الخطاب الذي أرسله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المدير العام لمنظمة الصحة العالمية بشأن وباء كورونا حمل تهديداً بإلغاء التمويل الأمريكي للمنظمة والانسحاب منها، وتوجيه لائحة طويلة من الاتهامات، عنوانها الفشل في تأدية مهام المنظمة والتستر على دور الصين في إخفاء الحقيقة، فهل قدم ترامب أدلة على لائحة اتهاماته الطويلة؟
لماذا نشر ترامب نص الخطاب؟
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الصيني شي جين بينغ يخاطب المؤتمر السنوي للجمعية العمومية لمنظمة الصحة العالمية، قام ترامب بنشر صورة من الخطاب الذي يحمل توقيعه إلى مدير عام المنظمة تيدروس أدهانوم غيبرسيوس، وهو خطاب من ثلاث صفحات نشره ترامب كاملاً، وفيه لائحة طويلة من الاتهامات، ومهلة مدتها شهر، وتهديد صريح.
وقبل تفصيل ما جاء في الخطاب، نتوقف عند نقطة التوقيت التي، كما يقول المحلل السياسي الأمريكي أندرو كيريبكو، في تقرير له على موقع CGTN، لا يمكن أن يكون مصادفة أن يتم نشره عبر تويتر في نفس اليوم الذي خاطب فيه الرئيس الصيني اجتماع جمعية منظمة الصحة العالمية من خلال الفيديو وإعلانه تخصيص بلاده مليارَي دولار كمساعدة للدول النامية لمكافحة تفشي وباء كورونا.
كما أنه ليس مرجحاً أن يكون ترامب قد نشر صورة من خطابه مباشرة بعد نهاية خطاب شي كرد فعل غير مباشر، لذلك على الأرجح ما قام به ترامب هو خطوة مخطط لها في إطار أجندته الانتخابية وشعارها "أمريكا أولاً"، بحسب كيريبكو، حيث إن الاتهامات التي وجَّهها الرئيس الأمريكي للمنظمة ليست كشفاً عن معلومات سرية، فقد كررها أكثر من مرة.
ما هي لائحة الاتهامات الموجهة للمنظمة ولتيدروس شخصياً؟
خطاب ترامب الموجه إلى تيدروس حمل لائحة اتهامات، ملخصها أن المنظمة تسترت على الصين التي تسترت بدورها على حقيقة الفيروس حتى خرج عن السيطرة، قائلاً إن المنظمة "تجاهلت بشكل منتظم التقارير ذات المصداقية بشأن انتشار الفيروس في ووهان في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول، أو حتى قبل ذلك".
وشملت تفاصيل اتهامات ترامب النقاط التالية: "المنظمة أخَّرت إعلان الطوارئ تحت ضغط من الرئيس الصيني، شي جين بينغ. المنظمة أشادت مراراً وتكراراً -ولا تزال- بشفافية الصين، بالرغم من ورود تقارير عن فرض رقابة وفقدان التعاون الدولي، ولم تفلح في التعليق على التمييز العنصري المرتبط بالفيروس، والذي قِيلَ إنه حدث داخل الصين.
"إن غيبرسيوس كان باستطاعته إنقاذ حياة الكثيرين إذا تصرف بالطريقة التي تصرف بها رئيس المنظمة السابق، هارلم برونتلاند، عند انتشار مرض سارس"، وفي ختام الرسالة قال ترامب إن "الأخطاء المتكررة لتيدروس وللمنظمة كانت مكلفة جداً للعالم".
ترامب أيضاً ذكر نقاطاً منها تأخير الصين استقبال فريق خبراء منظمة الصحة العالمية مطلع فبراير/شباط ولم تسمح لهم بزيارة ووهان إلا في اليوم الأخير من الزيارة، كما منعت اثنين من أعضاء الفريق – يحملان الجنسية الأمريكية – من دخول ووهان من الأساس.
مهلة وتهديد
وبعد لائحة الاتهامات الطويلة والمفصلة من جانب ترامب في خطابه، وجَّه مهلة مدتها 30 يوماً لتيدروس كي يُظهر التزاماً بإدخال "تحسينات ملموسة" – دون توضيح ما يقصده بتلك التحسينات، مضيفاً أن "الطريق الوحيد للتقدم للمنظمة هو أن تتمكن من إظهار استقلاليتها عن الصين".
وفي حالة الفشل في "إدخال تلك التحسينات على عمل المنظمة، سوف تضطر الولايات المتحدة إلى تجميد تمويلها للمنظمة بصفة دائمة وتبحث مسألة بقاء عضويتنا فيها"، وهذا هو التهديد الذي يلي المهلة، علماً بأن ترامب قرر بالفعل في أبريل/نيسان الماضي تعليق تمويل واشنطن التي تعتبر أكبر مساهم بحوالي 15% من إجمالي تمويل منظمة الصحة العالمية، بحسب تقارير العام الماضي 2019.
