لماذا صوّت الإسرائيليون لـ”نتنياهو الفاسد”؟ صفقة القرن منحته قبلة الحياة وقد تنقذه من السجن

تم النشر: 2020/03/03 الساعة 16:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2020/03/03 الساعة 21:21 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في وضع أفضل، رغم أن تكتله لم يفز حتى الآن بالأصوات اللازمة لتشكيل الحكومة في الانتخابات الإسرائيلية، ولكن الدعم الذي وفرته له صفقة القرن يجعل من منصب رئاسة الحكومة أقرب له من منافسه بيني غانتس.

كان لافتاً بالنسبة للمراقبين فوز نتنياهو رغم الاتهامات الموجهة له، وانتقاده للقضاء، والحديث عن تورطه في فضيحة تسجيلات لمستشار خصمه.

نتيجة الانتخابات الإسرائيلية لم تختلف كثيراً، ولكن الظروف في صالحه 

مع إغلاق صناديق الاقتراع في الدورة الثالثة والعشرين لانتخابات الكنيست، أظهرت نتائج عينات انتخابية تقدم كتلة اليمين بزعامة الليكود بـ60 مقعداً، متفوقاً على منافسه أزرق- أبيض، الذي يمثل معسكر وسط يسار، الذي حصل على 54 مقعداً.

وتشير النتائج الأولية إلى تفوق نسبي لكتلة اليمين، بحصولها على نصف مقاعد الكنيست البالغ عددها 120 مقعداً، ولكن ذلك لم يحسم بعد مسألة تشكيل الحكومة، حيث يشترط القانون أن تحصل إحدى الكتل على 61 مقعداً على الأقل، ليتسنّى لها تشكيل الحكومة.

في الانتخابات التي أُجريت في أبريل/نيسان الماضي، حصل حزب الليكود برئاسة نتنياهو على 38 مقعداً مقابل 33 لحزب أزرق أبيض بزعامة غانتس، وتمكن نتنياهو من حشد 60 عضواً من تحالفه اليميني الذي يضم الأحزاب الدينية واليمينية الأخرى، وبالتالي فشلت محاولاته في الحصول على دعم عضو آخر، لتصل مفاوضات تشكيل الحكومة إلى طريق مسدود، ويتم حل الكنيست والدعوة لانتخابات ثانية تم إجراؤها، في سبتمبر/أيلول، جاءت بنتيجة مشابهة.

وعلى الرغم من أن النتائج الرسمية ليس متوقعاً إعلانها قبل مساء اليوم، فإن النتائج الأولية هناك غالباً ما تكون دقيقة، وأظهرت هذه النتائج فوز كتلة الأحزاب العربية بـ15-16 مقعداً (زيادة لافتة عن انتخابات سبتمبر/أيلول) وفوز إسرائيل بيتنا بزعامة ليبرمان بـ6 أو 7 مقاعد فقط، وهو ما يعني تراجعاً بمقعدين أو ثلاثة.

لا تبدو هذه النتائج الأولية مختلفة عن نتائج جولتي الانتخابات الأولى والثانية، سوى أنها منحت كتلة اليمين تفوقاً نسبياً على كتلة وسط يسار، لكنه تفوق غير حاسم، وهو ما يشير لبقاء الأزمة السياسية على حالها، ما يضعنا أمام سيناريو ما زال قائماً، وهو إجراء جولة إعادة في أغسطس/آب 2020، في حال لم تستطع أي من الكتل الوصول لنسبة 50+1 التي تسمح لها بتشكيل الحكومة.

كيف فاز نتنياهو رغم كل فضائحه؟ أعلى مشاركة منذ نحو 20 عاماً، وصفقة القرن في صالحه

شارك في هذه الدورة الانتخابية 29 حزباً سياسياً، موزعة على معسكرين: الأول اليمين الديني والقومي الذي يضم الليكود، يمينا، يهودوت هتوراه، وشاس، والثاني وسط اليسار، ويضم أزرق أبيض، القائمة العربية المشتركة، بجانب تحالف العمل، وإسرائيل بيتنا.

وصلت نسبة المشاركة بهذه الدورة الانتخابية إلى 69%، الأعلى منذ 2001، وهو ما يشير لتزايد رغبة الشارع الإسرائيلي في إنهاء الأزمة التي تعانيها إسرائيل منذ أكثر من عام، وأجريت خلالها دورتان انتخابيتان لم تسفرا عن فوز إحدى الكتل بحسم مسألة تشكيل الحكومة.

