فيما قد يكون تمهيداً لإلغائه، دعت السعودية على لسان وزير الحج محمد صالح بنتن، دول العالم إلى التريث قبل القيام بأي خطط للحج، حتى تتضح الرؤية بشأن وباء كورونا. وأضاف في تصريح لقناة الإخبارية السعودية الثلاثاء، أن المملكة "على استعداد لخدمة الحجاج في كل الأحوال، لكن الأولوية هي للحفاظ على سلامتهم". فهل تضطر السعودية لإلغاء موسم الحج لهذا العام بالفعل، وماذا يعني ذلك بالنسبة لها ولاقتصادها؟
كيف تجني السعودية أرباحها من موسم الحج؟
يؤدي زهاء 2.5 مليون مسلم فريضة الحج سنوياً، يشكل إنفاقهم خلال الموسم مورداً مالياً ضخماً لاقتصاد المملكة، يناهز 7 مليارات دولار. حتى إن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان كان قد قدّم مقاربة اقتصادية، العام الماضي، من خلال رؤية المملكة 2030، تطمح إلى استضافة 30 مليون حاج ومعتمر، بإجمالي إيرادات يصل لـ50 مليار دولار سنوياً حال تحقيق الرؤية.
وتحصّل المملكة أرباحاً طائلة من استصدار الحجاج لتأشيرات الحج، التي تبلغ قيمتها ألفي ريال سعودي -ما يعادل 533 دولاراً- على أن تتحمل الدولة هذا الرسم عن القادم لأداء الحج والعمرة لأول مرة، بعد أن كانت سابقاً لا تتجاوز 350 ريالاً بنسبة تضخم تصل لـ500%.
وبحسب مديرية الجوازات السعودية، فإن عدد حجاج بيت الله الحرام من الخارج لعام 2019 بلغ مليوناً و838 حاجاً، منهم 969 ألف حاج ذكر، أما الإناث فبلغن 868 ألف حاجة. في حين يتجاوز المتوسط العام لأسعار الحج في برنامج "الحج العام" 7 آلاف ريال سعودي، ما يعادل 1866 دولاراً. ويبلغ إجمالي تكلفة الحج بالنسبة للشخص الواحد من حجاج الخارج بين 4 و5 آلاف دولار في المتوسط.
أما متوسط إنفاق الحجاج على السكن والطعام والهدايا فيبلغ نحو 2500 دولار. وتشير التقارير إلى زيادة مضطردة لأسعار الحج، عقب فرض السعودية ضرائب على الفنادق والخدمات. أما عن خدمات النقل التي ينتعش سوقها خلال موسم الحج فكانت تشهد ازدهاراً ملحوظاً حتى العام الماضي، فبحسب صحيفة "عكاظ"، أشار عضو لجنة الحج في الغرفة التجارية والصناعية بمكة المكرمة، عضو لجنة النقل محمد سعد القرشي، إلى أن العوائد المالية لـ300 شركة نقل بداخل مكة فقط وصلت لـ900 مليون ريال (ما يعادل 240 مليون دولار) من نقل الحجاج خلال موسم حج عام 2019.
وبالنسبة لاقتصاد مدينة مكّة وحدها التي تحتضن شعائر الحج، فإن موسم الحج يمثل %70 من الإيرادات السنوية للمدينة، ويقدم الآلاف من الأعمال الموسمية لشباب وشابات مكة.
ويُنعش وجود الحجاج في مكة والمشاعر المقدسة مهناً خاصة عدة، كتجارة اللحوم، والحلاقة، وتحويل العملات، وتلعب الأخيرة دوراً حيوياً في تدفق النقد الأجنبي وتحسين ميزان المدفوعات بالسعودية، ناهيك عن تسوق الحجاج وشرائهم للهدايا.
