع توقعات الحكومة للعجز الكلي في الميزانية في السنة المالية الحالية 2019-2020 إلى ما يتراوح بين 7.8 و7.9%، مضيفاً خلال اجتماع لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، أنه كان من المتوقع أن يحقق مشروع ميزانية السنة المالية المقبلة فائضاً أولياً بنسبة 2%.

كما شهد سعر الدولار مقابل الجنيه ارتفاعاً طفيفاً خلال مايو/أيار الجاري، ويتم تداوله اليوم الأربعاء 27 مايو/أيار عند متوسط 15.81 جنيه مقابل الدولار بعد أن كان سعره شبه ثابت عند مستوى أقل بنحو 7 قروش خلال أبريل/نيسان الماضي، في وقت تشير فيه تقديرات محللين ببنك أوف أمريكا إلى أن الجنيه المصري يزيد عن قيمته الفعلية مقابل الدولار بنحو 15%، وتتحرك العملة داخل نطاق ضيق جداً منذ منتصف مارس/آذار.

ومع انخفاض احتياطات مصر من النقد الأجنبي إلى 37 مليار دولار في نهاية أبريل/نيسان الماضي وفقاً لبيانات رسمية، بعد أن كان أكثر من 45.5 مليار بنهاية فبراير/شباط، تزيد المخاوف من استمرار معدل الانخفاض الذي يقول اقتصاديون إن البلاد لا تتحمل أن يستمر.

والحقيقة أن الأوضاع في باقي الدول العربية لا تقل صعوبة من الناحية الاقتصادية، حيث تواجه دول الخليج أزمات مضاعفة بسبب اعتماد اقتصادها بشكل أساسي على صادرات النفط، وأجبرت هذه الصدمة الاقتصادية حُكّام الخليج على التحرّك سريعاً من أجل الاستجابة للأزمة، لكن يعتمد الأمر الآن على مدى نجاح خطط العودة للحياة في ظل الوباء.

وهناك ما يشبه الإجماع بين الهيئات الاقتصادية الإقليمية والدولية على أن دول مجلس التعاون الخليجي الست ستشهد ركوداً كبيراً هذا العام، وقد توقعت مجموعة ميتسوبيشي "يو إف جي" المالية اليابانية أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لدول الخليج الست بصفة عامة إلى ناقص 3.7% مقارنة مع توقع سابق بنمو 2.9%.

تحميل المزيد