وبحسب صالح النعامي، الكاتب الفلسطيني، المتابع للانتخابات الإسرائيلية، من غزة، من الواضح أن نتائج الانتخابات الإسرائيلية منحت تفويضاً كبيراً لتأييد صفقة القرن، التي تنص على ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، ما يعني أن مئة عضو كنيست من أصل 120 نائباً يؤيدون الصفقة، مع تبني إجراءات جديدة لتهويد المسجد الأقصى، في الوقت ذاته يمكن الحديث أن نتنياهو حقق انتصاره هذا بسبب رسائله الأيديولوجية الواضحة والحادة التي لاقت استحسان الجمهور اليميني الإسرائيلي، الذي تتعاظم توجهاته العنصرية ضد الفلسطينيين مع مرور الوقت، في حين أن خصمه بيني غانتس لم يتمكن من إقناع الجمهور اليميني الإسرائيلي لأنه لم يثبت أهليته القيادية.

نتنياهو مع بيني غانتس والرئيس الإسرائيلي/رويترز

وهناك من يرى أن الطابع "القبلي" للمجتمع الإسرائيلي أسهم في تمكين نتنياهو من تحقيق نصره، حيث اقتنع اليهود الشرقيون، الذين يمثلون قاعدة الليكود الانتخابية، بدعاية نتنياهو التي زعمت أن تقديم لوائح الاتهام ضده مؤامرة عكفت عليها النخب القديمة في إسرائيل، لإسقاط حكم اليمين، وهو ما يفسر أن 50% من الأصوات في مدن التطوير والضواحي ذهبت لليكود.

عادل شديد، الباحث الأكاديمي المختص في الشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "هذه الجولة من الانتخابات كشفت عن مدى الفجوة في حجم الدعاية والتأثير على الرأي العام بين حزب الليكود الحاكم ومنافسيه في الساحة السياسية الإسرائيلية، حيث أظهر الليكود قدراته في صياغة برنامج انتخابي قوي على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني، فيما ركز برنامج منافسيه على إسقاط نتنياهو لزجّه في السجون بسبب تهم الفساد الموجّهة إليه، ثم إطلاق الوعود بإجراء إصلاحات على الصعيد الداخلي، وهذا أمر ليس محبباً لدى الشارع، الذي يريد أن يرى وقائع على الأرض، وليس وعوداً بإجراء إصلاحات".

ظهرت معطيات جديدة في الساعات الأخيرة حول زيادة أعداد الناخبين الإسرائيليين، وهنا يمكن الإشارة إلى نجاح الليكود في إقناع 200 ألف إسرائيلي للمشاركة في الانتخابات عبر اتهامهم بالمسؤولية والتقصير في استمرار الأزمة السياسية منذ أكثر من عام، بدليل أن مقاعد المنافسين لم تتغير كثيراً عن جولتي الإعادة الأولى والثانية، ومن زاد مقاعده هو الليكود، بوصوله لـهذا الرقم الكبير من مقاعد الكنيست.

يحتفل مع مناصريه رغم عدم الحسم.. سيناريوهات تزيد فرصته

استبق بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء وزعيم حزب الليكود النتائج النهائية، ليتشارك مع مناصريه باحتفالات أقامها بمقر حزبه في القدس بتحقيقه لهذا الانتصار، رغم أن عدد مقاعد كتلته لم تحسم فوزه بولاية خامسة لرئاسة الحكومة، ولكن من المرجح أن نتنياهو يحاول استغلال مزاج الشارع والأحزاب السياسية الرافضة لإجراء جولة انتخابات رابعة.

علاء الريماوي، الباحث بمركز القدس لدراسات الشأن الإسرائيلي والفلسطيني، قال لـ"عربي بوست" إن "النتائج الأولية لانتخابات الكنيست تضعنا أمام ثلاثة سيناريوهات: الأول يتمثل في حسم كتلة اليمين مسألة تشكيل الحكومة بالوصول لـ61 مقعداً، وهذا وارد لأن أصوات الجيش لم يتم فرزها بعد".

