بُني في العهد العثماني.. “عربي بوست” في جولة بحي قصبة البليدة في الجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2023/01/05 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/01/05 الساعة 20:14 بتوقيت غرينتش
قصبة البليدة في الجزائر (خاص عربي بوست)

يتحسر رامي (29 عاماً)، الذي وُلد في محافظة البليدة بالجزائر (53 كيلومتراً جنوب غرب العاصمة الجزائرية) على الوضع الذي آلت إليه بنايات قصبة البليدة، حيث أضحت حسبه "فريسة الإهمال وتسارع آلة الزمن التي لا ترحم". 

ويشير رامي، الذي يسكن بالقرب من هذا الحي العريق والتاريخي، إلى أن سكان القصبة يعملون ارتجالياً على تنظيف زقق الحي، وتزيين بيوتهم بالياسمين وأزهار أخرى تعطر ليل القصبة كما نهارها. 

واقع جعل "عربي بوست" يسعى إلى نقله بالصور والمعلومات التي تتحدث عن حي القصبة بالبليدة، أحد أقدم الأحياء بالجزائر.. 

موقع جغرافي مميز.. 

فضول معرفة قصبة البليدة التاريخية جعل "عربي بوست" يتنقل إلى محافظة البليدة 53 كيلو متراً جنوب غرب العاصمة الجزائرية، بغرض نقل وضع الحي العريق الذي تأسس قبل مدينة البليدة المحاطة بسور وأبواب بسنوات عديدة. 

ولدى وصولنا إلى محافظة البليدة توجهنا مباشرة إلى حي القصبة القريب جداً من محطة القطار وغير بعيد عن وسط المدينة التي كانت تعج بالمواطنين القادمين إليها من عديد المحافظات، نظراً لموقعها الجغرافي غير البعيد عن العاصمة الجزائرية والمدية وتيبازة. 

ولأن الحي قريب من وسط المدينة، كان وصولنا إلى القصبة سريعاً، حيث قابلنا شباباً جالسين في أزقة الحي يستمعون إلى جدرانها، وهي تروي التاريخ العريق الذي تأسس إبان الحقبة العثمانية بالجزائر، وما زال شامخاً رغم المتغيرات العديدة التي طرأت على تركيبته الديموغرافية، وحتى المعمارية ولو بشيء قليل. 

طابع معماري خاص.. 

ومن أجل الغوص أكثر في تاريخ المدينة، كان لزاماً على صحفي "عربي بوست" التواصل من ذاكرة المدينة الحية يوسف أوراغي، الذي ينقل الحقائق التاريخية عن حي الدويرات أو قصبة البليدة بكل شغف للباحثين والراغبين في التعرف عن طابع هذه المدينة على كل المستويات. 

ويقول أوراغي، إن سكان حي الدويرات أو القصبة أو ولاد السلطان (اسم آخر للحي) يقارنون حيهم التاريخي بقصبة الجزائر العاصمة، نظراً للعراقة التي تُميز الحيين والطابع المعماري المشابه بعض الشيء للبيوت المتناثرة في القصبتين. 

وفي حديثه عن الاختلاف بين القصبتين، أشار إلى أن بنايات الدويرات مغطاة  بالقرميد، في حين بنايات القصبة بالعاصمة تتميز بالسطوح وأبواب بيوتها المقوسة وشكل غرفها المستطيلة، التي يتراوح طولها بين الـ6 والـ10 أمتار وعرضها 3 أمتار. 

ولم يتوقف محدثنا عند هذا الحد، حيث أضاف: "أضف إلى فناءاتها المعروفة محلياً بـ(وسط الدار) المزينة بالنافورات وأشجار الليمون وأزهار الياسمين"، ليختم حديثه في هذا الشق قائلاً: "غطيت بيوت قصبة البليدة بالقرميد نظراً لطبيعة المنطقة القريبة من جبال الشريعة والمعروفة بالتساقط الكثيف للثلوج في تلك الفترة من التاريخ، ما يسهل مأمورية إزالة الثلوج من البيوت". 

حي الجهاد، الدين والفن الأندلسي والشعبي..

المهتم بتاريخ مدينة البليدة يوسف أوراغي، توسّع في حديثه عن حي القصبة العريق، لما لفت إلى أنه كان منطلقاً ثورة التحرير الجزائرية المباركة في المدينة، حيث شهد وجود عدد من المجاهدين الذين حاربوا المستعمر الفرنسي، منهم من يُعايش ريح الحرية ،ومنهم قضى نحبه واستُشهد. 

وغير ذلك، يبرز أوراغي أن القصبة تمثل الطابع الحضاري لمحافظة البليدة، سواء في شقه الديني أو الفني، حيث رأى عديد علماء الدين النور من القصبة وراحوا يبلغون علمهم انطلاقاً من هذا الحي العريق، وكانت كذلك بيت الفن الشعبي والأندلسي وحتى التمثيل. 

وواصل في هذا السياق قائلاً: "الدويرات خرج منها فناني الفن العروبي أو الأندلسي على يدي  محمود ولد سيدي السعيد واسمه الحقيقي قدورة محمود بن سيدي سعيد، الذي أدخل هذا النوع العروبي إلى مدينة البليدة عام 1893؛ حيث تتلمذ على يده المطرب محبي الدين حاج المحفوظ". 

