الأقمار الصناعية تكشف مصنعاً للصواريخ الباليستية بالسعودية.. هل تنجح الرياض بإنتاج رؤوس نووية؟

عربي بوست
تم النشر: 2019/01/25 الساعة 14:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/03/30 الساعة 18:17 بتوقيت غرينتش
صاروخ باليستي

قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية إن صوراً التقطتها الأقمار الصناعية تشير إلى أنَّ المملكة العربية السعودية قامت ببناء أول مصنع معروف عنها حتى الآن للصواريخ الباليستية، وذلك وفقاً لخبراء في الأسلحة ومحللي صور، وهو تطور يثير أسئلة حول الطموحات العسكرية والنووية المتزايدة  للمملكة في ظل حكم ولي عهدها البالغ 33 عاماً.

إذا دخل المصنع المشتبه به حيز التشغيل في القاعدة الصاروخية في منطقة الوطح جنوب غرب الرياض، فسوف يسمح للمملكة السعودية بتصنيع صواريخها الباليستية الخاصة، مما يغذي المخاوف من تدشين سباق تسلح ضد منافستها الإقليمية إيران.

لا تمتلك السعودية في الوقت الحالي أسلحةً نووية، لذلك من المرجح أن تكون أي صواريخ تُنتَج في المصنع المشار إليه صواريخ تقليدية. لكن وجود منشأة لصنع الصواريخ ستكون عنصراً حاسماً في أي برنامج سلاح نووي سعودي في نهاية المطاف، مما يمنح المملكة نظرياً القدرة على إنتاج الأنظمة المفضلة لإنتاج الرؤوس النووية.

لكن هل باستطاعتها ذلك؟

قال جيفري لويس، خبير الأسلحة النووية في معهد ميدلبري للدراسات الدولية بمدينة مونتيري الأمريكية، والذي اكتشف المصنع مع فريقه عند تحليل صور الأقمار الصناعية للمنطقة: "من المحتمل أنَّ تقوم السعودية ببناء صواريخ بعيدة المدى، وسوف تسعى للحصول على أسلحة نووية، كنا نتصور أنَّه ليس باستطاعتهم القيام بذلك. ربما كنا نستهين برغباتهم وقدراتهم".

واﺗﻔﻖ ﺧﺒﻴﺮان ﺻﺎروﺧﻴﺎن إﺿﺎﻓﻴﺎن راﺟﻌﺎ اﻟﺼﻮر لصحفية The Washington Post الأمريكية، هما ﻣﺎﻳﻜﻞ إﻳﻠﻤﺎن، ﻣﻦ اﻟﻤﻌﻬﺪ اﻟﺪوﻟﻲ ﻟﻠﺪراﺳﺎت الاﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ، وﺟﻮزﻳﻒ ﺑﺮميودز، من مركز اﻟﺪراﺳﺎت الاﺳﺘﺮاﺗﻴﺠﻴﺔ واﻟﺪوﻟﻴﺔ، ﻋﻠﻰ أنَّ اﻟﺼﻮر اﻟﻔﻮﺗﻮﻏﺮاﻓﻴﺔ عالية الدقة لموقع "الوطح" تُظهر أنَّ الموقع به منشأة إنتاج واختبار لمحركات الصواريخ، ربما باستخدام الوقود الصلب.

ومن غير الواضح من صور الأقمار الصناعية ما إذا كانت المنشأة قد اكتمل بناؤها أو ما إذا كانت قادرة عملياً على تصنيع الصواريخ. وبغض النظر عن ذلك، فإنَّ المُجمَّع، الذي بدأ في الظهور عام 2013، عندما كان الملك سلمان وزيراً للدفاع، يسلط الضوء على نية المملكة في صنع صواريخها المتقدمة بعد أعوام من سعيها لشرائها من الخارج؛ إذ نجحت في ذلك في بعض الأحيان.

قاعدة الوطح الصاروخية على بعد 201 كم من الرياض/ تلغراف
قاعدة الوطح الصاروخية على بعد 201 كم من الرياض/ تلغراف

امتناع عن التعليق!

ورفض متحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن التعليق على طبيعة المنشأة في قاعدة الصواريخ. كما امتنعت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، ووزارة الخارجية الأمريكية، ووكالة الاستخبارات المركزية عن التعليق.

وتأتي أخبار وجود المنشأة في مرحلة فارقة تمر بها السعودية على الساحة الدولية، إذ تتخذ المملكة نهجاً أكثر اندفاعاً تجاه استخدام القوة العسكرية في عهد ولي عهدها الجديد الأمير محمد بن سلمان، الذي حذَّر في مقابلة له العام الماضي، مع برنامج "60 Minutes" على قناة CBS الأمريكية، من أنَّ المملكة ستصنع قنبلة نووية إذا ذهبت إيران باتجاه ذلك. وجدير بالذكر أنَّ ولي العهد يشغل منصب وزير الدفاع منذ عام 2015.

