يبدو المشهد السياسي الداخلي في مصر مرتبكاً لمن يشاهده من الخارج، خصوصاً في الفترة الأخيرة، حيث بدا أن هناك أكثر من رؤية تحكم تعامل النظام مع المعارضين المصريين.
ففي الوقت الذي تم فيه رفع الحظر عن المهندس ممدوح حمزة والسماح بعودته الى وطنه في فبراير/شباط الماضي، رغم وجود حكم قضائي "غيابي" ضده بالحبس وإدراج اسمه على قوائم الترقب والوصول، جرى إلقاء القبض مؤخراً على الدكتور هاني سليمان.
إلقاء القبض على سليمان جاء بعدما كتب منشوراً على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ينتقد فيه النظام ويفند أحلام البعض بإمكانية إزاحة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي من خلال الانتخابات الرئاسية المنتظرة صيف العام المقبل.
أعاد هذا الأمر إلى الواجهة تساؤلات حول حالة الازدواجية في التعامل مع المعارضين، وإذا ما كانت توجد استراتيجية أمنية واضحة لدى النظام المصري للتعامل مع المعارضين.
"عربي بوست" توجّه بهذه التساؤلات إلى مسؤولين مصريين في أجهزة سيادية وأمنية، في محاولة لفهم حقيقة ما يحدث.
استراتيجية التعامل مع المعارضين المصريين
مسؤول بأحد الأجهزة السيادية المصرية نفى في تصريحات لـ"عربي بوست" وجود استراتيجية عامة واضحة لدى الأجهزة الأمنية في التعامل مع المعارضين المصريين، ولكن يجري التعامل مع كل حالة على حدة، ليس فقط بالنسبة للأشخاص ولكن يمكن أن تكون مع الشخص نفسه في ظروف مختلفة.
هذا ما حدث مع البعض مثل الصحفي عبد الناصر سلامة والمعارض خالد داوود رئيس حزب الدستور السابق اللذين تم القبض عليهما بسبب منشورات على صفحتيهما الشخصية، فقد رأت الأجهزة الأمنية أنها تحمل انتقادات عنيفة للنظام والرئيس عبد الفتاح السيسي.
وبعد الإفراج عنهما، تتعامل الأجهزة نفسها معهما بدرجة عالية من التسامح، رغم أنهما مستمران في انتقاد الحكومة بدرجة أقل حدة، لكن ابتعادهما عن المساس بشخص الرئيس نفسه كان السبب في التسامح مع ما يكتبانه.
تصنيف المعارضين لتجنب اصطفافهم معاً
وقال المصدر إن تعامل الأمن الوطني مع المعارضين المصريين يحكمه فكرة عامة منذ أيام الرئيس الراحل حسني مبارك، وهي الاحتواء أو الاقصاء، وذلك بهدف تجنب اصطفاف كل المعارضين ضد الدولة مع اختلاف درجة معارضتهم.
هذا هو الدرس الذي خرج به الجهاز من تجربة الرئيس الراحل أنور السادات، حين دخل في عداء سافر مع كل معارضيه، سواء الإسلاميون أم اليساريون، وحتى الصحفيون والاقتصاديون، ما قاد إلى الوصول إلى اغتيال السادات نفسه في حادث المنصة الشهير.
وأضاف أن تلك الاستراتيجية تقوم على تصنيف المعارضين، واحتواء من يمكن احتواؤه، وهو ما يحدث بالفعل مع عدد منهم في الوقت الحالي.
وأشار إلى أنه جرت محاولة احتواء المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود حين التقى بهم الرئيس السيسي في حفل إفطار الأسرة المصرية العام الماضي.
تجميد الأحكام ضد المعارضين وليس إلغاءها
في المقابل هناك معارضون يصعب احتواؤهم، وبالتالي يتم التعامل معهم بأقصى درجات الشدة ومحاولة التضييق، ليس عليهم فقط، ولكن على كل من له علاقة بهم، مثلما يحدث مع علاء عبد الفتاح الذي يملك موقفاً واضحاً من النظام الحالي، وهذا هو السبب في رفض السلطات الإفراج عنه رغم التدخلات الدولية.
كما تتعرض والدته الدكتورة ليلى سويف التي تعمل أستاذة في جامعة القاهرة لمضايقات في عملها، حيث جرى إيقاف راتبها لأسباب واهية.
وهناك أيضاً الشاب أحمد دومة الذي عوقب بالسجن لمدة 15 عاماً في فبراير/شباط من عام 2015، ورفضت السلطات بشكل متكرر كل مناشدات الإفراج عنه.
ولفت المصدر إلى نقطة غاية في الأهمية في تعامل الأجهزة الأمنية والنظام بشكل عام مع المعارضين المصريين العائدين إلى "حضن الدولة"، على حد وصفه، سواء الذين سمحت بعودتهم إلى الوطن أم المفرج عنهم بعفو رئاسي، وهي أن القضايا الخاصة بكل منهم لم تتم تسويتها بشكل نهائي، ما يعني قضائياً إنها باقية كسلاح في أيدي السلطة يمكن استخدامها في أي وقت حين يتجاوز المعارض الخطوط الحمراء التي تزعج السلطة.
