"طائرة مسيرة تقصف صورة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان منصوبة فوق الجبل"، حظي هذا المشهد بشعبية كبيرة بين الأتراك، وكان تجسيداً لنجاح تركيا في التحول لقوة كبرى في مجال تكنولوجيا الطائرات بدون طيار رغم القيود الأمريكية عليها.
فقد استطاعت تركيا التحايل على حظرٍ أمريكي لتصدير الطائرات دون طيار المقاتلة بمساعدة قطعة تُستخدَم في تصنيع الصواريخ طُوِّرَت لأول مرة في المملكة المتحدة، ما سمح لأنقرة بأن تصبح قوة ناشئة في هذه التكنولوجيا الفتاكة التي يحذر الخبراء من أنَّها تنتشر على نحوٍ خطير، حسب ما ورد في تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية.
ثاني أكبر مستخدم للطائرات بدون طيار في العالم
ساهمت المساعدة الحيوية من أحد المصانع في مدينة برايتون الإنجليزية في معاونة تركيا في طريقها كي تصبح ثاني أكبر مستخدم للطائرات المسلحة بدون طيار في العالم، وواحدةً من ضمن عددٍ من البلدان التي تقتفي أثر الأدوات الأولى التي استخدمتها الولايات المتحدة في "حربها على الإرهاب".
واستُخدِمَت طائرات "بيرقدار تي بي 9" (Bayraktar TB2) التركية دون طيار بقوة في العمليات الثلاث التي شنَّتها أنقرة حتى الآن ضد القوات التي يقودها الأكراد في سوريا، وتسبَّبت في مقتل 449 شخصاً في إحدى هذه العمليات، وهو ما يرقى إلى المركز الخامس ضمن قائمة الخسائر المعلن عنها رسمياً في الأرواح.
استُخدِمَت الطائرة كذلك لقتل مَن قالت وزارة الدفاع التركية إنَّهم "خمسة إرهابيين من حزب العمال الكردستاني" عبر الحدود في العراق هذا الشهر نوفمبر/تشرين الثاني، في محاكاةٍ للضربات التي تقوم بها الولايات المتحدة خارج الحدود في باكستان واليمن والصومال.
دور بريطانيا في تطوير الطائرة
لكن في حين أنَّ طائرات بيرقدار مُصنَّعة من جانب شركة تركية، لم يكن من الممكن تطويرها دون حامل أو رفرف صاروخ هورنيت (Hornet)، الذي طوَّرته وورَّدته شركة EDO MBM Technology التي يقع مقرها في ضواحي مدينة برايتون في حدود العام 2015.
ويُظهِر مقال في مجلة Jane's Defence Review يعود إلى مايو/أيار من عام 2016 أنَّ صاروخ هورنيت وُرِّد إلى شركة Baykar التركية المُصنِّعة لطائرات بيرقدار في مرحلة التطوير الأولي الحاسمة. ومَضَت الشركة التركية قُدُماً في تطوير حوامل أو رفارف الصواريخ الخاصة بها.
أسطول مكون من 86 وحدة
وبعد مرور أربع سنوات، تُشغِّل قوات الأمن التركية أسطولاً مكوناً من 86 طائرة بيرقدار تي بي 2 مسلحة، وباتت البلاد لاعباً ناشئاً يبرز بخطى سريعة في استخدام الطائرات دون طيار على مستوى العالم، وهو المجال الذي كانت تهيمن عليه الولايات المتحدة، وبدرجةٍ أقل المملكة المتحدة وإسرائيل، حتى ثلاث أو أربع سنوات مضت.
قال كريس كول، مدير منظمة Drone Wars UK غير الربحية والمعنيّة بمجال الطائرات دون طيار، وعلى وجه الخصوص في بريطانيا: "ما نراه الآن هو أنَّ بلداناً مثل تركيا تصبح لاعباً رئيسياً في استخدام الطائرات دون طيار المستعدة للانخراط في عمليات قتل دقيقة الاستهداف خارج حدودها، مثل الولايات المتحدة".
وباتت الساحة الآن مليئة بمُصنِّعين جدد، بما في ذلك الصين وكذلك تركيا، إلى جانب مشترين جدد، بما في ذلك دولة الإمارات، التي تقف وراء نشر هذه الطائرات في الحرب الأهلية الليبية الدائرة دعماً للمتمردين بقيادة اللواء خليفة حفتر.
وها هي الطائرة بيرقدار تستخدم ضد حفتر
في غضون هذا، استخدم خصوم حفتر، أي الحكومة المعترف بها دولياً ومقرّها طرابلس، طائرات بيرقدار تي بي 2 التركية دون طيار للرد عليه، في صراعٍ قتلت فيه الطائرات دون طيار العشرات.
لطالما كان هدف الحكومة التركية هو نشر الطائرات دون طيار ضد انفصاليي حزب العمال الكردستاني المشاركين في تمردٍ عنيف مستمر منذ أمدٍ طويل جنوب شرقي البلاد قرب الحدود مع سوريا والعراق.