الصين تردّ عن تيدروس
وجاء رد بكين غاضباً وعنيفاً، حيث اتهمت وزارة الخارجية الصينية ترامب بأنه يحاول صرف النظر عن "عدم كفاءة" إدارته في التعامل مع وباء كورونا بإلقاء الاتهامات جزافاً، بعد وصفه لمنظمة الصحة العالمية بأنها "دُمية للصين".
وكان ترامب، في خطابه، قد وجَّه اتهاماً مباشراً لتيدروس بأنه "خضع لضغوط الرئيس الصيني شخصياً بالالتزام ببيانات الصين بشأن فيروس كورونا"، مضيفاً أن هذا ما حدث بالفعل.
هل قدم ترامب أدلة على اتهاماته؟
خطاب ترامب إلى المنظمة، الذي نشر نصه عبر تويتر، أثار الكثير من ردود الأفعال، واستطلع موقع ساينس ميديا سنتر آراء عدد من الخبراء القانونيين والسياسيين في لائحة الاتهامات التي سردها ترامب بحق المنظمة، وهناك ما يشبه الإجماع على أن الدافع الرئيسي وراء خطاب الرئيس الأمريكي سياسي ومرتبط أكثر بحملته الانتخابية للفوز بفترة رئاسية ثانية.
صحيح أن الانتقادات الموجهة لمنظمة الصحة العالمية ومديرها غيبرسيوس بشأن تعاملها الفوضوي والمتأخر مع وباء كورونا ليست حصرية من جانب الإدارة الأمريكية، فالمنظمة بالفعل ارتكبت أخطاء يراها البعض سبباً مباشراً في عدم احتواء الوباء في بداية ظهوره، لكن ترامب لم يقدم أدلة تثبت التورط المتعمد للمنظمة أو مديرها، وهذه قصة أخرى.
وترى البروفيسورة شريفة سيكالالا، أستاذة القانون الدولي في جامعة وورويك، أن ترامب وجَّه اتهامات للمنظمة بأنها "أشادت مراراً وتكراراً بأداء الصين في مواجهة الوباء، رغم أن هناك ممثلين للإدارة الأمريكية يعملون داخل منظمة الصحة العالمية في مناصب تنفيذية في مجلس إدارتها، كما أن ترامب نفسه امتدح الصين في أكثر من 10 مناسبات في الفترة من 22 يناير/كانون الثاني وحتى 29 فبراير/شباط".
ترامب في خطابه ادعى أن "تايوان وجهت خطاباً لمنظمة الصحة العالمية في 31 ديسمبر/كانون الأول الماضي حذرت فيه من أن عدوى فيروس كورونا تنتقل بين البشر"، لكن سيكالالا قالت إن هذا غير صحيح، مضيفة أن "تايوان أرسلت بالفعل خطاباً إلى منظمة الصحة العالمية في التاريخ الذي ذكره ترامب، لكن خطاب تايوان أشار إلى تقارير حول وجود حالات من الالتهاب الرئوي غير معلومة الأسباب في مدينة ووهان الصينية، وأن المرضى تم عزلهم، طالبة المزيد من التفاصيل".
وفي هذه النقطة تحديداً، لا تمتلك منظمة الصحة العالمية سلطة إجبار الحكومات على الكشف عن معلوماتها الطبية أو فتح أبواب مستشفياتها ومعاملها البيولوجية أمام مسؤولي المنظمة الدولية.
كما استفاض ترامب في شرح ما حدث في قراره بشأن حظر السفر من الصين إلى الولايات المتحدة وكيف أن تيدروس نصحه بألا يتخذه، زاعماً أنه أي ترامب قرر رغم ذلك تنفيذ حظر السفر، وهذه النقطة أيضاً تخرج عن نطاق صلاحيات منظمة الصحة الدولية من الأساس، كما أن قرار حظر السفر الذي اتخذه ترامب لم يساعد في منع انتشار تفشي الوباء على الأراضي الأمريكية، حيث بلغ عدد الإصابات اليوم أكثر من مليون ونصف المليون من إجمالي 5 ملايين إصابة بالوباء حول العالم، والوفيات أكثر من 39 ألف أمريكي من إجمالي أكثر من 325 ألف وفاة حول العالم.
ويعتقد ستيفين جريفين، الأستاذ المساعد في كلية الطب جامعة ليدز، أن قرار ترامب سحب تمويل منظمة الصحة العالمية غير مفيد وليس له ما يبرره، ويأتي في توقيت يحتم توحيد الجهود لمكافحة الوباء القاتل وليس تشتيتها، حيث إن المنظمة الدولية هي الوسيلة الوحيدة الموجودة بالفعل في موقف يسمح لها بتنسيق جهود مكافحة الوباء عالمياً.
وبما أن الولايات المتحدة هي المساهم الأكبر في تمويل المنظمة، فإن سحب التمويل أو الانسحاب من عضوية المنظمة من المؤكد أن يعرقل جهود المنظمة في حرب الوباء، كما أنه سيضر الولايات المتحدة أيضاً، حيث إنها لا تستطيع خوض تلك الحرب بمفردها والتفشي الحالي على الأراضي الأمريكية خير دليل، بحسب جريفين.