ماذا تعني “التكنولوجيا السلطوية” وكيف وظفتها روسيا لمواجهة فيروس كورونا؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/03/29 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/29 الساعة 11:19 بتوقيت غرينتش
بوتين يتفقد مصابي كورونا

حتى الأحد 29 مارس/آذار، سجلت روسيا نحو 1500 إصابة بفيروس كورونا و8 وفيات، رغم أنها سجلت أول إصابة يوم 30 يناير/كانون الثاني، فما السر وراء العدد القليل للغاية مقارنة بالدول الأخرى في أوروبا والولايات المتحدة؟ فتِّش عن "التكنولوجيا السلطوية".

شبكة "سي إن إن" الأمريكية نشرت تقريراً، الأحد، بعنوان: "كيف تستخدم روسيا تكنولوجيا سلطوية للحد من فيروس كورونا"، ألقى الضوء على الأساليب الصارمة التي يتبعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فرض سيطرته على البلاد، وكيف أفادت تلك الأساليب في مواجهة الفيروس.

الفيروس فرصة العمر لبوتين

أصبحت روسيا في عهد بوتين رائدة بمجال التكنولوجيا السلطوية، إذ وافق زعيم الكرملين، العام الماضي، على اتخاذ إجراءات لإنشاء شبكة إنترنت روسية "سيادية"، يمكن منع بقية العالم من اختراقها.

وتوفر جائحة كوفيد-19 للسلطات الروسية الآن فرصة لاختبار سلطات وأدوات تكنولوجية جديدة، إلا أن دعاة الخصوصية وحرية التعبير في البلاد يخشون من أن تلجأ الحكومة إلى تقنيات مراقبة جديدة واسعة النطاق.

ولعل الأداة التكنولوجية الأشهر في ترسانة روسيا للتصدي لفيروس كورونا هي نظام التعرف على الوجه الهائلُ في موسكو. وقد أدى نظام المراقبة، الذي طُرح في وقت سابق من هذا العام، في الأصل، إلى رد فعل غاضب غير عادي من الجمهور، حيث رفع دعاة الخصوصية دعاوى قضائية بسبب هذه المراقبة غير القانونية.

تحسين الصورة العامة بطريقة غير متوقعة

إذ زعمت شرطة موسكو، الأسبوع الماضي، أنها ضبطت وغرَّمت 200 شخص انتهكوا الحجر الصحي والعزل الذاتي باستخدام تقنية التعرف على الوجه ونظام مكون من 170 ألف كاميرا. وبحسب تقرير إعلامي روسي، خرج بعض المخالفين المزعومين الذين غُرِّموا من منازلهم لمدة تقل عن نصف دقيقة قبل أن تضبطهم الكاميرا.

وقال قائد شرطة موسكو أوليغ بارانوف، في جلسة إحاطة عُقدت مؤخراً: "نريد إضافة مزيد من الكاميرات، حتى لا يتبقى ركن مظلم أو شارع جانبي"، مضيفاً أن الشرطة تعمل حالياً على تركيب 9000 كاميرا إضافية.

ويُستخدم النظام أيضاً لتحليل حسابات الشبكات الاجتماعية الخاصة بأولئك المصابين بفيروس كورونا أو يشتبه في إصابتهم به. وأوضح عمدة موسكو، سيرجي سوبيانين، في مدونته الرسمية، كيف تتبعت سلطات البلدية امرأة صينية وصلت إلى المدينة قادمة من بكين، في فبراير/شباط  الماضي.

مئات الآلاف من الكاميرات تراقب الجميع

ورغم أن نتيجة اختبارها جاءت سلبية في نهاية المطاف، قال سوبيانين إن السلطات عثرت على سائق سيارة الأجرة الذي أوصل المرأة إلى منزلها من المطار، وصديقة التقتها خارج مبنى شقتها في انتهاك للحجر الصحي، وجُمعت بيانات عن جميع الأشخاص الذين يعيشون في المبنى والبالغ عددهم 600 شخص. 

تقنية تحديد الموقع

وهناك أيضاً استخدام تقنية تحديد الموقع الجغرافي لتتبُّع حاملي فيروس كورونا. ويعتبر خبراء الأوبئة التتبُّع وتحليل البيانات أداة مهمة لتتبُّع تفشي المرض وتحديد موقعه، لكن روسيا اتبعت نهجاً مميزاً، إذ أمر رئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، في وقت سابق من هذا الأسبوع، وزارة الاتصالات الروسية بطرح نظام تتبُّع يقوم على "بيانات تحديد الموقع الجغرافي من مزودي خدمات الهاتف المحمول لشخص معين" بحلول نهاية هذا الأسبوع.

