كيف زاد كورونا من معاناة المحتاجين؟ الدول الفقيرة تواجه جائحة مزدوجة

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/05/05 الساعة 08:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/05/05 الساعة 08:09 بتوقيت غرينتش
متحور أوميكرون ظهر أول مرة في جنوب إفريقيا/ رويترز

بينما تواصل دول العالم معركتها ضد فيروس كورونا الذي أصاب الملايين وأودى بحياة أكثر من ربع مليون شخص، ورغم تركز بؤر التفشي في نصف الكرة الشمالي حتى الآن، تتصاعد التحذيرات من خطورة انتشار العدوى في الدول الأكثر فقراً، فماذا قد يحدث؟

صحيفة واشنطن بوست الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "خطر إهمال الدول الغنية الدول الأفقر أثناء الجائحة"، ألقى الضوء على حتمية مساعدة الدول الفقيرة لتكون أقوى في مواجهة الوباء وإلا فإن الدول الغنية ستعاني بصورة أكبر.

الجائحة والمساواة

كشف فيروس كورونا المُستجَد عن انقساماتٍ اقتصادية/اجتماعية داخل الدول، إذ يؤثِّر بصورةٍ غير متكافئة على الطبقة العاملة والأقليات وغيرهم من الفئات الضعيفة، وكشف الفيروس أيضاً عن الفجوة بين الدول الغنية والدول الأفقر في العالم، ورغم أن الفيروس قد استفحَلَ في دولٍ في الغرب، فإن هذه الدول أكثر استعداداً للدفاع عن نفسها من الدول ذات النُّظم الصحية الأضعف والتي لا تتمتَّع بشبكاتِ أمانٍ اجتماعية، وهذه الفجوة سوف تتفاقم مع انتشار الفيروس على نطاقٍ أوسع وأعمق في الجنوب العالمي. 

تأثيرات الجائحة في هذه البلدان هائلة: مئات الملايين من المهاجرين والعمالة اليومية يفقدون وظائفهم بالفعل، أو سيخسرون سُبُل عيشهم في ظلِّ مساعداتٍ شحيحة من دولهم، ومن المُتوقَّع أن تنخفض بشكلٍ كبير تحويلات المهاجرين -وهي شريانٌ اقتصادي حيوي للكثير من الدول النامية، ولن تتمكَّن الحكومات التي تعاني من ضائقة مالية من سدِّ هذا العجز. 

زيادة الفقر العالمي لأولِ مرةٍ منذ أكثر من عقدين

تنبَّأ تحليلٌ حديث للبنك الدولي أن فيروس كورونا المُستجَد سوف يدفع 49 مليون إنسان إلى الفقر في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وفي جنوب آسيا، وتوقَّعَت دراسةٌ أخرى أن الجائحة قد تتسبَّب في إفقار ما يربو على نصف مليار إنسان -أي إفقار 8% من البشرية في غضون شهور. 

كثير من المصريين يخشون الفقر أكبر من قلقهم من الفيروس / رويترز

في أوروبا والولايات المتحدة، تتحوَّل النفايات الغذائية إلى أزمةٍ حرجة، لكن في أجزاءٍ أخرى من العالم، سيجتاح الجوع البشر. 

حذَّرَ برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة، الشهر الماضي أبريل/نيسان، من مجاعاتٍ على نطاقٍ فلكي إن لم تُتَّخَذ إجراءاتٌ عاجلة لمواجهة تأثير انهيار الاقتصادات، وتعثُّر التجارة، وضعف التمويل الإنساني. ويتنبَّأ البرنامج التابع للأمم المتحدة بأن سكان الجنوب العالمي الذي يواجهون "انعدام الأمن الغذائي الحاد" -أي خطر المجاعة بشكلٍ أساسي- سوف يزيدون إلى 265 مليون نسمة. 

وكَتَبَ ديفيد بيسلي، المدير التنفيذي لبرنامج الغذاء العالمي، لصحيفة Washington Post الأمريكية، الشهر الماضي: "حين تفكِّر في أنه، رغم الجهود القصوى التي نقوم بها، هناك 21 ألف شخص في العالم يموت من الجوع كلَّ يومٍ، تجد نطاق الوفيات يمزِّق القلب"، وحذَّرَ بيسلي من "جائحة جوع" موازية، وشدَّدَ على أهمية دعم الاقتصادات في الدول النامية من الانهيار، حتى في الوقت الذي تضخ فيه الدول الصناعية تريليونات الدولارات كمُحفِّزاتٍ لاقتصاداتها. 

