سر تصعيد حماس ضد السعودية وكواليس أزمة المعتقلين منذ بدايتها

شملت الحملة السعودية العشرات من الفلسطينيين والأردنيين والسعوديين، تتهمهم بالانتماء لحماس، ودعمها، وجمع التبرعات لصالحها، وتضمنت الحملة عمليات ترحيل واعتقال

تم النشر: 2019/09/10 الساعة 11:58 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/09/10 الساعة 19:58 بتوقيت غرينتش
رئيس حركة حماس إسماعيل هنية

بصورة مفاجئة، أصدرت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" في الساعات الأخيرة بياناً رسمياً ضد اعتقال السعودية العشرات من أنصارها في المملكة منذ أبريل/نيسان 2019 .وفي حين فضَّلت الحركة الصمت على هذه الحملة رغم تزايد التقارير بشأنها، لإفساح المجال للوساطات السياسية والاتصالات الدبلوماسية بعيداً عن الإعلام.

لكن من الواضح أن إصدار حماس لبيان سياسي تدين فيه الحملة السعودية على مناصريها، يعني أن كل هذه الجهود باءت بالفشل، ما ينذر بتوتر جديد في علاقات الجانبين.

شملت الحملة السعودية العشرات من الفلسطينيين والأردنيين والسعوديين، تتهمهم بالانتماء لحماس، ودعمها، وجمع التبرعات لصالحها، وتضمنت الحملة عمليات ترحيل واعتقال، وتجميد أرصدة، ورقابة على الحوالات المالية، ووصل عددهم قرابة سبعين شخصاً.

اعتقال وتعذيب من أجل إسرائيل

مسؤول كبير في حماس، فضَّل عدم الكشف عن هويته، أبلغ "عربي بوست" بأن المعلومات المتوفرة لديهم تفيد باعتقال 55 شخصاً، "تعرض عدد منهم للتعذيب العنيف، دون توجيه اتهامات محددة لهم"، على حد قوله.

وأوضح أن هذه الاعتقالات تأتي في سياق "تقديم فواتير لإسرائيل، ومحاولة استرضائها"، كمدخل لتوثيق العلاقة السعودية مع البيت الأبيض، والمحاولات المحمومة لتطبيق صفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية.

وأضاف أنه رغم هذه الاعتقالات، فقد حرصت حماس على معالجة الملف بهدوء بعيداً عن الإعلام، لحرصها على الإفراج عن المعتقلين بأقل الأضرار، والإبقاء على علاقة الحركة مع السعودية.

وحافظت حماس طيلة الشهور الخمسة الماضية على الصمت الإعلامي، وفضَّلت الوساطات السياسية والشخصية الهادئة بعيداً عن الكواليس، رغبة منها بعدم الوصول للمنصات الإعلامية، خشية التسبب بقطيعة مع المملكة.

وأوضح المسؤول بالحركة أن "حماس حاولت التواصل المباشر مع المملكة، وطلب أحد كبار قياداتها أكثر من مرة الموافقة على زيارتها، ولقاء مسؤوليها، دون تجاوب".

وأضاف أنه جرت محاولات للتواصل مع الدبلوماسيين السعوديين في أكثر من بلد دون جدوى، ووسطت الحركة مسؤولين وشخصيات عربية وإسلامية، دون كشف أسمائهم، للتواصل مع السعودية للهدف ذاته، لكنها محاولات وصلت لطريق مسدود.

البيان المفاجئ والأول من نوعه، الذي أصدرته حماس، كشف أن جهاز مباحث أمن الدولة السعودي، اعتقل منذ أبريل/نيسان، العديد من الفلسطينيين في السعودية، وبعد أن التزمت الحركة الصمت لإفساح المجال أمام الاتصالات الدبلوماسية ومساعي الوسطاء، لكنها لم تسفر عن أي نتائج، "مما اضطرنا للإعلان عن ذلك"، على حد تعبير البيان.

يحيى السنوار مسؤول حركة حماس في قطاع غزة/ رويترز
يحيى السنوار مسؤول حركة حماس في قطاع غزة/ رويترز

السعوديون مُصرُّون على موقفهم

وعلم "عربي بوست" من أوساط سياسية في حماس أنه "لم تكن وساطة بمعنى الكلمة مع السعودية، بل محاولات شخصية من بعض قيادات الحركة".

وذكرت المصادر أن السعوديين كانوا متمترسين خلف مواقفهم، ويرفضون التجاوب، و "هناك ردود تطالبنا بحل مشاكلنا مع الأمريكان"، ما يؤكد أن الحملة مرتبطة بتمرير صفقة القرن، ورغبة القيادة السعودية الصاعدة بإظهار التزامها بالمطالب الأمريكية بملاحقة حماس، وقطع علاقتنا مع إيران. 