وبعبارة أخرى، لن تكون البيانات التي يجمعها النظام لأشخاص مجهولين: فوفقاً لما ورد في المرسوم الحكومي، ستُستخدم المعلومات التي تُجمع عن طريق نظام التتبع، لإرسال رسائل نصية إلى أولئك الذين خالطوا أحد حاملي فيروس كورونا، ولإخطار السلطات المحلية، حتى تتمكن من وضع الأفراد في الحجر الصحي.

إجراءات قمعية لا يعارضها أحد

ولم تُثر مثل هذه الإجراءات نقاشاً عاماً يُذكر، فروسيا ليست الدولة الوحيدة في العالم التي زادت من أنظمة مراقبتها لكبح انتشار الفيروس.

توظيف التكنولوجيا للمراقبة والتتبع أثبت فعالية في مواجهة كورونا ولكن

في إسرائيل، وجَّه جهاز الأمن العام الإسرائيلي برنامجه القوي الخاص بالمراقبة، لتتبُّع تحركات المرضى المصابين بفيروس كورونا أو المشتبه في إصابتهم به. والآلية التي يستخدمها مشابِهة لتلك المستخدمة في روسيا، إذ تُستخدم  بيانات الهاتف وبطاقة الائتمان لتحديد المواقع، ويتولى مسؤولو الصحة بعد ذلك مهمة تنبيه وحجْر الأشخاص الذين كانوا على بُعد مترين، لمدة 10 دقائق أو أكثر، من شخص مصاب بالفيروس، وفقاً لوزارة الصحة في البلاد.

وقالت الوزارة في بيان، إن المعلومات لن تستخدم إلا من خبرائها، وستُحذف بعد 60 يوماً. لكن جماعات حقوقية قدَّمت عريضة ضدها إلى محكمة العدل العليا، التي حذَّرت من أنها ستوقف البرنامج ما لم يخضع لمزيد من الرقابة. وقال جهاز الأمن العام الإسرائيلي، الخميس 26 مارس/آذار، في بيان، إنه ساعد السلطات الصحية على تعرُّف وعزل أكثر من 500 شخص من السكان الذين تبيَّن أنهم مصابون بفيروس كورونا.

وفي كوريا الجنوبية، استخدمت الحكومة البيانات من معاملات بطاقات الائتمان، وتحديد الموقع الجغرافي للهاتف ولقطات كاميرات المراقبة، لتوفير معلومات تفصيلية عن مرضى فيروس كورونا، دون تحديد أسمائهم، وفقاً لموقع إلكتروني حكومي. وكانت النتيجة خريطة إمكان الناس من خلالها  معرفة ما إذا كانوا قد اقتربوا من حامل لفيروس كورونا أم لم يفعلوا. إلا أن التواريخ التفصيلية أدت إلى شعور بعض المرضى بانتهاك خصوصيتهم -بعد نشر معلوماتهم الشخصية دون موافقتهم- وقررت السلطات الحد من سياسات مشاركة البيانات.

وأفادت وكالة رويترز، بأن شركات الهاتف المحمول في الاتحاد الأوروبي تشارك بيانات المستخدمين مع السلطات الصحية بإيطاليا وألمانيا والنمسا؛ لمساعدتها في مراقبة امتثال الناس للتباعد الجسدي. وتدرس حكومة الولايات المتحدة استخدام بيانات لا تُعرف أسماء أصحابها، تقدمها شركات التكنولوجيا لأغراض مماثلة، وفقاً لصحيفة The Washington Post الأمريكية. لكن في روسيا، يُبدي دعاة الخصوصية قلقهم من أن استخدام الدولة للتعرف على الوجه كان بالفعل نقطة قانونية مبهمة؛ وبإمكان إجراءات أشد صرامةً وسط انتشار فيروس كورونا، أن تمكّن الدولة من ممارسة مزيد من التحكم في مواطنيها فور انتهاء الوباء.

يقول ساركيس داربانيان، المحامي لدى منظمة Roskomsvoboda، وهي منظمة غير حكومية تُعنى بتتبُّع الحريات عبر الإنترنت في روسيا: "يكمن الاختلاف في الدول التي تتمتع بدرجة أكبر، من ثقافة الخصوصية وتفرض درجة أكبر، من التقييد على الوصول إلى هذه البيانات واستخدامها. الشيء المخيف هو أن الوباء سينتهي يوماً، لكنني واثق بأن هذه الإجراءات ستستمر".

وفي الوقت نفسه، تخطط روسيا لتوسيع أنظمتها الحالية مع تزايد عدد حالات فيروس كورونا. لكن نظام المراقبة المتسلط في موسكو أبعد ما يكون عن الكمال. فخارج العاصمة الروسية، يقتصر التعرف على الوجه عادة على المطارات ومحطات السكك الحديدية، لكن الحكومة تقول إنها تستعد للاستفادة من أدوات المراقبة الأخرى؛ في محاولة لوضع خريطة تفصيلية لأنماط انتشار الفيروس.

تحميل المزيد