شركات السلاح تريد دعم حفتر، وبوتين لا يرى ذلك حلاً.. لماذا أبقى السراج على شعرة معاوية مع الروس؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/28 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/28 الساعة 16:16 بتوقيت غرينتش
رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج مع مقاتلين/ رويترز

عقب زيارة رئيس حكومة الوفاق الوطني في ليبيا فايز السراج إلى روسيا لحضور قمة روسيا إفريقيا في مدينة سوتشي، تخطط طرابلس وموسكو لإبرام صفقة لشحن مليون طن من القمح الروسي إلى ليبيا.

وصرح رئيس لجنة الاتصال الروسية الخاصة بتسوية الأزمة الليبية، ليف دينغوف، لصحيفة Kommersant الروسية، بأنَّ الصفقة التي تمتد لعام واحد قد تُوقَّع خلال شهر، ومن المرجح أنها ستُنفَذ بنهاية العام الحالي، بحسب تقرير لموقع Al-Monitor الأمريكي.

إلى جانب ذلك، ناقش السراج مع مسؤولين روس سبل تعاون أخرى، منها مشاريع إنشاء محطات توليد طاقة. 

روسيا تلعب دور الوسيط

وينبغي أن يُنظَر لزيارة رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية إلى مدينة سوتشي على أنها بادرة من موسكو للإقرار بشرعية سلطة السراج. ومع ذلك، وصل بعض ممثلي "الحكومة المؤقتة" الموالية لخليفة حفتر من شرقي ليبيا إلى روسيا، على الرغم من أنَّ مستوى التمثيل لهذا الفريق كان أقل على نحوٍ ملموس؛ إذ ترأسه وزير الخارجية عبدالهادي الحويج. وقال مصدر مطلع، تحدث مع موقع Al-Monitor الأمريكي بشرط عدم الإفصاح عن هويته، إنَّ الجانب الروسي اعترض على وجود قادة كيانات أخرى بخلاف حكومة الوفاق الوطني في المنتدى الاقتصادي روسيا وإفريقيا؛ لهذا لم يحضر حفتر ولا رئيس الحكومة المؤقتة عبدالله الثاني. 

ونالت المرحلة الأولى من الحملة العسكرية التي شنها حفتر على طرابلس دعماً دبلوماسياً من الحكومة الروسية؛ في ضوء التوقعات بتحقيق حفتر نجاحاً سريعاً، وهي الفرضية التي طرحها رعاة حفتر الأساسيين المتمثلين في مصر والإمارات والولايات المتحدة، للجانب الروسي على أنها حتمية الحدوث. إلا أنه مع اتضاح عجز حفتر عن السيطرة على طرابلس، احتج غالبية المجتمع في غربي ليبيا على ديكتاتوريته العسكرية، وخسرت قوات حفتر عدداً من البؤر الاستراتيجية حول العاصمة، وبدأت روسيا تتراجع عن الدعم المباشر لقوات اللواء المنشق.                        

وتمكَّن السراج، من خلال زيارته لسوتشي، من التعويض إلى حد ما عن زيارات حفتر السرية لموسكو. إذ تجدر الإشارة إلى أنَّ رئيس حكومة الوفاق الوطني تلقى دعوة رسمية للقمة، على عكس رحلات حفتر التي غُلِفَت بستار الكتمان. وهكذا، يمكن أن نستنتج أنَّ الفصيل في روسيا الذي يناصر الحفاظ على التوازن في العلاقات مع طرابلس وطبرق، وعلى استعداد للتواصل مع حكومة الوفاق الوطني -ويأتي على رأس هذا الفصيل رئيس جمهورية الشيشان رمضان قديروف- تمكن من فرض أجندته. وفي الوقت نفسه، لا تزال بعض الجهات المؤثرة داخل النخبة الروسية تسعى جاهدة لإقناع الكرملين بالاعتماد على حفتر، وحتى الذهاب إلى أبعد من ذلك بقطع جميع الاتصالات مع حكومة الوفاق الوطني، وبالتالي تبني نفس استراتيجية مصر والإمارات.

خلاف داخل روسيا على دعم حفتر

وفي هذا الصدد، علَّق جليل حرشاوي، الباحث المختص في شؤون الأمن والسياسة الليبية، إنَّ النخب الروسية لديها خلافات حول النزاع الليبي؛ "لأنَّ هذه الدينامية ليس لها نظير في أوكرانيا أو سوريا".