نهاية الصمت

من الواضح أن حماس اضطرت لإصدار بيانها الرسمي في هذا التوقيت بعد استنفاد السبل والمحاولات لحل الأزمة مع السعودية دون نتيجة تُذكر، واليوم تشعر الحركة وعائلات المعتقلين بقلق بالغ على صحتهم.

وأوضحت المصادر أن حماس ترى في البيان "خطوة مبدئية للضغط على المملكة، وهناك خيارات أخرى أمامها، فلم يعد لدينا ما نخسره هناك".

وفي حين التزمت هذه العائلات الصمت، أسوةً بحماس، رغبة منها بإنجاح الوساطات الودية مع المملكة، لكن عائلة الخضري دعت، يوم 9 سبتمبر/أيلول، السعودية للإفراج عن اثنين من أبنائها المعتقلين، وناشدت الملك وولي عهده التدخل لدى جهات الاختصاص في المملكة للإفراج عنهما، خاصة في ظل الوضع الصحي الصعب للخضري الأب.

صحيح أننا أمام أول بيان رسمي لحماس يتهم السعودية باعتقال أفرادها وكوادرها، ما يعتبر قفزة كبيرة في تراجع علاقات الجانبين، لكن صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس، كشف يوم 26 يوليو/تموز عن اعتقال العديد من أنصار الحركة في دول عربية وإسلامية، لم يفصح عن أسمائها في حينه.

ليست اعتقالات فقط

جهاد، أحد أبناء المعتقلين الفلسطينيين في السعودية، قال لـ "عربي بوست" إن الاعتقالات بدأت في أبريل/نيسان 2019، وبعد مرور 5 أشهر لا توجد أي زيارات لهم، باستثناء أسماء محدودة.

وأضاف: "علمنا أن التحقيقات مع المعتقلين تتم على خلفية جمع أموال لحماس داخل السعودية، وقد ترافقت الاعتقالات مع إغلاق شركات تجارية في المملكة، وحظر الحوالات المالية للأراضي الفلسطينية".

وأوضح أن قيادة حماس تحركت منذ الأيام الأولى لحملة الاعتقالات، لاسيما خالد مشعل رئيس المكتب السياسي السابق، الذي اجتهد بتوظيف علاقاته الكبيرة بالمملكة مع مسؤولين أمنيين وسياسيين وأمراء، وجميعهم أبدوا عدم قدرتهم على التدخل في هذا الملف الشائك، بزعم أن الحملة تتم بقرار من القصر الملكي.

منظمة "سكاي لاين" الحقوقية الدولية أكدت أن بعض الاعتقالات تمت بسبب تغريدات قديمة ضد الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، ودعم المنظمات الفلسطينية المسلحة، دون عرضهم على الجهات القضائية، وبالتالي فهم "مختفون قسرياً دون معرفة عائلاتهم عن أوضاعهم".

محمد العيلة، المحلل السياسي الفلسطيني قال لموقع "عربي بوست" إن "الفتور والتوتر ميَّزا علاقة السعودية وحماس، ومؤخراً اعتقدت حماس أنه لا يوجد أفق للحفاظ على العلاقة مع المملكة، ولذلك بعد أن اتسم سلوكها بالصمت حيال اعتقالات السعودية، رغبة بإنجاح مساعي الوساطات للإفراج عن معتقليها، وإبقاء الباب موارباً لحفظ الحد الأدنى من العلاقة".

وأضاف: "لكن إصدارها البيان يعني وصول جهود الوساطات لطريق مسدود، ولذلك تم نقل الأزمة للمستوى الإعلامي والحقوقي، وهو إعلان قطيعة سياسية".

وأوضح أن حملة الاعتقالات السعودية لكوادر حماس مرتبطة بالعامل الخارجي، والاستجابة للرغبة الأمريكية بالتضييق على حماس، وتجفيف منابع تمويلها، وقد تمارس المملكة ضغوطاً سياسية واقتصادية على الدول والكيانات لتضييق الخناق على حماس، وشن حملات تشويه إعلامية للحركة عبر ترسانتها الإعلامية.

فيما تؤكد حماس أنها لا تتدخل في الشؤون الداخلية للسعودية، ولا تصطف في محاور ضدها، وحريصة على علاقاتها بكل الدول العربية والإسلامية، لخدمة مقاومتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، فإنها ترفض ربط تطور علاقتها بالسعودية بقطعها مع إيران، لأنها حافظت منذ بداية التسعينيات على علاقة متوازنة معهما.

كما أن عمل مُناصري حماس في مجال إسناد المقاومة الفلسطينية لم يشكل تهديداً للدولة السعودية، بل كان السماح لهم في النشاط داخلها يعتبر رصيداً للمملكة أمام شعوب المنطقة، ما يعني أن أسباب هذه الحملة تتجاوز البُعد الداخلي السعودي أو التجاذب الاقليمي، وصولاً إلى قرار أمريكي واضح تدفع حماس وكوادرها ثمنه!

علامات:
تحميل المزيد