كشف موقع ديسكلوز الإلكتروني، ومحامية المراسلة الفرنسية آريان لافريو، أن الشرطة ألقت القبض عليها وفتّشت منزلها، الثلاثاء 19 سبتمبر/أيلول 2023، فيما يتصل بتقرير نشره الموقع قبل عامين، جاء فيه أن مصر استغلت المخابرات الفرنسية.
وإثر نشر التقرير، رفعت وزارة القوات المسلحة الفرنسية شكوى بتهمة "انتهاك سرية الدفاع الوطني"، ضد الصحفية آريان لافريو والموقع الذي نشر المقال.
الوثائق، التي تُعتبر سريّة بموجب لوائح "سرية الدفاع الوطني" الفرنسية، مصدرها خدمات المكتب الرئاسي، وقصر الإليزيه، ووزارة القوات المسلحة الفرنسية، والسفارة الفرنسية في القاهرة، وهي تظهر كيف تم تحويل مناورة التعاون العسكري المصري الفرنسي إلى استهداف مهربين على حدودها مع ليبيا، وقتل مدنيين، وتنصيب أجهزة مراقبة للسكان وخدمات تجسس.
ورغم أن فرنسا وقعت على التعهد الذي أعلنت عنه الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي في 21 أغسطس/آب 2013، بعد انقلاب السيسي، والذي جاء فيه الموافقة "على تعليق التصدير" للترخيص لمصر لأيّ معدات يمكن استخدامها للقمع الداخلي، إلا أن الحكومة الفرنسية اختارت التصرف بشكل مختلف تجاه مصر.
فما الذي كشفته هذه الوثائق عن التعاون العسكري المصري الفرنسي؟ وكيف استخدم النظام المصري أجهزة المراقبة والتجسس الفرنسية لملاحقة وتتبع السكان المصريين؟
ضربات استهدفت المدنيين
أظهرت الوثائق السرية التي حصل عليها موقع ديسكلوز، أن مناورة التعاون العسكري بين مصر وفرنسا التي كانت مُصممة ليكون هدفها استطلاع النشاط الإرهابي، قد تحولت بالواقع لتصبح حملة من الإعدامات التعسفية، وأنها تعلقت بجرائم دولة كان مكتب الرئاسة الفرنسي على علم بها باستمرار لكنه لم يتخذ أيّ إجراء.
بحسب الوثائق السرية، ربما تكون القوات الفرنسية متورطة فيما لا يقل عن 19 تفجيراً ضد المدنيين بين عامي 2016 و2018، وكثيراً ما دمرت الضربات عدة مركبات، ويمكن أن يصل عدد الضحايا إلى عدة مئات، ووفقاً لمعايير قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 56/83، يمكن إثبات تواطؤ فرنسا في عمليات الإعدام غير القانونية هذه.
وينقل الموقع عن الباحث في المبادرة العالمية السويسرية غير الحكومية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، جلال حرشاوي، قوله بأن التهديد الإرهابي القادم من ليبيا "يبالغ الجيش المصري في تقديره إلى حد كبير من أجل الحصول على الدعم على الساحة الدولية". ومنذ عام 2017، لم يُعرف وجود أي جماعة إرهابية أو تنظيم إسلامي في شرق مصر. وفقاً لتقرير صدر في مايو/أيار 2020 عن المعهد الأوروبي للسلام، وهو مؤسسة مستقلة لحل النزاعات، لا يوجد أي دليل فعلياً يشير إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية، أو الجماعات المسلحة الأخرى، استخدمت تهريب المخدرات لتمويل أنشطتها في ليبيا.
ويذكر الموقع مثالاً على إحدى الحوادث في 21 سبتمبر/أيلول 2016، حين أقلع أعضاء فريق سيرلي من مرسى مطروح على متن طائرة المراقبة الفرنسية "Merlin III"، وبعد عدة ساعات من الطيران فوق الصحراء، رصدوا قافلة من الشاحنات الصغيرة تسرع فوق الكثبان الرملية. نقل الفريق الموجود على متن الطائرة موقع القافلة إلى زملائهم في القاعدة، الذين نقلوا المعلومات بدورهم إلى القوات الجوية المصرية. وصلت طائرة مصرية من طراز سيسنا 208 فوق المنطقة بعد فترة وجيزة، وبعد أيام قليلة أعلن الجيش المصري أنه دمر شاحنات صغيرة مع ركابها، الذين يشتبه في أنهم مهربون.