على سبيل المثال، يرغب بعض مسؤولي القطاعين الأمني والعسكري، وأباطرة صناعة الأسلحة، ورواد الأعمال المنخرطين في أنشطة شركات الخدمات العسكرية الخاصة في تعزيز الدعم العسكري الروسي لحفتر؛ لما قد يترتب على ذلك من صفقات جديدة لشركات النقل والخدمات العسكرية الخاصة وموردي الأسلحة في روسيا قبل بدء عملية إحلال السلام في ليبيا. وفي نهاية المطاف، قد تفسح هذه السياسة المجال لإنشاء قواعد عسكرية في الدولة التي تقع في شمالي إفريقيا، على غرار تلك التي أنشأتها الإمارات. إلى جانب ذلك، أصبحت ليبيا بلا شك موطئ قدم استراتيجياً للأجهزة الأمنية والعسكرية الروسية باعتبارها قاعدة نقل لتسهيل الوجود العسكري جنوبي دول منطقة الصحراء في إفريقيا، وفي فنزويلا.            

ومن ثم، في سبيل تقويض العلاقات بين موسكو وطرابلس، أطلقت مجموعات المصالح الروسية التي تدعم حفتر حملة إعلامية تسعى لإفساد زيارة رئيس حكومة الوفاق الوطني إلى سوتشي.

وتمثلت إحدى عوامل إفساد العلاقات بين حكومة الوفاق الوطني وموسكو في المرتزقة الروس الذين يُزعَم أنهم شاركوا في معارك جيش حفتر ضد السراج بالقرب من طرابلس.

ومن جانبه، قال عماد الدين بادي، باحث غير مقيم في معهد الشرق الأوسط، لموقع Al-Monitor: "مشاركة الروس المباشرة على الخطوط الأمامية لم تحدث إلا مؤخراً بعد وفاة كاني". وكان محسن الكاني رئيساً لمليشيا الكاني، التي حاربت في صفوف قوات شرقي ليبيا.

وأضاف بادي أنَّ الروس كان لهم دورٌ مهم في التقدم الذي أحرزه جيش حفتر في اليرموك في 21 سبتمبر/أيلول، ورُصِد وجودهم هناك. إلى جانب أنَّ مهارات القنص التي أبلغت عنها العناصر التي حُشِدَت في ذلك اليوم تتجاوز أيضاً قدرات جنود [الجيش الوطني الليبي]. وقال "هذا يرجح احتمالية أنَّ Wagner (وهي شركة عسكرية خاصة روسية) أدت دوراً استشارياً قبل تلك الحملة".   

ومع ذلك، ينبغي الأخذ في الاعتبار أنَّ سراج كان يعلم على الأرجح بوجود شركات عسكرية روسية خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة حفتر. لكن يختلف نطاق أنشطة هذه الشركات في ليبيا اختلافاً كبيراً عنه في سوريا. ففي هذه الأخيرة، عملت الشركات العسكرية الخاصة كثيراً كوحدات هجومية أرضية ضمن القوات الروسية – وهو دور غير تقليدي لمثل هذه الكيانات.

شعرة معاوية مع بين السراج وروسيا

أما في ليبيا، فلا تمارس الشركات هذه المهام لأنَّ روسيا ليس لها وجود عسكري حقيقي هناك. ولهذا، دخلت بعض الشركات العسكرية الخاصة إلى ليبيا بموجب عقود لإتمام وظائف محددة -على سبيل المثال، تولت شركة RSB-Group مسؤولية إزالة الألغام. وكانت هناك أعمال أخرى سرية، لكن تقليدية، لشركات عسكرية خاصة؛ مثل توفير الأمن للمنشآت النفطية، وحراسة المسؤولين الحكوميين رفيعي المستوى وجنود التدريب.

علاوة على ذلك، يتولى المتخصصون الروس إصلاح الأسلحة والمعدات التالفة الخاصة بجيش حفتر، وتنقل الطائرات التابعة لشركات شبه قانونية البضائع لقواته. وعلى الرغم من أنَّ طرابلس تفضل عموماً تجاهل هذه الأعمال، اعتبر السراج اللحظة التي خرج فيها المرتزقة الروس إلى ميدان المعركة ضمن صفوف حفتر تجاوزاً لـ"خط أحمر دقيق". ومع ذلك، عندما نُشِرت أدلة على حدوث ذلك، تجنب زعيم حكومة الوفاق الوطني الإدلاء بأية تصريحات قاسية، ولم يفكر حتى في قطع الاتصالات مع موسكو؛ بل على العكس من ذلك، اختار زيارة سوتشي.

