تضخّ إسرائيل أموالاً وجهوداً ضخمة في أمريكا، لتنفيذ حملات مؤيدة لها، في محاولة لإنقاذ صورتها المتدهورة، ورفع معدلات التأييد الشعبي لها بين الأمريكيين لا سيما المؤثرين الشباب على شبكات التواصل الاجتماعي، في وقت تواجه فيه إسرائيل انتقادات كبيرة بسبب عمليات القتل التي تنفذها في غزة.
"عربي بوست" تتبّع تفاصيل 7 وثائق رسمية أمريكية، منشورة في قاعدة بيانات قانون تسجيل الوكلاء الأجانب في الولايات المتحدة، وتتضمن تفاصيل حملات إسرائيلية تو في أمريكا منذ مطلع 2025 بشكل خاص، والتي تنفذها شركات علاقات عامة وترويج مسجّلة في أمريكا.
تُظهر طبيعة الحملات الإسرائيلية أنها تستهدف إعادة ضخ السردية الإسرائيلية حول الحرب في غزة، وتبرير الفظائع التي ارتكبتها في القطاع باعتبارها "دفاعاً مشروعاً"، ومحاولة إقناع الأمريكيين بأن الفلسطينيين يستحقون الحرب، لتحقق إسرائيل من وراء ذلك الهدف الأكبر، وهو استعادة التعاطف الذي تخسره عالمياً.
وتبرز في الوثائق الأمريكية التي تفحّصناها شركة HAVAS MEDIA العالمية، التي تعمل نيابةً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، والتي تتولى مسؤولية التنسيق وتقديم الخدمات المالية للشركات الأمريكية التي تنفذ الحملات الإسرائيلية.
استهداف ملايين المسيحيين في أمريكا
في واحدة من أكبر حملاتها الدعائية داخل الولايات المتحدة، تركّز إسرائيل في حملة جديدة على استقطاب مجتمعات دينية وشخصيات ذات تأثير واسع، في محاولة لدفعها إلى تبنّي مواقف وآراء علنية مؤيدة لتل أبيب، لا سيّما فيما يتعلق بالحرب على غزة.
تُبيّن المعلومات الرسمية الأمريكية أن إسرائيل تستهدف مجتمع الكنائس المنتشرة في ولايات الغرب الأمريكي، بهدف نشر التعاطف والتأييد لها بين المسيحيين الإنجيليين، المعروفين بتأييدهم للرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
تبلغ تكلفة الحملة 4.1 مليون دولار، وتهدف إلى الوصول إلى 3.9 مليون مسيحي، في 303 كنيسة، وتمتد الحملة على 3 أشهر.

بدأت الحملة في سبتمبر/ أيلول 2025، وتنتهي في ديسمبر 2025، تنفذها شركة أمريكية تعاقدت معها وزارة الخارجية الإسرائيلية، تُدعى Show Faith by Works, LLC، تأسست في يوليو 2025، أي قبل أسابيع فقط من بدء الحملة، بحسب ما أظهره تتبّع "عربي بوست" لنشاط الشركة.

تسعى الحملة إلى تحقيق أهدافها من خلال رسائل موجّهة بعناية، تتضمّن:
مواجهة انخفاض نسبة تأييد المسيحيين الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل.
نشر أفكار تربط "الفلسطينيين بحركة حماس ودعمهم للإرهاب".
مواجهة الرسائل المؤيدة للفلسطينيين.
التشكيك في مفهوم "حل الدولتين"، والادعاء بأنه "لا يوجد في أي وقت من التاريخ دولة تُسمى فلسطين".
نشر مزاعم بأن "حماس والفلسطينيين الذين يدعمونها قتلوا عدداً من عمال الإغاثة المسيحيين الأميركيين".

