هل تتوحد جبهة المعارضة في مواجهة باسيل؟ تفاصيل خطة جنبلاط والحريري لإسقاط الحكومة اللبنانية

عربي بوست
تم النشر: 2020/04/20 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/04/20 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
سعد الحريري ووليد جنبلاط

بعد أن وجد سعد الحريري ووليد جنبلاط نفسيهما خارج الحكومة اللبنانية التي تشكلت منذ أشهر، بدأ الرجلان في تنحية خلافاتهما جانباً في مواجهة حكومة حسان دياب، التي يسعيان الآن لإسقاطها.

ويستغل الحريري وجنبلاط الآن الخطة الاقتصادية التي تنوي الحكومة إقرارها عبر البرلمان، من أجل دفع حسان دياب إلى الاستسلام وتقديم استقالته.

يتلاقى سعد الحريري رئيس تيار المستقبل السني، مع وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، في بقاء كل منهما خارج الحكومة الحالية وسط تقلص واضح لأدوارهما على الساحة اللبنانية.

جنبلاط والعودة للعبة

أصبح جنبلاط الشهر الماضية خارج اللعبة السياسية، في وقت يتصاعد دور خصومه في الساحة الدرزية والوطنية.

وبحسب مصادر مقربة من رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي، حاول جنبلاط إعطاء فرصة لحكومة دياب من أجل تنفيذ خطة إنقاذ للبنان في ظل الجفاء العربي والغضب الغربي من أداء السلطة.

لكن الحكومة الحالية -بحسب المصادر التي تحدث لها "عربي بوست"- ظلت تمارس نفس الأداء ولم تقدم حلولاً لاستعادة لبنان لعافيته الاقتصادية والمالية.

لذلك، انفجر وليد جنبلاط غضباً في الأيام الماضية، ووصف حسان دياب بأنه "موظف عند ضابط استخباراتي وعند رئيس التيار الوطني الحرّ، جبران باسيل، وأن ممارسات دياب وفريقه تشبه مرحلة حكم البعث للبنان".

سعد الحريري واستعادة الدور المفقود

حطّ رحال رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في بيروت أخيراً، بعد غيابه الفعلي عن المشهد السياسي عقب تشكيل حكومة حسان دياب التي شكّلها حزب الله وحلفاؤه المتنازعون فيما بينهم.

كذلك، أصبح سعد الحريري خارج المنظومة السياسية الحاكمة ملتحقاً بوليد جنبلاط. تلك المنظومة التي كان الحريري نفسه أحد عرابيها مع جبران باسيل في الشكل، بالإضافة إلى مجموعة مستفيدين ورجال أعمال مثل علاء الخواجة والأخوين ريمون وتيدي رحمة.

الحريري وباسيل/رويترز

الحريري طفح كيله من ممارسات الحكومة الحالية خصوصاً خلال عملية التعيينات المالية، والتي كادت أن تؤدي لإقالة محمد بعاصيري نائب حاكم المصرف المركزي اللبناني، والذي يحظى بدعم داخلي من تيار المستقبل وخارجي من باريس وواشنطن.

تلك العوامل تجعل الرجلين يتحيّنان الفرصة للإطاحة بالحكومة مع حليفهما، رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، أكبر المتضررين من تحالف الحريري مع باسيل منذ عام 2016.

الحريري وجنبلاط وحلفاؤهما

كان جنبلاط يدرك منذ اللحظة الأولى لتشكيل حكومة دياب أن حلفاء الرجل لن يجدوا فيه غايتهم، كونه بات أداة في يد الوزير السابق جبران باسيل، وباتت الحكومة الوسيلة الجديدة لباسيل لإعادة حضور فريقه إلى الساحة المرتبكة بعد ثورة 17 أكتوبر/تشرين الأول.

جنبلاط الذي فتح النار على باسيل وعمه عون، يلعب بين الأحجار الضائعة، فلا رئيس مجلس النواب نبيه بري حريص على بقاء الحكومة ولا رئيس تيار المردة سليمان فرنجية يود بقاء حكومة المستفيد الأول منها خصمه اللدود جبران باسيل.

لذا فإن حكومة دياب باقية بكون حزب الله راضياً عنها وتلبي مقتضيات المرحلة لجبران باسيل ومشروعه في الوصول للسلطة والرئاسة الأولى.

خطة الإسقاط تبدأ من البرلمان

يعيش الاقتصاد اللبناني مرحلة انهيار متسارع منذ تشكيل حكومة حسان دياب، فقد بات الدولار في أعلى مستوياته منذ عام 1992، وهو ما يهدد بانهيار شركات ومؤسسات في ظل التعبئة العامة بسبب تفشي وباء كورونا، والتي أوقفت الاستيراد والتصدير بشكل كبير.

وارتفع الدولار بنسبة 110%، عما كان عليه منذ 6 أشهر، ما يهدد الطبقة المتوسطة في البلاد التي تعد خزان كبيراً في السوق اللبناني، بالإضافة لامتناع المصارف عن تسديد مستحقات المودعين، ورفضها إعطاء الدولار إلا عن طريق سحب شهري ضئيل.

