سياسات دونالد ترامب قد تؤخر وصول العالم إلى لقاح لفيروس كورونا.
الأمر ليس سببه فقط أن الرئيس الأمريكي يروّج أحياناً بأن المرض سينتهي دون لقاح، ولكن هناك قرار أخطر اتخذته إدارة ترامب مؤخراً قد يؤثر على الجهود الدولية والأمريكية لإيجاد لقاح لفيروس كورونا.
لماذا يكره ترامب اللقاحات؟
لسنواتٍ نشر ترامب أكاذيبَ خطيرة بشأن اللقاحات، إذ من المعروف أن كثيراً من اليمنيين الأمريكيين الذين يكوّنون قاعدته الشعبية لديهم مواقف سلبية من اللقاحات.
ومازال ترامب يردد أحياناً أقاويل في هذا الاتجاه، ولكن بشكل مخفف.
إذ قال الأسبوع الماضي: "سيختفي هذا المرض من دون لقاح". "سيختفي، ولن نراه مرة أخرى بعد فترة من الوقت".
تقول صحيفة The Guardian البريطانية إن إصرار ترامب الشخصي على أن اللقاح لن يكون ضرورياً لهزيمة الفيروس قد دفع المسؤولين الأمريكيين إلى التحذير من أن وصول الأمريكيين إلى اللقاح النهائي قد يتباطأ، على الرغم من العمل المخبري الحديث الذي يجري على الأراضي الأمريكية.
ومن المعروف أن الولايات المتحدة توجد بها حركة كبيرة معادية للقاحات، وهي تتركز في أوساط الجمهوريين (لا يعني ذلك أن أغلب الجمهوريين يؤمنون بأفكارها).
ويتبنّى بعض الساسة الجمهوريين نظريات وهمية حول الأضرار المفترضة للتلقيح، ويطالب البعض بتحطيم النظرة التقليدية للحزب الجمهوري، باعتبار تحصين الأطفال مسؤولية الإدارة المدنية.
وعلى الرغم من تشككه السابق في اللقاحات فقد وصف ترامب فكرة اللقاح بأنها جيدة، وقال لشبكة فوكس نيوز في نهاية الأسبوع الماضي: "نحن واثقون جداً من أنه سيكون لدينا لقاح بحلول نهاية العام"، ولكنه إطار زمني يشكك فيه العلماء.
ولكن المشكلة الأكبر في موقف إدارة ترامب من اللقاحات لا تتعلق بالأساس بمثل هذه الأفكار المعارضة للقاحات، التي سرعان ما يتراجع عنها.
ولكن تتعلق أيضاً بأيديولوجية يمينية أخرى، هي "فكرة أمريكا أولاً" والتوجهات الانعزالية التي يغذيها ترامب، والتي أدت إلى ابتعاد الولايات المتحدة عن الجهود الدولية الواسعة لإنتاج لقاحات لمرض كورونا، رغم أن الولايات المتحدة أكثر دول العالم من حيث الإصابة به.
أمريكا تغيب عن قمة عالمية لإنتاج لقاح لفيروس كورونا
غريب ما فعلته إدارة ترامب مؤخراً، في ظل غرق البلاد في هذه الجائحة.
إذ لم ترسل الولايات المتحدة تمثيلاً الأسبوع الماضي إلى قمة عالمية افتراضية خَصصت أكثر من 8 مليارات دولار لقاح لفيروس كورونا.
وشاركت في القمة العديد من الدول مثل بريطانيا والصين وكندا وتركيا والمملكة العربية السعودية واليابان، والعديد من الدول الإفريقية، ومنظمة الصحة العالمية، ومؤسسة غيتس، والمفوضية الأوروبية.
يبدو أن ترامب يحاول التلاعب بمشاعر جمهوره الوطنية من خلال إرسال رسالة "بأننا نتخذ إجراءات بمفردنا، ونحن أقل اعتماداً على الآخرين، وأننا سنقدم أسرع وأفضل من منافسينا"، حسب ما يقول ستيفن موريسون، الذي يدير برنامج الصحة العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.
