مأزق جديد لإيران.. انخفاض أسعار النفط يوجه ضربة لطهران بعد أزمة كورونا

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/24 الساعة 11:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/24 الساعة 16:52 بتوقيت غرينتش
ناقلة النفط الإيرانية أدريانا داريا 1 - رويترز

لطالما كان بيع النفط الإيراني في ظل الحظر الأمريكي مشروعاً محفوفاً بالمخاطر ومعقداً للوسطاء الإيرانيين، ليُضاف إليه الآن الانخفاض الحاد في الأسعار بسبب جائحة فيروس كورونا العالمية، والتي قلّصت الطلب على النفط إلى مستويات غير مسبوقة.

في البداية، تابع سماسرة النفط الإيرانيون وكثيرون غيرهم باستمتاع التراجعَ الوجيز في أسعار النفط الأمريكي إلى ما دون الصفر يوم الإثنين 21 أبريل/نيسان، انخفاضٌ اضطر معه البائعون إلى الدفع للمشترين لاستلام النفط. ومع ذلك، فقد أتى اليوم التالي بانخفاض في سعر خام برنت، وهو مزيج قياسي له تأثير مباشر على سعر النفط الإيراني، إلى 20 دولاراً للبرميل، في أدنى مستوى له منذ عقدين تقريباً، بحسب تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وبحلول يوم الأربعاء، كان سماسرة النفط الإيرانيون، الذين يبيعون بالفعل بخصم كبير للتحايل على العقوبات الأمريكية، يُراقبون في توترٍ إلى أي حدٍّ يمكن أن تنخفض الأسعار، قبل أن يفقدوا أموالهم.

ضربة غير متوقعة لإيران

كان انهيار أسواق النفط هذا الأسبوع ضربةً أخرى غير متوقعة لإيران، خاصةً بعد أن عانت السلطات لاحتواء أسوأ تفش لفيروس كورونا في منطقة الشرق الأوسط متحسسةً ألا ينهار اقتصاد البلاد، الذي لطالما اعتمد على صادرات النفط قبل أن تعرقل ذلك العقوبات الأمريكية.

ومع أن القادة الإيرانيين أبدوا حرصاً كبيراً على تقليص اعتماد البلاد على مشتريات الأجانب من النفط الإيراني، فإنه لا يزال صناعةً أساسية لبلد لديه ثالث أكبر احتياطي نفطي بين دول منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك).

فضلاً عن ذلك، زاد انهيار الأسعار من تعقيد الجهود التي يبذلها القادة الإيرانيون لإعادة فتح الاقتصاد، بعد سلسلة من التحركات المكبوحة والمتناقضة في بعض الأحيان فيما يتعلق بإغلاق الأعمال التجارية وحظر السفر على أمل الحيلولة دون انتشار فيروس كورونا. وكانت السلطات قد بدأت يوم السبت في رفع هذه القيود وإعادة فتح مراكز التسوق والبازار الشهير في طهران، إضافة إلى قرارات أخرى.

ومع ذلك، فإن مسؤولي الصحة الإيرانيين قلقون، فهم يشهدون بالفعل زيادةً في عدد الأشخاص الباحثين عن العلاج في المستشفيات جراء ظهور أعراض الإصابة بفيروس كورونا. وقال علي رضا زالي، رئيس لجنة مكافحة فيروس كورونا في إيران، إن معدلات الدخول إلى المستشفيات في طهران وحدها ارتفعت بنسبة 6% بحلول منتصف الأسبوع.

وتشير الإحصائيات الرسمية الصادرة حتى يوم 23 أبريل/نيسان إلى إصابة أكثر من 87 ألف إيراني بفيروس "كوفيد 19" ووفاة 5481 شخصاً بالمرض التنفسي الذي يسببه، ومع ذلك ينتشر اعتقاد بأن الأعداد الحقيقية أكبر من ذلك.

وأقرَّ الرئيس الإيراني حسن روحاني في اجتماع متلفز لمجلس الوزراء بمعاناة إيران جراء انخفاض أسعار النفط، وإن قلل من شدتها، قائلاً إن انخفاض أسعار النفط "خلق مشكلات للجميع، حتى لنا. ولما كان اعتمادنا على النفط قد انخفض –سواء أكان ذلك باختيارنا أم لا، عن قصد منا أم بفرض العدو-، فإننا بالتأكيد ستكون خسائرنا أقل من غيرنا".