كل هذه الظروف ترافقت مع تسريبات الخطة الاقتصادية التي تنوي حكومة حسان دياب إقرارها، والتي ستعالج الأزمة من جيوب اللبنانيين بدلاً من استعادة المال المنهوب لقادة السياسة اللبنانية، بحسب مطالبات المتظاهرين السابقة.

يرفض جنبلاط والحريري الخطة ويعتبرانها حرباً لإفقار اللبنانيين والتي ستكون نتائجها كارثية وغير مسبوقة.

وعلى الرغم من وعود رئيس الحكومة بأن 90% من المودعين لن تمسّ أموالهم، لكن التخوف الأكبر يكمن في الصراع بين المصارف والحكومة والذي يمكن استغلاله سياسياً من قبل الأطراف المتخاصمة لتصفية حساباتها.

وعلى الرغم من استنفار نقابات المهن الحرة لرفض الصيغة التي ينوي مجلس الوزراء إقرارها، فإن الحكومة ستجد نفسها مضطرة للخروج نحو هذا الخيار المؤلم، ومن ثم سيتحول المشروع للبرلمان حيث ستكون الساحة للتفاوض بين القوى السياسية حول التصويت عليه.

وأوضح مصدر مقرّب من الحزب التقدمي الاشتراكي لـ"عربي بوست"، أن مشروع قانون الخطة المالية لن يمرر في المجلس النيابي، ما سيضطر رئيس الحكومة لإعلان الاستسلام، ومن ثم الاستقالة لفتح باب لدوامة جديدة حول تشكيل حكومة جديدة.

أهمية عودة الحريري

قبل عودة الحريري لبيروت، تحول رئيس تيار المستقبل طوال أسابيع لمغرد على حساب تويتر دون أفعال قوية على الأرض، ما شكّل نكسة متجددة لبيئته السياسية وجمهوره الذي يعاني من خياراته منذ سنوات عديدة.

ومنذ اليوم الأول لإعلان الحرب بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والحكومة وفريق رئيس الجمهورية، كان جنبلاط يدرك أهمية عودة الحريري للمشهد السياسي في ظل ما تشهده الساحة السنية من صراعات وتجاذبات كبيرة.

أبرز هذه الصراعات تمثل في انتفاض المدن السنية مثل طرابلس وصيدا تعبيراً عن الحالة السيئة التي وصلت لها المناطق السنية التي تعاني من الإفقار والوعود المتكررة بالإنماء والمشاريع، خصوصاً في ظل أزمة تفشي كورونا.

كما تشهد الساحة السنية تأزمات أعمق، أبرزها محاولات الوزير السابق نهاد المشنوق الإطلالة على الساحة السنية، وتقديمه مساعدات إغاثية وهبات مالية لإصلاح السجون.

كما يشتكي الحريري من بيته العائلي، حيث يسعى شقيقه بهاء لتحجيمه عبر دعم مجموعات في طرابلس وبيروت والبقاع.

جبران باسيل
جبران باسيل

كما سيجد الحريري نفسه أمامه سُنة حزب الله من جهة، والجماعة الإسلامية والتي لبست ثياب الثورة منذ 17 تشرين، كردة فعل على إقصاء الحريري لها من المشهد منذ انتخابات 2018.

كل هذه المعطيات عززت عند جنبلاط ضرورة عودة الحريري وإحداث مصالحة سريعة مع القوات اللبنانية، والتي بادر جنبلاط لإرسال موفد لجعجع لترتيب جهود جبهة المعارضة والتنسيق فيما بينها لمواجهة محاولات التيار الوطني الحر بالتفرد بقرارات الحكم.

وخلص الاجتماع في مقر القوات اللبنانية إلى أن الوضع يتجه نحو الكارثة على الصعيد الاقتصادي والمعيشي. ويرى الفريقان أنه على المستوى السياسي، هناك مشروع مستمر للاستيلاء على الدولة كلها، خصوصاً القطاع المالي والمصرفي، وصولاً إلى التعيينات والتشكيلات القضائية.

لذا، قال جنبلاط عن حكومة دياب إنها تستعد لانقلاب على طريقة البعث، فيما يؤكد موفد جنبلاط أنه لا بديل عن الحريري ممثلاً قوياً للسُّنة، وعليه فإن تجاوز الخلافات أولوية في هذه المرحلة.

ويبدأ الحريري أول الأسبوع القادم في ترتيب بيت تياره الداخلي، وإطلاق سلسلة اتصالات سياسية عنوانها الأكيد، بحسب مصدر قيادي في تيار المستقبل، هو إسقاط حكومة حسان دياب، والذي سيعني سقوطها سقوط عهد جبران باسيل المتغول على الدولة بدعم من حزب الله.

لقاءات جنبلاط مع سفراء دول غربية

عزز لقاء رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مع سفيرة الولايات المتحدة دورثي شيا والفرنسي برونو فوشيه الحديث عن وجود شيء ما يحضر في كواليس المشهد اللبناني.

