صحيح أن الوباء أصاب جميع دول العالم كبيرها وصغيرها، لكن بعض الحكومات وشعوبها تمكنت حتى الآن من كبح جماح التفشي القاتل وتقليل ضرره إلى الحد الأدنى، فهل تتعلم الدول الكبرى من بعض الدول الأصغر كيفية التعامل مع فيروس كورونا استعداداً للموجة الثانية التي يحذر منها الجميع؟
صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "في التعامل مع فيروس كورونا.. على القوى العظمى أن تتعلم من الدول الصغيرة"، ألقى الضوء على تجارب ناجحة جداً في التصدي للوباء، كان لافتاً أنه ليس من بينها دولة واحدة كبيرة، والأهم أن من بينها دولة عربية ربما لا تخطر على بال الكثيرين.
قلبت جائحة كورونا الآية على الساحة الدولية، إذ تعاني ثلاث من القوى العظمى، وهي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا، من التفشي الأوسع نطاقاً والأكثر فتكاً للفيروس، وقد عانت دول كبرى أخرى على الساحة في ضبط إجراءاتها الأولية، فمثلاً تحاول الصين الآن الدفاع عن نفسها ضد اتهامات خصومها بافتقار نظامها للشفافية.
لكن بعض الدول الأصغر حجماً استحقت الثناء، وأشاد العالم بنجاحاتها المبكرة، بغض النظر عن أنها لم تنجُ بالكامل من الخطر بعد، بل إن يانتشونغ هوانغ، الزميل الرفيق بمجلس العلاقات الخارجية بالولايات المتحدة، يقول إن البلدان الأكبر والأقوى ينبغي عليها دراسة الإجراءات الناجحة في البلدان الأصغر.
جورجيا
مع تفشي كورونا على نطاق واسع في روسيا المجاورة، تمكنت جورجيا من الحفاظ على هدوئها، إذ لا يتجاوز عدد الحالات فيها 700 حالة و12 وفاة، لتستحق مديح منظمة الصحة العالمية.
فالإجراءات الفورية التي اتخذتها الحكومة، من فحص الحرارة في المطارات في أواخر يناير/كانون الثاني وإيقاف الرحلات الجوية مبكراً، حدت من انتشار الفيروس، ومن المقرر أن يُعاد فتح البلاد أمام حركة السياحة.
وقد اتخذت جورجيا حذرها مبكراً بسبب مساحتها الجغرافية الصغيرة، ولأن المواطنين على استعدادٍ للتضحية وتقبل الإجراءات بسبب الظروف الصعبة والتحديات التي واجهتها البلاد منذ انهيار الاتحاد السوفييتي.
فيتنام
فيتنام حالة شاذة، حتى في قصص النجاح الآسيوية في مواجهة الفيروس، فهي ليست دولة ديمقراطية غنية مثل كوريا الجنوبية، ولا دولة صغيرة متطورة مثل سنغافورة، ولا داعي للحديث عن الصين، لكن فيتنام لم تسجل سوى 318 حالة إصابة، من بينها 50 حالة نشطة، ولم تسجل أي تفشٍّ مجتمعي منذ شهر، ولم تسجل الدولة حالة وفاة واحدة بكورونا.
ويُرجع الخبراء السبب إلى زيادة فيتنام عدد الاختبارات وتتبع الحالات المخالطة بسرعة وكفاءة، كما طبقت فيتنام استراتيجية للتواصل مع قطاعات عريضة من الشعب، مما عزز الدعم الشعبي للسياسات، مع أنها تعد دولة سلطوية تحد من حرية التعبير.
وتسعى فيتنام إلى تعويض بعض الضرر الاقتصادي الناجم عن الوباء، وهو ما يمكن تحقيقه بعد تعزيزها موقعها على الساحة الدولية وسمعتها، وفقاً لمحللٍ بمعهد السياسات الاستراتيجية بأستراليا.
غانا
يخشى الخبراء أن يضرب الوباء مناطق إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بأشرس ما يمكن، لكن بعد ثلاثة أشهر من بدء تفشي الوفاء، يبدو أن بعض البلدان الإفريقية أداؤها أفضل من أقرانها في أمريكا الشمالية وأوروبا. في غانا، التي يبلغ عدد سكانها 30 مليون نسمة في غرب إفريقيا، أجرت الحكومة اختبار فيروس كورونا على أكثر من 161 ألف شخص، ولا يفوقها في معدل الاختبارات سوى جنوب إفريقيا.
