أصبحت الدولة المصرية مجندة كلها لمحاربة عدو واحد.. "محمد علي"، إذ كلف الرئيس عبدالفتاح السيسي نجله محمود بوضع خطة التصدي لمحمد علي المقاول المتمرد الذي كان يعمل مع الجيش المصري ثم انقلب عليه وكشف عن خفايا إمبراطورية البناء التابعة له، وشبهات الفساد التي تدور حولها.
فطيلة السنوات الست الماضية التي حكم فيها الرئيس عبدالفتاح السيسي مصر، ترسخت صورة ذهنية لدى المواطنين أن السيسي وقيادات الجيش ربما يقمعون المعارضة (أهل الشر)، ربما يضيقون هامش الحريات، لكنهم يظلون أناساً شرفاء.
ربما هذا تحديداً هو ما أربك القيادة المصرية من فيديوهات المقاول محمد علي.
إنها تهز صورة الرئيس العسكري الصارم الذي يحارب الفساد.
ضربة محمد علي المؤلمة
بين ليلة وضحاها تحول محمد علي صاحب شركة أملاك إلى الشخصية رقم واحد في الفضاء الإلكتروني، وتحول هاشتاغ #محمد_على_فضحهم إلى ترند مستمر لأيام.
الرجل يتكلم بلغة شعبية جريئة وخفة الظل لا ينكرها حتى خصومه.
والأهم من كل ذلك أنه يمتلك كم معلومات صادماً، إذ إنه عمل مقاولاً من الباطن لمشاريع مدنية تابعة للجيش لسنوات، وبحكم تلك العلاقة اطلع على كثير مما يحدث خلف أستار الميري.
كيف جمع هذه الثروة الضخمة؟ مهام خاصة لصالح الجيش
العقيد مهندس (متقاعد) "ش ي" يصف حالة محمد علي الذي تعامل معه بشكل مباشر لمدة 3 سنوات قائلاً: "محمد علي كان معروفاً بالطبع، لكنه ليس من الكيانات العملاقة (على الأقل خلال فترة خدمتي)، لذلك لن تجد أنه أسند إليه مشاريع ضخمة".
وأضاف: "محمد كان بالأساس رجل "المرّمات"، كان هو وقلائل غيره موضع ثقة الجيش بحيث تسند إليهم مهامّ يغلب عليها طابع السرية إلى حد كبير، والأهم الرغبة في الإنجاز السريع، لذلك حين تحدث في أحد فيديوهاته قائلاً: مطلوب تبدأ إمبارح لم يكن كاذباً، فهذا بالضبط طبيعة التكليفات التي أسندت إليه بالأمر المباشر كما قال".
لكن ميزة محمد الأهم -والكلام مازال للعقيد ش- أنه كانت له علاقات إنسانية مباشرة وقوية مع قطاعات أوسع من السوق، قطاعات تجعل الموردين يفتحون مخازنهم ليلاً خصيصاً له وهو ما يعني إنجازاً سريعاً.
وأضاف يمكن القول: "إن محمد كما عرفته كان رجل الإنجاز السريع، وهذه ميزة لا تتوافر للكثيرين، وأعتقد أن رأس ماله الحقيقي كانت قدرته (بحكم شعبويته وكونه ابن بلد وحِرِك) على بناء علاقات وعشم مع الجميع".
يختتم العقيد حديثه قائلاً إن هذه النوعية من المشاريع (التكليفات) مربحة جداً.
ويضيف: "لا علم لي بتفاصيل انقلاب محمد عليهم"، لكنه يقول باللهجة المصرية: "تكهّني أن الواد شبع ومعدش بيقبل ياخد على دماغه، ماعدش الواد محمد خلاص بقى محمد بيه".
خطة التصدي لمحمد علي يشرف عليها محمود السيسي شخصياً
القنبلة التي فجّرها محمد علي بنشره معلومات متعلقة بذمة السيسي المالية شخصياً، وذمة زوجته السيدة انتصار، وحديثه عن إهدارهما للمال العام، فضلاً عن حديثه عن كيف تدار الأمور الاقتصادية داخل المؤسسة العسكرية المصرية، وما يشوبها من فساد وبلطجة، أصابت الرئاسة وقيادة الجيش بالارتباك.
على حد تعبير أحد العاملين بإدارة الشؤون المعنوية بالقوات المسلحة، والذي كشف لنا عن خطة التعامل مع الموقف قائلاً: "في العادة التعامل مع كل ما يخص سمعة واسم الجيش إعلامياً هو من اختصاصنا، أو على الأقل يتم بالتنسيق معنا، لكن أزمة محمد علي تحديداً تُدار بعيداً عنا".
فالمسؤول المباشر عن التعامل معها هو وكيل جهاز المخابرات العامة العميد محمود السيسي (نجل الرئيس)، الذي وضع برنامج التعامل مع الأزمة على عدة محاور:
المحور الإعلامي: اللجوء لأسماء غير تقليدية
في البداية كان الاعتماد سيتم على برامج التوك شو المعتادة وبعض المواقع التابعة.
