يرتبط عدد من تطبيقات الـ VPN المشهورة حول العالم بشركات إسرائيلية، يمتلك بعضها إمكانية وصول واسعة إلى بيانات شخصية وحساسة للمستخدمين، الذين يبلغ عددهم حول العالم مئات الملايين، بينهم مستخدمون عرب، يلجؤون إلى هذه التطبيقات سعياً وراء "الخصوصية" وكسر قيود الرقابة، وفقاً لما توصل إليه استقصاء أجراه "عربي بوست" تتبّع خيوط ملكية التطبيقات.
تعتمد تطبيقات VPN أو ما يُعرف بـ"الشبكة الخاصة الافتراضية" على مبدأ أساسي، تشفير الاتصال بالإنترنت، وإخفاء الموقع الجغرافي للمستخدم. وعادة ما تطرح التطبيقات نسخاً مجانية وأخرى مدفوعة، تمنح المستخدمين إحساساً بـ"تصفح أكثر أماناً"، إلى جانب قدرتهم على الوصول إلى محتوى محجوب في بلدانهم.
تتبع "عربي بوست" 5 تطبيقات VPN، تتفاوت شهرتها وانتشارها بين المستخدمين العرب، وتروّج لها قنوات عربية على يوتيوب، فضلاً عن وجود توصيات متبادلة بين المستخدمين على شبكات التواصل، تدعو إلى تحميل التطبيقات على الهواتف والحواسيب الشخصية.
غير أن الثقة المطلقة في التطبيقات، من دون التحقق من هوية الشركات المالكة، مع تجاهل ما تنص عليه "سياسات الاستخدام" التي تفرضها التطبيقات على المستخدمين، قد تتحول إلى تهديد مباشر لخصوصية المستخدم وأمنه الرقمي.
شركة أسّسها طيار سابق في الجيش الإسرائيلي
بعد تتبع عدة تطبيقات VPN، يبرز تطبيق شركة Hola، التي تمتلك تطبيقاً اسمه Hola VPN، ويحظى بانتشار واسع بين المستخدمين العرب.
تُظهر البيانات الخاصة بتسجيل الشركة، التي اطّلع عليها "عربي بوست"، أن الشركة مسجَّلة في إسرائيل منذ سبتمبر/ أيلول 2017، تحت اسم "HOLA VPN LTD"، ومقرها في منطقة "رمات جان" في تل أبيب.

أسّس الشركة الإسرائيليان، ديري شريبمان، وأوفير فيلينسكي، وكان الأخير طياراً سابقاً في الجيش الإسرائيلي، وخدم في صفوفه بين عامَي 1986 و1993، بحسب ما أظهرته بيانات منشورة في حساب فيلينسكي على موقع LinkedIn، كما أنه خريج "معهد إسرائيل للتكنولوجيا".

جمع بيانات المستخدمين
تتضمّن "سياسة الخصوصية" الخاصة بالشركة مؤشرات مقلقة حول خصوصية وأمن معلومات المستخدمين، إذ تنصّ صراحة على أنه عند استخدام خدمتها للـVPN، فإن بإمكانها جمع أنواع مختلفة من البيانات، بينها عنوان الـ IP الخاص بالمستخدم، ونوع المتصفح، وصفحات الويب التي يزورها المستخدم، ومدة التصفح، و أوقات وتواريخ الدخول.
لا يتوقف الأمر هنا، إذ بإمكان الشركة الإسرائيلية الوصول إلى أسماء التطبيقات المثبتة على جهاز المستخدم، وهي معلومات قد تحمل تفاصيل ودلالات حساسة عن البيانات الرقمية للمستخدم.
كما تشير الشركة بشكل واضح إلى أنها وفي ظروف أسمتها بـ"الاستثنائية"، يمكن أن تشارك المعلومات الشخصية للمستخدمين مع أطراف أخرى.

تربط الشركة بينها وبين عملها في إسرائيل بشكل واضح في بنود "اتفاقية ترخيص المستخدم النهائي"، إذ تُشير إلى أن العلاقة بين Hola VPN والمستخدمين "تخضع لقوانين إسرائيل" وتُفسَّر وفقاً لها.

