الخطوة التي اتخذتها الهند بإلغاء الوضع الخاص بإقليم كشمير ذي الأغلبية المسلمة وردود الأفعال من القوى الدولية وبعض الدول الإسلامية خلط الأوراق وأثار غباراً كثيفاً، فلماذا اتخذت الصين ذلك الموقف المتشدد دعماً لباكستان ودفاعاً عن مسلمي كشمير رغم تنكيلها بمسلمي الإيغور لديها؟ وهل للحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين علاقة بما أقدمت عليه الهند؟ وهل حصلت نيودلهي على ضوء أخضر من واشنطن؟ ولماذا لا يوجد موقف قوي داعم من السعودية والإمارات نحو باكستان وكشمير؟ هذه التساؤلات وغيرها تحتاج لترتيب الأوراق بصورة منطقية للوصول إلى حل اللغز.
ماذا فعلت الهند؟
بشكل مفاجئ وبقرار يدخل "حيز التنفيذ فوراً"، أعلنت الحكومة الهندية الإثنين 5 أغسطس/آب 2019، إلغاء الحكم الذاتي الدستوري في إقليم جامو وكشمير ذي الأغلبية المسلمة، المتنازع عليه منذ زمن طويل، ويقع في منطقة متاخمة لباكستان والصين.
تلغي هذه الخطوة سلطات الحكم الذاتي التي كان يتمتع بها إقليم كشمير في السابق، وتثير مخاوف من نشوب صراع مسلح جديد في منطقة عانت بالفعل من العنف لعقود، وما فاقم هذه المخاوف إرسال الهند لقواتها إلى المنطقة قبل القرار وقطعها خدمة الإنترنت بعد الإعلان عنه.
رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، هندوسي قومي متطرف، له تاريخ في تأجيج النزعات الطائفية في بلد يفاخر مثقفوه بأنه واحة الديمقراطية الكبرى في العالم، لكن يظل القرار الذي اتخذه بشأن كشمير بصورة قد لا تكون قانونية، والمخاطرة باشتعال حرب لا يعرف أحد توابعها أمراً يحتاج للتفسير، فلماذا أقدم مودي على تلك الخطوة؟
هل أعطى ترامب الضوء الأخضر لمودي؟
يرى ديفيد غاردنر في مقال له في فايننشال تايمز أن تحرك مودي المفاجئ في كشمير ربما يكون سببه هو عرض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يتوسط في القضية (وذلك أثناء لقائه قبل نحو ثلاثة أسابيع مع رئيس وزراء باكستان عمران خان في البيت الأبيض)، حيث زعم ترامب أن مودي طلب منه التوسط في النزاع حول كشمير، وجاء نفي الهند القاطع ليظهر إما "جهلاً من جانب ترامب أو عدم الاكتراث بالحقائق على الأرض).
لكن حقيقة الأمر هي أن سياسة ترامب الخارجية القائمة على عدم الاكتراث بالقانون الدولي أو القرارات الدولية في أي نزاع فتحت الباب على مصراعيه أمام أصدقاء واشنطن وأعدائها على السواء للاستيلاء على أراضي الغير بالقوة، ولم لا وقد فعلها ترامب نفسه؟ قرر الرجل ونفذ الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأمريكية هناك ضارباً بعرض الحائط أحد ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية وكل القرارات الأممية المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي، كما قرر الاعتراف بالجولان السورية المحتلة كجزء من إسرائيل، وفي الطريق ضم الضفة الغربية لإسرائيل أيضاً.
هذه السياسة لا شك مثلت دافعاً هاماً لمودي كي يقدم على ما أقدم عليه في كشمير، لكن افتراض أن مودي حصل على الضوء الأخضر من البيت الأبيض بشكل مباشر قبل أن يلغي المادة 370 من الدستور الهندي هو افتراض أقرب للواقع منه لنظرية المؤامرة.
واشنطن تخوض حرباً تجارية على كل المستويات مع الصين، والمتابع للحملات الانتخابية الرئاسية داخل الولايات المتحدة يلاحظ على الفور أن بكين هي العدو القومي الأول لواشنطن، وبالتالي إعطاء الضوء الأخضر لمودي كي يفعل فعلته الآن كفيل بفتح جبهة خامدة من الصراع على حدود الصين وهو ما سيمثل إرباكاً للقيادة الصينية وتشتيتاً على أقل تقدير وهذا ما نراه الآن.
رد فعل الصين
ربما يكون رد الفعل الصيني الرسمي تجاه ما أقدمت عليه الهند هو الأعنف، بعد موقف باكستان بالطبع، حيث وصفت الخارجية الصينية خطوة الهند "بغير المقبولة" مضيفة أنها "غير ملزمة".