وأضاف أن "السيناريو الثاني هو عودة أفيغدور ليبرمان، زعيم حزب إسرائيل بيتنا، ليلعب دور الحسم بمسألة تشكيل الحكومة، لأن تقارب أصوات المعسكرين تعطيه أفضلية ليمثل "بيضة القبان"، ويقول ليبرمان إن حزبه لن يدخل أي ائتلاف حاكم يقوده نتنياهو، لكنه مستعد للانضمام إلى حكومة سيقودها مرشح آخر عن حزب رئيس الوزراء "الليكود".

أما السيناريو الثالث فهو تشكيل حكومة وحدة بين حزبي الليكود وأزرق- أبيض بالتناوب على موقع رئاسة الوزراء، أو استحداث منصب جديد وهو نائب رئيس الوزراء.

الصفقة التي يريدها نتنياهو وستمنحه كل شيء

ترى أوساط إسرائيلية أن من السيناريوهات الأخرى القائمة في حال فشلت أي من الكتل في الوصول لنسبة الحسم التي تؤهلها لتشكيل الحكومة، أن نشهد تفتت الكتل المتنافسة من خلال انسحاب أحد الأحزاب من كتلتها، لتضع مقاعدها أمام الكتلة الثانية لتشكيل حكومة مقابل الحصول على مناصب أو امتيازات.

 مؤمن مقداد، المحرر في شبكة الهدهد للشؤون الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "المزاج العام في إسرائيل على مستوى الشارع والأحزاب السياسية رافض لفكرة إجراء جولة رابعة من الانتخابات، لذلك قد نشهد أن تفرض رئاسة الدولة على الكتل المتنافسة تشكيل حكومة موسعة، بغض النظر عن رؤيتها أو مواقفها السياسية".

وأضاف أن "ما قد يمنح هذا السيناريو ترجيحاً هو وجود الكثير من التحديات التي تواجه الدولة، التي تحتاج حكومة مستقرة لحسم قضايا ضم الأغوار والمستوطنات تطبيقاً لصفقة القرن، وإقرار موازنة الدولة، كما أن المؤسسة العسكرية تضغط بقوة لتشكيل الحكومة بغرض إقرار موازنتها لتطوير قدرات الجيش، كي يكون قادراً على مواجهة التحديات الأمنية في المرحلة القادمة".

ماذا سيفعل بالقضاء الذي يطارده؟

"كتلة اليمين إذا استطاعت أن تحسم هذه الجولة من الانتخابات فإن برنامج إسرائيل سيكون مركزاً في ثلاثة اتجاهات، حسب عادل شديد، الباحث الأكاديمي المختص في الشؤون الإسرائيلية.

  • الأول: إقرار مشروع الحصانة لحماية نتنياهو من تهم الفساد الموجهة إليه، والعمل على تغيير منظومة القضاء وفق صلاحياته كرئيس للوزراء.
  • الثاني: تطبيق ما جاء في صفقة القرن، ومن أهمها ضم الاغوار والمستوطنات للسيادة الإسرائيلية.
  • الثالث: يتركز في سعي نتنياهو لتعزيز دور إسرائيل في المنطقة، وتوسيع علاقات التطبيع مع الدول العربية.

رهان السلطة الفلسطينية على بديل له يتداعى

لم تعد انتخابات الكنيست شأناً داخلياً يخص إسرائيل وحدها، بل إن الطرف الفلسطيني رغم أنه يلتزم الصمت تجاه ما يجري في إسرائيل، فإنه يراقب عن كثب مجريات الأحداث التي تشهدها إسرائيل.

عبدالجواد صالح، عضو اللجنة التنفيذية السابق لمنظمة التحرير، وعضو المجلس المركزي الحالي قال لـ"عربي بوست" إن "الحضور الفلسطيني في الانتخابات الإسرائيلية ليس بالجديد، بل هي سياسة قائمة منذ عشرات السنوات، لأن إسرائيل تستخدم معاناة الفلسطينيين كورقة انتخابية، وفي عهد نتنياهو زاد هذا الأمر بصورة كبيرة".

وأضاف أن "ما جرى في هذه الدورة الانتخابية أن السلطة الفلسطينية خسرت رهانها في سقوط نتنياهو، وهذا يعود إلى تقديرها الخاطئ، بأنها لا تزال تعول على وجود قيادة إسرائيلية جديدة تؤمن بطريق المفاوضات كمدخل للتسوية السياسية".

تحميل المزيد