يستمر هشام بائع جزائري للعملات الصعبة بسوق "السكوار" وسط الجزائر العاصمة، في بيع العملات التي بين يديه إلى غاية الساعة 21 مساءً من كل يوم؛ لكون الإقبال على اشتراء العملات أو بيعها لا يتوقف حتى ساعات متأخرة من اليوم.
ويخشى محدثنا من تأثير قرار بنك الجزائر الأخير بإنشاء شبكة وطنية لمكاتب الصرف على واقع السوق السوداء للعملات الصعبة في الجزائر، لا سيما أن العديد من الباعة جعلوا من هذه العملات مصدراً لرزقهم اليومي.
ويشير هشام إلى ارتفاع سعر العملات الصعبة في السوق السوداء مقارنة بالسوق الرسمية، أين بلغ سعر بيع 100 دولار 21100 دينارا جزائري في حين 21000 دينارا جزائري للشراء، أما الأورو فهو كذلك مرتفع حيث وصل سعر 100 أورو إلى 22100 دينارا جزائري للشراء و22400 دينارا للبيع.
وكان بنك الجزائر، قد أعلن مؤخرا المصادقة على مشروع نظام يتعلق بشروط الترخيص وإنشاء واعتماد وعمل مكاتب الصرف، بشكل يمكن من إنشاء شبكة وطنية واسعة من هذه المكاتب.
أما بخصوص مجال نشاطات هذه المكاتب، فأوضح أنه سيشمل عديد العمليات، سيما منها، تلك الخاصة بالحق او منحة الصرف لفائدة المقيمين، من أجل الأسفار السياحية أو المهنية بالخارج، وتكاليف اجراء الدراسات والتربصات وغيرها.
"عربي بوست" سعى في هذا التقرير إلى معرفة مدى تأثير قرار بنك الجزائر الأخير على السوق الموازي للعملات الصعبة في الجزائر.
حجم عملة مهول..
ولدى تقربك من "سوق السكوار" أو ما بات يعرف وسط العامة بـ "بورصة السكوار"، في قلب العاصمة الجزائرية يمكنك أن تلاحظ حجم العرض والطلب على العملات، فبشوارع المنطقة وبين أزقة عماراتها اتخذ رواد هذه السوق من العملات مهنة تدر مداخيل يومياتهم.
ووسط حركة مرور عادية وبالقرب من مجلس الأمة (الغرفة العليا للبرلمان الجزائري) باتت هذه السوق الموازية تتخذ مكانا ثابتا له يأتيه طالبوه من مختلف المحافظات الجزائرية، بعدما بات المتحكم في أسعار الصرف التي تعرف فارقا كبيرا مقارنة نظيرتها المعتمدة رسميا.
وبقدر اتساع فضاء التعامل على مستوى هذه السوق الموازية إلاّ أن أسعارها تثقل كاهل المقبلين عليها، وهو ما يجعلهم يستبشرون خيرا بقرار السلطات الجزائرية الأخير والذي من شأنه إعادة الأمور إلى نصابها.
وفي هذا السياق يرى أحمد وهو تاجر يستورد معظم سلعه من تركيا أن إنشاء شبكة وطنية لمكاتب الصرف من شأنه ترتيب وتنظيم سوق العملة الذي طال أمد انتظارهم له.
من جهته أعرب كريم، وهو تاجر كذلك، عن أمله في تسريع وتيرة الانتهاء من إجراءات اعتماد تلك المكاتب، متسائلاً في الإطار ذاته عن سعر الصرف الذي سيتم اعتماده.
ما الفرق بين السوق الرسمية والسكوار؟
الملاحظ في الجولة التي قادتنا إلى ساحة "السكوار" وجود كتلة مالية كبيرة بين أيدي متعاملي العملة في السوق السوداء، ما فتح أسئلة حول مدى الفرق بين سعر العملة الصعبة في "السكوار" والسوق الرسمي.
ويرى متابعون للشأن الاقتصادي، أن الفرق بين السوق الرسمي والموازي كبير جدا ويصل إلى 35 بالمئة، وهذا بغرض الحفاظ على العملة الصعبة لتمويل البنوك ولو بطريقة غير مباشرة بالسيولة المالية الموجودة في "السكوار".
وتبلغ قيمة 100 دولار في السوق الرسمي 13700 دينار جزائري في حين تبلغ في سوق السوداء 21000 دينار، أما قيمة 100 أورو فقيمتها في السوق الرسمي 14500 دينار وفي السوق السوداء تساوي 22300 دينار وقيمة 100 جنيه إسترليني 16700 دينار في السوق الرسمي، أما في "السكوار" فتصل قيمته إلى 25300 دينار.
وبتطبيق قرار بنك الجزائر سيتكمن الجزائري من اقتناء العملة الصعبة بسعرها الرسمي، مع وجوب أن يتبع القرار إجراءات ٱخرى تسمع للمواطن بتغيير ما شاء من عملة والقيمة التي يريدها.
لماذا يلتجأ الجزائريون لسوق السكوار؟
الفرق الكبير في قيمة العملة الصعبة بين السوق الموازي والرسمي لم يثن الجزائريين على اقتناء ما يريدنه من عملة من سوق "السكوار" لأسباب عديدة ومتعددة أهمها عدم وجود قانون أو إجراء يقيد القيمة الواجب شراؤها من العملة الصعبة، لا سيما السياح منهم.
ولا يُعطي القانون في الجزائر للمواطنين الحق في تحويل أكثر من 95 يورو، إذا كانوا راغبين في السفر إلى خارج البلاد، هذا المبلغ الذي يراه المواطن قليلا جداً ولا يتناسب مع حاجات الجزائري في الخارج.