"ما نراه هو تطبيق هذا النهج الأيديولوجي الانعزالي والاستعلائي في هذه الأزمة الاستثنائية".
البديل الترامبي للقاح العالمي
بدلاً من ذلك كلّف ترامب صهره جاريد كوشنر وآخرين بقيادة ما يبدو وكأنه محاولة من جانب واحد للحصول على لقاح لفيروس كورونا، أطلقت عليه الإدارة "عملية الالتفاف السريع" (Operation Warp Speed).
لم يتم الإعلان عن تفاصيل عملية Warp Speed، لكن البيت الأبيض وضع هدفاً للحصول على 100 مليون جرعة لقاح بحلول الخريف، وهو هدف أطلق عليه عضو مجلس الشيوخ الجمهوري وصف "طموح بشكل مذهل"، ولكن العلماء لا يشاركون الإدارة ومؤيديها نفسَ التقديرات الحماسية.
يقول ستيفن موريسون، الذي يدير برنامج الصحة العالمي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن البيت الأبيض لم يُشر إلى خطة للانضمام إلى قمة عالمية افتراضية قادمة حول اللقاحات المقرر عقدها في 4 يونيو/حزيران المقبل.
اختارت أمريكا بدلاً من ذلك أن تبدأ في الحديث عن نوع من النهج القائم على فكرة "أمريكا أولاً ".
التعاون العالمي هو الكفيل وحده بالوصول إلى لقاح في أسرع وقت ممكن
يعتقد العلماء في جميع أنحاء العالم أن البشرية ستتوصل إلى العديد من لقاحات Covid-19 الفعالة في وقت قياسي.
فقط اكتسبت الهيئات العلمية في العالم خبرة كبيرة في أعقاب المعارك متعددة الجنسيات ضد الإيبولا والزيكا وفيروس نقص المناعة البشرية وغيرها من الفيروسات القاتلة. وتلعب الخبرة الأمريكية دوراً أساسياً في هذا الشأن.
ولكن إدارة الحكومة الأمريكية ظهرها للتحالف العالمي لمكافحة المرض أمر خطير على أمريكا والعالم.
الخطر هو أن هذه الانعزالية من قبل الولايات المتحدة تكسر الجهود الدولية، وتخلق توترات وشكوكاً وانعدام أمن.
والخطر سيشمل الولايات المتحدة، رغم أن لديها جهوداً رائدة للوصول إلى لقاح.
فقد أدى هذا النهج إلى مخاوف متزايدة من أن هذا المسعى العالمي لإنتاج لقاح يمكن أن يتعثر دون دعم وقيادة أمريكيين رسميين.
قد يصبح توصل العالم إلى لقاح أصعب بدون أمريكا، والعكس صحيح إنعزال واشنطن عن الجهود العالمية سيعرقل علماءها.
المؤسسات الأمريكية مازالت تتواصل مع الشركاء الأجانب
في حين أن الحكومة الأمريكية قد انسحبت إلى حد كبير من القتال العالمي للتوصل إلى لقاح، فإن المختبرات الأمريكية وشركات الأدوية والمؤسسات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً لها تشارك بشكل كامل في الجهد الأكبر، المرتبط بالشركاء الأجانب في مواجهة الفيروس.
على سبيل المثال فإن مشروعين واعدين يعمل عليهما العلماء الأمريكيون يقوم تصميمهما المبدئي على سهولة إنتاج اللقاح ونشره على مستوى العالم.
في مركز أبحاث اللقاحات في جامعة بيتسبرغ الأمريكية، يقوم فريق بقيادة المخرج بول دوبريكس بتطعيم بروتينات طفرة فيروسات التاجية وراثياً إلى فيروس الحصبة، لإنشاء منتج يمكن تصنيعه بسرعة بمئات الملايين من الجرعات من الهند إلى إنديانابوليس.