سجل مثير للقلق
في عام 2015، تعرّضت شركة Hola لهزّة كبيرة وانتقادات، بعدما كشف فريق من 9 باحثين أمنيين، عن عدة طرق يُعرّض خلالها التطبيق مستخدميه للخطر، وقالوا إن "إضافة Hola" على متصفحات الإنترنت، وكذلك على نظام التشغيل ويندوز، تجعلان بعض المستخدمين قابلين للتتبع على أي موقع على الإنترنت.
توصّل الباحثون أيضاً إلى أن تطبيق Hola كان يحتوي ثغرة تسمح للمخترقين بتثبيت برمجيات خبيثة على جهاز المستخدم، ونتيجة لذلك، أسّسوا موقعاً أسموه Adios Hola (وداعاً هولا).
في هذا الموقع، حذّر الباحثون الأمنيون من مخاطر استخدام التطبيق على المستخدمين، ودعوا إلى ضرورة حذفه من الأجهزة. وعلى الرغم من أن موقع "وداعاً هولا" لم يعد نشطاً اليوم، فإن نسخاً أرشيفية منه لا تزال متاحة، وتُظهر حجم القلق الذي أثاره التطبيق قبل سنوات.

يجذب تطبيق Hola VPN مستخدمين عرباً من بلدان متعددة، ورصد "عربي بوست" على موقع يوتيوب العديد من مقاطع الفيديو على قنوات عربية تروّج للتطبيق، قدّم بعضها التطبيق كحلٍّ للمستخدمين العرب، حتى يتجاوزوا القيود والحجب على الإنترنت المفروض في بلدانهم.

مشاركة المعلومات مع شركة إسرائيلية
بعد Hola، ظهر اسم تطبيق آخر يحظى بانتشار ملفت بين المستخدمين العرب، وهو: Urban VPN، وعلى الرغم من أن شركة Urban التي تأسست عام 2018 في نيويورك بالولايات المتحدة، إلا أن للشركة صلة وثيقة بشركة إسرائيلية، بحسب ما أظهره تتبّع "عربي بوست" لشركة Urban.
تنصّ "سياسة الخصوصية" للشركة بوضوح على أنها تجمع بيانات شخصية للمستخدمين، من الممكن أن "تحدّد هوية الفرد أو الكيان"، ومن بين البيانات التي تجمعها: بيانات التصفّح الخاصة بالمستخدمين، أي الصفحات التي تمّت زيارتها، ونتائج البحث، وحتى المنتجات التي يشاهدها أو يشتريها المستخدم عبر الإنترنت.
تُقرّ الشركة أيضاً بأنها تشارك البيانات الخاصة بالمستخدمين مع شركة وصفتها بأنها "تابعة لها"، وهي شركة BiScience، التي بيّنت تفاصيل البحث عنها أنها مسجّلة في إسرائيل منذ العام 2009، باسم "B.I SCIENCE (2009) LTD"، ومقرها في تل أبيب.

تؤكّد شركة Urban VPN أنها تشارك مع الشركة الموجودة في إسرائيل بيانات التصفّح الخاصة بالمستخدمين، وتُبرّر ذلك بأن مشاركة البيانات تتمّ بغرض إنشاء الشركة الإسرائيلية لـ"رؤى" يُستفاد منها لأغراض تجارية.

إضافة إلى ذلك، تؤكّد شركة Urban أنها قد تكشف بيانات معيّنة عن المستخدمين لسلطات إنفاذ القانون أو الوكالات الحكومية، بناءً على طلب رسمي من السلطات.
وتقدّم الشركة خدمة الاتصال عبر الـVPN على متصفحات الإنترنت، والهواتف، وأجهزة الحاسوب، وتتيح للمستخدمين إمكانية استخدام تطبيقها بنسختَيه المجانية والمدفوعة. وفي العام 2023، تجاوز عدد مستخدمي التطبيق 70 مليون مشترك.
أظهر تتبّعنا لوجود مستخدمين عرب لتطبيق Urban، أن التطبيق حظي بتقييمات من مستخدمين في دول عربية على متجر التطبيقات Google Play، وكان لافتاً أن صفحة التطبيق على المتجر تُشير بوضوح إلى أن الجهة التي تطوّره هي شركة B.I SCIENCE الإسرائيلية.
وعلى موقع يوتيوب أيضاً، تنتشر العديد من الفيديوهات التي تروّج لتحميل التطبيق واستخدامه في الدول العربية.