فجاء في برقية دبلوماسية أمريكية تعود إلى عام 2009، كُشِف عنها كجزءٍ من وثائق ويكيليكس المُسرَّبة وكان كتبها السفير الأمريكي لدى تركيا آنذاك جيمس جيفري: "تسعى تركيا للحصول، بصورة عاجلة، على قدراتها الخاصة من الطائرات دون طيار لتتمكن من مواصلة العمليات ضد حزب العمال الكردستاني دون مساعدة الولايات المتحدة".
وجاء هذا المشروع بعدما رفض الأمريكيون تزويد أنقرة بالطائرة Predator.. قصة الطالب العبقري
قاد رجب طيب أردوغان، رئيس وزراء تركيا آنذاك، محاولات عديدة لشراء طائرات Predator دون طيار من الولايات المتحدة، لكنَّ تلك المحاولات اصطدمت برفض الكونغرس، وهو الجهة التي تلزم موافقتها على تلك المبيعات، ما أجبر أنقرة على سلوك نهجٍ بديل.
بدأت تركيا بعد ذلك برامجها الخاصة لتطوير طائرة دون طيار، أشرف عليها بصورة كبيرة سلجوق بيرقدار، وكان وقتها طالب دكتوراه طموح بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة والذي بات متزوجاً الآن من صغرى بنات أردوغان، سمية.
جاء الإنجاز الرئيسي في ديسمبر/كانون الأول 2015، حين اختبر بيرقدار بنجاح لأول مرة إطلاق صاروخ من طائرته دون طيار "تي بي 2".
ولكنهم كانوا في حاجة لحوامل الذخائر الصغيرة
تطلَّب إطلاق الصاروخ مساعدة نظام صاروخ هورنيت، وهو "نظام نقل" وُرِّد لشركة Baykar التركية مُصمَّم لما تسمِّيه الشركة الأم EDO MBM "الذخائر الصغيرة"، وهي قذائف صغيرة وخفيفة مُصمَّمة لتجنُّب إثقال الطائرة دون طيار وقادرة في الوقت نفسه على القيام بضربات أكثر دقة.
وتُعَد هذه معدات متطورة، يصفها بعض الخبراء بأنَّها "اليد الذكية" التي تضمن خروج الذخائر التي تُطلَق من الطائرة دون طيار بصورة صحيحة في اتجاه إحداثيات الهدف المُحدَّدة.
قدَّمت شركة EDO براءات الاختراع لأول مرة في المملكة المتحدة عام 2014، وفي الاتحاد الأوروبي وتركيا بعد ذلك بعام، مثلما يتضح في ملف أدلة جمعه سيري غيبونز، وهو باحث لدى مجموعة "Brighton Against Arms Trade" (برايتون ضد تجارة السلاح) المناهضة لبيع الأسلحة، وتحقَّقت صحيفة The Guardian البريطانية من صحة الملف.
ورغم أن الشركة تعود ملكيتها لكيان أمريكي فإنها مسجلة في بريطانيا
وتعود ملكية شركة EDO MBM لشركة L3 Harris الأمريكية، وتُعَد هذه الأخيرة سادس أكبر متعهد في العالم في مجال الدفاع.
لكن لأنَّ شركة EDO MBM تقع في المملكة المتحدة، فإنَّها تخضع قواعد السلاح التنظيمية في بريطانيا وليس الولايات المتحدة، ما يعني أنَّ بإمكانها قانونياً تصدير حامل القذائف الحساس.
ولم تُعلِّق شركتا L3 Harris أو Baykar على المعلومات المتعلقة بتقنيتهما أو العلاقة بينهما.
وقال باري غاردينر، المتحدث باسم حزب العمال البريطاني لشؤون التجارة الدولية، إنَّه يشعر بالقلق إزاء مبيعات السلاح البريطانية لتركيا. وأضاف أنَّ الحزب سيُدخِل "إصلاحات شاملة على ضوابط تصدير الأسلحة لضمان عدم استخدام الأسلحة البريطانية في قتل المدنيين الأبرياء".
صورة أوجلان تتحطم.. وهكذا أحدثت هذه الطائرة ثورة في الحرب ضد حزب العمال الكردستاني
لقد أحدثت طائرة بيرقدار تي بي 2 ثورة في عمليات أنقرة ضد حزب العمال الكردستاني جنوب شرقي تركيا وفي شمال العراق، مُتسبِّبةً في تقييدٍ شديد لتحركات الحزب.
وبإمكان الطائرة بيرقدار تي بي 2 التحليق لمدة 24 ساعة على ارتفاع 7300 متر وحمل شحنة متفجرة يصل وزنها إلى 150 كيلوغراماً. ومن ثمَّ تُعَد الطائرة مسلحة جيداً ومصدراً للفخر القومي التركي.
ولاقت لقطاتٌ مصورة لطائرة دون طيار من طراز بيرقدار تي بي 2 وهي تدمر صورة كبيرة لمؤسس حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، منصوبة على جبل دارمق قرب مدينة عفرين السورية، احتفاءً واسعاً في مختلف أنحاء البلاد لدرجة أنَّها أدَّت إلى تطوير لعبة للهواتف الذكية يستطيع فيها اللاعب تشغيل طائرة دون طيار مسلحة في عفرين، وهي منطقة كان يسيطر عليها الأكراد في سوريا حتى دخلتها تركيا عام 2018.