وينقل الموقع عن التقرير الفرنسي بأن "وجود طائرة سيسنا المسلحة وحده يشهد على رغبة القوات الجوية المصرية في استخدام المعلومات لأغراض قمعية ضد حركة المرور المحلية"، ويعتبر الموقع أن توفير الفريق للمعلومات حول موقع الشاحنات يجعل الدولة الفرنسية نفسها شريكاً في عمليات الإعدام التعسفية.
يذكر الموقع دليلاً آخر على تورط القوات الفرنسية بإعدام المدنيين، فبعد تولي ماكرون الحكم بفترة قصيرة، تلقى رئيس أركان القوات المسلحة الفرنسية، بيير دو فيليه، الذي يخضع لسلطة الرئيس الفرنسي، تقريراً صُنّف على أنه سري. وأشار التقرير التفصيلي الذي كتبه مدير المخابرات الحربية إلى أن معظم الشاحنات الصغيرة التي تمركزت في الصحراء المصرية ليست مرتبطة بالجماعات الإرهابية.
يشير الموقع إلى حادثة أخرى تبين بوضوح تورط القوات بقتل مدنيين، ففي 5 يوليو/تمور 2017، كان أحمد الفقي واثنان من زملائه يعملون على رصف طريق قريب من مدينة الواحات البحرية. بعد ظهر ذلك اليوم، وأثناء سفرهم في شاحنة صغيرة، توقف الرجال الثلاثة عند مبنى منجم للحديد، حيث حصلوا على إذن من إدارة الموقع بملء إمدادات المياه. وبعد وصولها مباشرة، خرجت طائرة تابعة للقوات الجوية المصرية وفجّرت السيارة، ما أدى إلى مقتل الفقي وزميليه.
غطّى الخبر موقع "مدى مصر" وقناة الجزيرة الإخبارية، وأعقب ذلك ظهور بعض المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي، لكن الجيش المصري قام بخنق هذه القضية. وقال شخص من موقع "قتل في مصر" -طلب عدم الإفصاح عن اسمه- لموقع ديسكلوز: "في المشرحة هدد رجال ملثمون يرتدون ملابس سوداء العائلة بحيث تشير شهادة وفاة أحمد إلى أن سبب الوفاة غير معروف".
لم تُذكر وفاة أحمد الفقي وزملائه في أي من الوثائق التي حصل عليها الموقع، إلا أن موقع القتل يقع في إحدى المناطق التي كانت طائرة تابعة للمخابرات العسكرية الفرنسية تحلق فوقها في ذلك الوقت. وفي 14 يوليو/تموز 2017، تعرضت ثلاث مركبات تمركزت في نفس المنطقة بالقرب من الطائرة لضربات شنتها طائرات F16 مصرية متمركزة في الإسكندرية.
وبحسب المعلومات التي تلقاها ديسكلوز، فإن أفراد القوات المسلحة الفرنسية مستمرون في الانتشار في الصحراء المصرية.
التعاون مع شركة طائرات تجسس
تزوّد شركة مقرها في لوكسمبورغ الجيش الفرنسي بفريق من الرجال وطائرة العملية سيرلي. اسم الشركة CAE Aviation للطيران، ورئيسها هو الرئيس السابق للمهمة السرية في مصر. وقد أدّت هذه الشركة لسنوات عديدة دور العيون والآذان للمخابرات الفرنسية.
منذ عام 2010، عملت وكالة الاستخبارات الفرنسية، وأجهزة الاستخبارات العسكرية الفرنسية بشكل وثيق مع شركة CAE للطيران. تستعين الوكالات الفرنسية بخدمات هذه الشركة ليس فقط لاستخدام طائراتها، بل أيضاً للموظفين -الطيارين والمحللين والفنيين- للقيام بمهام سرية تلعب فيها الاستخبارات الجوية دوراً رئيسياً. وكان هذا هو الحال بالنسبة لعملية "سيرلي" في مصر، التي انطلقت عام 2016 باسم مكافحة الإرهاب. لكن وفقاً للموقع، استُخدمت المعلومات الواردة من البعثة من قبل نظام عبد الفتاح السيسي لارتكاب عمليات إعدام تعسفية.