لكن فوجئ الجميع بحجم المشاهدات والتجاوب مع فيديوهات محمد علي، وهو ما استوجب استدعاء أسماء أخرى ليس معتاداً لها التورّط في تلك القضايا مثل الباحث في التراث الإسلامي المثير للجدل إسلام البحيري والمذيع أدهم الكموني وآخرين، علَّهم ينجحون في تفنيد حديث محمد علي، وهو التفنيد الذي فشل فيه أسماء إعلامية تقليدية مثل محمد الباز ومصطفى بكري.
وحين بدا أن عناصر الدولة غير قادرة على الاشتباك وحسم المعركة لصالحهم، تقرر في اللحظة الاخيرة أن يلقى السيسي بكارته الأخير (وزير الدفاع شخصياً) الذي أصدر بياناً قال فيه: إن رجال القوات المسلحة سيظلون جديرين بالثقة التي أولاها لهم الشعب بالصدق والولاء للوطن بكل شجاعة وشرف.
المحور المالي: محمد علي يعيد للمقاولين حقوقهم
المحور الثاني وهو المحور الهام في خطة التعامل مع أزمة محمد علي وهو الشق المالي،
وخطة التعامل مع ذلك تسير على خطين متوازيين: الأول يقتضي تسكين أي متعامل مع الجيش ولديه أزمة وضمان عدم ظهور محمد علي آخر بأي شكل.
وعليه هناك نية واضحة لتسديد المستحقات المتأخرة، لكن بشكل تدريجي حتى لا يبدو الجيش كمن لُويت ذراعه.
وكان رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى قد وجّه بصرف مستحقات المقاولين المسؤولين عن أعمال الإنشاءات في مستشفى سمالوط بالمنيا أولاً بأول، لتكثيف العمل بالموقع، والالتزام بالانتهاء منه في التوقيتات المحددة، ضمن المشروع القومي للمستشفيات النموذجية.
لكن الأهم أنه في المستقبل يجب التدقيق أكثر في المتعاملين مع المشروعات ذات الطبيعة الحساسة، وسيكون الاعتماد أكثر في تلك النوعية على الإدارة الهندسية بشكل مباشر، بما قد يعني تقليل عدد المقاولين الذين يتم التعامل معهم.
السيسي يدعو لمؤتمر شباب
فجأة وجه الرئيس عبدالفتاح السيسي الدعوة إلى عقد المؤتمر الوطني (الثامن) للشباب السبت المقبل في مركز المنارة للمؤتمرات في القاهرة الجديدة، وهو ما فسّره البعض بأن السيسي تيقّن من فشل رجالاته في الرد على محمد علي فقرر هو بنفسه الرد عليه من خلال ذلك المؤتمر الذي سيستمر ليوم واحد فقط.
وعلم "عربي بوست" من مصادر مطلعة أن مؤتمر الشباب الثامن هذا لم يكن مقرراً له الانعقاد في شهر سبتمبر/أيلول، وأن تقديمه تم بقرار رئاسي مباشر، لكن لم يتسنّ لنا معرفة الأسباب التي دعت الرئيس لتقدمه، وهل حقاً السبب هو الرد على فيديوهات محمد علي، أم لا.
ما موقف ضباط الجيش مما قاله المقاول المتمرّد؟
لرصد ردود الأفعال المختلفة على فيديوهات محمد علي داخل القوات المسلحة ومع المتعاملين معها، التقى "عربي بوست" أحد الضباط الشباب الذي أخبرنا بأن هناك حالةً من الاستياء العام بين أوساط صغار الضباط من فيدوهات محمد علي.
يقول: "يرى الكثيرون الفيديوهات مقززة، على حد تعبير أحدهم، لكن الاستياء ليس من محمد علي فحسب لكن أيضاً ممن تسببوا فيها، إذ يرون أن السفه في الإنفاق وإغداق الأموال على مَن لا يستحقون، تلك نتيجته المتوقعة".
ويرى الضابط الشاب أن القيادات هم المسؤولون الأوائل عن تلك "الفضيحة"، أولاً بإداراتهم المالية السيئة، وثانياً بتعاملهم مع "عيل شمام"، على حد تعبيره.
لكن إذا كانت هناك حالة استياء وحنق على محمد علي وعلى المسؤولين عن مهزلة فيديوهاته، فعلى صعيد آخر هناك سعادة واحتفاء بالغين بين أوساط المتعاملين مع الجيش سواء في مجال الإنشاءات أو الاستصلاح الزراعي، حيث يرون أن تلك الفيديوهات ستكون ورقة ضغط على الجيش لسداد مستحقاتهم المتأخرة والتي تصل إلى ملايين الجنيهات، وهو ما ظهر في تصريح رئيس الوزراء بضرورة دفع مستحقات المقاولين أولاً بأول.