هذا ما حدث مع المهندس يحيي حسين عبد الهادي الناشط السياسي ومؤسس الحركة المدنية الديمقراطية، والذي أفرج عنه بعفو رئاسي في يونيو/حزيران من العام الماضي، لكن أعيدت محاكمته قبل أيام بالتهمة نفسها، وهي إذاعة أخبار كاذبة ونشر عدد من المقالات من شأنها تكدير الأمن والسلم العام وإلقاء الرعب في قلوب المواطنين، لأنه لم يلتزم بالخطوط الحمراء، وعاد لانتقاد النظام في منشورات يكتبها على صفحته في فيسبوك.
لماذا فشلت تجربة المعارضة من داخل النظام؟!
مسؤول سابق في الأمن الوطني قال في تصريحات لـ"عربي بوست" إن هناك طرقاً وسطاً بين الاحتواء والإقصاء مثل التهميش وابتكار أشخاص أو كيانات موازية بهدف إضعاف المعارضين الحقيقيين.
وأشار إلى أن الطريقة الأخيرة تحديداً جرت تجربتها في السنوات الأولى من حكم الرئيس السيسي حين تم السماح بظهور ما كان يسمى تكتل "25/30″، وهو تحالف برلماني سياسي بهدف الدفاع عن العدالة الاجتماعية من منظور اليسار.
كان التحالف وقتها يضم 11 نائباً برلمانياً منهم خالد يوسف وهيثم الحريري وضياء الدين داوود ويوسف القعيد، واستمد التحالف اسمه من انحيازه لثورة 25 يناير/كانون الثاني وحركتها التصحيحية في 30 يونيو/حزيران التي أطاحت بحكم جماعة الإخوان المسلمين، بحسب وصف التحالف.
لكن النظام لم يحتمل ذلك الحراك البرلماني، خصوصاً بعد موقفه المتشدد من التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير، فجرى تحريض نواب آخرين يعملون مع الأجهزة الأمنية للهجوم على أعضاء التحالف واتهامهم بإثارة الرأي العام، والمعارضة من أجل المعارضة، وإصدار بيانات تحريضية تشكك فى مجلس النواب وتثير الشكوك حوله في وسائل الإعلام، وتم تحويل بعض أعضائه إلى لجنة القيم، وبعدها تم استبعاد فكرة الكيانات المعارضة من داخل النظام كلياً.
أما سياسة التهميش فيقتصر التعامل بها مع الأشخاص غير المنتمين لجماعات أو أحزاب أو كيانات سياسية منظمة، كما أن معارضتهم للنظام ليست متشددة أو دائمة لكنها تختلف حسب المواقف المختلفة.
وغالباً ما تنطلق معارضة هؤلاء من انحيازات وطنية بحتة دون تسييس، وهؤلاء لا ترى فيهم الأجهزة الأمنية خطراً داهماً على النظام، أو أنهم من مثيري الفوضى التي تمثل الهاجس الأكبر والأهم لدى مختلف الأجهزة الأمنية في الوقت الحالي مع يقينها بارتفاع حدة الغضب في الشارع المصري بسبب تردي الظروف المعيشية للكثيرين نتيجة ارتفاع الأسعار وثبات الرواتب.
وبالتالي تخشى الأجهزة الأمنية من أن أي إثارة للفوضى يمكن أن تتحول إلى حراك شعبي يمتد على نطاق واسع مثلما حدث في ثورة 25 يناير التي بدأت كاستجابة لصفحة "كلنا خالد سعيد"، وكانت مطالبها بسيطة متمثلة في الحرية والكرامة، لكنها تحولت على الأرض إلى ثورة شاملة أطاحت بالرئيس حسني مبارك نفسه.
سجن المعارضين العابرين بعيداً عن المسيسين
صحفي تعرض في وقت سابق للاعتقال بسبب انتقاد النظام والرئيس المصري على صفحته الشخصية على فيسبوك قال لـ"عربي بوست" إنه طوال فترة سجنه التي دامت عدة أشهر لم يتحدث معه أحد من مسؤولي الأجهزة الأمنية في أي شيء، أو يحاول أحد منهم أن يجري له عملية "غسيل مخ" كما يعتقد البعض كي يتراجع عن معارضته للنظام.
وأشار إلى أنه قضى فترة سجنه في هدوء دون تواصل مع أي جهة أو مسؤول، وحتى عندما تم الإفراج عنه حدث ذلك دون ترتيب، بل إنه فوجئ بمسؤول السجن يبلغه بالإفراج عنه دون أية تعليمات أخرى.
وحول الظروف التي أحاطت بفترة السجن، قال إنه لاحظ الحرص على إبعاد المعارضين المصريين غير المسيسين مثله عن هؤلاء المنتمين لجهات معروفة بمواقفها الأيديولوجية العنيفة ضد النظام الحالي مثل جماعة الإخوان مثلاً، إذ لم ير أي مسؤول في الجماعة في السجن نفسه الذي كان فيه، وحاول أن يستفسر عما إذا كان ذلك مقصوداً أم مجرد مصادفة لكنه لم يجد جواباً.