هل سيقام موسم الحج أم لا، ما الخيارات التي تملكها المملكة؟
الخيار الأكثر ترجيحاً أمام السلطات السعودية هو إلغاء الموسم بالكامل، فحتى اللحظة ما تزال جائحة كورونا مستعرة حول العالم، وما زالت الإصابات تتضاعف، وأوشكت أن تكسر حاجز المليون إصابة و50 ألف وفاة، ومن غير المستبعد أن يتم إيجاد لقاح للفيروس قبل عام على الأقل، كما ترجح منظمة الصحة العالمية وحكومات الدول التي بدأت العمل على ذلك.
وبالنسبة لموسم الحج، فمكة المكرمة تجمع كل عام ملايين الأشخاص الوافدين من مختلف أنحاء العالم، وسيكون من الصعب السيطرة على هذه الأعداد أو حمايتها من انتشار العدوى، فعلى مستوى العمرة اضطرت السعودية لتعليق تأشيرات الدخول إلى أراضيها لأغراض أدائها، إضافة إلى تعليق التأشيرات السياحية، بعد إصابة العشرات من المعتمرين بالفيروس، وعودة الكثيرين منهم لبلدانهم مصابين بالفيروس.
يقول د. حمود أبوطالب، الكاتب في صحيفة عكاظ السعودية: بالمعايير الصحية العلمية لن يكون العالم خالياً من الوباء بعد أربعة أشهر (موعد موسم الحج)، ولن يكون السفر والاختلاط آمناً، وأي انتكاسة في محاصرته بتجمع قرابة ثلاثة ملايين شخص في مواقع محدودة المساحة ستكون كارثية.
ولكن لأن الحج في موعد محدد أصبح قريباً، وملايين الحجيج يستعدون له عادةً منذ وقت مبكر فإن القرارات بالنسبة له يجب أن تكون مبكرة، ويجب بحثها والإعلان عنها في الوقت المناسب. وَلَربما إذا تأخرت القرارات بشأن الحج فإنها ستعطي للبعض أملاً بإمكانية أن يكون متاحاً، وعندما يعرفون عكس ذلك متأخراً ستحدث لهم ولنا كثير من المتاعب، كما يقول أبوطالب.
لكن هل تلجأ المملكة لحجّ من نوع آخر؟
على الجانب الآخر، تشير بعض التوقعات، إلى أن المملكة قد تسعى لتدبير موسم حج من نوع آخر، بفرض قيود إضافية، بموسم لن يكون مثل كل عام، سواء من النواحي التنظيمية أو العددية، فقد تلجأ فيه إلى تخفيض الأعداد منعاً للتكدس، وقد تشترط سناً معينة، حرصاً على صحة الحجاج، ربما يخضعون لحجر صحي بشكل ما، وبالتالي ربما يكون الطلب السعودي بالتمهل لا يعني الإلغاء الكامل، ولكن قد يعني أن هناك إجراءات تنظيمية لم يتم التوافق عليها بعد.
فإذا نظرنا إلى تجارب السلطات السعودية مع الأمراض الوبائية في الماضي القريب، فقد كانت مواسم الحج عرضة لتغييرات وقيود كثيرة على الحجاج بفعل انتشار الأمراض، مثل سارس عام 2003، حيث أعلنت الحكومة السعودية قيوداً على استقبال الحجاج من الدول المصابة، وحينما انتشرت إنفلونزا الخنازير في عام 2009 أعلنت السعودية منع دخول كبار السن والأطفال للحج والكشف على الحجاج القادمين إليها.
وحينها بالطبع تأثرت اقتصاديات الحج بالنسبة للسعودية بشكل كبير، فبحسب غرفة مكة للتجارة والصناعة فإن خسائر الشركات بسبب إنفلونزا الخنازير عام 2009 بلغت 40% من حجم أعمال الشركات العاملة في مكة المكرمة. ومن شأن إلغاء موسم الحج هذه المرة، بالإضافة إلى أزمة النفط العالمية، تعريض الاقتصاد السعودي لضربة قاسية، قد يحتاج وقتاً طويلاً للتعافي منها.