هل أصبحت السعودية تخشى اندلاع حرب أمريكية بعدما كانت تشجعها؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/12/15 الساعة 14:46 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/12/15 الساعة 17:17 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان/ رويترز

هل أصبحت السعودية تخشى اندلاع حرب أمريكية بعدما كان يُعتقد أنها تشجعها؟

فقد ظهرت أخبارٌ في الأسبوع الجاري تشير إلى أنَّ المملكة العربية السعودية، التي تتطلع إلى تخفيف التوترات مع إيران، عقدت محادثات سرية مع الجمهورية الإسلامية. 

يأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تكثيف عدائها تجاه إيران، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

وكان العديد من المراقبين يظنون في البداية أنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تتطلَّعان إلى دخول مواجهة مع إيران، وأن نهجهما العدائي قد يدفع الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي جديد.

لكنَّ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لم تدفعا الولايات المتحدة وإيران إلى  دخول حرب، مما يشير إلى أنَّ الدولتين العربيتين أكثر تردداً بشأن دخول حرب مع إيران مما يظن العديد من خبراء السياسة، بل إنَّهما قد تكونان في الواقع عاملاً لكبح اندلاع حربٍ كهذه. 

على غرار الحرب العالمية الأولى.. كيف بدأ الوضع الحالي مهيأً للانفجار؟

حين انسحبت إدارة ترامب من الاتفاق النووي الإيراني في العام الماضي 2018، شعر العديد من الخبراء بالقلق من أن تكون هذه الخطوة مقدمةً للحرب.

وقد فاقمت بعض الأفعال السعودية هذا القلق، إذ شعر القادة السعوديون -الذي أحبِطوا من تساهُل إدارة أوباما مع إيران- بالسعادة تجاه موقف ترامب العدواني.

وأظهر الأمير السعودي محمد بن سلمان موقفاً عدوانياً تجاه إيران، مما أجَّج التوترات الإقليمية. لذا بدأ بعض المحللين يعربون عن قلقهم من أنَّ المملكة العربية السعودية -والإمارات التي تعد حليفة خليجية أخرى للولايات المتحدة وغالباً ما تكون متحالفةً مع المملكة العربية السعودية- سوف تجر الولايات المتحدة إلى الحرب. 

وما كانت هذه لتكون المرة الأولى التي يدفع فيها حلفاء ضعفاء غير مسؤولين رعاتهم الأقوياء إلى حربٍ لا يرغبون فيها، إذ يُمكن القول إنَّ الحرب العالمية الأولى اندلعت بطريقةٍ مماثلة. 

الهجمات التي يعتقد أن إيران تقف وراءها أدت إلى لتوتر شديد في الخليج/رويترز

وكذلك فالعِلم الأكاديمي دعم هذه المخاوف. إذ وجدت دراسة مؤثرة أن المناطق المتوترة تعاني سياسات تحالف معقدة. فحين تعتقد الدول أنَّ شنِّ حربٍ هجومية سيكون سريعاً وفعالاً، تصبح معتمدةً على حلفائها. وإذا بدأت هذه الدولة حرباً، فحلفاؤها يعتقدون أنَّهم مُطالَبون بتقديم المساعدة. وبذلك، يمكن أن يتحول النزاع العسكري الصغير إلى نزاعٍ كبير.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنَّ الولايات المتحدة حليفةٌ وثيقة للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. إذ تعتمد الولايات المتحدة على البلدين لتحقيق الاستقرار في أسواق الطاقة والحفاظ على وجودها في المنطقة، بينما يتمتعان هما بنفوذ كبير على السياسات الأمريكية، لاسيما في عهد إدارة ترامب.

ونظراً إلى أنَّ إيران تعد قوةً عسكرية واقتصادية كبيرة مجاورة لأراضيهما، تعتقدان أنها تشكل تهديداً لسلامتهما. وهذا إلى جانب وجود اختلافات أيديولوجية كذلك بينهما وبينها.

فسكان السعودية والإمارات من المسلمين السُنَّة، في حين أنَّ أغلبية سكان إيران من المسلمين الشيعة. وبالإضافة إلى ذلك، تخضع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة لحُكمٍ ملكي مُحافِظ يخشى الاضطرابات السياسية. 

أمَّا إيران، فتخضع لنظامٍ ثوري، ويحاول هذا النظام إثارة الاضطرابات السياسية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، لاسيما في المملكة العربية السعودية.

حدثان كان يمكن أن يتسببا في اندلاع حربٍ لكنَّهما مرَّا بسلام

إذا كانت الإمارات والسعودية تريدان دخول حربٍ مع إيران بالفعل، فربما كان بإمكانهما استخدام حادثين لدفع الولايات المتحدة إلى حربٍ كهذه.