حين طلب النظام المصري المساعدة من القوات المسلحة الفرنسية والمخابرات العسكرية لمراقبة حدودها التي يبلغ طولها 1200 كم مع ليبيا، وافقت فرنسا على تقديم الدعم، وعرضت أن تضع تحت تصرف مصر فريقاً من الرجال وطائرة مجهزة بكاميرات مراقبة ومعدات لاعتراض الاتصالات. ميزة الطائرة المسمّاة بالفرنسي ALSR أنها على عكس الطائرات بدون طيار، يمكن لها الطيران لساعات طويلة وعلى ارتفاعات عالية جداً، دون أن تُكتشف من قبل من تطاردها.
ولكن حتى عام 2020، لم يكن لدى القوات المسلحة الفرنسية أيّ طائرات ALSR، ولهذا السبب استأجرت أجهزة المخابرات العسكرية الفرنسية الطائرة من شركة CAE، لتكون شريكاً منتظماً للمهمات المخطط لها مثل مهمة مصر. العقد، المحمي بموجب قوانين سرية الدفاع الفرنسية، سمح للشركة بتوفير طائرة ALSR إلى جانب فريق تشغيل مكون من 6 أفراد -طيارين اثنين وأربعة فنيين- وأُرسلوا إلى القاعدة العسكرية المصرية في مرسى مطروح بالمنطقة الصحراوية الغربية للبلاد.
ويشرح الموقع كيفية سير المهام التي قد تدوم ما بين خمس إلى ست ساعات؛ إذ يرافق الطيّاران وفنيّو شركة CAE الأفراد العسكريين النظاميين. ويبقى فنيّان اثنان في القاعدة ليرتّبا المعلومات المرسلة إليهما من الطائرة، وينقلاها بدورهما إلى المصريين. هذه المساعدة الثمينة المقدمة للسيطرة على المنطقة الصحراوية ستجعلهم شهوداً مباشرين على الضربات المتكررة التي يشنها الجيش المصري ضد المدنيين.
ويشير الموقع إلى أن العقد الموقع مع شركة CAE للطيران يحمل أهمية خاصة؛ إذ يقول العقد إنه "يجب ألا تستخدم الطائرة للاستهداف"، وبالتالي لا ينبغي بأيّ حال من الأحوال أن تستخدم لتسهيل الغارات الجوية القاتلة. وتزداد أهمية هذا الشرط لأن موظفي شركة CAE للطيران يتكونون حصراً من المدنيين، ولم يكن التعاون السري بين فرنسا ومصر موضوعاً لأيّ اتفاق قانوني يحيط بوجودهم في مصر، وقد يؤدي هذا الوجود السري في بعض الأحيان إلى الموت.
بناء نظام مراقبة ضخم في خدمة الديكتاتورية المصرية
باعت شركة الأسلحة العملاقة Dassault، وشركة نيكسا تكنولوجيز Nexa Technologies، نظام مراقبة شامل لديكتاتورية المشير السيسي وفقاً لتعبير الموقع، وأتى ذلك كله بمباركة الدولة الفرنسية.
يعتبر المعارضون السياسيون، والصحفيون، وقادة المنظمات غير الحكومية، والمثليون جنسياً، والمضربون وغيرهم من الأشخاص الذين لا يعيشون وفقاً لمبادئ النظام العسكري المصري، مهددين بخطر السجن. ووفقاً لوزارة الخارجية الأمريكية، يقبع ما يقرب من 65 ألف معارض في سجون النظام بينما "اختفى" 3000 آخرين بعد اعتقالهم. وقد جرى تسهيل القمع غير المسبوق للمجتمع المدني المصري من خلال نظام مراقبة إلكتروني ضخم أنشأته ثلاث شركات فرنسية، بموافقة ضمنية من السلطات.