وتسعى السعودية إلى التوصل إلى اتفاق لإنشاء محطة طاقة نووية مع الولايات المتحدة قد يتضمن السماح لها بإنتاج وقود نووي. وجدير بالذكر أنَّ إصرار المملكة على إنتاج الوقود المحلي أثار مخاوف بين المسؤولين الأمريكيين من أنَّ المملكة لا تريد مشروع الطاقة الذرية للاستخدام المدني فقط، لكن أيضاً لأغراض سرية لصنع الأسلحة النووية.

أدى مقتل المعارض السعودي وكاتب الأعمدة بصحيفة The Washington Post، جمال خاشقجي، على أيدي عملاء سعوديين في إسطنبول، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إلى تقوية المعارضة لصفقة محطة الطاقة النووية في الكونغرس.

رؤوس حربية في أقل من عام؟

تعد مناورة السعودية لبناء مصنع للصواريخ الباليستية أمراً منطقياً بالنظر للمنافسين في جوارها. تجاور المملكة إسرائيل المسلحة ببرنامج متقدم من الصواريخ والأسلحة النووية، وإيران التي استمرت في تطوير قدراتها الخاصة على صنع الصواريخ الباليستية. وإذا ما توقفت إيران عن الالتزام بالقيود التي يفرضها الاتفاق النووي لعام 2015، يعتقد العديد من المحللين أنَّه بإمكانها إنتاج رؤوس حربية نووية في أقل من عام.

انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق الإيراني، ويرجع ذلك جزئياً إلى التهديدات الصاروخية لطهران التي لم تكن مشمولة بالاتفاق.

ومن شأن إنشاء منشأة عملية لإنتاج الصواريخ الباليستية أن يسمح للمملكة العربية السعودية بالبدء في مطابقة بعض قدرات صنع الصواريخ المحلية التي طورتها إيران على مر السنين، واستغلتها لتزويد المتمردين الحوثيين، الذين يقاتلون القوات المدعومة من السعودية في اليمن.

أصبح وجود قاعدة للصواريخ الاستراتيجية السعودية في الوطح معروفاً لأول مرة في منتصف عام 2013، بعد أن نشرت صحيفة التلغراف صوراً بالأقمار الصناعية للمنشأة العسكرية، التي كان يشتبه في أنَّها تؤوي الصواريخ الباليستية المشتراة من الصين.

"لم تعد مجرد قاعدة صاروخية"!

لكن عندما قام خبير الأسلحة النووية جيفري لويس وزميلاه، ديفيد شمرلر، وفابيان هينز، بالنظر إلى صور الأقمار الصناعية لمنطقة الوطح التي التقطتها شركة Planet Labs الأمريكية مؤخراً، اكتشفوا كما قال لويس أنَّها "لم تعد مجرد قاعدة صاروخية".

وقالوا إنَّ القاعدة لا تزال كما هي بمنصة الإطلاق الخاصة بها، والأنفاق الممتدة تحت الأرض، والمباني الإدارية، لكن على الجانب الآخر من القاعدة ظهرت منشأة جديدة تماماً، بدت تشبه كثيراً مصنعاً لمحركات الصواريخ مصمماً لصنع صواريخ باليستية.

وشملت المنشأة مباني مرتفعة، يقول عنها لويس إنَّها تبدو وكأنها طويلة بما فيه الكفاية لتحميل محركات الصواريخ وتزويدها بالوقود. وكان هناك دليلٌ آخر هو وجود حاجز حول أحد الهياكل للحماية من الانفجارات. وكان الموقع أيضاً محاطاً بقضبان مانعة للصواعق، نظراً لأنَّ الهياكل المعدنية الطويلة يمكنها جذب الشحنات الكهربائية الزائدة التي يمكنها إشعال المواد الملدة للطاقة، فضلاً عن أنَّ وجود المنشأة في نفس مكان قاعدة الصواريخ السعودية القائمة بالفعل يعزز من فرضية صنع الصواريخ.

والأهم من ذلك، هناك ما يبدو أنَّه حامل اختبار لمحرك صاروخي. يشير لويس إلى أنَّ الإعداد الأفقي، إلى جانب عدم وجود أنابيب أو خزانات في الصور، يشير إلى أنَّ هذه المنشأة ربما صُمِّمَت لإنتاج صواريخ تعمل بالوقود الصلب بدلاً من الصواريخ التي تعمل بالوقود السائل.

وتسعى الدول أكثر للحصول على الصواريخ التي تعمل بالوقود الصلب؛ لأنَّه يسهل إخفاؤها، ويمكن إطلاقها بسرعة أكبر، ويمكن تخزينها لفترة طويلة، ما يجعلها أقدر على البقاء في الصراع. لكن تظل الطريقة التي حصل بها السعوديون على الخبرة التكنولوجية اللازمة لبناء المنشأة غير واضحة. لكنْ هناك مورد واحد محتمل، وهو الصين.