ورغم العثور على 5600 حالة ووفاة 28 مصاباً بالفيروس، فإن إجراء الاختبارات على نطاقٍ واسع مكن غانا من تتبع مصادر تفشي الوباء بفعالية، من بينها عامل بأحد مصانع منتجات الأسماك نقل المرض لـ 533 شخصاً، وتدرس منظمة الصحة العالمية حالياً بعضاً من أساليب غانا في الاختبارات، ومن بينها "الاختبارات المجمعة"، حيث تجري الاختبار مرة واحدة على عينة مخلوطة من عينات مجمعة من أكثر من مشتبه في إصابتهم، ولا يتم فحص كل عينة على حدة إلا إذا كانت نتيجة اختبار العينة المخلوطة إيجابية.
وقد اتخذت بلدان إفريقية تحركات سريعة، فقد حشدت جنوب إفريقيا آلاف الممرضات لمواجهة الفيروس، في حين سارعت السنغال إلى العمل على مسحات سريعة تكلفتها دولار واحد يمكنها كشف الإصابة بفيروس كورونا في غضون عشر دقائق. كما فرضت الكثير من الدول الإفريقية حظر السفر والتجول في وقتٍ مبكر، برعاية المركز الإفريقي للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.
كوستاريكا
كانت كوستاريكا أول دولة في أمريكا اللاتينية تعلن إصابة مؤكدة بالفيروس، في السادس من مارس/آذار. وبعد شهرين أو يزيد، بدأ البلد الذي يبلغ سكانه 5 ملايين نسمة في الخروج من إغلاق صارم بعد تسجيل أقل من 850 إصابة مؤكدة وعشر وفيات.
وذكرت جوليانا مارتينيز فرانزوني، الأستاذ المساعد بجامعة كوستاريكا، عاملين رئيسيين أسهما في نجاح كوستاريكا: "نظام الرعاية الصحية القوي والموحد"، وتحركات الحكومة المركزية الفعالة لتوفير الخدمات والدعم. لهذه الأسباب، "كانت استجابة كورونا أسرع من أغلب دول أمريكا اللاتينية وأكثر انضباطاً، فالناس يثقون في الحكومة والدولة أنها ستساعدهم في الأزمة، لذا كانت درجة الالتزام أعلى.
بخلاف أغلب دول أمريكا الجنوبية، تمتلك كوستاريكا نظام رعاية صحية شاملاً، وما زالت خدمات المياه والكهرباء مملوكة للحكومة. وبالرغم من انعدام المساواة الاقتصادية وانتشار الفقر، ساعدت تلك المؤسسات الدولة في مواكبة الفيروس والحد من انتشاره.
لبنان
حين وصلت الجائحة، كان لبنان بالفعل في خضم أزمة اقتصادية حادة واحتجاجات سياسية، نتيجة لعقود من الفساد والإدارة الفاشلة، ومثَّل وجود أكثر من مليون لاجئ سوري وفلسطيني في بلد تعداد سكانه أقل من 7 ملايين نسمة تحدياتٍ كبرى.
لكن المسؤولين في لبنان توقعوا قدوم الفيروس وتحركوا سريعاً، وبدأت الدولة في الإغلاق بعد أسبوع واحد من أول حالة مؤكدة في فبراير/شباط. ومكَّنت التحركات المبكرة والاستعداد الشعبي للإجراءات لبنان من السيطرة على تفشي الفيروس، ليقتصر عدد الحالات على أكثر من 900 حالة و26 حالة وفاة.
وقد اختبر الفيروس صمود لبنان، خاصةً وقد زاد إيقاف الأنشطة في البلاد من سوء الأوضاع الاقتصادية. وكانت الحكومة قد بدأت في منتصف مايو/أيار في تخفيف القيود مع تراجع الحالات، غير أنها عادت لفرض حظرٍ مدته أربعة أيام بعد زيادة كبيرة في الحالات في غضون أيام، وقال المسؤولون إن الإغلاق يأتي لتتبع المخالطين واحتواء موجة الانتشار. ومن المتوقع أن تمر بلدان أخرى بارتفاع معدلات انتشار الفيروس بعد انحسارها، وفقاً لخبراء.
نيوزيلندا
في 23 مارس/آذار، حذرت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أردرن، بلدها من أن أمامها 48 ساعة قبل فرض إغلاق من المستوى الرابع، وهو أعلى مستوى ممكن. وقالت حينها: "لدينا 102 حالة الآن، لكن كذلك كانت إيطاليا يوماً ما".
وبعد ستة أسابيع، في أواخر أبريل/نيسان، بدأت نيوزيلندا في تخفيف إجراءاتها، إذ لم يتجاوز العدد 1498 حالة و21 وفاة، ولم تسجل أي حالات جديدة هذا الأسبوع، لأول مرة منذ انتشار الفيروس.
قبل أشهر، كانت استطلاعات الرأي تظهر مواجهة أردرن معركة صعبة لإعادة انتخابها في وقت لاحق من العام. لكن في الأسبوع الماضي، ارتفعت معدلات تأييدها إلى 65٪، ونالت استحساناً دولياً.