كيف تتحايل إيران على العقوبات؟

على الجانب الآخر، تبيع وزارة النفط الإيرانية، بواسطة مجموعة من الوسطاء الموثوق بهم، نفط البلاد بنحو 10 دولارات أقل من سعر خام برنت في السوق، وذلك لخلق حافز لمشترين مثل الصين بالمخاطرة رغماً عن العقوبات الأمريكية. وتبلغ تكلفة إنتاج برميل النفط الواحد في إيران نحو 5.50 دولار.

وتشكل عائدات النفط نحو 10% من ميزانية إيران. غير أن ميزانية هذه السنة المالية في إيران اعتمدت في أرقامها على أساس بيع مليون برميل من النفط في اليوم بسعر 50 دولاراً للبرميل.

صورة نشرتها وكالة رويترز لاقتراب زورق للقوات الإيرانية من بارجة أمريكية في الخليج يوم 15 أبريل/ نيسان 2020

لكن مزيج العقوبات وتقلص الطلب على النفط وانخفاض الأسعار أفضت إلى الإطاحة بخطة إيران المالية لهذا العام.

يقول هنري روما، خبير الشؤون الإيرانية في "مجموعة أوراسيا" الاستشارية: "إن انخفاض أسعار النفط سيعيد ترتيب الكثير من أولويات التمويل الحكومي، لكنه ليس ضربة قاضية للاقتصاد الإيراني لأنه اضطر إلى التكيف بشدة مع أوضاع صعبة كهذه خلال العامين الماضيين".

كما قلل سياسيون إيرانيون آخرون من خطر انخفاض أسعار النفط على الاقتصاد الإيراني، بل ذهب بعضهم إلى القول إنها أثبتت مرونة إيران واقتصادها، ومن بين هؤلاء، محمد رضا نوروزبور، نائب المتحدث باسم الحكومة الإيرانية، الذي قال في تغريدة يوم الإثنين: "العالم مفجوع بسبب انهيار أسعار النفط. دعونا لا ننسى أن حكومتنا أدارت البلاد دون اعتماد على عائدات النفط لمدة عامين".

إيران تتعامل بشكل مختلف عن الدول النفطية

وتعتبر إيران نوعاً مختلفاً بين الدول الغنية بالنفط، مثل السعودية والجزائر، التي تعتمد اقتصاداتها اعتماداً شبه كامل على النفط. في حين أن العقوبات الأمريكية التي استهدفت مبيعات النفط الإيرانية أجبرت إيران على إيجاد مصادر أخرى للدخل، من ضمنها زيادة الضرائب وخصخصة ممتلكات حكومية.

ومنذ أن فرضت واشنطن عقوبات على إيران بعد تراجع ترامب عن الاتفاق النووي الذي عقده أوباما، تراجعت مبيعات النفط الإيراني من 2.5 مليون برميل إلى نحو 300 ألف برميل يومياً.

حفار نفط في ولاية تكساس الأمريكية في صورة من أرشيف رويترز.

وقال روحاني إن حكومته ستواجه عجزاً يبلغ ثلث الميزانية، إلا أن اقتصاديين ومحللين يتوقعون أن يشهد الاقتصاد الإيراني معاناة أكبر هذا العام بسبب العقوبات إضافةً إلى تداعيات تفشي فيروس كورونا.

وأظهر استطلاع عبر الهاتف أجراه "مركز طلاب إيران لاستطلاع الرأي" (إيسبا) هذا الشهر، فيما يتعلق بالأثر الاقتصادي لوباء كورونا على الإيرانيين، أن نحو 50.7% من عينة الاستطلاع قالوا إن قدراتهم الشرائية قد تقلصت، و41.7% قالوا إن أعمالهم التجارية أو مصادر دخلهم أُغلقت، وقال 13.5% إنهم فقدوا وظائفهم.

هذا وتقول إيران إن العقوبات الأمريكية حرمت البلاد من عائدات تقدر بنحو 200 مليار دولار، مما عرقل جهودها لمكافحة الفيروس. وقد ضغط المسؤولون الإيرانيون لإقناع واشنطن برفع العقوبات لأسباب إنسانية، لكن ترامب لم يتزحزح عن موقفه حتى الآن.

تحميل المزيد