الهيمنة القديمة الجديدة.. كيف تتحكم أمريكا بالتنافس السعودي الإيراني على النفط في الخليج؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/11/30 الساعة 17:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/01 الساعة 06:57 بتوقيت غرينتش
دعمت السعودية إلى حد كبير سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في عزل إيران ومعاقبتها/ رويترز

النفط سلعة دولية استراتيجية، ويشيع استخدامه لأغراض سياسية. ولا يمكن فهم دوره في المنافسة السعودية الإيرانية دون تحليل السياق الدولي، وهياكل السلطة التي تحكم الطريقة التي تتفاعل بها الدول مع بعضها البعض. وتأتي في قلب كل هذا هيمنة الولايات المتحدة على هذا النظام الدولي.

ديناميات النفط في الخليج العربي

تقول مجلة National Interest الأمريكية، إن ديناميات النفط بين الولايات المتحدة وإيران والسعودية تجلت في سبتمبر/أيلول عام 2019، بعد سلسلة من هجمات الطائرات المسيرة على منشآت نفط سعودية. وتسببت هذه الهجمات في توقف إنتاج 5.7 مليون برميل من إنتاج النفط الخام يومياً، أي ما يقرب من نصف الإنتاج السعودي.

وفي حين أن التنافس السعودي الإيراني على النفط هو ظاهرياً شأن هذين البلدين وحدهما، إلا أنه كان له دوماً بُعد دولي، طغت عليه الولايات المتحدة.

بعد الثورة

شكلت الثورة الإيرانية التي اندلعت عام 1979 نقطة تحول للدور الذي يؤديه النفط في العلاقات السعودية الإيرانية. فقبلها، كان كلا البلدين حليفين مهمين للولايات المتحدة، وجلب لهما هذا الموقف فوائد سياسية واقتصادية خاصة لصناعاتهما النفطية. لكن الثورة الإسلامية التي قامت عام 1979، في إيران مهدت الطريق لفصل مسار البلدين.

ففي حين ظلت السعودية حليفاً قوياً للولايات المتحدة، تبنت إيران سياسة خارجية ثورية ومعادية للغرب، أدت إلى عزلها عن النظام الدولي الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة.

الحرمان الإيراني

ونتيجة لذلك، منذ عام 1979، أصبحت صناعة النفط الإيرانية خاضعة للضغوط الأمريكية، بحصارها وفرض مجموعة من العقوبات الاقتصادية، التي أعاقت إنتاج النفط الإيراني. وأصبحت إيران عاجزة عن الوصول إلى مستوى إنتاج النفط في سنوات ما قبل الثورة الذي كان يبلغ أكثر من ستة ملايين برميل في اليوم. وفي الوقت نفسه، بلغ إنتاج النفط السعودي أكثر من 12 مليون برميل يومياً عام 2018.

وقد أدى ذلك إلى حرمان صناعة النفط الإيرانية من الاستثمارات الأجنبية اللازمة ووصول التكنولوجيا إليها، وقد تأخرت عن شركة أرامكو السعودية، شركة النفط المملوكة للدولة، وغيرها من المنافسين الإقليميين. وقد دعمت السعودية إلى حد كبير سياسة الولايات المتحدة المتمثلة في عزل إيران ومعاقبتها، وخاصة في صناعتها النفطية، التي، كما ذكر في موضع آخر، ساهمت في التوترات القائمة في العلاقات السعودية الإيرانية.

وفي الوقت الذي تستعد فيه أرامكو السعودية للاكتتاب العام الأولي في ديسمبر/كانون الأول الذي قد يجعلها أكبر شركة تضامنية في العالم، تحاول إيران جاهدة تنشيط صناعتها النفطية التي عفا عليها الزمن. وكما اعترف وزير النفط الإيراني بيجان زنغَنة أوائل عام 2019، أصبحت العديد من منشآت النفط القديمة الإيرانية في حقيقتها "متاحف مفتوحة".