تُدار هذه الحملة الإسرائيلية وفق مسارين رئيسيين: ميداني ورقمي.
1- أنشطة ميدانية:
تتضمن تنظيم فعاليات عند الكنائس والكليات، وتشمل إنشاء "متحف متنقّل"، وديكوراً، و"تجربة تفاعلية" تُحاكي أحداث هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي شنّته الفصائل الفلسطينية على مستوطنات محتلة في منطقة غلاف غزة.
تستعين الحملة بمصمّمي ديكور محترفين من هوليوود، لتصميم مقطورة تخدم أهداف الحملة الإسرائيلية، كما ستنشر الحملة فرقاً ميدانية للتواصل مع الكنائس والقساوسة.
2- أنشطة رقمية:
تُخطّط الحملة الإسرائيلية لتنفيذ ما أسمته "أكبر حملة رقمية مسيحية في التاريخ"، باستخدام تقنية تُعرف باسم (Geofencing) (التسييج الجغرافي).
تُستخدم هذه التقنية في التسويق والإعلانات المعتمدة على الموقع الجغرافي، حيث يتم تحديد نطاق جغرافي حول موقع معيّن، وتوجيه رسائل أو إعلانات رقمية إلى الأشخاص المتواجدين داخل هذا النطاق.
تركّز الحملة على استقطاب المؤثرين المسيحيين على وسائل التواصل الاجتماعي، لاستخدامهم في بث رسائل مؤيدة لإسرائيل، خصوصاً بين الشباب، وتُخطّط لاستقطاب عدد من الشخصيات المسيحية المؤثرة في أمريكا ممن لديهم جمهور واسع.
ومن بين الأسماء المطروحة: ممثل هوليوود "كريس برات"، ولاعب كرة السلة المحترف "ستيفن كاري"، ولاعب كرة القدم الأمريكية "تيم تيبو".
وقد خصّصت الحملة ميزانية بنحو 350 ألف دولار لتغطية الفعاليات التي يشارك فيها رياضيون ومشاهير مسيحيون يخدمون أهداف إسرائيل.

900 ألف دولار في حملة واحدة لاستهداف المؤثرين
تستهدف إسرائيل، في حملة جديدة تنفذها داخل الولايات المتحدة، المؤثرين على شبكات التواصل، وتستخدمهم وسيلة لإعادة تشكيل الرأي العام، لا سيّما في أوساط الشباب.
ولتحقيق ذلك، رصدت الحكومة الإسرائيلية 900 ألف دولار لتنفيذ الحملة، إذ تعاقدت عبر شركة HAVAS MEDIA مع شركة ناشئة جديدة تُدعى Bridges Partners LLC، يقودها الإسرائيلي أوري شتاينبرغ، الذي يلعب دور حلقة الوصل بين أطراف إسرائيلية وأمريكية.

تنفذ الشركة مشروعاً تُسمّيه "مشروع إستير" (Esther Project)، وتشير الوثيقة الرسمية الأمريكية المتعلقة بالحملة إلى أن الهدف المُعلن هو "المساعدة في تعزيز التبادل الثقافي بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
لكن تفاصيل العقد المُبرم بين HAVAS MEDIA وشركة Bridges تُظهر أن الحملة، في جوهرها، تهدف إلى استقطاب المؤثرين خلال الفترة من يونيو/ حزيران 2025 حتى نوفمبر/ تشرين الثاني من العام نفسه، لنشر محتوى يدعم إسرائيل.
تتضمن الحملة 6 مراحل، تبدأ باستقطاب المؤثرين وربطهم بـ"شركاء المحتوى في إسرائيل"، ثم التوسّع في قاعدة المؤثرين عبر زيادة أعدادهم في الأشهر اللاحقة، وتكون مهمتهم نشر عشرات المنشورات المؤيدة لإسرائيل.
تبدأ الحملة بتخصيص 60 ألف دولار خلال شهر يونيو/ حزيران، ثم ترتفع في يوليو/ تموز إلى 140 ألف دولار، و200 ألف دولار في أغسطس/ آب، و250 ألف دولار في سبتمبر/ أيلول، و200 ألف دولار في أكتوبر/ تشرين الأول، ثم 50 ألف دولار في نهايتها.
تُظهر البيانات الأمريكية أن شركة Bridges Partners LLC تلقّت، بتاريخ 3 يوليو/ تموز 2025، مبلغ 199 ألف دولار، مقدّماً من قبل شركة HAVAS MEDIA، نيابةً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية.