المتحدثة باسم الخارجية الصينية هوا تشونيانغ قالت في بيان: "واصلت الهند مؤخراً أفعالها التي تضر السيادة الصينية وذلك بإقدامها على تغيير قانون محلي،" وأضافت أن فرض الهند سيادتها على لاداك كجزء من كشمير يعني ضم أراضي صينية. "هذه الخطوة غير مقبولة ولن تكون ملزمة بأي صورة من الصور."
طبيعة العلاقات بين العملاقين
وحتى نقف على خلفيات الموقف الصيني، من المهم هنا أن نذكر أن طبيعة العلاقات بين الجارتين الآسيويتين تتسم بالبرود والتجاهل في معظم الأحيان ولذلك أسبابه، وأبرزها غياب الثقة نتيجة لعدم وجود حوار بناء بين الدولتين والأسوأ هو أن أي حوار يتم بين المسؤولين في نيودلهي وبكين يكون على خلفية مواضيع محددة تتجنب غالباً الخوض في المسائل العالقة مثل مشاكل الحدود التي نتج عنها حرب عام 1962، وهو ما ينعكس على حالة التوجس المستمرة سواء في الإعلام أو حتى بين مواطني أكبر دولتين من حيث عدد السكان على وجه الأرض.
التنافس بين بكين ونيودلهي على النفوذ سواء في آسيا أو على المستوى الدولي يتسم بمحاولة كل طرف تعطيل نمو وتأثير الطرف الآخر، ربما أكثر من محاولات كل منهما مساعدة نفسه، وعلى سبيل المثال ترى الهند أن الصين هي المعارض الأبرز لانضمام الهند إلى عضوية مجلس الأمن الدولي وكذلك الانضمام إلى النادي النووي الدولي.
ومن ناحية الصين، تقف الهند دائماً حجر عثرة أمام أي مبادرة صينية وأبرزها مبادرة الحزام والطريق، كما أن بكين مستاءة من مشاركة الهند في آلية الحوار الأمني الرباعي التي تضم الولايات المتحدة واليابان وأستراليا أيضاً، والتي تعتبرها بكين أداة لمنع صعودها كقوة عالمية.
من أسباب توتر العلاقات بينهما أيضاً كون الصين أكثر دولة استفادت من سياسات الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي كما استفادت أيضاً من نظام العولمة وكذلك مشروع مساعدة تنمية اليابان، ولكن الهند الآن تستفيد أكثر من الدعم الأمريكي في المنتديات الدولية وهو ما تراه الصين تحدياً لأمنها في المستقبل.
وهنا بالطبع يأتي دور الصقور في الإدارة الأمريكية ورغبتهم في تقوية الهند لتمثل شوكة في خاصرة التنين الصيني، استغلالاً للماضي الشائك بينهما، وهنا مكمن السر في تفسير توقيت الخطوة التي أقدمت عليها الهند تجاه كشمير.
هل الخطوة الهندية-الأمريكية خافية على بكين؟
يبدو أن الصين تدرك جيداً أن ما فعله مودي في كشمير ربما تكون هي المقصودة به أكثر حتى من باكستان، لذلك كان لافتاً أن توجه صحيفة غلوبال تايمز الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم في بكين دعوة إلى المسلمين حول العالم للتوحد في وجه الخطوة الهندية بخصوص كشمير.
افتتاحية الصحيفة وصفت الهند بأنها دولة "حمقاء فيما يتعلق بقضايا الحدود" وتواصل كسر "الوضع الراهن" بما يؤثر على الموقف الإقليمي، مضيفة أن نيودلهي تتحدى مصالح جيرانها وتتوقع منهم أن "يبلعوا الاستفزاز ويقبلوا بالأمر الواقع الذي تفرضه".
واصلت الصحيفة تحليلها للموقف بالقول أنه ليس من المتصور ألا تتخذ "باكستان إجراءات قوية مضادة رداً على إلغاء المادة 370، وقالت: "لو عارض جميع المسلمين الخطوة الهندية، سيكون من الصعب على النظام الهندي أن يسيطر على الموقف. نحن لا نرى أن الهند تمتلك الموارد السياسية أو غيرها كي تسيطر على المنطقة."
تواطؤ أمريكي
الصحيفة الناطقة بلسان الحزب الحاكم قالت أيضاً إن الولايات المتحدة والقوى الغربية "متواطئة" مع الهند، مضيفة أن الهند أيضاً "تعتقد أن الصين مشغولة في حربها التجارية ومبادرة الحزام والطريق وبالتالي هذا وقت جيد لاتخاذ تلك الخطوة في قضايا الحدود،" مضيفة "حتى لو نجحت الهند في خطوتها الجيوسياسية المخادعة والتصرف الأحادي، فإنها ستكتسب عداوات جديدة".
