عادت ظاهرة تجميد البويضات لإثارة الجدل مجدداً في مصر بعدما سلط أحد الأعمال الفنية للعام الثاني على التوالي الضوء عليها، حينما ظهرت الفنانة ريهام حجاج في مسلسل "جميلة" الذي تم عرضه خلال شهر رمضان وهي تزور عيادة النساء والتوليد من أجل تجميد البويضات.
ولم تقتصر المسألة على الأعمال الفنية فحسب، بل خرجت للعلن وتحدثت عدة فنانات يتمتعن بشعبية كبيرة وسط الجماهير، في لقاءات تلفزيونية عن الفكرة سواء لتأييدها أو إبداء الرغبة في القيام بالعملية، منهن الفنانة عبير صبري التي أعلنت منذ أيام أنها فكّرت في العملية لكنها لم تقم بذلك.
وبالمثل كشفت الفنانة أروى جودة عن تفكيرها تجميد بويضاتها في فترة من الفترات، رغبة في الإنجاب حين تتزوج مع تقدمها في العمر. كما قالت الفنانة أمينة خليل إنها تؤيد فكرة تجميد بويضاتها إذا تأخر زواجها، لافتة إلى تفهمها رفض البعض للفكرة.
وترددت أخبار عن لجوء الفنانة سمية الخشاب بالفعل لتجميد البويضات بعدما شعرت بأن تقدمها في السن يعيق تحقيقها لحلم الأمومة. فيما أعلنت ريم مهنا إجراءها عملية تجميد البويضات للمحافظة على فرصها في الإنجاب، لتعد أول فتاة مصرية تعلن بجرأة عن ذلك أملاً في إلهام فتيات أخريات للحفاظ على فرصهن في الإنجاب مع تأخر سن الزواج في مصر.
وأثار فيديو بثته على صفحتها الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي في ذلك الحين جدلاً اجتماعياً كبيراً، وقتها خرجت معظم آراء نواب البرلمان وعدد من علماء الأزهر لمناهضة الفكرة.
على الجانب المقابل داعبت الفكرة مخيلة فتيات أخريات خوفاً من تأخرهن في الزواج وخشية من أن يفوتهن قطار الأمومة.
وكشفت الإحصاءات الأخيرة للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن نسبة "العنوسة" في مصر في تزايد مستمر كل عام، مشيرة إلى وجود ما يقرب من 11 مليون فتاة تتجاوز أعمارهن "35 عاماً" لم يتزوجن حتى الآن.
رصد "عربي بوست" تجارب بعض النساء مع مراكز تعلن على صفحات التواصل أو على جدران المنازل وأعلى الكباري أنها تستطيع تحقيق حلم الأمومة مع تقدم العمر من خلال عملية تجميد البويضات.
تجميد البويضات وتزايد نسبة العنوسة
لم يكن أمام الفتاة المصرية يمنى إبراهيم وهي على أبواب العقد الرابع من عمرها سوى البحث عن مركز طبي للحقن المجهري لإجراء عملية تجميد البويضات، بحثاً عن فرصة للإنجاب مستقبلاً بعد تأخر سن زواجها.
لكنها في الوقت ذاته كانت أمام مجموعة من المخاوف جعلتها مترددة في الإقدام على الخطوة، بالرغم من تراجع معدلات نجاحها مع تقدم السن، بحسب كثير من الآراء العلمية.
الفتاة المصرية تعمل محاسبة لدى إحدى الشركات الخاصة وتقيم بالعاصمة القاهرة، سعت لخوض التجربة بمفردها بعد أن واجهت رفضاً من أسرتها خشية من تعرضها للنصب ما جعلها أكثر حرصاً في البحث عن مراكز مرخصة ولديها سُمعة طيبة في مجال تخصيب الأجنة في ظل عدم وجود أطر قانونية تنظم عملية تجميد البويضات بالرغم من إتاحتها.
المشكلة التى واجهت الفتاة كما تقول لـ "عربي بوست" أن المراكز التي ترددت عليها رفضت توقيع عقد يتضمن شروط التجميد ويحفظ لها خصوصيتها أو حقها في حالة تلف البويضات أو إساءة استخدامها، فضلاً عن المبالغ الطائلة التي ستدفعها حال إجرائها العملية.