وفي الوقت نفسه، في معهد ويستار بجامعة بنسلفانيا، استخدم فريق بقيادة ديفيد وينر تكنولوجيا الحمض النووي لابتكار لقاح مرشح لأن يكون له عمر تخزين طويل واستقرار درجة الحرارة، مما يسرع من توزيعه حول العالم.
أمريكا قد تكون الأكثر تضرراً من هذه الانعزالية
هناك مؤشرات تُنذر بالسوء بشأن نهج ترامب الحالي.
فالولايات المتحدة كانت سيئة بشكل فريد في تسوية منحنى وفيات Covid-19.
ويقول المحللون إن البلاد قد تكون غير مناسبة لتنفيذ برنامج لقاح جديد، بسبب الافتقار إلى المعايير الفيدرالية للتطعيم، ومشكلات نظام الرعاية الصحية (الجمهوريون لديهم مواقف سلبية من التأمين الصحي) ، وانتشار اللامساواة، وازدهار مجتمع من المتشككين في التطعيم.
من المرجح أن أي لقاح يتم نشره في الولايات المتحدة يجب أن يتم طرحه تدريجياً، حيث لا يمكن إنتاج 330 مليون جرعة دفعة واحدة لكل سكان أمريكا.
وقال بول ديلاماتر، أستاذ الجغرافيا في مركز سكان كارولينا، الذي يركز عمله على الفجوات في نظام الرعاية الصحية، إن ذلك يستدعي التخطيط المسبق حول كيفية حماية الأشخاص الضعفاء.
وأضاف: "سؤال واحد نعمل عليه: مَن الذي يجب تطعيمه أولاً، تحت أي نوع من السيناريوهات؟"
سؤال آخر يمكن أن تتوقع الحكومة الأمريكية مواجهته هو كيفية تحقيق مناعة القطيع من التطعيم عندما يتوقع من عدد غير معروف من الأمريكيين رفض اللقاح.
وقال ديلاماتر: "لسنا متأكدين كيف سيكون حجم تردد الأمريكيين بشأن تلقي اللقاح"، مشيراً إلى أن لقاح الإنفلونزا الذي يتوفر على نطاق واسع ويتم الترويج له بشكل كبير كل عام لديه معدل استخدام بنسبة 50% فقط.
وقال "أعتقد أن كوفيد سيكون مختلفاً عن الإنفلونزا، لأنه كان هناك مثل هذا الفزع، ولقد أُرهق الناس من الابتعاد الاجتماعي". "لذا أعتقد أن نسب التطعيم ستكون أعلى من الإنفلونزا، ولكن أخشى أن يكون هناك تردد أيضاً بسبب سرعة تطوير اللقاح ونشره".
أمريكا كانت رائدة التعاون العالمي في إنتاج اللقاحات
يقول وينر، من مختبر فيلادلفيا، إن هناك حاجة إلى العديد من تقنيات اللقاحات لتقديم حل عالمي في الوقت المناسب.
يراهن الفريق الذي يقوده بول دوبريكس في مركز أبحاث اللقاحات في جامعة بيتسبرغ على تاريخ القيادة الأمريكية في أبحاث اللقاحات، الذي أوصل العالم للعديد من الإنجازات، منها لقاح شلل الأطفال الفموي.
وقال: "لقد لعبنا دوراً هاماً كدولة" في تطوير اللقاحات.
وأضاف"من الغريب أن يكون لديك كل هذا التاريخ الغني بالتعاون في العلوم الطبية الحيوية، ثم في لحظة من الزمن، لأسباب يصعب فهمها أصبحت تريد أن تفعل ذلك بمفردك، رغم وجود مشكلة عالمية بهذا الحجم غير المسبوق، وعندما يكون التعاون ضرورياً أكثر من أي وقت مضى".