ففي مايو/أيار الماضي، وقعت تفجيراتٌ أسفرت عن تدمير ناقلات نفط في المياه الإماراتية، وقد افترض كثيرون -بما في ذلك إدارة ترامب- أنَّ إيران هي التي نفَّذت التفجيرات.

لكنَّ الإمارات لم تُلقِ بلومٍ مُباشِر على إيران عند تقديم تقريرٍ استقصائي عن الحادث إلى الأمم المتحدة.

وفي سبتمبر/أيلول الماضي، ضربت طائرات بدون طيار مصفاة نفط كبرى في السعودية. وأعلن الحوثيون -وهُم جماعة متمردة تدعمها إيران في اليمن وتقاتلها المملكة العربية السعودية- مسؤوليتهم عن الهجوم، في حين أنَّ الكثيرين يفترضون أنَّ إيران هي التي كانت وراءه. وصحيحٌ أنَّ المملكة العربية السعودية ألقت باللوم على إيران، لكنَّها لم تُطالِب باتخاذ إجراء عسكري انتقامي ضدها.

وفي أوائل نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، دعت الإمارات المجتمع الدولي علانيةً إلى التفاوض مع إيران. وكذلك تتراجع الإمارات تدريجياً عن مشاركتها في الحرب الأهلية الجارية في اليمن، التي تطورت إلى حربٍ بالوكالة بين المملكة العربية السعودية وإيران. وربما يكون السبب المنطقي وراء ذلك مبهماً بعض الشيء، لكنَّه ربما يتعلق بمخاوف الإمارات حيال خروج حرب الوكالة عن السيطرة، وتسببها في إثارة أعمال عدائية مباشرة. 

هل أصبحت السعودية تخشى اندلاع حرب أمريكية 

لم تدفع السعودية والإمارات حليفتهما الولايات المتحدة إلى دخول حربٍ مع إيران، مع أنَّهما كانتا تستطيعان فعل ذلك بسهولة عن طريق توجيه إدانةٍ قاطعة إلى إيران بعد الهجمات التي وقعت على أراضيهما، أو حتى اتخاذ إجراءات انتقامية. 

وبالنظر إلى عداء إدارة ترامب تجاه إيران وتضامنها مع السعودية، فمن المُرجَّح أنَّ الولايات المتحدة كانت ستؤيد اتخاذ إجراء عسكري ضد إيران. 

ولكن في الآونة الأخيرة، يبدو كما لو كانت الإمارات والسعودية تكبحان الولايات المتحدة عن دخول حرب مع إيران. 

ماذا قال الأمير محمد عن الحرب؟

في أعقاب الهجوم على مصفاة النفط السعودية، أكَّد محمد بن سلمان أن دخول حربٍ مع إيران سيسبب ارتفاعاً كبيراً في أسعار النفط و "كارثة اقتصادية". وقد قال ذلك في سياق تحذيرٍ من العواقب المحتملة إذا لم يتصدَّ المجتمع الدولي لإيران، مشيراً إلى أنَّ حالة اللامبالاة ستسفر عن حرب.

 ولكن من الصعب ألَّا نرى ذلك على أنَّه تحذيرٌ للولايات المتحدة، لاسيما أنَّ وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو وصف الهجوم بأنه "فعلٌ عدواني من أفعال الحرب".

وتجدر الإشارة إلى أنَّ هذا الوضع حيَّر المراقبين الذي يركزون على أوضاع المنطقة.

 إذ يُلاحظ آخرون الجهود الدبلوماسية المتزايدة التي تبذلها دول الشرق الأوسط لتقليل الأعمال العدائية. وهذا أشبه بدولٍ تستخدم نفوذها على حلفائها لكبحهم عن دخول حرب.

وقد يشير ضبط النفس الظاهر من جانب المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة إلى أنَّهما مترددتان بشأن دخول حرب مع إيران في المنطقة تردداً أكبر ممَّا يتوقعه معظم المراقبين. بينما ما زالت دول الخليج العربية بعيدةً عن الاتحاد مع بعضها، في ظل وجود خلافات حول الأيديولوجية وسياسة القوة (لاسيما فيما يتعلق بحصار قطر) تمنعها من تشكيل تحالف قوي ضد إيران. 

وفي الوقت نفسه، هناك تباعد متزايد بين المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في نهج التعامل مع اليمن، ويبدو أن الإمارات العربية المتحدة تركز تركيزاً متزايداً على استعادة الاستقرار الإقليمي. 

تعلم  المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة أنهما ستتحمَّلان الجزء الأكبر من وطأة أي حرب في الخليج. لذا ربما تُفكِّران في تأثير لهجة الخطاب والإجراءات تفكيراً أكبر من إدارة ترامب، وتخشيان العواقب المحتملة. 

تحميل المزيد