الفتاة وغيرها كثيرات تحدثت إليهن "عربي بوست" يأملن في تقنين العملية أو وجود مراكز مرخصة ورخيصة ومعلن عنها من وزارة الصحة بدلاً من تركهن فريسة لمراكز بير السلم أو لاستغلال الأطباء.
تحذير من المراكز غير المرخصة
كشف مصدر مسؤول بوزارة الصحة المصرية أنه لا يوجد حتى الآن في مصر أي سيدة حملت جنيناً من بويضة مجمدة، على الرغم من أن هناك من قامت بتجميد بويضاتها منذ سبعة عشر عاماً.
وأوضح المصدر لـ "عربي بوست" أنه لا يوجد قانون ينظم العملية أو يضمن نجاحها، محذراً من أن بعض المراكز المجهولة تستغل ذلك وتقوم بتلك العمليات لتحقيق أرباح دون الالتفات إلى جودة عملية التجميد واستخدام الأجهزة والأساليب العلمية الحديثة للحفاظ على البويضات من التلف.
"تلك المراكز تراهن على أن النصب والاحتيال لن يتم اكتشافهما إلا بعد سنوات ووقتها لن يغلبهم وجود تبريرات"، على حد قوله.
مراكز سيئة السمعة تبيع البويضات لمراكز بالخارج
صفاء أحمد (اسم مستعار لسيدة مطلقة تبلغ من العمر 34 عاماً) لجأت إلى أحد مراكز الحقن المجهري الصغيرة في منطقة بولاق الدكرور الشعبية بمحافظة الجيزة، لكنها تلقت تحذيرات عديدة كونه يشتهر بعملية بيع البويضات والأجنة.
بدأت قصة صفاء مع تجميد البويضات حينما وجدت نفسها دون زواج بعد ثمانية سنوات من طلاقها، ولم تستمر زيجتها الأولى سوى ثلاثة أشهر.
تنتمي السيدة المطلقة إلى أسرة بسيطة الحال لا تستطيع تحمل تكاليف عملية تجميد البويضات التي تصل في المراكز الكبيرة إلى أكثر من 150 ألف جنيه وقد يزيد السعر بحسب المنشطات التي تحصل عليها الفتاة بأمر الطبيب وفي الغالب تكون مستوردة من الخارج، إلى جانب دفع مقابل تخزين سنوي للبويضات المجمدة يصل إلى 3000.
كان البديل أمام السيدة هو أحد المراكز الصغيرة الذي تصل تكلفة العملية فيها إلى 10000 جنيه فقط، على أن تكون قيمة التخزين 1000 جنيه في السنة.
قامت صفاء بالفعل بإجراء العملية قبل عام تقريباً، لكن إحدى السيدات سبق وأن ترددت على المركز وحذرتها أن المركز لديه سمعة سيئة في بيع البويضات والأجنة المجمدة، وأن انخفاض قيمة العملية يرجع كونه يحقق مكاسب طائلة وراء عمليات استغلال البويضات.
أضحت صفاء في حيرة من أمرها بين إقدامها على طلب الحصول على بويضاتها ونقلها إلى مركز آخر أو إعدامها، وبين استمرارها في دفع مصاريف التخزين السنوية.
مصدر مسؤول بوزارة الصحة أشار إلى أن خطورة تلك المراكز تكمن في أن الكثير منها يعمل دون ترخيص ومخالف لأحكام القانون، ولذلك يختبئون في الأحياء الشعبية، والقرى النائية، وتقوم الوزارة بغلق المراكز التي يتم الإبلاغ عنها وتحويل القائمين عليها للنيابة.
وأوضح أن هناك مخاطر لتلك العملية كمخاطر المنظار العادية وغير المتعلقة بالعملية نفسها، كثقب الأمعاء أو القولون، وأحياناً قد يحدث تحفيز زائد للمبيض نتيجة الأدوية التي تحصل عليها الفتاة قبل إجراء العملية لتزوّد مخزون البويضات وقد تتسبب تلك الأدوية في الاكتئاب.
وأكد لـ "عربي بوست" أن هذا النوع من العمليات غير متداول في مصر إلى حدٍ كبير ونسبته ضئيلة جداً، كاشفاً أنه إلى تلك اللحظة لا يمكن الحكم على جودة البويضات المجمدة بنسبة 100% بعد إعادتها من التجميد، فضلاً عن أن هناك تفاوتاً كبيراً في كفاءة طرق التخزين لمراكز الإخصاب والحقن المجهري في مصر.
