شقيق البشير قد يتسبب في طرد آلاف السوريين من السودان، فقد بدأت السلطات الجديدة حملةً لضبط الوجود الأجنبي، قد تُسفر في نهاية الأمر عن تعرض آلاف السوريين لخطر الترحيل من السودان.
فقد أثار قرار السلطات السودانية الأخير، والقاضي بمراجعة الوجود الأجنبي في البلاد، قلقَ الكثير من المقيمين، خاصة السوريين، الذين تُقدَّر أعدادُهم بحوالي 70 ألف مقيم، احتموا بالأراضي السودانية هرباً من جحيم الحرب التي مزّقت بلادهم، بعدما سمحت لهم السلطات في السودان إبان فترة الرئيس السابق بالدخول لأراضيها دون قيد أو شرط.
وكانت السلطات السودانية، قد أعلنت الأسبوع الماضي، عن حزمة من القرارات المتعلقة بالوجود الأجنبي، شملت مراجعة كاملة لجميع الوافدين إلى السودان.
30 يوماً لتوفيق أوضاعكم.. والحملة لا تقتصر على السوريين
منحت السلطات السودانية أصحاب المحلات التجارية والمطاعم التي تستوعب كثيراً من العمال، خاصة السوريين، مهلةً 30 يوماً، بدأت في الـ11 من سبتمبر/أيلول الجاري، لتوفيق أوضاع العاملين لديهم، على أن يتم توقيف أي مخالف عقب انتهاء الفترة المنصوص عليها.
وبرَّرت وزارة الداخلية السودانية القرارَ بأنه إجراء طبيعي، وتنفيذ لقرار سابق يهدف لضبط الوجود الأجنبي في البلاد، بعد الإطاحة بالرئيس السابق عمر حسن أحمد البشير.
وكانت الوزارة قد أصدرت بياناً بهذا الصدد، كشفت فيه عن حملات واسعة نفذتها قوات الشرطة، وجاء فيه: "أصدر مدير عام الشرطة السودانية، الفريق عادل بشاير، قراراً قضي بمراجعة أوضاع كافة الأجانب المتواجدين على أرض السودان وحاملي الجنسية السودانية، وفق المادة (9) من قانون الجوازات، بغرض الفحص والمراجعة" .
وأضاف: "طبقت الشرطة السودانية حملة واسعة وسط الأجانب بولاية الخرطوم، شملت جنسيات كل من بلدان (سوريا، اليمن، إريتريا، إثيوبيا، مصر)، ويُعتبر القرار إعادةً لتنفيذ قرار سابق أوقفت بموجبه لجنة مراجعة الجنسيات بوزارة الداخلية خلال العام 2016″ .
70 ألف سوري في السودان، وهذا هو عدد المستثمرين منهم
ويقدر عدد السوريين على الأراضي السودانية بأكثر من 70 ألفاً، منهم ثلاثة آلاف سوري مستثمر في مشاريع صغيرة ومتوسطة، يعيشون مع أسرهم، فيما يعمل البقية في مهن مختلفة تتوزع بين المطاعم والكافيهات السورية، وقطاعات البناء والتشييد والمطابع، ويتركز معظمهم في العاصمة بمدنها الثلاث (أم درمان، بحري، الخرطوم).
وبدا واضحاً أن السلطات أكثر جدية في ضبط الوجود الأجنبي، على عكس ما كان يحدث في عهد الرئيس السابق، إذ لم تكن قرارات مماثلة تجد طريقها للتنفيذ، ولعله ما دعا سفير سوريا في الخرطوم حبيب علي عباس لمطالبة السلطات السودانية بمنح مواطنيه مهلة أكبر، حددها بستة أشهر على أقل تقدير، لتوفيق الأوضاع.
وأوضح السفير السوري، بحسب تصريحات له للصحافة المحلية السودانية، أن السوريين يمتلكون استثمارات بمليارات الجنيهات في السودان، فيما يعيش البعض أوضاعاً بالغة التعقيد، تجعل من الصعوبة عليهم توفيق أوضاعهم خلال شهر واحد.
ولمس مراسل "عربي بوست" خلال جولة قام بها، أن أصحاب الأعمال السودانيين أخذوا القرار محمل الجد، كما يوضح عمار أحمد، وهو صاحب أحد المطابع بوسط العاصمة الخرطوم، حيث يعمل معه عدد من السوريين، مؤكداً أن السلطات السودانية أخطرتهم بضرورة مراجعة أوراق جميع العاملين معه.
وأشار إلى أنه بدأ بالفعل في تجديد أوراق العاملين لديه، ودفع الرسوم المقررة بخمسة آلاف جنيه سوداني عن كل عامل في العام الواحد. وقال: "أخبرونا أن الحملات ستكون مكثفة، وأي عامل لا يوفق أوضاعه سيعرضنا للمساءلة القانونية" .
قلق سوري من تبعات القرار السوداني.. فهل هناك دافع سياسي؟
وإن كانت السلطات قد طمأنت الجميع بأن الحملة لا تهدف للتضييق على أحد، إلا أن العديد من السوريين لم يُخفوا قلقهم من الحملة، خاصة المقيمين بطريقة غير شرعية، والذين لم يتعرضوا لأي مساءلة عن أوراقهم الثبوتية من قبل.