6 ملايين دولار لحملة تستهدف "جيل Z"
في حملتها الإعلامية الثالثة داخل الولايات المتحدة، تركّز إسرائيل على مخاطبة "جيل Z" بشكل خاص، وقد خصّصت لذلك 6 ملايين دولار ضمن حملة رقمية تستهدف الجمهور الأمريكي عبر وسائل التواصل، خصوصاً فئة الشباب.
يشمل "جيل Z" الأشخاص المولودين بين عامي 1997 و2012، ويتميّز هذا الجيل بارتباطه الوثيق بالتكنولوجيا، إذ وُلد في عصر الإنترنت والهواتف الذكية، ووسط الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي.
ولإدارة هذه الحملة، استعانت إسرائيل بالأمريكي برادلي بارسكال، المدير السابق للحملة الانتخابية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي يونيو/ حزيران 2025، أسّس بارسكال شركة Clock Tower X LLC، وسجّلها كجهة منفّذة لحملة إسرائيلية في أمريكا، هدفها المُعلن "مكافحة معاداة السامية".
لكن الوثائق تُظهر أن أهداف الحملة تتجاوز الشعار المُعلن، إذ تتركّز على توجيه خطاب رقمي ممنهج للشباب الأمريكي، وصياغة محتوى يخدم الرواية الإسرائيلية ضمن المنصات الرقمية النشطة.
تمتد الحملة على مدى 4 أشهر، بدءاً من سبتمبر/ أيلول 2025، وتبلغ كلفتها 1.5 مليون دولار شهرياً. وتشمل أنشطة ضخمة تستهدف الشباب، منها إجراء أبحاث لتحليل مشاعر المستخدمين واتجاهاتهم، وخاصة لدى فئة جيل "Z".

ستعمل الحملة على إنتاج ما لا يقل عن 100 قطعة محتوى إبداعي شهرياً، تشمل فيديوهات، وتسجيلات صوتية، وتصاميم، ونصوصاً مكتوبة. ويُخصّص ما لا يقل عن 80% من هذا المحتوى لجمهور جيل "Z"، عبر منصات مثل: تيك توك، وإنستغرام، ويوتيوب، والبودكاست، وغيرها.
اللافت في هذه الحملة أنها تتضمّن إنشاء مواقع إلكترونية ومحتوى رقمي بهدف التأثير على طبيعة الإجابات التي تقدمها تطبيقات الذكاء الاصطناعي، مثل ChatGPT، عند تناول المواضيع المتعلقة بإسرائيل. كما تهدف الحملة إلى تحقيق ما لا يقل عن 50 مليون ظهور رقمي شهرياً.

برنامج آلي لنشر رسائل مؤيدة لإسرائيل
في خطوة إضافية لتعزيز حضورها داخل الفضاء الرقمي، تُشير وثيقة أمريكية أخرى إلى أن إسرائيل، ومن خلال حملة خُصّص لها 600 ألف دولار، ستلجأ إلى برامج آلية تُعرف بـ(bot-based program)، بهدف إغراق وسائل التواصل برسائل مؤيدة لتل أبيب تُروّج السردية الإسرائيلية.

تُنفّذ الحملة شركة أمريكية تُدعى SKDKnickerbocker LLC، وهي من بين أبرز الشركات التي تلعب دوراً بارزاً في الحملات الانتخابية الأمريكية، وكان لها دور مهم في حملة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن.
تمتد الحملة على مدى 12 شهراً، من أبريل/ نيسان 2025 حتى مارس/ آذار 2026، وقد تمّ توقيع العقد عبر شركة هافاس ميديا – ألمانيا، نيابةً عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، مقابل 50 ألف دولار شهرياً.
تسعى الحملة أيضاً إلى ضمان حضور مستمر لمتحدثين من المجتمع المدني الأمريكي يظهرون في وسائل الإعلام الدولية، لتقديم خطاب متماهٍ مع الرواية الإسرائيلية.
وتُبيّن تفاصيل العقد الخاص بالحملة، الذي اطّلع عليه "عربي بوست"، أن الشركة الأمريكية المنفّذة ستعمل على إعداد ما بين 3 إلى 5 متحدثين يُمثّلون "أصواتاً متنوعة من المجتمع المدني"، وتدريبهم للظهور في وسائل الإعلام الدولية الكبرى، مثل BBC، وCNN، وFOX، ووكالة أسوشيتد برس.
وصول إلى عشرات وسائل الإعلام الكبرى
تُظهر الوثائق الأمريكية أن العديد من الشركات التي تتعاقد معها إسرائيل تمتلك وصولًا واسعًا إلى كبرى وسائل الإعلام العالمية، ما يمنحها قدرة عالية على التأثير في الخطاب الإعلامي الدولي وتوجيهه بما يخدم المصالح الإسرائيلية.
تكشف إحدى الوثائق الخاصة بشركة SKDKnickerbocker LLC (المعروفة اختصارًا بـ SKD)، التي تتولى تنفيذ حملة لصالح إسرائيل، أن للشركة علاقات اتصال مباشرة مع عدد كبير من وسائل الإعلام البارزة، من بينها: CNN، BBC، ABC News، Fox News، وCBC News.