وكشف أن بعض المراكز تتاجر بأحلام الفتيات لجمع المال، ومع زيادة الإقبال على عمليات تجميد البويضات تحول الأمر إلى "بيزنس"، فبعض المراكز المجهولة تعمل لصالح مراكز بالخارج بها بنوك لحفظ البويضات، ويتم بيعها والحيوانات المنوية للراغبين ممن ليس لديهم القدرة على إنتاجها دون علم صاحبها.
تجميد البويضات ما زال من المحظورات الاجتماعية
شيرين مصطفى، طبيبة النساء والتوليد، تشير إلى أن عمليات تجميد الأجنة أمر آخذ في الانتشار مع تزايد مشكلات تأخر الحمل، لكن في المقابل فإن اتجاه الفتيات بمفردهن لتجميد البويضات ما زال يعد من المحظورات الاجتماعية التي لا تلقى قبولاً بين العوام.
وتوضح أن الفتيات اللاتي يترددن عليها وتجمد بويضاتها دون أن يكون ذلك لسبب طبي يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، وأن غالبية الحالات تعاني الإصابة بمرض السرطان وتستعد لتلقي جرعات العلاج الكيماوي أو أنها تعاني مشكلات في بطانة الرحم، أو من لديها تاريخ عائلي لانقطاع الطمث المبكر.
وتؤكد أن هناك فرصة لمئات الآلاف من الفتيات اللاتي تأخرن في سن الزواج للحمل مستقبلاً، لكن الغالبية العظمى منهن يفضلن انتظار الزواج على أن يذهبن بإرادتهن لتجميد بويضاتهن، والأمر يرجع لتراجع الثقة بأن العملية لن تؤدي لمشكلات صحية أخرى، في حين أن هناك انتشاراً لدى كثير من الرجال لفكرة تجميد السائل المنوي.
ولفتت الطبيبة إلى أن الفتيات لا يفكرن في مثل هذه الأمور مبكراً بسبب الخوف من تبديل البويضات مع نساء أخريات أو العبث بها، مشددة على استغلال المراكز للفتيات والمغالاة في تكلفة تلك العمليات.
وتساءلت: "هل سيقبل الزوج فكرة أن زوجته قامت بتجميد بويضاتها وتريد الإنجاب منه وهو غير متأكد من مصدر البويضات، وما إذا كانت تخص زوجته أم لا؟".
ودائماً ما يكون طرح الأمر والبحث عن مراكز الحقن المجهري ممن في نهاية العقد الثالث، وفي تلك الحالة تكون فرصة الحمل ضعيفة مستقبلاً حال إجراء العملية مقارنة بالفتيات اللاتي أجريناها في بداية الثلاثينيات. كما أن تفاعل الحالات مع المنشطات التي تحصل عليها لفرز البويضات تبقى أكثر إيجابية حتى سن 35 عاماً.
عشرات الآلاف من الجنيهات لضمان النجاح
ذهب "عربي بوست" إلى طبيب مشهور يملك مركزاً للحقن المجهري في قلب مدينة القاهرة للوقوف على هذا النوع من العمليات، زاعمين أن لدينا حالات ترغب في تجميد بويضاتها.
في البداية شرح لنا أن العملية تتكلف من 90 – 150 ألف جنيه، حسب عدد البويضات التى سيتم تجميدها، فكل أنبوب له إيجار مستقل يصل إلى 1000 جنيه كل ثلاثة شهور وفي حالة عدم التزام الطرف المؤجر بالسداد فإن من حقه فسخ التعاقد وإعدام البويضات.
وعندما أبدينا دهشتنا من الأسعار قال لنا إنها تشمل الكشف وأدوية للتبويض وسحب البويضات وحفظها في بنوك لحين استردادها، مشيراً إلى أن العملية تستغرق ساعتين وربع.
وأوضح أن الأسعار ليست مرتفعة مقارنة بالثقة التي يعطيها المركز للمترددات عليه وكلهن من الطبقة ميسورة الحال، وقال بانزعاج إنه يضمن عدم تلف البويضات أو اختلاطها، ولم يكشف عن كيفية ذلك.
وأوضح أنه يتم حفظ البويضات لعدد من السنوات باسم صاحبتها في بنك متخصص ومؤمن برقابة شديدة، مع الحرص على سرية وخصوصية صاحبتها من خلال ملف يتضمن بطاقة الرقم القومي ووثيقة ورقم كودي ببيانات الفتاة التي تقوم بالتجميد.