الأجندة الأمريكية القديمة الجديدة

وما زال لدى الولايات المتحدة هذا التأثير على سياسات النفط في الشرق الأوسط بسبب الطريقة التي فرضت بها أجندتها الدولية منذ عام 1945. فبعد الحرب العالمية الثانية، عززت الولايات المتحدة هيمنتها على نظام دولي يقوم على مبادئ ليبرالية ورأسمالية. وبينما تكافئ الولايات المتحدة حلفاءها بمنافع اقتصادية وسياسية، فإنها تعاقب منافسيها بمجموعة من التدابير السياسية والاقتصادية، لا سيما العقوبات الاقتصادية.

وأصبح النفط سلعة دولية استراتيجية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبدأ يؤدي دوراً محورياً في الطريقة التي حافظت بها الولايات المتحدة على هيمنتها العالمية. ولتحقيق ذلك، سعت الولايات المتحدة إلى تحرير الاقتصادات الغنية بالنفط في "الجنوب العالمي" مثل السعودية وإيران وعولمتها، لتعزيز مصالحها الوطنية وترسيخ مكانتها المتميزة داخل النظام الحالي.

وعلى ذلك، أصبح تزويد الأسواق الدولية بنفط الشرق الأوسط دون انقطاع -وبسعر معقول- أداة أساسية للحفاظ على الهيمنة الأمريكية، رغم أن الولايات المتحدة لا تحتاج إلى استيراد النفط من الشرق الأوسط.

عالم تهيمن عليه الولايات المتحدة

قدمت الخبيرة الاقتصادية سوزان سترينغ إطاراً نظرياً عام 1987، لشرح هيكل الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي من خلال أربعة أبعاد رئيسية هي: الإنتاج والتمويل والأمن والمعرفة. وهذه أيضاً طريقة مفيدة لفهم الكيفية التي تُشكل بها الولايات المتحدة سوق النفط العالمي، والتنافس السعودي الإيراني.

بحلول عام 2018، في أعقاب طفرة في الصخر النفطي، أصبحت الولايات المتحدة أكبر بلد منتج للنفط في العالم بإنتاجها ما يبلغ 15 مليون برميل في اليوم. من الناحية المالية، كان سعر النفط وتداوله يُحدَّد بالدولار الأمريكي، تحديداً منذ أوائل سبعينيات القرن الماضي حين أجريت سلسلة من المفاوضات والاتفاقيات التي تربط بيع النفط بالدولار الأمريكي بين السعودية والولايات المتحدة. وقد أدى ذلك إلى زيادة الطلب العالمي على الدولار الأمريكي، وساعد الولايات المتحدة في التعامل مع عجزها التجاري والحفاظ على انخفاض أسعار الفائدة. وساعدت الولايات المتحدة أيضاً في مراقبة تجارة النفط من خلال التحكم في التحويلات المصرفية العالمية.

وتؤدي الولايات المتحدة أيضاً دور مقدم الخدمات الأمنية الرئيسي للممالك الخليجية الغنية بالنفط، ولها قواعد عسكرية علنية معترف بها في أكثر من 12 دولة في الشرق الأوسط. وفضلاً عن ذلك، فإنها تتمتع بسيادة على المعرفة العالمية، ويتجلى ذلك بوضوح في استمرار سيطرتها وهيمنتها على الاحتياجات التكنولوجية للقطاع. وبقيادتها الابتكار العالمي والتطور التكنولوجي في ثورة الصخر النفطي، على سبيل المثال، وامتلاكها أعلى ميزانية للبحث والتطوير، تسيطر الولايات المتحدة إلى حد كبير على حركة التكنولوجيا العالمية. وقد حرم هذا إيران أيضاً من التكنولوجيا اللازمة ورأس المال والدراية الفنية اللازمين لتحديث صناعة النفط القديمة، وهو ما يحد من إنتاجها.

لذا، رغم حقيقة أن التنافس النفطي السعودي الإيراني يبدو قضية إقليمية، يعد دور القوة الأمريكية في عالم تحكمه العولمة رئيسياً في تشكيل هذه المنافسة السياسية الإقليمية على النفط.

تحميل المزيد