«ترامب لا يحب الأصدقاء الخاسرين».. هل تتخلى واشنطن عن تل أبيب كما تخلَّت عن الأكراد؟

عربي بوست
  • ترجمة
تم النشر: 2019/10/09 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/10/09 الساعة 15:52 بتوقيت غرينتش
ترامب: علاقة أمريكا قائمة مع شعب إسرائيل وليس شخص بعينه/ رويترز

مرت خمسة أشهر فقط منذ آخر مرة أدَّى فيها أعضاء الكنيست الإسرائيلي المنتخبون حديثاً اليمين الدستورية، ونظراً إلى استمرار حالة الشلل السياسي في البلاد بعد جولةٍ أخرى من الانتخابات غير الحاسمة، فقد يتعين عليهم أداؤها مرةً أخرى قريباً.

وبالإضافة إلى ذلك، فنبرة خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو القاتمة التحذيرية متشائمةٌ للغاية. إذ حذَّر من "حربٍ وشيكة" مع إيران وتحدياتٍ "أمنية غير مسبوقة"، قائلاً إنها "لم يسبق لها مثيل منذ حرب يوم الغفران". 

وصحيحٌ أنَّ عديداً من المعلقين اعتبروا تصريحاته خطاباً انتخابياً مألوفاً يهدف إلى إقناع المواطنين بأهمية استمراره في قيادة البلاد، برغم فشله في الفوز بأغلبية الأصوات في انتخابات سبتمبر/أيلول الماضي. إذ كتب بِن كاسبيت الصحفي في صحيفة Ma'ariv الإسرائيلية، في انتقادٍ ساخر لنتنياهو، واصفاً تصريحاته بأنَّها "تهديدٌ أمني مبتذل"، وقال متهكماً: "سيداتي وسادتي، أقدِّم لكم التهديد الإيراني العظيم".

لكنَّ تصريحاته أسهمت كذلك في تأجيج القلق عشية ذكرى يوم الغفران، الذي تعرَّضت فيه إسرائيل قبل 46 عاماً لهجومٍ مفاجئ من تحالفٍ من الجيوش العربية، والذي يحتفل به الإسرائيليون بالتكفير عن ذنوبهم فيه. 

هل تغيّر ترامب على نتنياهو؟

ومن أهم الأشياء المُقلقة الأخرى سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الشرق الأوسط، والتي بدأت تثير شكوكاً حول علاقة الرئيس الأمريكي الوثيقة مع بنيامين نتنياهو.

ولطالما استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي تلك العلاقة لإقناع الناخبين بالتصويت له في حملات إعادة انتخابه، مدَّعياً أنَّها أسفرت عن تحقيق مكاسب مهمة.  

ففي عهد نتنياهو، اعترفت إدارة ترامب بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان المحتلة ونقلت السفارة الأمريكية إلى القدس، لتُحدِث بذلك تغييراً هائلاً في السياسة الأمريكية المتبعة منذ عقود.

ويرى نتنياهو أنَّ قرار ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني واتباع نهجٍ متشدد تجاه الجمهورية الإسلامية يُعَد دعماً مهماً لاستراتيجيته المتمثلة في حماية إسرائيل من نفوذ طهران المتوسع في المنطقة.

"ترامب لا يحب الخاسرين"

يقول موقع BBC البريطاني إنه بات من المعتاد أن يُقدِّم كلا الرئيسين للآخر دعماً ثابتاً لا يتزعزع، لذا بدت استجابة ترامب التي تحتمل عدة تأويلات، لانتخابات سبتمبر/أيلول الماضي، بمثابة ناقوس خطر في إسرائيل. إذ أشار إلى أن النتائج كانت متقاربة، وأكَّد أنَّ علاقة أمريكا الخاصة قائمة مع شعب إسرائيل وليس مع شخص بعينه.

ترامب قدم دعماً دعائياً كبيراً لنتنياهو كي يفوز بالانتخابات ويحسم أمر الحكومة، ولكن الأخير لم يفعل ذلكّ/ رويترز
ترامب قدم دعماً دعائياً كبيراً لنتنياهو كي يفوز بالانتخابات ويحسم أمر الحكومة، ولكن الأخير لم يفعل ذلكّ/ رويترز

واستنتجت عديد من وسائل الإعلام الإسرائيلية من هذه الردود أنَّ "ترامب يكره الخاسرين"، لا سيما الأصدقاء الذين لا يستطيعون الفوز رغم "مساعدته الاستراتيجية".