تطبيقات VPN بحوزة شركة مالكها إسرائيلي
أظهر البحث عن تطبيقات VPN أخرى تُستخدم في العالم العربي، وجود عدد منها تعود إلى شركة يستحوذ عليها رجل الأعمال الإسرائيلي تيدي ساغي، المعروف بدعمه العلني للجنود في الجيش الإسرائيلي.
يمتلك ساغي شركة UNIKMIND HOLDINGS LIMITED، التي تأسست عام 2014، وتم تسجيلها في البداية في "جزر العذراء البريطانية"، ثم أُعيد تسجيلها عام 2019 في "جزيرة مان" الخاضعة لسلطة التاج البريطاني.
تعود بدايات استحواذ رجل الأعمال الإسرائيلي على عدة تطبيقات VPN إلى العام 2011، حينها تأسست شركة اسمها Crossrider، كانت متخصصة في تطوير إضافات خاصة بمتصفحات الإنترنت. وفي العام 2012، استحوذ رجل الأعمال الإسرائيلي ساغي على الشركة، وتم إدراجها لاحقاً في بورصة لندن.
تكشف بيانات تسجيل الشركة، أنها مسجلة في إسرائيل عام 2013، ومقرها في تل أبيب، وعملت شركة Crossrider بعد سنوات من انطلاقتها، على تغيير مجال عملها، وبدأت تُركز على "الأمن السيبراني"، وأصبحت مهتمة في الاستحواذ على خدمات الـVPN.

ابتداءً من 2017، بدأت الشركة تنفّذ سلسلة من الاستحواذات المتتالية على تطبيقات الـVPN، وفي العام 2018 غيّرت شركة Crossrider اسمها إلى Kape Technologies.
في عام 2023، عمل ساغي عبر شركته UNIKMIND على الاستحواذ على شركة Kape وإخراجها من بورصة لندن، معلناً عبر الموقع الإلكتروني لـ UNIKMIND أن "شركته تمتلك ما نسبته %98.54 من رأس المال العادي المُصدَر لشركة Kape".
يقع مقر شركة Kape في لندن، وهي شركة مسجَّلة في "جزيرة مان" منذ عام 2019، وتمتلك الشركة الآن عدة برامج وتطبيقات متخصصة في الاتصال عبر الـVPN، أشهرها ExpressVPN الذي يحظى بانتشار واستخدام واسعين في المنطقة العربية.
لا تقتصر صلة Kape Technologies بإسرائيل على استحواذ رجل الأعمال ساغي عليها، بل تمتد إلى شخصية قيادية كانت تعمل فيها، فالرئيس التنفيذي السابق للشركة، إيدو إيرليخمان، عمل في وحدة "دوفدفان"، وهي وحدة كوماندوز إسرائيلية سرّية لـ"مكافحة الإرهاب".
ألّف إيرليخمان كتاباً، تحدث فيه عن خدمته العسكرية في الوحدة، كما أن ساغي نفسه قدّم مراراً تبرعات لدعم جنود الجيش الإسرائيلي، من بينها دعم قدمه للجنود في بداية الحرب على غزة يوم 7 أكتوبر 2023، بقيمة مليون شيكل.
3 تطبيقات VPN في حوزة Kape Technologies
بعد سلسلة الاستحواذات التي نفذتها شركة Kape، أصبحت تمتلك حالياً 3 تطبيقات VPN شهيرة، وهي:
ExpressVPN: استحوذت Kape على تطبيق شركة "إكسبرس" عام 2021، وتقدّم الشركة خدمة الاتصال عبر الـVPN على الهواتف، والحواسيب، ومتصفحات الإنترنت، وأجهزة البث التلفزيوني.
على موقع "يوتيوب"، تنتشر العديد من الفيديوهات باللغة العربية، تتضمّن شروحاً حول التطبيق وكيفية استخدامه على الأجهزة المختلفة، ما يعكس حجم اعتماده بين المستخدمين العرب.
يحظى تطبيق ExpressVPN بدعم من المعلّق السياسي الأمريكي، بن شابيرو، المعروف بتأييده الكبير لإسرائيل، والذي قال في وقت سابق إنه يدعم ما تفعله إسرائيل في قطاع غزة، وذلك بعدما سُئل عن سبب استمراره في تبرير أعمال الجيش الإسرائيلي، بما فيها قتل الأطفال.
يرعى التطبيق قناة DailyWire على يوتيوب، التي تنشر فيديوهات لمعلّقين سياسيين، بينهم شابيرو الداعم لإسرائيل.


