حذرت صحيفة The Washington Post الأمريكية رجال الأعمال من الاستثمار في عملاق النفط السعودي أرامكو بعد القرار التاريخي بشأن إدراج أرامكو في البورصة المحلية، بسبب سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان "القمعية والوحشية" بعد مقتل الصحفي المخضرم جمال خاشقجي.
وقالت الصحيفة الأمريكية يبدو أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان واثق أنه تجاوز ردود الفعل السلبية الدولية التي أعقبت مقتل الصحفي جمال خاشقجي منذ 13 شهراً مضى. ففي الأسبوع الماضي، شَهِدَ مؤتمر الاستثمار السنوي الذي ترعاه المملكة عودة كبار المسؤولين الحكوميين ومديري الشركات الذين قاطعوا المؤتمر العام الماضي، الذي أقيم في أعقاب جريمة القتل خلُصَت الاستخبارات الأمريكية إلى أنَّ ولي العهد هو من أصدر الأمر بتنفيذها. وأعلنت شركة النفط السعودية "أرامكو"، أول أمس الأحد 3 نوفمبر/تشرين الثاني، أنها ستطرح أخيراً حصة منها للاكتتاب العام الأولي، وهي الخطوة التي يروج لها ولي العهد منذ عام 2016.
تحذير للمستثمرين
وبحسب الصحيفة الأمريكية فقبل أن يتكالب المستثمرون في الغرب على شراء أسهم "أرامكو"، عليهم التفكير أولاً في التغيرات التي طرأت على السعودية في السنوات الخمس الماضية تقريباً، وتحديداً منذ وفاة العاهل السابق الملك عبدالله، والتي أوضحها تقرير حديث لمؤسسة Human Rights Watch.
وحتى بعيداً عن هذا التقرير، لا تخلو عملية الطرح العام الأولي لشركة "أرامكو" من المخاطر. إذ تُطرَح الحصة الأولى من الشركة في سوق الأوراق المالية السعودية الصغيرة، حيث ترددت تقارير عن تعرض المستثمرين المحليين للضغط لشراء الأسهم. وأعلن الأمير محمد بن سلمان أنَّ عائدات أسهم الشركة التي ستُطرَح للاكتتاب ستصل إلى تريليوني دولار، وذلك على الرغم من أنَّ المحللين يقولون إنَّ القيمة الفعلية للأسهم تقل بالثلث عن توقعات الأمير. إضافة إلى ذلك، انخفض إنتاج شركة أرامكو إلى النصف لفترة مؤقتة بعد هجوم مدعوم من إيران على منشآت تابعة للشركة في سبتمبر/أيلول الماضي؛ مما أثار شكوكاً على قدرتها على الدفاع عن نفسها ضد أية ضربات محتملة.
لكن تظل المخاطر السياسية المحيطة بعملية الطرح الأولي أشد جسامة؛ فوفقاً لتقارير Human Rights Watch، تزامنت حملة ولي العهد لتحديث المملكة، التي حظت بدعايا هائلة، مع بعض أشد الممارسات القمعية تعسفاً وأكثرها وحشية في تاريخ الدولة.
السيطرة على الأجهزة الأمنية والاستخباراتية
وبحسب الصحيفة الأمريكية تشير إحدى هذه التقارير إلى أنَّ قبيل تنصيب الأمير محمد ولي العهد المملكة في عام 2017، نُفِذَت حملة تطهير داخل أجهزة الاستخبارات السعودية والادعاء والأمن، وانتقلت لتكون تحت السيطرة المباشرة للديوان الملكي. وأعقب ذلك موجة تلو الأخرى من الاعتقالات السياسية، التي استهدفت أولاً "رجال الدين البارزين والمفكرين والأكاديميين ونشطاء حقوق الإنسان" في سبتمبر/أيلول 2017. وبعد ذلك بشهرين، جاءت حملة أخرى ضد "رجال أعمال وأفراد من العائلة المالكة". ثم في مايو/أيار 2018، حلَّ دور الناشطين في مجال حقوق المرأة، واعتُقِل 19 منهم.
واستمرت هذه الحملات حتى بعد مقتل خاشقجي وردود الفعل الدولية التي أعقبت الواقعة. إذ أشار التقرير إلى شن حملة مداهمات أخرى في أبريل/نيسان، أسفرت عن اعتقال كُتّاب ونشطاء. وألقي القبض على 4 رجال دين آخرين الشهر الماضي.
والزج بمعارضين محليين سلميين في السجن ليس بأمر جديد على النظام السعودي. لكن ما يميز عهد الأمير محمد بن سلمان، حسبما ذكرت Human Rights Watch، هو "ضخامة عدد الأفراد المستهدفين خلال فترة قصيرة من الزمن واتساع نطاق الاستهداف، بالإضافة إلى استحداث ممارسات قمعية جديدة لم تشهدها السعودية تحت حكم القيادات السابقة". فيقول التقرير مثلاً إنَّ عدداً من النساء اللاتي قُبض عليهن العام الماضي احتُجِزن بمعزل عن العالم الخارجي لعدة أشهر في سجن سري، وتعرضت أربع نساء منهن على الأقل للتعذيب بالصدمات الكهربائية والجلد والاعتداءات الجنسية.
وقد يظن المستثمرون الدوليون أنَّهم محصنون من مثل هذه المعاملة، لكن لا يجب أن يكونوا واثقين من ذلك. فمن بين الذين اعتقلوا في الحملات السعودية، مواطنون أمريكيون، وواحدٌ من أبرز المستثمرين في العالم هو الوليد بن طلال. لذا، على أي شخص يستثمر في السعودية أن يُحضِر نفسه للمغامرات المتهورة والأساليب الاستبدادية التي يتبعها حاكم المملكة البالغ من العمر 34 عاماً.