هل يواجه العالم أزمة قيادة في حرب كورونا؟ ربما، لكن هناك استثناءات بالطبع

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/04/19 الساعة 06:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/19 الساعة 06:46 بتوقيت غرينتش
ميركل تتوسط ترامب وماكرون / أرشيفية

الحرب ضد فيروس كورونا أظهرت معدن قادة العالم؛ بعضهم كان ثابتاً ولم يهتز منذ البداية، في حين ارتبك البعض الآخر وتخبطت رسائله وقراراته، أحد الرؤساء هدد بقتل من لا يلتزم بقراراته، وآخر اختلفت رسائله للشعب بعد أن أصيب بالفيروس، فما هي قصة بعضهم؟

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً بعنوان: "من التلطيف إلى الصراحة القاسية: كيف يتعامل قادة العالم مع أزمة فيروس كورونا المُستجَد؟"، ألقى الضوء على كيفية تعامل البعض في أثناء الحرب غير المتوقعة ضد عدو من نوع مختلف أودى بحياة أكثر من 161 ألفاً وأصاب أكثر من 2343000 شخص حول العالم، صباح الأحد 19 أبريل/نيسان.

التحدي غير المسبوق

تمثِّل الجائحة تحدياً، ليس للصحة العامة فحسب، بل أيضاً تحدياً أمام قادة العالم لتوضيح رسائلهم. إليكم كيف تحدَّثَ بعض قادة العالم إلى مواطنيهم عن تفشي فيروس كورونا المُستجَد، وقضى قادة العالم الأسابيع الماضية، في الصراع في معركةٍ غير مُتوقَّعة، في وقتٍ شهد فيه بلدٌ بعد الآخر وصول فيروس كورونا المُستجَد إلى حدوده وتفشياً واسع النطاق انفَجَرَ ليصبح جائحة.

ومع المخاطر التي يجسِّدها الفيروس على صحة المواطنين، وحالة الإغلاق التي تجتاح الاقتصاد العالمي، اتَّبَع رؤساء الحكومات مساراتٍ مختلفة في رسائلهم المُتلفَزة وموجزاتهم الإخبارية وهم يشرحون خططهم لمواجهة هذا التهديد.

في الولايات المتحدة، تناقضت رسائل ترامب المُتقلِّبة بشدة مع الموجزات الإخبارية المُفصَّلة لحاكم ولاية نيويورك، أندرو مارك كومو، لكن في بلدانٍ أخرى من العالم، اتَّخَذَ قادة العالم مساراتٍ مُتنوِّعة -من الرفض إلى الجدية إلى التجهُّم إلى اعتزام مكافحة التهديد- ما يقدِّم بدوره نظرةً على طريقة الحكم في وقتِ الأزمات. 

رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون 

تعرَّضَ رئيس وزراء بريطانيا، بوريس جونسون، للنقد بسبب رسائله المُختَلَطة، وضمن ذلك النقدُ الذي وجَّهَته جيل راتر، الزميلة البارزة بمعهد الحكومة المستقل في لندن، إذ رأت هذه الرسائل مفتقِرةً إلى الشفافية. 

وفي أحد المؤتمرات الإخبارية عن الجائحة، تحدَّثَ جونسون عن "خطةٍ واضحة" لاحتواء الفيروس، لكنه لم يفصِّل إلا عدداً قليلاً من الإجراءات الملموسة. وتخلَّفَت بريطانيا عن جاراتها من دول أوروبا في مكافحة الفيروس، حتى بعدما صار من الواضح أن البلاد على وشك أن تشهد تفشياً واسع النطاق. 

جونسون تعافى من فيروس كورونا / رويترز

وفي وقتٍ سابق، تحدَّثَ جونسون أيضاً عن قِيم "مناعة القطيع"، طارحاً أن السماح لكثيرين في بريطانيا بأن يتعرَّضوا للفيروس سوف يساعد على بناء مناعةٍ ضده، وقال لمواطنيه: "ستفقد كثير من العائلات أحبّاءها قبل أن يحين أجلهم".

وبعد أيامٍ قليلة، عَكَسَ جونسون اتجاهه، فارضاً الإغلاق على البلاد، وآمراً البريطانيين بالمكوث في منازلهم. وبعدما أُصيبَ بفيروس كوفيد-19 وقضى أياماً في العناية المُركَّزة، تحوَّلَت رسالة رئيس الوزراء عبر الفيديو، هذا الأسبوع، إلى طابعٍ شخصيٍّ بصورةٍ أكبر، وقد وَصَفَ بالتفصيل معركته مع المرض، ووجَّه الشكر للعاملين بالتمريض الذين اعتنوا به. 

رئيسة الوزراء النيوزيلندية جاسيندا أرديرن 

وجَّهَت رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، رسالةً إلى أبناء بلدها في 21 مارس/آذار، من مكتبها بمقر رئاسة الوزراء، وكانت تلك المرة الأولى منذ 1982 التي يختار فيها رئيسٌ للوزراء في نيوزيلندا هذا المكتب لإلقاء كلمة على مواطنيه، وقد حدَّدَت خطةً وقائيةً جادة وواضحة للتعامل مع فيروس كورونا المُستجَد. 

قالت أرديرن: "تغيَّر العالم على مدار الأسابيع القليلة الماضية، وقد حدث هذا التغيُّر بسرعةٍ كبرى"، وأضافت: "في نيوزيلندا، تحرَّكنا لمكافحة الفيروس بقوةٍ ومنذ وقتٍ مبكر". 