الشركة الأولى شركة نيكسا تكنولوجيز، التي يديرها مؤسسو Amesys، وهي شركة متهمة بتزويد نظام القذافي بمعدات المراقبة في ليبيا. الشركة الثانية هي شركة Ercom-Suneris -وهي شركة تابعة لشركة Thales منذ عام 2019- وهي الشركة المعروفة بأنها المسؤولة عن أمن أحد الهواتف المحمولة الخاصة بإيمانويل ماكرون. أما الشركة الثالثة فهي شركة Dassault Systèmes، الشركة التكنولوجية التابعة لجهة صناعة الأسلحة الفرنسية.
ووفقاً للتحقيق الذي أجراه موقع ديسكلوز مع مجلة Télérama، اجتمعت شركات التكنولوجيا الثلاث هذه في عام 2014 حول مشروع لمراقبة ما سمّته "السكان خارج الحدود الطبيعية"، وتكفّلت شركة نيكسا تكنولوجيز بتثبيت برنامج مراقبة للإنترنت يسمى "Cerebro" (سيريبرو)، وجهاز تنصت على الهواتف، وبرنامج تحديد الموقع الجغرافي يسمى Cortex vortex.
في 24 مارس/آذار 2014، فاز مديرا شركة نيكسا تكنولوجيز بعقد بقيمة 11.4 مليون يورو لتثبيت برنامجهم الرئيسي سيريبرو، في القاهرة، ووفقاً لوثيقة سرية حصل عليها موقع ديسكلوز يقال إن سيريبرو قادر على "تحليل البيانات لفهم علاقات وسلوك المشتبه بهم، والعودة بالزمن للعثور على المعلومات ذات الصلة في مليارات المحادثات المسجلة".
وفي صيف عام 2014، وقّع الرئيس التنفيذي لشركة Ercom-Suneris عقداً بقيمة 15 مليون يورو تقريباً للتجسس على الهواتف في مناطق مصر، وكان الجيش المصري مهتماً في المقام الأول بميزة واحدة: تحديد الموقع الجغرافي لأهدافه في الوقت الفعلي باستخدام برنامج Cortex vortex. ووفقاً لما ينقله الموقع عن مهندس سابق في الشركة، فإن البرنامج "مثل فيلم تجسس، يمكنك تحديد الموقع الجغرافي لشخص ما عن طريق تحديد موقع المحطات الأساسية التي يتصل بها هاتفه، حتى بدون إجراء أي مكالمات".
وشاركت شركة Dassault Systèmes في المشروع في نفس الوقت مع نظيرتيها. تملك الشركة برنامج Exalead (إكساليد)، وهو محرك بحث فائق القوة، ولذلك كانت الشركة الشريك المثالي لتركيز ملايين المعلومات التي جمعها الفرنسيون والنظام المصري الذي زوَّد المحرك بقاعدة البيانات الرقمية لبطاقات الهوية المصرية وجوازات السفر أيضاً. ووفقاً لما يورده الموقع، سافر موظفو الشركة إلى القاهرة خمس مرات في الفترة الواقعة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 2015 ونهاية عام 2016 للإشراف على تركيب إكساليد، كما دُرب ضباط المخابرات المصرية في باريس على البرنامج.
دعم الإرهاب بحجة مكافحة الإرهاب
يذكر الموقع مقولة السيسي في اجتماع له مع الرئيس الفرنسي على ضفاف قناة السويس في 6 أغسطس/آب 2015: "عندما وجدت مصر نفسها على حافة الفوضى، كانت فرنسا الوحيدة من بين شركائها الغربيين الرئيسيين الذين فهموا الوضع ودعموه".
ولضمان تقدم مبيعات الأسلحة لمصر، نقلت الدولة الفرنسية دبلوماسييها إلى خارج المسرح وإلى الخلفية. وقد تم تدبير هذا الدعم لواحد من أكثر الأنظمة القمعية في العالم في أروقة هيئة الأركان العامة للجيش الفرنسي، في أعقاب الانقلاب الذي أوصل السيسي إلى السلطة في يوليو/تموز 2013. وقد تم الكشف عن ذلك في عشرات الوثائق "السرية" التي حصلت عليها وكالة الاستخبارات المركزية. يكشف النقاب عن كيف أن "دبلوماسية الأسلحة" -تحت ذريعة الحرب ضد الإرهاب- هي التي دفعت الدولة الفرنسية إلى وضع نفسها في خدمة الديكتاتورية العسكرية في مصر.
