دعا الرئيس الإيراني حسن روحاني، في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة، الأربعاء الماضي 2 أكتوبر/تشرين الأول، إلى إنشاء "تحالف الأمل" للسلام بين إيران ودول الجوار، مضيفاً أن المبادرة التي تحمل اسم "هرمز للسلام" تشمل دول الجوار في منطقة الخليج، موجهاً حديثه إلى المملكة العربية السعودية مطالباً إياها بملاحظة بأن جارتها التاريخية والمستقبلية هي إيران وليست الولايات المتحدة.
عجز القوى العظمى
الجغرافيا هي علم المعايشة، ولكن هل سيكون ذلك ممكناً بين إيران والسعودية، التي يُقال إنها على شفا الحرب؟ ومن المفارقات أن الهجوم على مواقع النفط السعودية في 14 سبتمبر/أيلول بواسطة طائرات بدون طيار وصواريخ كروز والذي أثار مكان انطلاقها جدلاً، خدم السياسة الإيرانية، حيث يُمكن أن يحل الموقف برمته. ومن خلال تسليط الضوء على عجز القوى العظمى، كشف هذا الاعتداء الحاجة الملحة لإجراء حوار بين الخصمين الرئيسيين اللذين يعيشان في الخليج. ويبدو أن فشل الوساطة الدبلوماسية الفرنسية بين إيران والولايات المتحدة في الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة قد سارع من وتيرة الأحداث.
يقول موقع Liberation الفرنسي إن المملكة السعودية لاحظت أولاً أن حليفتها الولايات المتحدة الأمريكية القوية لم تكن قادرة على الدفاع عنها وأن ترسانتها العسكرية الضخمة لم تكن فاعلة. وخلال زيارة خاطفة إلى الرياض، ألمح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو إلى احتمالية شن حرب ضد إيران بيد أنه يجب تفضيل اللجوء إلى رد "غير عسكري".
ويضيف الموقع، أنه بات يجب على المملكة العربية السعودية الاعتراف بظهور إيران كقوة إقليمية والموافقة على الحوار قبل أن يضعف موقفها مرة أخرى. ولا تُستبعد هذه الاستراتيجية إلقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لخطاب تكتيكي حول فرض مزيد من العقوبات بحق طهران لإرضاء حلفائها وخاصة إسرائيل.
بادرة مستحيلة؟
يقول موقع Liberation إن فشل سياسة الولايات المتحدة وحلفائها من الدول النفطية يستدعي ضرورة الوصول إلى مخرج مقبول قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2020. لقد قيل كل شيء عن الفشل العسكري والسياسي في أفغانستان والعراق، ولكن الأسوأ ستكون هزيمة مذلة للمملكة العربية السعودية في اليمن.
في حين أن الإمارات العربية المتحدة، الشريك الرئيسي في التحالف العربي، لم تعد تريد أن تكون في طليعة هذا الصراع الذي لا نهاية له. وتدرس الرياض إمكانية وقف إطلاق النار. وفي الوقت نفسه، لم تحقق السياسة الأمريكية المتمثلة في ممارسة "أقصى الضغوط" ضد إيران النتائج المرجوة منها حيث تُقاوم الجمهورية الإسلامية بشكل جيد رغم الكارثة الاقتصادية التي فُرضت على الإيرانيين فضلاً عن تفاقم النزاعات السياسية الداخلية.
سمح "تطوع فرنسا" لإنقاذ الاتفاق النووي المُوقع عام 2015 مع إيران من خلال السعي لإقامة حوار مباشر بين إيران والولايات المتحدة بتخفيف التوتر وتمهيد الطريق لعقد حوار مستقبلي، لكن الرئيس الإيراني حسن روحاني رفض التحدث مع دونالد ترامب عبر الهاتف أثناء الجمعية العامة للأمم المتحدة. لكن هذا الفشل قد يعكس أيضاً حقيقة أن القوى الكبرى في مجلس الأمن لم تعد قادرة على حل المشكلات الإقليمية كما كان الحال في عام 2015 بشأن الاتفاق النووي الإيراني.
صمتُ الجانب السعودي
فرضت هذه الإخفاقات الدبلوماسية والعملية العسكرية ضد أرامكو استراتيجية جديدة. ففي خطابه في الأمم المتحدة، اقترح الرئيس الإيراني إقامة "تحالف الأمل" ومبادرة "هرمز للسلام" مع جميع الدول المشاطئة، وحث السعودية على رؤية أن جارتها التاريخية والمستقبلية هي إيران وليست الولايات المتحدة البعيدة. ومن جانبها، قدمت الصين -العميل الرئيسي للنفط والغاز في الخليج العربي- اقتراحاً بالمشاركة في المبادرة الإيرانية بجانب كل من اليابان والهند وروسيا وأوروبا.. ستكون اتفاقية أمنية إقليمية تقودها دول آسيوية -الناشئة حديثاً- مع استبعاد الولايات المتحدة التي "لم تعد تتمتع بمصداقية".
يقول الموقع الفرنسي إن التعايش السلمي بين دول الخليج يظلُ بعيد المنال. وتقوم دولة العراق، الشريك الاقتصادي الرئيسي لإيران وحليف الولايات المتحدة، منذ عدة أشهر بدور الوسيط بشكل فاعل. ولدى عودته من الرياض، أعلن رئيس الوزراء العراقي عادل عبدالمهدي: "استعداد إيران والسعودية للتفاوض". وحتى هذه اللحظة يلزم الجانب السعودي الصمت، لكن فرضية عقد حوار إيراني – سعودي أصبحت الآن ذات مصداقية.
في عام 1973، بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة، وصف الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون إيران والمملكة العربية السعودية بأنهما "شرطيا الخليج". وهو دور لم يستطع أي من البلدين القيام به. لكن بعد مرور خمسين عاماً، يبدو أن ميزان القوى قد تغير: نهاية الزعامة الأمريكية، وتأكيد قوة الدول الآسيوية الكبرى، وقبل كل شيء، رغبة القوى الإقليمية الجديدة في التمتع بحكم ذاتي مع التواجد كمتنافسين وليس كأعداء.