وتتم عمليات سحب البويضات من خلال تنشيط إفراز البويضات بأدوية ثم يتم سحبها عبر فتحات في البطن للفتاة غير المتزوجة، وتجميدها غير مخصّبة، ثم تخزينها بقصد استعمالها لاحقاً عندما تقرر المرأة الإنجاب، فتتم عملية إذابة البويضة المجمدة وتلقيحها بمنيّ الرجل وزراعتها في رحم المرأة.
وعندما أوضحنا للطبيب أن الحالات التي لدينا لا يمكنها دفع تلك المبالغ الكبيرة تململ قائلاً: "المركز ليس جمعية خيرية".
لا وجود لقانون
وحذر عضو بنقابة الأطباء من عدم وجود إطار تشريعي ينظم ويقنن العملية من الناحية الطبية، بما لا يسهم في تطبيق إجراءات السلامة ولا يدعم يد الدولة في ضبط أي استخدام سلبي لتلك العمليات.
وطالب العضو بأن يتضمن تعديلات قانون المهن الطبية أو المسؤولية الطبية نصوصاً تنظم عملية تجميد البويضات، بما يدعم الفتيات اللاتي بحاجة لإجرائها، وفي الوقت ذاته يضمن حق الطبيب في حال واجه اتهامات بالتسبب في مشكلات صحية لهن.
وأوضح لـ "عربي بوست" أن هناك تقارير طبية تحدثت عن وجود مخاطر لتجميد البويضات تتشابه مع المخاطر المرتبطة بتحفيز المبيض من أجل التلقيح الاصطناعي وتهدد الحياة.
وتشمل مخاطر صغيرة لمتلازمة فرط تحفيز المبيض مثل تضخم المبيضين وتراكم السوائل في الحوض والبطن والعدوى والنزيف المرتبط بإجراء استرجاع البويضة، وهي مشكلات تأخذ أبعاداً أخرى لدى الفتاة العزباء التي تتعامل مع مشكلات الرحم بمزيد من الحرص.
وأكد المصدر أن تنظيم عملية تجميد البويضات بحاجة لاتخاذ إجراءات، الأول يرتبط بتعديل لائحة آداب المهنة بنقابة الأطباء لتشديد العقوبات على الأطباء الذين يسيئون استغلال البويضات، وهو أمر تعمل عليه النقابة.
والثاني يتعلق بالتشريعات بحيث تجيز إجراء العمليات بشكل مباشر ومعلن دون البقاء في الحالة الرمادية الحالية التي لا يحظر فيها القانون إجراءها ولا ينظمها في الوقت ذاته، إلى جانب تغليظ العقوبات لردع أي مراكز تتورط في العبث بالبويضات.
ونصح الفتيات اللاتي يقدمن على تلك العملية بالتوقيع على عقود تضمن حقوقهن الصحية والجينية، وأن يكون ذلك مصحوباً بترخيص المركز والتأكد من وجود رقابة عليه من جانب وزارة الصحة، على أن يوازي ذلك استحداث إجراءات أكثر جدية في التعرف على مصير الأجنة والبويضات من جانب الجهات الرقابية والتأكد من كفاءة البويضات مع توالي السنوات، ومراعاة التطورات الاجتماعية المتلاحقة التي تجعل هناك حاجة ملحة للإقدام على عمليات التجميد.
ويتوقع الكثير من الأطباء الذين تحدث إليهم "عربي بوست" أن تتضاعف معدلات إقدام الفتيات على تلك العمليات مع إصدار دار الإفتاء المصرية فتوى تجيز تجميد البويضات، وتطرقت إلى أن الهدف منها الحفاظ على إمكانية الحمل في المستقبل.
وجاء في الفتوى أن العلماء أجازوها وفق أربعة ضوابط وهي "أن يكون الدافع لعملية تجميد البويضات مشروعاً، وأن يكون موجوداً وقت عملية التجميد، وأن تحفظ البويضة المخصبة بشكل آمن يمنع اختلاطها عمداً أو خطأً، وأن تتم عملية التخصيب بين زوجين، بدخول البويضة المخصبة في المرأة وهي لا تزال زوجة له، وألا يتم وضع البويضة المخصبة في غير رحم صاحبة البويضة".
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة للمعلومات التي تأكدنا من مصداقيتها من خلال مصدرين موثوقين على الأقل. يرجى تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو سلامتها.