CyberGhost VPN: في عام 2017، استحوذت شركة Crossrider الإسرائيلية — قبل أن تصبح Kape – على التطبيق الذي انطلق من رومانيا. وتُقرّ شركة CyberGhost في "سياسة الخصوصية" بأنها يمكن أن تشارك بيانات المستخدمين مع شركة Kape والشركات التابعة لها.
في عام 2018، عزّزت شركة CyberGhost VPN، موقعها بضم تطبيق الـVPN الشهير ZenMate إليها، وأدمجته مع تطبيقها.

تُشير شركة CyberGhost VPN في تقاريرها التي تنشرها على موقعها الإلكتروني إلى وجود فريق لها يعمل داخل إسرائيل، كما يُظهر رصد تفاعل المستخدمين العرب مع التطبيق وجود فيديوهات عدّة على يوتيوب، تتضمّن شروحات حول التطبيق واستخدامه.

تمتلك شركة Kape أيضاً تطبيق Private Internet Access، الذي يقدّم خدمة الاتصال عبر الـVPN، واستحوذت الشركة على التطبيق في العام 2019، لكنه لا يحظى بنفس انتشار تطبيقي ExpressVPN وCyberGhost VPN.
إلى جانب تطبيقات الـVPN، تمتلك Kape خدمة باسم Webselenese، وهي منصة تعرّف نفسها بأنها متخصصة في المحتوى المتعلّق بـ"الخصوصية والأمان"، ولدى المنصة موقع باسم "VPN Mentor"، ينشر محتواه بلغات عدّة، بينها العربية.
يروّج الموقع لما يصفه بـ"أفضل تطبيقات الـVPN"، لكنه يوجّه المستخدمين بشكل واضح نحو التطبيقات المملوكة لشركة Kape نفسها.

استخدام متزايد لتطبيقات الـVPN
تُشير أبحاث عدّة حول استخدام الـVPN عالمياً إلى أن معدّل الاستخدام يشهد ارتفاعاً ملحوظاً. وتشير دراسة نشر تفاصيلها موقع Focus On Business عام 2022، إلى أن ثلث سكان العالم العربي استخدموا الاتصال عبر الـVPN.
وتَظهر أبرز الاتجاهات لاستخدام تطبيقات الـVPN في عام 2025، تزايداً في اعتماد الشركات والأفراد على هذه التطبيقات، بهدف إخفاء الأنشطة عبر الإنترنت، فيما أصبح استخدامها لأغراض شخصية يفوق استخدامها للأعمال، بحسب ما ذكره موقع Forbes.
في منطقة الشرق الأوسط، يُسجَّل استخدام الـVPN نمواً سريعاً، حيث يفضّل نصف المستخدمين خدمات الـVPN المجانية على البدائل المدفوعة، في حين تشهد بعض خدمات الـVPN المجانية خروقات أمنية خطيرة.
ويوصي خبراء ومواقع متخصّصة في الأمن الرقمي ببدائل تُعَدّ أكثر موثوقية، من أبرزها تطبيق Mullvad VPN السويدي، الذي لا يطلب بريداً إلكترونياً وكلمة مرور من أجل التسجيل، بل يمنح المستخدم رقماً عشوائياً يستخدمه كهوية للدخول، كما أنه لا يسجّل نشاطات المستخدمين، ويوصي بهذا التطبيق موقع منظمة Privacy Guides التي تُعنى بالأمن الرقمي.
كما توصي المنظمة باستخدام تطبيق Proton السويسري، وكانت الشركة المشغّلة للتطبيق قد خضعت لمراجعة من قبل شركة أوروبية مستقلة في تدقيق الأمن لفحص عدم الاحتفاظ بالسجلات الخاصة بالمستخدمين، وأكّدت نتائج المراجعة صحة ادّعاءات Proton VPN بشأن عدم تسجيل بيانات المستخدمين، وفقاً لما ذكره موقع TechRadar.
أما التطبيق الثالث فهو IVPN، الذي يتم تشغيله من "جبل طارق"، ولا يتطلب استخدام التطبيق إدخال بريد إلكتروني شخصي، وتُعلن الشركة المشغّلة أنها لا تقوم بتسجيل أي نشاط للمستخدم.
ويُشدد خبراء الأمن الرقمي على أهمية قراءة سياسة الخصوصية والاستخدام قبل تحميل تطبيقات VPN، إذ إن هذه الوثائق التي عادة ما يتم تجاهلها قد تكشف بوضوح إن كان التطبيق يسجّل نشاط المستخدمين أو يحتفظ ببياناتهم الشخصية.