"نزل الأمر عليّ كالصاعقة"، بهذا الوصف عبر المواطن الجزائري "عادل" عما حدث معه عندما تفاجأ بأن طقم الذهب الذي يملكه ويريد بيعه مغشوش، بعد أن كان قد اشتراه بمبلغ كبير، وهو الأمر ذاته الذي بات منتشراً، بحسب مصادر تحدثت لـ"عربي بوست"، عن الذهب المغشوش في الجزائر.
تفاجأ عادل الذي يقطن بلدية العاشور في العاصمة الجزائرية، بعدم تطابق طقم ذهب اقتناه من أجل عرسه مع المعايير المعتمدة في تصنيع الذهب، ليكون أحد الضحايا الذين يقعون في فخ الذهب المغشوش في الجزائر.
عن تفاصيل ما حدث معه بعد الصدمة التي مر بها، روى أنه تواصل مع الصائغ الذي اقتنى من عنده طقم الذهب من أجل تعويضه بالمال أو بطقم آخر يتطابق مع المعايير القانونية لتصنيع الذهب، بدلاً من متابعته قضائياً.
أضاف أن الصائغ لم يكن يعلم بمعايير الطقم الذي اقتناه منه، لكونه اشتراه من عند حرفيين، ولا يمكنه معرفة العيار السليم من المغشوش.
تشير تحاليل العيار التي حاز "عربي بوست" على نسخة منها، لعينة من طقم الذهب، إلى أن الذهب مغشوش ولا يتناسب مع السعر الذي دَفع مقابله عادل، حيث كان عياره 660/1000 بدلاً من 750/1000 المعتمد.
مسؤولية مَن؟
لفهم الموضوع أكثر تحدث "عربي بوست" مع رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك، مصطفى زبدي، الذي أكد انتشار ما سمّاها ظاهرة الذهب المغشوش في الجزائر ليس في هذا البلد وحده، بل في شتى بلدان العالم.
عن المسؤول وراء ذلك، قال إن "مسؤولية وصول هذا الذهب الناقص في العيار إلى السوق تبدأ من عند الحرفي، ثم تاجر الجملة الذي يملك أجهزة قياس تجعله يدرك أن نسبة العيار ونسبة الذهب في تلك المجوهرات مغشوشة أم لا، ثم تاجر التجزئة والسلطات الرقابية، خصوصاً المديرية العامة للضرائب التي تعد مسؤولة عن مراقبة كل المجوهرات المتواجدة في السوق الوطني".
واتصل "عربي بوست" بالمديرية العامة للضرائب للتعليق على الأمر، ولكنها لم تجب.
سعر الذهب المغشوش
في معرض حديثه، لفت زبدي إلى أن سعر الذهب المغشوش في الجزائر منخفض مقارنةً بالأصلي الذي يحترم العيار القانوني، مقدماً مثالاً على ذلك بقوله: "عندما يريد الزبون إعادة بيع منتوجه يقال له إنه ليس بالعيار القانوني، ويدفع له مال أقل مما هو عليه الآن، بالتالي حتى ولو كان بدراهم معدودات، فإن الزبون تم غشه؛ لأنه لم يدرك أنه ذهب ناقص العيار".
شدد زبدي على أن منظمته تعمل من أجل توعية المواطنين الجزائريين بسبب أن "التوعية الحالية غير كافية"، إضافة إلى تسهيل اقتناء الذهب بجميع أنواعه بسعر يكون في متناول الجميع، وليس عن طريق الخداع.
وتابع: "نسعى بطبيعة الحال إلى أن يكون عيار 16 قيراطاً و14 قيراطاً مقنناً وبأسعار منخفضة؛ نظراً لتدني القدرة الشرائية، ولكن أن يتم ذلك في إطار قوانين الجمهورية الجزائرية، وليس بالتدليس من خلال إنقاص هذا العيار وبيعه بسعر العيار العادي الصافي".