كما يبرز اسم شركة أخرى هي Targeted Communications Global LLC، التي وقّعت عقدًا مع شركة HAVAS MEDIA – ألمانيا بالنيابة عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، لتنفيذ حملة إعلامية لصالح إسرائيل. وتشير الوثائق إلى أن الشركة تمتلك قنوات تواصل قائمة مع عشرات المؤسسات الإعلامية الكبرى حول العالم.
ولا توضّح الوثيقتان طبيعة أو مضمون المراسلات التي أجرتها الشركتان مع تلك الجهات الإعلامية، غير أنهما تكشفان بوضوح عن مدى النفوذ الإعلامي الواسع الذي تتمتعان به، وعن قدرتهما على الوصول السريع إلى المنابر الغربية المؤثرة.
قلق في إسرائيل من تراجع تأييدها
تعكس هذه الحملات الدعائية قلقاً متصاعداً داخل إسرائيل، من تآكل صورتها عالمياً وتحديداً في الولايات المتحدة وبين فئة الشباب، كما تُعد تنفيذاً واضحاً لرؤية يتبناها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حول ضرورة تركيز الجهود على نشر الرواية والسرديات الإسرائيلية، عبر مخاطبة جمهور وسائل التواصل.
وفي أواخر سبتمبر 2025، التقى نتنياهو في أمريكا، بمجموعة من المؤثرين الأمريكيين، وأخبرهم بأن وسائل التواصل الاجتماعي، باتت سلاحاً أساسياً من بين الأسلحة الأخرى التي تستخدمها إسرائيل.
هذا التوجّه مدفوع بنتائج دراسات واستطلاعات حديثة، تُظهر تراجع التأييد الشعبي لإسرائيل داخل المجتمع الأمريكي، من بينها استطلاع أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" وكلية سيينا، كشف أن غالبية الأمريكيين يعارضون الآن إرسال مساعدات اقتصادية أو عسكرية إضافية لإسرائيل، في أعقاب حربها على غزة، بحسب ما أورده موقع Axios الأمريكي.
وحتى داخل الأوساط اليمينية المحافظة التي طالما كانت حليفة لتل أبيب، بدأت تظهر مؤشرات تحول، عبّر عنه الناشط اليميني المؤيد لإسرائيل تشارلي كيرك، قبل اغتياله في سبتمبر 2025 برصاص قناص.
وحتى داخل الأوساط اليمينية المحافظة التي طالما كانت حليفة لتل أبيب، بدأت تظهر مؤشرات تحول، عبّر عنه الناشط اليميني المؤيد لإسرائيل تشارلي كيرك، قبل اغتياله في سبتمبر 2025 برصاص قناص.
كان كيرك قد قال إن "المشاعر المعادية لإسرائيل بلغت مستويات قياسية، وبدأت تتسرّب إلى المجتمع المحافظ أيضاً. إسرائيل تخسر حرب المعلومات، وتحتاج إلى تدخل عاجل."
تعزز البيانات الميدانية هذا القلق الإسرائيلي؛ إذ تُظهر أرقام منظمة بيانات مواقع وأحداث النزاعات المسلحة (ACLED)، أن عدد المظاهرات المؤيدة لفلسطين في الفترة ما بين مايو وسبتمبر 2025 ارتفع بنسبة 43٪ مقارنة بالأشهر الخمسة السابقة.
سجّلت المنظمة نحو 48 ألف مظاهرة مؤيدة لفلسطين منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023 وحتى سبتمبر 2025، ما يشكّل 15٪ من إجمالي المظاهرات العالمية خلال هذه الفترة.

وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2025، دخلت المرحلة الأولى من اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وتبادل أسرى بين إسرائيل وحركة "حماس"، حيز التنفيذ، وفقا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وأطلقت إسرائيل سراح 250 أسيراً فلسطينيا محكومين بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1718 اعتقلتهم من قطاع غزة بعد 8 أكتوبر 2023.
في حي ما يزال يقبع في سجون إسرائيل أكثر من 10 آلاف أسير فلسطيني، بينهم أطفال ونساء، ويعانون تعذيباً وتجويعاً وإهمالاً طبيا، وقد توفي العديد منهم.
وخلفت الحرب الإسرائيلية على غزة، التي بدأت في 7 أكتوبر 2023، ما لا يقل عن 67 ألفا و913 شهيداً، و170 ألفا و134 جريحا، معظمهم أطفال ونساء، ومجاعة أزهقت أرواح 463 فلسطينيا بينهم 157 طفلاً.