أما ممثلو المسرح فنجد الراحل التوري، رحمه الله، كلثوم، فريدة صابونحي،  سلوى، إضافة إلى المطرب والمغني الكبير الراحل رابح درياسة، رحمه الله، ناهيك عن الرياضيين منهم أحمد قبائلي الذي ولد في العفرون وترعرع في حي الدويرات، يقول يوسف أوراغي. 

تغييرات طفيفة على الحي العريق.. 

وفي ختام جولتنا في حي الدويرات، لاحظنا ترهل جدران بعض البيوت المزينة بأبواب خشبية مقوسة ومزخرفة، في حين يوجد الجل منها في حالة جيدة نظراً للمتابعة الدورية لقاطنيها لوضعها بسبب قدمها. 

ويشير الذاكرة الحية لمدينة البليدة، لـ"عربي بوست"، إلى أنه يوجد بيوت تغير طابعها لكون ملاكها الجدد عمدوا إلى بناء طابق ثانٍ بالمقابل توجد أغلبية البيوت على حالها الطبيعي التاريخي المصمم وفق الطابع الموريسكي الأندلسي المعطر بتاريخ ما زال  يفوح داخل هذا الحي العريق. 

وبشأن المساحة، لفت محدثنا إلى أنها واسعة جداً، نظراً لعدد السكان الذين كانوا يسكنون القصبة إبان الحقبة العثمانية، مؤكداً أنها تبلغ نفس مساحة قصبة الجزائر، ما يعطي لمدينة ولاد السلطان (قصبة البليدة) قيمة مضافة أخرى رغم أن تاريخها عريق ويحتاج للمتابعة فقط. 

البليدة وأبوابها السبعة.. 

ويقع حي الدويرات أو القصبة خارج سور مدينة المدينة التي تأسست عام 1535، على يدي العالم سيدي أحمد الكبير، لتكون قبلة لعديد الأندلسيين المهاجرين إلى الجزائر بعد سقوط غرناطة آخر مدن المسلمين في الأندلس (إسبانيا) الذين ما زالوا يزينون بيوتها إلى اليوم الحاضر بتقاليد عديدة، يشم عبقها كل شخص يتجول في أزقتها العتيقة.

وكغيرها من المدن الجزائرية التاريخية، تحصّنت البليدة بسور خلال العهد العثماني من أجل تسهيل دخول ساكني المدينة داخلها مع العمل على تأمينها من أي دخيل يسعى إلى نشر الفوضى أو تخريب الممتلكات ما أعطى للمدينة طابعاً عمرانياً خاصاً. 

وعمدت السلطات خلال العهد العثماني على وضع 7 أبواب لمدخل المدينة، يتقدمها باب رئيسي، وهو يقع شرق البليدة، والمسمى بباب الجزائر؛ لأنه يقابل الطريق المؤدي إلى العاصمة الجزائرية، في حين سمي الباب الثاني بباب الرحبة، الذي يؤدي إلى سوق الحبوب، أو المنطقة التي كانت رحبة وفضاءً مفتوحاً للتسوق. 

أما الثالث المسمى باب القبور، فيقع تحديداً في حديقة بيزو في الوقت الراهن، سمي بهذا الاسم لأنه يطل على مقبرة لغير المسلمين، وغير بعيد عليه وتحديداً غرب البليدة وضع باباً آخر يُسمى بباب السبت؛ لأنه الطريق المفضل للسكان عند توجههم إلى السوق الأسبوعي كل يوم سبت. 

وشيد باب الزاوية وهو الباب الخامس الذي يؤمن المدينة فيقع بمدخل شارع فلسطين، في حين يوجد باب الخويخة بالقرب منه فقط، في حين أن الباب السابع هو باب القصب نسبة إلى نبات القصب الحر" الذي كان ينمو في ذلك المكان من المدينة.

أصل تسمية البليدة.. 

هذه المدينة التي اشتقت تسميتها من كلمة بلدة، فهي تصغير لها بمعنى المدينة الصغيرة عرفت عبر تاريخها عدة تسميات، فهي "مدينة الورود"، و"زهرة الساحل"، و"مدينة الأبواب السبعة"، افتتن بها زوارها والرحالة والمؤرخون الذين حلوا بها، فيقول فيها الولي الصالح سيدي أحمد بن يوسف الملياني "الناس سموك بليدة وأنا أسميك وريدة".

واحتضنت المدينة العريقة عدة تجمعات سكانية، إذ تذكر المراجع التاريخية أنها كانت مأهولة، فعلى مدار العصر الإسلامي أصبحت تؤلف شبكة عمرانية بين مدن المثلث الصنهاجي "الجزائر- المدية- مليانة".

مجتمعياً عرفت قبل الاحتلال الفرنسي عدة فئات سكانية وهم الحضر والأقلية التركية والكراغلة والبرانية "بعضهم مزابيون"، إلا أن مجتمعها ساده التضامن وعرف مجتمعها بالمحافظ والمتآلف والمتمسك بالعادات والتقاليد التي تتواصل إلى يومنا هذا، خاصة في المناسبات، وفي التمسك بالصناعات التقليدية.

علامات:
تحميل المزيد