ما هو العيار القانوني في الجزائر؟
من أجل محاربة توسع رقعة انتشار الذهب المغشوش أو (ناقص العيار) في السوق، أقدمت المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك (مستقلة) على تنظيم حملة وطنية تستهدف هذا النوع من الذهب في السوق الجزائرية، وتوعية المواطنين الراغبين في اقتناء الذهب.
زبدي الذي يرأس هذه المنظمة لفت إلى أنها فتحت هذا الموضوع أمام الرأي العام في الجزائر، لما لديها من معطيات في هذا الشأن، موضحاً أن الغاية من الحملة التي بدأت منذ شهرين تقريباً، متمثلة في الدفع بحرفيي وتجار الذهب إلى العمل بالعيار القانوني المتمثل في 750/1000، المتمثل بعيار 18 قيراطاً، وفق القوانين المعمول والمسموح بها.
وأضاف: " في الجزائر، يعد بيع 16 و17 قيراطاً في السوق المحلية ليس مقنناً، إلا أن بعض أصحاب النفوس الضعيفة يذهبون إلى التقليل من العيار لأجل هامش ربح أكثر".
من الأسباب التي جعلت المنظمة تقوم بهذه الحملة، بحسب الزبدي، انتباه السلطات العمومية إلى الإشكالية القائمة في السوق، وكذلك إلى الحلول الممكنة، في وقت بدأت فيه هذه الظاهرة "تستفحل أكثر مما كانت عليه".
انتقد أيضاً انتشار ورشات حرفيين يقومون بتصنيع الذهب المغشوش، "كما أن هناك مصوغات أخرى يتم استيرادها من بلدان أجنبية بعيار ناقص، ويتم بيعها على أنها أجنبية، نظراً للسمعة التي تتمتع بها هذه البلدان في مجال صناعة الذهب، إلا أنه وللأسف تكون أحياناً مغشوشة".
تواصل موقع "عربي بوست" مع نائب رئيس اللجنة الوطنية للذهب والمجوهرات الثمينة (مستقلة)، كريم منصور، الذي أوضح لنا أن الذهب المتواجد في الأسواق المحلية في البلاد ينقسم إلى ذهب مستورد، وغالبيته قادم من إيطاليا وبدرجة أقل من تركيا، بالإضافة إلى ذهب محلي الصنع، وهو الأكثر انتشاراً، خاصة بالمدن الداخلية والجنوبية في الجزائر.
تنتشر معظم ورشات صنع الذهب في الجزائر في ولايات مثل، قسنطينة، وباتنة، وعنابة، وقالمة، والجزائر. فيما ترتكز صناعة الفضة عبر ولايات مثل تمنراست في الجنوب، وباتنة في الشرق، وعنابة وغليزان في الغرب، وكذلك تيزي وزو في منطقة الوسط.
فيما يخص المعايير المعتمدة في تصنيع الذهب، أوضح منصور أنها تتراوح بين 750/1000 كأدنى نسبة، وصولاً إلى 916/1000 وهي الأعلى والأصفى قانونيا، وبالتالي الأغلى سعراً.
صور الذهب المغشوش في الجزائر
في المقابل، قد تسجل بعض المصوغات نسبا أعلى من المواد الدخيلة، رغم أن القانون الجزائري لا يعتمد تلك النوعية، وهو ما يجعل منها ذهبا مغشوشا. وتتراوح المعادن الداخلية بين النحاس والفضة وحتى الزنك.
عن الأسعار على مستوى المحلات، تتراوح حالياً بين 11500 دينار جزائري للغرام الواحد (58 دولاراً) و12500 دينار (62 دولاراً) بالنسبة للذهب المحلي الصنع، وبين 14000 (70 دولاراً) إلى 16000 دينار (80 دولاراً) بالنسبة للإيطالي، وهما النوعان المهيمنان على السوق.