وربما تكون هذه مُبالغةً، لكنَّها تُسلِّط الضوء على موقف نتنياهو الهش بعد فشله مرتين في تشكيل حكومة. ففي خضم معارك التحالفات المعقدة بإسرائيل، يحاول نتنياهو التمسك بمنصبه، لأنَّه قد يمنحه مزيداً من القوة لمحاربة اتهاماته بالفساد التي تلوح في الأفق. 

سياسة إسرائيل تجاه إيران تهتز

وبحسب BBC، فإن سياسة نتنياهو تجاه إيران قد اهتزت بالفعل، بسبب تغيُّر موقف ترامب، الذي صار يُفضِّل اتباع الدبلوماسية مع الجمهورية الإسلامية، وشهدت مزيداً من الترنُّح حين رفض ترامب استخدام استعراض القوة العسكرية الأمريكية رداً على الهجوم الإيراني الواضح على منشآت نفط سعودية.

وصحيحٌ أنَّ إسرائيل "تتصدى بضراوةٍ" وعلانيةً لوكلاء إيران في المنطقة، عازمةً على وقف انتشار الصواريخ الإيرانية بالقرب من حدودها، لكنَّ الهجوم الأخير الذي ضرب منشآت النفط السعودية دق أجراس إنذار جديدة.

فإذا كانت إيران قد نجحت في ضرب المملكة العربية السعودية مباشرةً بصواريخ كروز، فربما يمكنها أن تفعل الشيء نفسه ضد إسرائيل. فهل سيُترَك الإسرائيليون وحدهم لمواجهة هذا التهديد دون المظلة الأمنية الأمريكية التي كانوا يعتقدون أنَّهم يمتلكونها؟

هل تتخلى واشنطن عن تل أبيب كما تخلت عن الأكراد؟

وفي هذا الصدد، كتب شمعون شيفر مقالةً بصحيفة Yedhioth Ahronoth الإسرائيلية، قال فيها: "الضربة القاتلة التي وجهها الإيرانيون إلى منشآت النفط السعودية بصواريخ كروز أُطلقت من إيران، والتي لم تلقَ أي ردٍّ من إدارة ترامب، تدل على الانهيار التام للعقيدة الأمنية التي أقامها نتنياهو، الذي بنى جميع قراراته على (الرئيس الأشد وداً على الإطلاق تجاه إسرائيل في البيت الأبيض)".

وقد تفاقم الإنذار بقرار ترامب سحب القوات الأمريكية من شمال شرقي سوريا لتمهيد الطريق أمام عمليةٍ عسكرية تركية، ليتخلى بذلك عن الأكراد المتحالفين مع أمريكا منذ زمن طويل.

قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي كانت مدعومة من أمريكا/ رويترز
قوات سوريا الديمقراطية الكردية التي كانت مدعومة من أمريكا/ رويترز

وهذه الخطوة أثارت المخاوف مرةً أخرى في إسرائيل بشأن مدى استعداده لحماية حلفائه الآخرين، إذ قال شيفر في مقالته: "لقد أصبح ترامب غير جدير بالثقة بالنسبة لإسرائيل".

لكن في الواقع، ليس هناك ما يشير إلى أنَّ الولايات المتحدة ستُقلِّص دعمها القوي لأمن إسرائيل بأي شكلٍ من الأشكال.

ولكن بعد ما يقرب من ثلاث سنوات شهدت توافقاً شديداً بين إدارة ترامب وإسرائيل، تواجه الأخيرة واقعاً يتمثل في رئيسٍ لا يمكن التنبؤ بتصرفاته، ويتعامل على أساس الصفقات والمعاملات، ولديه تحفظات عميقة على استخدام القوة العسكرية الأمريكية، ويخشى التورُّط في صراعٍ آخر بالشرق الأوسط، ومنهمك، مثل نتنياهو، في معارك سياسية داخلية ببلاده، من أجل البقاء في منصبه.

تحميل المزيد