وقال عامر الداودي، المسؤول ببرنامج الغذاء العالمي عن الاستجابة لفيروس كورونا المُستجَد: "بينما نتحدَّث الآن، نشهد تدهوراً للأمن الغذائي لدى ملايين من البشر حول العالم"، مشيراً إلى "قسمٍ جديدٍ من سكان المدن" ينحدرون نحو الجوع وانعدام الأمان. وحذَّرَ داود، في حديثه لصيحفة Washington Post، من أن فيروس كورونا المُستجَد "سيكون ضربةً مزدوجة" في الكثير من البلدان التي تعمل فيها وكالته والتي لديها نُظُم صحية ضعيفة للغاية. 

دشَّنَت الولايات المتحدة خطة استجابة إنسانية بقيمة 2 مليار دولار للدول الأفقر، لكن أموال المانحين تتدفَّق ببطءٍ شديد، وأطلَقَ برنامج الغذاء العالمي نداءه لجمع 350 مليون دولار، لكنه لم يتلق إلا جزءاً فقط من هذا المبلغ من المانحين. 

وتُعَدُّ هذه الوكالة هي العمود الفقري اللوجيستي للنظام الإنساني العالمي، وبالإضافة إلى تقديم العون الغذائي لأولئك الذين في أمسِّ الحاجةِ إليه، سيكون برنامج الغذاء العالمي أيضاً في القلب من جهود الإغاثة المستقبلية من الجائحة، حيث إرسال الإمدادات الطبية، علاوة على العاملين في المجال الطبي والإنساني، إلى البؤر الأكثر تأثُّراً بالأزمة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب / رويترز

قد تكون هناك حاجةٌ أيضاً إلى مليارات من الدولارات من التمويل لمساعدة الدول الأفقر في توزيع المصل المستقبلي لفيروس كورونا المُستجَد، لكن هذه التكاليف المتصاعدة لا تمثِّل إلا جزءاً بسيطاً مِمَّا أنفقته الحكومة الغنية على مواطنيها في غضون شهور، حيث أقرَّت الولايات المتحدة حزمة تحفيزٍ بـ2 تريليون دولار، ويُتوقَّع أن تكون هناك المزيد من المساعدات في المستقبل، وقد تصل استجابة الحكومات الأوروبية مجتمعةً إلى هذا الرقم أيضاً.

تسعى الحكومات الأغنى إلى تقديم الدعم على جبهاتٍ أخرى

ففي الشهر الماضي، اتَّفَقَ وزراء المالية لمجموعة دول العشرين ذات الاقتصادات الأكبر في العالم على تجميد تسديدات الديون للعشرات من الدول الأفقر، على الأقل مؤقتاً. 

لكن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد يرى أن هذا ليس كافياً، وقد دعا الدول الدائنة حول العالم لـ"إلغاء الديون الثنائية والتجارية الرسمية" للكثير من الدول، حتى يتسنَّى لهذه الدول أن تُكرِّس مواردها لدعم اقتصاداتها ومجتمعاتها خلال الجائحة. 

وكَتَبَ في مقال نشرته صحيفة New York Times الأمريكية: "في العام 2019، أنفقت 64 دولة، نصفها تقريباً في إفريقيا جنوب الصحراء، على خدمة الديون الخارجية، أكثر مِمَّا أنفقت على الصحة"، واستطرد: "تنفق إثيوبيا على تسديد الديون الخارجية ضعف ما تنفقه على الصحة". 

وأبرز أحمد هذه المساعدة باعتبارها لصالح العالم أجمع، إذ كَتَب: "إنها من المصلحة الذاتية المستنيرة للجميع أن يُسمَح للمُقترِضين بمساحة تنفُّس من أجل الإنفاق على الصحة"، وتابع: "سوف تعود فوائد إعادة تأهيل اقتصادات البلدان الأكثر تضرُّراً على الجميع، تماماً مثلما ستؤثِّر عواقب الإهمال علينا جميعاً". 

ورغم ذلك، لا يبدو أن التضامن الدولي يمثِّل أولويةً لدى بعض اللاعبين الرئيسيين على الساحة الدولية، فقد انخرطت الولايات المتحدة والصين في نزاعٍ مريرٍ بشكلٍ كبير، وتواصل إدارة ترامب حملتها ضد منظمة الصحة العالمية، وهي وكالة حيوية أخرى تابعة للأمم المتحدة. 

لكن قصر النظر هذا ستكون تكلفته باهظة. قال الداودي: "لابد أن تكون مكافحة فيروس كورونا المُستجَد داخل الدول أولوية، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكننا بها أن نحصل على الأمن والأمان هي مكافحة الفيروس عالمياً".

تحميل المزيد