ويشير بعض المحللين الاقتصاديين إلى أن هذا الإجراء الذي اتخذته الحكومة ساهم في تقليص فاتورة الواردات ومحاربة ظاهرة تحويل الأموال للخارج وتضخيم الفواتير، إضافة إلى رفع الصادرات خارج المحروقات الذي يعد سببا مهما في رفع احتياطي الصرف الجزائري الذي بلغ 64.63 مليار دولار.
ويعد هذا الإجراء عاملا رئيسا في جعل سوق "السكوار" متحكماً في أسعار الصرف في الجزائر إلى أن يتم العمل على الشبكة الوطنية لمكاتب الصرف من أجل كبح تسلط السوق الموازي على الرسمي خدمة للاقتصاد الجزائري وراحة المواطنين والمتعاملين الاقتصاديين خاصة.
مصير مجهول!
وبين كل هذا يصطف متعاملو سوق العملة في الطريق القريب من محكمة سيدي أمحمد التي شهدت على محاكمات كان أبطالها رجال أعمال ووزراء سابقون، من أجل عرض العملات الصعبة على المارة الراجلين أو في سياراتهم.
ولأن المكان ضيق بعض الشيء يصل طابور المتعاملين الذين يحملون "الأورو"، "الدولار" والجنيه "الأسترليني" وعملات أخرى إلى غاية ساحة "پور سعيد" ينتظرون سائحا أو متعامل اقتصادي من أجل أن يقتني العملة الوطنية "الدينار" أو الصعبة.
وفي السياق ذاته، قال ياسين وهو أحد متعاملي العملة بالسوق الموازية، أن القرار يطرح عدة تساؤلات حول وضعيتهم مستقبلا، خاصة ما تعلق بحجم التبادل وأسعار الصرف التي سيتم اعتمادها للتداول وإن كان يرى أن الخطوة في بدايتها ستكون محتشمة.
بدوره، زميله بنفس السوق فؤاد، لم ينف إيجابيات الخطوة المعلن عنها، موضحا أنها ستضع المتنقلين لداخل وخارج الوطن في أريحية من أمرهم مقارنة مع الوضع الراهن، كما من شأنها تسهيل نشاطات السياحة.
قرار شجاع وجريء
وحول هذا الموضوع، يعتقد الخبير الاقتصادي، مراد كواشي، أن قرار إنشاء مكاتب الصرف هو قرار شجاع وجريء لإصلاح بعض الاختلالات الموجودة في الجزائر.
ويشير كواشي في حديثه مع "عربي بوست"، أنه وغيره من الخبراء الاقتصاديين كانوا قد طالبوا به منذ سنوات، لكن الحكومات السابقة لم تكن لها الشجاعة الكافية لتطبيق هذا الأمر رغم أن نص القانون كان موجود من قبل، على حد قوله.
وأبرز المتحدث، أن تطبيق هذا القرار سيعود بالفائدة على الجزائريين خاصة المواطنين الذين يريدون الذهاب إلى الخارج من أجل مزاولة الدراسة أو العلاج، حيث سيتمكنون من الحصول على كل ما يحتاجونه من العملة الصعبة ومن مصادر رسمية، كما أنه سيسمح أيضاً للسياح الأجانب القادمين إلى الجزائر القيام بالتحويلات والحصول على العملة الوطنية بشكل رسمي، مثل ما هو معمول به في سائر البلدان.
القضاء على السوق السوداء!
أما عن تأثير هذا القرار على السوق الموازية التي تعتبر سوق ضخمة جداً يقدرها البعض بـ 70 مليار دولار، والبعض الآخر بـ 80 مليار دولار، في ظلّ غياب احصائيات رسمية، يرى محدثنا أن "هذا القرار سيسمح بالقضاء على السوق السوداء نظراً لضخامتها، أو قد يسمح بالتقليص منها فقط."
وبهذا الخصوص، يؤكد كواشي لـ "عربي بوست"، على ضرورة إصدار قرارات أخرى تعقب هذا القرار، خاصة فيما يتعلق بالبورصة التي لا تزال هيكل بدون روح والتي يجب أن تلعب دورا رئيسيا في استقطاب رؤوس الأموال الموجودة على مستوى السوق السوداء."
واضاف قائلا : " كما يجب تشجيع وتحفيز التجار الذين يشتغلون في السوق السوداء "السكوار"، عن طريق مكاتب صرف تسمح لهم بالتصرف في رؤوس أموالهم وفق قوانين الجمهورية".
إصلاح المنظومة المالية..
ولأن الإجراء كانت له ردود أفعال إيجابية، اعتبر مراقبون للشأن الاقتصادي الجزائري، أنه يدخل في إطار إصلاح المنظومة المالية وتحيبنها للمشاريع الكبرى مثل بعث الاستثمار الذي تراهن عليه السلطات العمومية بالجزائر من أجل التخلص من التبعية للمحروقات.
ويلفت المصدر ذاته، إلى أن خطوة البنك المركزي جيدة تدعم المنظومة المالية رغم التأخر المسجل مقارنة ببعض الدول الأوروبية والإفريقية والعربية التي لها باع وسمعة جيدة في هذا المجال.
ومع كل هذا، فإن الرغبة والنية من أجل إصلاح المنظومة المالية في الجزائر موجودة من قبل الجهات الوصية، لكن هذا الأمر يبقى نظريا وتجسيده على أرض الواقع سيأخذ بعض الوقت.