واشنطن لم تطلق موقفاً حتى الآن من الحكومة الحالية، وباريس اشترطت الإصلاحات للدعم، وهو ما يشير بحسب المصدر الذي تحدث لـ "عربي بوست" إلى أن دعماً دولياً لن تحصده الحكومة.

يأتي هذا في وقت يعتكف فيه العرب بعيداً عن لبنان مع انشغالهم في اليمن وليبيا.

وأكد جنبلاط للسفراء أن محاولة تطويق جديدة يجري التحضير لها ضده، وأنه مستهدف في السياسة والطائفة والمنطقة، لذا فمن الطبيعي أن يواجه الحكومة الحالية والتي تنوي الانقلاب على اتفاق الطائف من أجل ميشال عون وجبران باسيل اللذين يرفضان، بحسب جنبلاط، المشاركة مع الآخر ويريدون إعادة الصيغة اللبنانية لما قبل الحرب.

وأوضح جنبلاط للسفراء شكوكه ومخاوفه من برنامج الحكومة الإصلاحي، وإعادة هيكلة الدين، وكذلك إعادة هيكلة المصارف والمصرف المركزي. ويرى أنهم يريدون السيطرة على المصرف المركزي.

الموقف الرسمي: لا نريد الفراغ ومشكلة الحكومة جوهرية

يشدد عضو كتلة اللقاء الديمقراطي التي يتزعمها جنبلاط، النائب بلال عبدالله لـ"عربي بوست" على أن الوضع لا يحتمل فراغاً سياسياً ولا صراعات.

يثمّن عبدالله أداء وزير الصحة في معالجة كورونا ووزير الخارجية في إعادة المغتربين إلى لبنان، لكنه يرى أن أداء الحكومة العام سيئ، ولا يرقى للوعود الإصلاحية التي أدرجتها في بيانها الوزاري.

ويؤكد أن هناك وصاية على حكومة دياب من جبران باسيل للسيطرة على مفاصل الحكم.

يجدد الرجل التأكيد على رفض الذهاب لمواجهة داخلية، لأن الواقع لا يحتمل مزيداً من التسخين "نحن أمام أزمة تعصف بالعالم واقتصادنا على شفير انهيار مرتقب".

ويرى أنه بعد جلاء غيوم كورونا سيكون لكل حادث حديث.

صعوبات أمام المعارضة

الباحث والمحلل السياسي ربيع دندشلي يرى أن جبهة المعارضة التي يتم الحديث عنها أمامها امتحانات صعبة، خاصة أن جزءاً منها كان شريكاً في تسوية عام 2016، وقبولها بالصيغة التي فرضها فريق العهد.

وأوضح دندشلي لـ"عرب بوست" أن أزمة كورونا أطالت في عمر حكومة حسان دياب، التي كان يفترض أن تكون مؤقتة، ومنحتها صلاحيات جديدة.

يؤكد دندشلي أن حزب الله استغل أزمة كورونا لتوجيه ضربة للمصارف والمصرف المركزي، وهو آخر المؤسسات التي لم يتمكن من وضع يده عليها.

في حين أن واشنطن أيضاً تترقب تعاطي حزب الله مع قضية المصارف التي ترفض المساس بها، ما يعزز فرص عدم استمرار الحكومة والتي تعاني أصلاً من صراعات بين أحزابها وهذا ما بدا من مواجهة نبيه بري وسليمان فرنجية لبعض قرارات الحكومة والتهديد بالإستقالة لولا تدخل حزب الله.

حراك قادم

وإذا لم تسقط حكومة دياب بالجهود السياسية، يرى دندشلي أن شارع 17 تشرين بعد كورونا سيكون أكبر، وستواجه السلطة شعباً جائعاً وغير قادر على التحمل.

ويشدد دندشلي على أن أركان تسوية 2016 (الحريري وباسيل) نجحا في زيادة خصومهما خلال الفترة السابقة، وأن المشهد سيشهد بعد الأزمة الحالية تحولاً كبيراً لن تستطيع السلطة التعامل معه كالسابق.

يأتي هذا في وقت تترقب فيه مجموعات الحراك الثوري في لبنان محاولات أحزاب السياسة إسقاط الحكومة.

ويرى المهندس يحيى مولود، الناشط في التحالف الوطني، أن المشهد السياسي الحالي وممارسات الحكومة تنبأ بكارثة اجتماعية كبرى.

يرفض مولود في حديثه لـ"عربي بوست" إعادة تعويم أحزاب مسؤولة عن خراب البلد وتطويقه وإفلاسه، ويشدد على أن المعارضة الحقيقية هي جماهير 17 تشرين التي أعلنت شعاراً أساسياً وهو "كلن يعني كلن" دون استثناء.

ويرى أن الأزمة التي سببتها هذه الأحزاب لا يمحوها محاولات معارضة لاستعادة مكتسبات ومحاصصات.

تحميل المزيد