ما دور الصين؟

يبدو محرك الاختبار السعودي، بحسب لويس، صينياً، على وجه الخصوص. وبينما تختبر معظم الدول محركات الصواريخ في الأماكن المفتوحة، يقول لويس إنَّ الصين تغطي جزئياً اللهب الخارج من المحرك، وتُبرِّد مبنى الاختبار بالماء بحيث لا تشتعل فيه النيران. وأشار إلى أنَّ مجمع الاختبار السعودي يبدو أنَّه يكرر هذه الإعدادات، مع وجود خندق للمياه بجوار حامل الاختبار بالإضافة إلى ما يبدو أنَّها مجارٍ لصرف المياه.

كانت الصين قد باعت في الماضي صواريخ باليستية للسعودية، وساعدت في توفير قدرات إنتاج الصواريخ الباليستية لدول أخرى. وفي تسعينيات القرن الماضي، بنت باكستان سراً مصنعاً للصواريخ متوسطة المدى، باستخدام مخططات ومعدات قدمتها الصين. ولطالما جذب المصنع في باكستان انتباه كبار المسؤولين السعوديين.

ويظل ومن غير الواضح انخراط الصين أو باكستان في بناء المنشأة السعودية. كما أنَّه ليس من الواضح نوع الصواريخ الباليستية التي تصنعها السعودية أو تستعد لإنتاجها. لم ترد السفارتان الصينية والباكستانية في واشنطن على طلبات التعليق.

وقال كل من لويس وإيلمان وبرميودز إنَّ المحطة أصغر من تلك الموجودة في البلدان الأخرى، مما يشير إلى أنَّها قد تكون ذات قدرات محدودة، ولا تُظهر صور الأقمار الصناعية الأخيرة أي سيارات في موقف السيارات في الموقع، مما يزيد من احتمال عدم دخول المحطة حيز التشغيل بعد. وقالوا أيضاً إنَّ بها حواجز أقل ضد الانفجارات -أكوام ترابية تعرف باسم السواتر- من منشآت الإنتاج المماثلة في الدول الأخرى.

هل ستمنع واشنطن الرياض من امتلاك تكنولوجيا قادرة على حمل أسلحة نووية؟

تقليدياً، سعت الولايات المتحدة رسمياً لمنع انتشار تكنولوجيا الصواريخ الباليستية. وفي إحدى المراحل، فرضت واشنطن عقوبات على الصين، على سبيل المثال، لتقديمها قاذفات صواريخ ومكونات صاروخية إلى باكستان في التسعينيات.

يقول إيلمان: "في ظل الظروف العادية، سنقوم بكل ما في وسعنا لمنع السعوديين وإقناعهم بعدم القيام بذلك. لطالما عارضت الولايات المتحدة نقل تكنولوجيا الصواريخ القادرة على حمل أسلحة نووية".

الطريقة الرئيسية التي تسعى بها الولايات المتحدة لمنع انتشار تكنولوجيا الطائرات بدون طيار والصواريخ هي من خلال نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف MTCR، وهو اتفاق طوعي غير رسمي متعدد الأطراف مصمم لمنع نقل بعض التقنيات الصاروخية. الصين ليست عضواً في هذا النظام ولكنَّها وافقت على الالتزام ببعض أحكامه.

وفي الوقت الذي تبيع فيه الولايات المتحدة فئاتٍ من الأسلحة إلى السعودية، لم تبع واشنطن صواريخ باليستية إلى الرياض، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ مثل هذه الصواريخ كانت تعتبر تقليدياً مزعزعة للاستقرار في المنطقة. وقد اتجهت السعودية إلى الصين في الماضي عندما قوبلت برفض من الولايات المتحدة لبعض طلبات الأسلحة.

الصين تقيم مصنعا لإنتاج طائرات بدون طيار في السعودية
الصين تقيم مصنعا لإنتاج طائرات بدون طيار في السعودية

على سبيل المثال، رفضت الولايات المتحدة طلبات سعودية متكررة بشراء الطائرات الأمريكية بدون طيار من الفئة الأولى، بما في ذلك طائرات "Predators" و"Reapers"، ويرجع ذلك جزئياً إلى لوائح نظام مراقبة تكنولوجيا القذائف. عوضاً عن ذلك، اتجهت المملكة إلى الصين؛ إذ اشترت في البداية طائرات بدون طيار، ثم قامت بعد ذلك بإبرام صفقة تقوم فيها الصين ببناء مصنع للطائرات بدون طيار في السعودية سيؤدي إلى إنتاج نسخة صينية مقلدة لهذه الطائرات من طراز "Predators".

تحميل المزيد