عقدان مرَّا على أحداث 11 سبتمبر.. هل أدى الرد العاصف على تدمير البرجين إلى انحسار النفوذ الأمريكي العالمي؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2020/09/11 الساعة 12:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/09/11 الساعة 12:53 بتوقيت غرينتش
لحظة الهجوم على برجي التجارة العالمي، 2001/ رويترز

مضى قرابة عقدين من الزمن منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، لكنَّنا ما زلنا نعيش في ظلالها. فقد مهَّد هذا الهجوم الإرهابي الذي غلَّف حقبة في تاريخ الولايات المتحدة لعصرٍ جديد من التدخلات العسكرية في الخارج وسلطات المراقبة والبروتوكولات الأمنية في الداخل. وشهد ظهور "الحرب على الإرهاب" نشر القوات الأمريكية عبر قطاع واسع من العالم، من غرب إفريقيا إلى الشرق الأوسط، في حملة صريحة ضد الجهاديين على الصعيد العالمي، كما تقول صحيفة The Washington Post الأمريكية.

تضيف الصحيفة: بعد مرور 19 عاماً، بالكاد انحسرت "آفة الإرهاب"، وما تزال القوات والثروات الأمريكية تُستنزَف في مستنقعات خارجية. وشهد عددٌ لا يُحصى من المدنيين حياتهم وديارهم ومجتمعاتهم تنقلب رأساً على عقب في سلسلة متتالية من الكوارث السياسية، من الغزو الأمريكي للعراق مروراً باضطرابات الربيع العربي ووصولاً إلى النزاعات الراسخة التي لم تُحَل في سوريا وأفغانستان.

الأولويات الأمنية 

لكنَّ هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول تبدو، من نواحٍ عدة، جزءاً من الماضي. ففي الغرب، بدأ العقد المنصرم وانتهى بصدمات وحالات ركود اقتصادي مؤلمة. وتبدَّدت النظرة السائدة للعولمة باعتبارها قوة حميدة حتمية، وتحولت إلى مرجل يغلي من القومية والشعبوية. وباتت نخب واشنطن السياسية يائسة، وسَعَت للتخلص من متاعبها في الشرق الأوسط والتركيز بدلاً من ذلك على مواجهة التحدي الاستراتيجي الذي تفرضه الصين.

علاوة على ذلك، تعيد التجربة الأخيرة المتمثلة في جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19) والتهديد الماثل من التغيُّر المناخي بلورة الكيفية التي تحدد بها الحكومات في كل مكان الأولويات والأجندات الأمنية الوطنية. فكتب بن رودس، أحد مسؤولي الأمن القومي في إدارة أوباما، في مقال في وقتٍ سابق من هذا العام: "نظراً لتغيير كوفيد 19 الطريقة التي يعيش بها الأمريكيون، وتهديده بحصد أضعاف مضاعفة من الأرواح أكثر مما فعل أي إرهابي، فقد حان الوقت أخيراً لإنهاء ذلك الفصل في تاريخنا الذي بدأ في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001".

تراجع النفوذ الأمريكي العالمي

تتحول حقبة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول في مؤسسة السياسة الخارجية بواشنطن إلى مرادف لسردية الاضمحلال الأمريكي. فأشار تقرير سياسات جديد لمؤسسة راند يبحث في تراجع النفوذ الأمريكي العالمي: "بدافع من هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، وبتشجيع آخر من السقوط السريع لطالبان وتشتت القاعدة، شنَّ القادة الأمريكيون حرباً عالمية على الإرهاب، تبنَّت سياسة الاستباق العسكري للتعامل مع ناشري الأسلحة النووية، وشهدت غزو العراق، وأعلنت هدف تحويل هذا البلد إلى نموذج ديمقراطي لبقية الشرق الأوسط. هذه المهمات المتعددة أنهكت قدرة الولايات المتحدة. ولم ينتهِ أيّ منها بصورة مرضية".

لكن لا يمكن القيام بقطيعة كاملة مفاجئة مع إرث من التمدد الأكثر من المحتمل، مثلما اكتشف الرئيس ترامب نفسه. وينصح عدد لا يحصى من الخبراء الأمريكيين بما يُعَد بالأساس استراتيجية لمحاولة الاستمرار في الشرق الأوسط رغم كل ما سُقناه، مع الحذر من تصعيد الانخراط في المنطقة أو الانسحاب بصورة أحادية. وكتب ويليام بيرنز، الدبلوماسي الأمريكي المخضرم السابق: "أي محاولة لفك ارتباط الولايات المتحدة مع العالم ستأتي بجوانب سلبية معقدة. ومحاولة الرئيس السابق أوباما تغيير شروط الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط تمثل تحذيراً مهماً… فقد أدَّى إلى اختلالات وشكوك كبيرة بشأن القوة الأمريكية".

البحث عن "عدو" جديد للإمبراطورية الأمريكية

يشير المنتقدون من اليسار أيضاً إلى أنَّ الصدام الأيديولوجي الذي صاحب الحادي عشر من سبتمبر/أيلول واهٍ. فكتب دانيال بيسنر، المؤرخ بجامعة واشنطن: "مع أنَّ المخاوف بشأن الإسلام تغلغلت في الثقافة الأمريكية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبح واضحاً بحلول العقد الثاني أنَّ هذا التهديد الأخير لم يكن يتمتع بقوة بقاء الاتحاد السوفييتي، فـ(الجهاديون) ببساطة لم يكونوا أقوياء كفاية لتهديد الولايات المتحدة فعلاً. ولهذا السبب، جزئياً، نشهد الآن محاولات لإذكاء (حرب باردة جديدة) مع الصين، والتي، في حال بدأت، ستوفر لمؤسسة السياسة الخارجية المسوغ الذي تحتاجه لتبرير النفقات المتزايدة باستمرار التي تقوم عليها الإمبراطورية الأمريكية".  

لكن حتى لو دخلنا فصلاً جديداً في التاريخ، على حد وصف رودس، فإنَّ الفصل السابق لم ينتهِ تماماً بعد، وبالتأكيد ليس بالنسبة لأولئك الذين يعيشون في البلدان التي تأثرت من جرَّاء "الحرب على الإرهاب" بقيادة الولايات المتحدة. وقدَّرت دراسة نشرها معهد واتسون للشؤون الدولية والعامة بجامعة براون الأمريكية "بشكل متحفظ" أنَّ 37 مليون شخص على الأقل نزحوا بسبب الحروب المرتبطة بالرد الأمريكي على الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

يمكن للمرء أن يجادل في العلاقة السببية المباشرة وراء بعض عمليات التهجير تلك، كما في سوريا والصومال والفلبين. لكنَّ الفوضى في تلك الصراعات ما تزال جزءاً من مأساة حقبة الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

قال ديفيد فاين، أستاذ الأنثروبولوجيا بالجامعة الأمريكية وأحد المؤلفين الرئيسيين للتقرير، لصحيفة The New York Times الأمريكية: "كان هذا أحد الأشكال الرئيسية للدمار، بالطبع إلى جانب الوفيات والإصابات التي تسبَّبت بها تلك الحروب. وهو ينبئنا أنَّ تدخل الولايات المتحدة في تلك الدول كان كارثياً على نحوٍ مروِّع، وتسبَّب بأضرار بصورة مروعة وبطرق لا أعتقد أنَّ معظم الناس في الولايات المتحدة، بما في ذلك أنا من نواحٍ عدة، اشتبكوا معها أو حاسبوا عليها ولو بالحد الأدنى من العبارات".  

تحميل المزيد