وحذرت الصحيفة الهند من ألا "تضغط أكثر على جارتها"، مضيفة أن العلاقات المتوترة أصلاً بين الهند وباكستان لا تحتاج لسكب الزيت على النار.
هناك مؤشر آخر على أن الهند قررت وضع نفسها في خندق واحد مع إدارة ترامب وهذه المرة يتعلق الأمر بشركة هواوي الصينية، حيث وجهت بكين تحذيراً شديد اللهجة للهند أنه في حالة منع الشركة الصينية من العمل في السوق الهندية ستكون هناك إجراءات انتقامية مماثلة تجاه الشركات الهندية.
الهند في طريقها لإجراء تجارب على تركيب تكنولوجيا الجيل الخامس في الأشهر القليلة القادمة، وهواوي هي الشركة الأولى عالمياً ولكن يبدو أن الهند تفكر في إبعادها كما فعلت واشنطن، وهو ما يمكن تفسيره في الإطار الأوسع الذي يقول إن مودي قرر الاستفادة من الحرب التجارية بين واشنطن وبكين ليضم كشمير ويرفع شعبيته داخلياً، لكن على حساب ماذا؟ لا أحد يدري.
أسباب اقتصادية لدعم باكستان
السكرتير العام لمؤسسة دراسات وسط آسيا تشين يو شي يرى أن تحرك الهند الأخير في كشمير ما هو إلا محاولة لعرقلة تأثير الصين المتنامي في المنطقة، مضيفاً في حوار له مع وكالة الأناضول التركية أن خطوة مودي هي استفادة من التوترات بين بكين وواشنطن كي يعطل التمدد الصيني في جنوب آسيا. "هذه الخطوة بلا شك تمثل تهديداً للتوسع الصيني ونفوذها المتنامي".
الصين أيضاً تستثمر أكثر من 50 مليار دولار في البنية التحتية في باكستان بغرض شق طرق ومباني وطرق سريعة وكباري ومدن ومحطات لتوليد الطاقة، كجزء من مشروع يسمى "الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان" يهدف إلى ربط إقليم زينغيانغ الصيني بإقليم بالوشستان الباكستاني على البحر العربي.
المشروع جزء من مبادرة الحزام والطريق التي تسعى من خلالها بكين إلى إحياء طريق الحرير القديم الذي يمر من خلال أكثر من 100 دولة حول العالم.
شي أيضاً ربط بين خطوة الهند واستراتيجية الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادي: "هذه الاستراتيجيات لا تشمل الهند فقط بل الولايات المتحدة واليابان كذلك"، مضيفاً أن توقيت الخطوة الهندية "جيد" لكل من الهند والولايات المتحدة.
انحياز دول عربية للهند؟
الآن وقد أصبح موقف الصين واضحاً من قضية كشمير ودعمها لباكستان ومسلمي كشمير مبني على حساباتها الخاصة ومصالحها وصراعها مع الولايات المتحدة وتنافسها مع الهند، ماذا عن موقف الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر؟
أليس من البديهي أن يكون هناك دعم واضح وعلني من تلك الدول لباكستان ولو حتى دبلوماسي؟ لماذا إذن هذا الصمت أو البيانات الضعيفة التي لا تحمل موقفاً من الأساس؟
الحقيقة أن مصالح تلك الدول مع الهند أقوى بكثير من مصالحها مع باكستان (المزيد من التفاصيل في هذا التقرير)، ومن ثم ليس من المنتظر أن تحظى باكستان بدعم قوي من هذه الدول.
الخلاصة هنا أن ما أقدمت عليه الهند لم يكن ليتم بتلك الطريقة دون ضوء أخضر من البيت الأبيض الذي أراد أن يشغل الصين بصراع حدودي مع جار قوي مثل الهند يضعف موقفها في الحرب التجارية المستعرة بينهما وفي نفس الوقت يقوي موقفه الانتخابي بصفته الرئيس الذي يعرقل الصعود الصاروخي للتنين الصيني.
وربما هذا ما يفسر أيضاً رد الفعل المتخاذل من السعودية والإمارات ومصر حلفاء ترامب في المنطقة، ولا عزاء لمسلمي كشمير الذين فرضت عليهم الهند تعتيماً كاملاً ولا أحد يقف على حقيقة ما يتعرضون له منذ مزق مودي حقهم الدستوري وأرسل آلاف الجنود وقطع عنهم كل سبل التواصل مع العالم.