وكان ينبغي أن يفسد مجرد ظهور شركات عسكرية خاصة على الخطوط الأمامية بالقرب الحوار بين روسيا وحكومة الوفاق الوطني. ومن المرجح أنَّ السراج ركَّز خلال لقاءاته الخاصة مع ممثلي روسيا، على هامش المنتدى، على أنشطة المرتزقة الروس في ليبيا.

وتزامن النقاش الدائر حول تصرفات الشركات العسكرية الروسية الخاصة في معركة طرابلس مع حملة إعلامية تهدف إلى تشويه سمعة حكومة الوفاق الوطني، التي أطلقتها بعض وسائل الإعلام مثل FAN News، ومنظمات غير حكومية مثل Foundation for National Values Protection الروسية -وكلاهما جزء من "إمبراطورية الأعمال" المملوكة لرجل الأعمال يفغينى بريغوزين، مالك شركة PMC Wagner، المعروفة أيضاً باسم مجموعة Wagner.

شركات خاصة تدخل على الخط

فعلى سبيل المثال، وصفت بعض المنشورات علناً حكومة الوفاق الوطني بأنها "تنظيم إرهابي"، ولقبت السراج بـ"رئيس العصابة"، واعتبرت العلاقات بين موسكو و"عصابة الإرهابيين" هذه غير مقبولة. ووجدت هذه المبادرة تأييداً من بعض الخبراء السياسيين الروس وأعضاء مجلس الدوما (مجلس النواب في الجمعية الاتحادية لروسيا). وأشارت كذلك وسائل الإعلام هذه إلى سببٍ آخر لمنع سراج من حضور القمة في سوتشي؛ وهو أنَّ الأجهزة الأمنية لحكومة الوفاق الوطني اعتقلت في مايو/أيار اثنين من مسؤولي Foundation for National Values Protection الروسي، وتبقيهما في الأسر إلى يومنا هذا، حسبما أفاد موقع Al-Monitor سابقاً.

ونوقش الخلاف حول الاحتجاز خلال مفاوضات السراج في سوتشي. ونتيجة لذلك، صرَّح ليف دينغوف للصحفيين بأنَّ جميع القضايا المتعلقة بالمواطنيّن الروسيين قيد الاعتقال ستُحَل بموجب القانون الليبي. وقال دينغوف: "نحن نراقب الوضع عن كثب".

وهكذا، فشلت محاولات تدمير العلاقات بين موسكو وطرابلس التي بذلتها جماعات الضغط المؤيدة لحفتر داخل روسيا في تحقيق أهدافها حتى الآن. ولهذا، ينبغي توقع مزيداً من التحركات المماثلة من جانبهم.

إذ قال مصدر من الأوساط الدبلوماسية الروسية، تحدث إلى Al-Monitor شريطة عدم الكشف عن هويته، إنَّ المسؤولين الروس الذين يمثلون مصالح "الحكومة المؤقتة" المؤيدة لحفتر حاولوا ترتيب مقابلات ومؤتمرات صحفية مع مسؤولين شرقي ليبيا ضمن جدول أعمال المنتدى الاقتصادي روسيا وإفريقيا في سوتشي. وأفادت تقارير بأنَّ المسؤولين كانوا ينوون، خلال هذه الفعاليات، الحديث عن نقل المرتزقة الروس من منطقة إدلب السورية عبر تركيا وصولاً إلى طرابلس، حيث انضموا إلى قوات حكومة الوفاق الوطني. ويرى الكرملين أنَّ هذه القضية حساسة للغاية؛ إذ ذكرها الرئيس فلاديمير بوتين نفسه في مناسبات قليلة.

ومع ذلك، لم تثبُت بعد مشاركة مواطنين روس في معركة طرابلس، وتحديداً ضمن صفوف أية تنظيمات إرهابية. غير أنه إذا نُشِرت أدلة على ذلك، فقد يتبنى الجانب الروسي نهجاً أقسى تجاه حكومة الوفاق الوطني. وبالتالي، فمن الممكن جداً أن يسمح ذلك لبعض المنظمات غير الحكومية الروسية التي تستطيع الوصول إلى طرابلس بالرغم من مساعيها لتشويه صورة حكومة الوفاق الوطني، باستغلال هذه الفرصة للعثور على أدلة على وجود مرتزقة حاملي الجنسية الروسية بين القوى التي تحمي العاصمة، أو حتى تُزيّف أدلة مماثلة. ويمكن لمثل هذه الظروف أن تُمهِد الطريق للشركات العسكرية الخاصة الروسية للاضطلاع بدورٍ أبرز في حملات الجيش الوطني الليبي.

تحميل المزيد