المستهلك وخفض نسبة الذهب
منصور قال إن اعتبار جل سوق الذهب بالجزائر مغشوش أمر مبالغ فيه، متداركاً بأن السوق تبقى في حاجة إلى حماية وتنظيم أكبر من الحاصل حالياً، في حين اعترف بتضرر بعض الحرفيين النزهاء بشكل جعل منافستهم في السوق جد صعبة وكلفهم ذلك الانسحاب؛ نظراً لاختلاف الأسعار وتوجه المستهلكين في الأغلب إلى الأخفض ثمناً.
ونفى المتحدث تضرر المستهلكين من تخفيض نسبة الذهب، خاصة أنه كلما انخفضت انخفض معها السعر وزاد الإقبال.
وحول واقع سوق الذهب حالياً، قال إنه يبقى يشهد إقبالاً كبيراً، وإن كان هناك تراجع قليلاً مقارنة بالسابق، ذلك أن أسعار الذهب تبقى في تصاعد متواصل دون تسجيل أي تراجع أو انتكاسة، وهو ما يجعلها ملاذاً آمناً للادخار، مستشهداً بأسعار الذهب في البورصة والتي كانت بسعر 7600 دينار (36 دولاراً) عام 1998، لكنها ارتفعت حالياً لتبلغ 12650 ديناراً جزائرياً (63 دولاراً)، وهو ما يجعلها أكثر الادخارات فائدة مقارنة بالعملات.
العامل الثاني المؤثر على الإقبال بما يتعلق باقتناء الذهب هو الثقافة المجتمعية، إذ إنه يبقى هدايا ثابتة في المناسبات، خاصة الخطبة والأعراس، لا سيما ببعض المناطق، منها الشرق الجزائري المعروف بمحزمة الذهب للعروس (طقم ذهب أشبه الحزام).
السوق الموازية في الجزائر
إلى جانب المحلات المعتمدة، ينتشر في الجزائر ما يُعرف بالسوق الموازية للذهب، إذ يعتمد الباعة على تجمع في منطقة معينة، فتجدهم موزعين في العاصمة على مستوى 3 أسواق هي: "باش جراح"، و"الرويسو" و"العربي بن مهيدي"، بحسب ما رصده مراسل "عربي بوست".
ويعتمد هؤلاء على شبكة علاقاتهم التي نسجوها بفضل تنقلاتهم لاقتناء المعدن الأصفر، إلى جانب انخفاض السعر قليلاً مقارنة بالمحلات.
زار مراسل "عربي بوست" سوق "الرويسو" بقلب العاصمة الجزائرية، والتقى إحدى البائعات وهي تمتهن تجارة الذهب منذ قرابة 20 سنة.
علقت البائعة حول "ما يُشاع عن جودة الذهب المنتشر في الأسواق الموازية، بأنه يبقى مجرد كلام مغلوط، فالمشتري يتأكد من جودة سلعته قبل دفع الثمن، إذ نذهب سوياً إلى بائع المجوهرات"، مؤكدة أنها تحرص على أن جميع ما تبيعه بجودة 18 قيراطاً.
وتعرف هذه الأسواق إقبالاً بفعل إغراءات السعر التي توفرها، فبالنسبة للذهب المحلي، فيبلغ ثمنه حالياً 10 آلاف دينار (50 دولاراً)، بالتالي أقل بـ1500 دينار (15 دولاراً) مقارنةً بالسعر من المحلات، أما بالنسبة للنوعية الإيطالية فهي حالياً 11 ألف دينار (55 دولاراً)، والمستعمل يقدر حالياً بـ9 آلاف دينار (45 دولاراً).
فارق الثمن هذا بين المحلات والأسواق الموازية يثير اللغط بين الطرفين البائع والمشتري.
أما بخصوص الإقبال، فقالت البائعة إن السوق ما قبل أزمة فيروس كورونا ليست نفسها ما بعدها، فالجميع تأثر بها، وتراجع الإقبال قليلاً، إلا أن السوق لا تزال محتفظة، لا سيما من المقبلين على الزواج؛ نظراً لأهمية الذهب في هذه المناسبات.