ويقول أبو رامي، أحد السوريين المقيمين في الخرطوم لـ "عربي بوست": "شخصياً لا أواجه أي مشكلة في أوراق إقامتي بالسودان، إلا أن هناك المئات من أبناء بلدي ليس لديهم أوراق، وهذا يعني أنهم سيواجهون تبعات الحملة التي ربما تعني الترحيل" .
ونفى أبو رامي أن يكون القرار بدافع سياسي، وأضاف: "ما يحدث لا يخرج من كونه إجراء روتينياً تقوم به السلطات السودانية، خاصة أن التعامل ليس به تمييز بين الأجانب الموجودين في السودان" .
إلا أن الرجل عاد ليُعرب عن مخاوفه من جزئية في القرار، التي تتحدث عن مراجعة الجوازات الممنوحة للسوريين في الفترة السابقة: "أخشي أن يؤدي ذلك إلى سحب الأوراق الرسمية السودانية من بعض السوريين، التي مُنحت لهم من قبل الحكومة السابقة، وإدراجهم من جديد ضمن قوائم الأجانب" .
المشكلة في الآلاف الذين حصلوا على جوازات سودانية في عهد البشير.. 10 آلاف دولار للفرد
ورشحت في الأيام الماضية الكثير من التسريبات حول مشاورات موسعة تجري داخل أروقة الحكومة الانتقالية الجديدة في السودان، بمراجعة كافة جوازات السفر التي منحت لأجانب في البلاد خلال فترة حكم الرئيس السابق، الممتدة منذ يونيو/حزيران 1989 حتى أبريل/نيسان 2019.
وذلك بعد اكتشاف تجاوزات قانونية وعمليات فساد كبيرة في قضية منح الجواز السوداني للأجانب، الأمر الذي أضر كثيراً بسمعة السودان وبهيبة سيادته.
وتشير التقديرات إلى أن عدد الحاصلين على جوازات سودانية بطريقة غير مشروعة يزيد عن الـ50 ألف شخص، من بينهم عرب، أفارقة وآسيويون.
وقال مقيم سوري بالخرطوم لـ "عربي بوست"، فضّل حجب اسمه، إن الجواز السوداني كان يباع مع بداية الأزمة السورية بحوالي عشرة آلاف دولار أمريكي، إلا أن هذه القيمة تناقصت في السنوات الأخيرة.
وروى تجربة أحد أقاربه، الذي حصل على الجواز السوداني عبر سودانيين، عن طريق الشراء قبل أكثر من ثلاثة أعوام، مقابل أربعة آلاف دولار أمريكي، في فترة وجيزة، وعبر القنوات الرسمية.
وأضاف: "حصل على جواز أصلي وغير مزور، وعقب تسلمه استخدمه مباشرة للسفر لإحدى دول الخليج" .
وأشار المقيم السوري إلى أن سعر الجواز السوداني بات في الفترة الأخيرة غير محدد، ويخضع فقط للمفاصلة بين الطرفين، لافتاً إلى أن غالبية السوريين الحاملين للجواز السوداني هم حالياً خارج السودان، والأقلية هم من بداخله" .
اتهامات لشقيق البشير بأنه المتسبب في هذه المأساة.. وهذه حقيقة الأنباء عن تسليمهم للأسد
ويذكر أن شقيق الرئيس المخلوع عبدالله البشير، أكثر الشخصيات التي تشير أصابع الاتهام لها بالمتاجرة في الجواز السوداني، فضلاً عن خدمة التسهيلات الحكومية المشبوهة، مستغلاً نفوذ شقيقه.
ويرى الخبير في الشؤون الدولية، الدكتور صلاح الدومة، أن قرار توفيق أوضاع الأجانب وعلى رأسهم السوريون، لا يعني طردهم أو تسلميهم إلى نظام بشار الأسد، موضحاً أن المخالفين سيتم تسليمهم لمفوضية اللاجئين.
وقال لـ "عربي بوست": "الذين لا يوفقون أوضاعهم سيتحولون من مقيمين إلى لاجئين، يتبعون إلى مفوضية اللاجئين التي تتبع إلى الأمم المتحدة، فالصورة لوضع الأجنبي بالسودان سوف تُعدل عما كانت عليه في عهد النظام السابق، الذي فسد كثير من منسوبيه وتلاعبوا بالأوراق الثبوتية السودانية" .
وتابع: "يجب ألا يتخوف أي أحد، سواء كان من السوريين أو غيرهم، لأن الثورة السودانية جاءت لتصويب الأخطاء التي ارتُكبت في عهد النظام البائد" .
ولكن هذه التطمينات لم تمنع مخاوف المهندس السوري محمد الحلبي، الذي يعمل في مجال البناء والتشييد، من اتجاه الحكومة السودانية الجديدة لسحب الجوازات من البعض، ما يعني أن الوضع سيختلف تماماً في سوق العمل وإيجارات المباني، حيث كانوا يعاملون من قبل كمواطنين.
وقال إن وضع الأسر السورية سيكون أكثر تعقيداً من الأفراد، إلا أنه عاد ليشدد على أنهم كجالية سورية في السودان سيحترمون القرار، باعتباره قراراً سيادياً للحكومة وحقاً أصيلاً مهما كلف الأمر. وأردف مازحاً "يبدو أن رياح التغيير السودانية ستتطالنا أيضاً" .