في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2013، حرصاً على عدم تفويت ما وعد بأن يكون مكسباً تجارياً لصناعة الأسلحة الفرنسية، قام الطاقم العسكري بمناورات دبلوماسية. أرسل المستشارون العسكريون للحكومة مذكرة إلى مديرية التعاون الأمني والدفاعي، ومديرية التعاون الأمني والدفاع (DCSD)، بوزارة الخارجية. وجاء في النص: "إن الهدف المباشر لوزارة الدفاع [المصرية]، التي تتمتع باستقلالية في الميزانية تقدر بأكثر من 10 مليارات يورو… هو تحديث كل من معداتها وبنيتها التحتية قبل أن تتولى حكومة ديمقراطية جديدة مساءلتها". بمعنى آخر: كان عليهم الاستعداد للمعركة قبل عودة المدنيين إلى السلطة. وقالت القيادة العسكرية العليا في المذكرة: "إن وزارة الدفاع [المصرية] تنتظر إشارة قوية من فرنسا". "بالمناسبة، تم رفض بعض الدول من بعض صفقات الأسلحة المحتملة نتيجة لموقفها السياسي القوي للغاية فيما يتعلق بمصر". وكانت الرسالة واضحة: لكي تبيع الأسلحة، عليك أن تغمض عينيك عن قمع النظام.
ويورد الموقع -اقتباساً- مذكرة من أركان الجيش جاء فيه: "يمكن تطوير علاقتنا العسكرية من خلال اغتنام الفرص في [دعم تصدير الأسلحة]".
وجاء كل هذا الدعم بحجّة مساعدة مصر في الحفاظ على استقرارها، ففي ربيع عام 2015، كان لوران فابيوس يستعد لزيارة رئيس الوزراء المصري إبراهيم محلب. في 17 أبريل/نيسان، أرسلت هيئة الأركان العامة مذكرة إلى وزير الخارجية تحدد النقاط ذات الأولوية التي سيتم تناولها في الاجتماع. بداية، وضع الوزير في اعتباره أن "إحدى القنوات الرئيسية للنفوذ الدبلوماسي الفرنسي" تعتمد على "التعاون مع الجهاز العسكري للبلاد". ووفقاً لصياغة المذكرة، يتعين على لوران فابيوس أن يقتصر على الحديث عن "التزام [فرنسا] بتطوير التعاون العسكري" مع النظام. وقال الجيش إن هذا الأمر أكثر أهمية بالنظر إلى أن مصر "تنتظر إشارات قوية للمساعدة الفنية والعملياتية وحتى الاستراتيجية من فرنسا". وقد تم تبرير الحاجة الملحّة لهذا التعاون من خلال عبارة غامضة أصبحت شعاراً للحكومات الفرنسية المتعاقبة: "يجب أن نساعد مصر في الحفاظ على استقرارها ومحاربة الإرهاب".
وعلى هذه الخلفية، طُلب من الدبلوماسيين التزام الصمت بشأن انتقاداتهم "للقمع الذي لا ينضب والذي يمنح فرص التجنيد للحركات الجهادية المحلية".
وفي مذكرة مؤرخة بتاريخ 10 يناير/كانون الثاني 2019، ذهب الدبلوماسيون الفرنسيون إلى حد إبلاغ إيمانويل ماكرون، قبل أيام قليلة من زيارته الرسمية الأولى إلى مصر، بالآثار "العكسية" لقرارات مجلس الأمن الدولي، وذلك "لاستخدام أساليب عنيفة وعشوائية في كثير من الأحيان" في الحرب ضد الإرهاب. وحذّر الموقع من أن هناك خطراً حقيقياً من أن يؤدي إرهاب الدولة اليوم إلى تغذية المنظمات الإرهابية في الغد.
وتابعت الدولة الفرنسية باستخدام هذه المبررات لمواجهة الانتقادات، سواء من جانب السلك الدبلوماسي الخاص بها أو من المجتمع المدني. أحد المخاوف العالقة في الدولة الفرنسية هو رغبة بعض أعضاء البرلمان في ممارسة شكل من أشكال الرقابة على مبيعات الأسلحة، وهي سيطرة غير موجودة حالياً.