أرديرن / رويترز

كان جلياً أن خطابها واضحٌ ومُفعَمٌ بالتعاطف، والأهم من ذلك أنه كان يعجُّ بالتفاصيل، وواصلت رئيسة الوزراء استضافة جلسات أسبوعية للأسئلة والأجوبة من منزلها عبر موقع فيسبوك، مرتديةً قميصاً رياضياً في إحدى الجلسات بعد أن خلدت ابنتها إلى النوم. وفي يوم الأربعاء 15 أبريل/نيسان، أعلنت خططاً لتقليص 20% من أجرها لمدة ستة أشهر، علاوة على أجور وزراء حكومتها، لمساعدة أولئك الذين فقدوا وظائفهم. وقالت: "الأمر يتعلَّق بالقيادة". 

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون 

وجَّه رئيس فرنسا، إيمانويل ماكرون، في بادئ الأمر خطاباً إلى الأمة الفرنسية منذ أن اندلعت الجائحة، في أربع رسائل رسمية مُتلفَزة. في رسالته الأولى أعلن إجراءات إغلاقٍ صارمة، وكان مُتجهِّماً وحازماً، مستدعياً صورةً عن قتال المعارك حين شدَّد على أن البلد "في حرب". 

لكن في آخر ظهورٍ له هذا الأسبوع، لطَّف ماكرون من نبرته القتالية، معترِفاً بأن حكومته ارتكبت أخطاءً في عملية توزيع الأقنعة وغيرها من الأدوات الوقائية للعاملين بقطاع الصحة، في حين جاء على ذِكرِ بعض أوجه القصور اللوجيستية الأخرى. 

وقال: "بمجرد تحديد هذه المشكلات قمنا بتعبئة أنفسنا -الحكومة والسلطات المحلية والشركات والجمعيات- من أجل إنتاج الإمدادات الضرورية والحصول عليها"، وأضاف مستدركاً: "لكنني أقدِّر تماماً أنك حين تكون على الخطوط الأمامية من الصعب أن تسمع عن نقصٍ عالمي يمنع عمليات التسليم". 

تحدَّثَ ماكرون بصراحةٍ أيضاً عن التحديات في التخطيط من أجل المستقبل. إذ قال: "متى سنكون قادرين على العودة إلى حياتنا السابقة؟ بصراحةٍ شديدة، وبكلِّ تواضع، ليست لدينا إجابةٌ مُحدَّدة لذلك". 

الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي 

بعد إنكاره في بادئ الأمر أن هناك وباءً لفيروس كورونا، عَكَسَ رئيس الفلبين، رودريغو دوتيرتي، خطابه الشهر الماضي (مارس/آذار)، وطبَّقَ تدابير صارمة، تشمل إغلاقاً كاملاً؛ في محاولةٍ للتصدي لتفشي الجائحة. وفي خطابٍ ألقاه في وقتٍ سابق من هذا الشهر (أبريل/نيسان)، هدَّدَ أولئك الذين يكسرون الإغلاق، ووجَّه الشرطة والجيش لتولِّي الأمر بين أيديهم. 

رئيس الفلبين وجه أمرا للشرطة: "أقتلوهم!"/ رويترز

وقال: "أطلِقوا عليهم النار. هل تفهمونني؟ اقتلوهم. بدلاً من أن تتسبَّب في متاعب، سأرسلك إلى قبرك"، ومرَّرَت الحكومة آنذاك تشريعاً يمنح دوتيرتي سلطاتٍ طارئة، ومبلغ 5.4 مليار دولار للتعامل مع الجائحة، ومنحته يداً مُطلَقة لاتِّخاذ أيِّ خطواتٍ قاسيةٍ أخرى. 

وبالتوازي مع خطاباته العامة، دقَّت إجراءات دوتيرتي ناقوس الخطر لدى منظمات حقوق الإنسان، ودعت منظمة العفو الدولية الرئيس الفلبيني إلى "الوقف الفوري لتحريضه الخطير على العنف". 

المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل 

تسبَّبَت مستشارة ألمانيا، أنجيلا ميركل، في صدمةٍ للبعض في أول موجزاتها الإخبارية حول تفشي الفيروس، حين أوضحت احتمالاً صارخاً بأنه في أسوأ الحالات، على حدِّ قولها، قد يُصاب 70% من السُكَّان في ألمانيا بالعدوى. 

وفي وقتٍ كان قادةٌ آخرون يأملون تخفيف الصدمات في رسائلهم، خرجت ميركل عن هذا الاتجاه، لكن صراحتها وضعتها في موقف قوي، وكان ذلك مريحاً بالنسبة لها، فهي قائدةٌ ذات عقليةٍ علمية درست الفيزياء وحصلت على درجة الدكتوراه في كيمياء الكم. 

علَّقت جيل راتر على ذلك قائلةً: "هذا يبرز كثيراً من نقاط القوة لدى ميركل. إنه يُبرز أسلوبها الهادئ والعلمي والحسَّاس، لكن الموثوق أيضاً، أنها بطبيعة الحال أكثر اعتياداً على العلوم من أيٍّ من القادة الآخرين". 

وألقت ميركل خطاباً عقلانياً للأمة بأَسرها بعد ذلك بأسبوع، في 18 مارس/آذار، قائلةً: "الوضع خطير، فتعاملوا معه بجدية"، واصفةً الأزمة بأنها التحدي الأكبر في مواجهة الألمان منذ الحرب العالمية الثانية.

تحميل المزيد