يشتكي (م.ع)، وهو بائع في مسمكة سوق فرحات بوسعد بالجزائر (كلوزال سابقاً)، من التراجع الكبير لإقبال المواطنين على اقتناء الأسماك، مشيراً إلى أن أرباحه تراجعت، وأضحى سوق بيع السمك بأنواعه راكداً.
ويؤكد البائع في حديثه مع "عربي بوست" أن التحكم في أسعار السمك ليس من اختصاص باعة التجزئة، الذين يشترون المنتج بدوره بسعر مرتفع نظراً لتراجع الإنتاج، لا سيما في هذه الفترة من السنة.
"عربي بوست" حاول في هذا التقرير رصد أسباب ارتفاع أسعار السمك بالجزائر، والإجراءات المتخذة من قبل السلطات من أجل ضبط السوق.
سوق السمك بالجزائر غير مستقر
وبغرض معرفة واقع سوق السمك بالجزائر، تواصل "عربي بوست" مع رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك، مصطفى زبدي، الذي وصف سوق هذه المادة الحيوية بالمتذبذب والذي لا يعرف استقراراً في الأسعار مهما كانت اتجاهاتها.
ويرجع زبدي، عدم استقرار السوق إلى عوامل عديدة، منها التضاريس السطحية تحت البحر المشكلة للشريط الساحلي الذي يبلغ طوله أزيد من 1600 كيلومتر، وهذا ما يجعل الكثافة السمكية في الجزائر قليلة بعض الشيء مقارنة بدول أخرى.
وأضاف المتحدث أن "الجزائر تشهد الآن في مجال تربية المائيات تقدماً، ولكن ليس بالدرجة التي تكفي من خلالها السوق وتوفر عرضاً قوياً، وعليه فإن أسعار السمك متقلبة، وتصل أحياناً إلى أرقام قياسية ليست في متناول الطبقة المتوسطة والمعوزة".
وأثناء حديثه عن واقع أسعار السمك في الجزائر، شدد محدثنا على أن استقرار الأسعار يتطلب أن تكون هناك وفرة في الثروة السمكية، وهذا الأمر غير متوفر إلى الآن رغم الجهود المبذولة من قبل السلطات الجزائرية من أجل ضبط السوق وجعل الأسعار في متناول جميع المواطنين دون استثناء.
وأضاف في هذا السياق قائلاً: "من المبادرات التي تستهدف خفض أسعار السمك بالجزائر فتح سوق بمحافظة وهران من المنتج إلى المستهلك مباشرة، حيث يمكن للصياد أن يبيع منتوجه مباشرة، وتصبو هذه المبادرة إلى تقليص السلسلة الاستهلاكية لكي تعود بالفائدة على الصياد وعلى المستهلك، ما جعل الأسعار في هذه السوق جيدة".
ويؤكد زبدي، على أن متوسط الاستهلاك الجزائري للسمك ما زال بعيداً عن المرجو منه، ما يتطلب من الجميع العمل بجد من أجل وضع حد للفوضى التي تميز هذا السوق المهم والمساهمة ولو تدريجياً في بلوغ معدل استهلاكي مقبول للسمك.
تذبذب في أسعار السمك
وفي تصريح لـ"عربي بوست" لم يتوانَ رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين، الحاج الطاهر بولنوار، عن التأكيد على أن سوق السمك في الجزائر يعاني من مشاكل عديدة انعكست تماماً على المستهلك الجزائري بصفة عامة.
ويشير بولنوار، إلى أن السلطات في السنتين الأخيرتين عملت على الحد من هذه المشاكل المطروحة، حيث ظهرت بعض البوادر الإيجابية التي ستُساهم حتماً في انتعاش هذا القطاع.
ويربط محدثنا ارتفاع أسعار السمك بالجزائر بنقص العرض مقارنة بالطلب، إضافة إلى أن أغلب الصيادين ما زالوا يعتمدون على الأساليب التقليدية، وأسطول الصيد نصفه مهترئ وقديم مع وجود يد عاملة غير مكونة.
ومن بين الأسباب التي ساهمت في رفع أسعار السمك، يشير رئيس جمعية التجار إلى عدم وجود ورشات كافية لصناعة السفن في الصيد البحري وإصلاحهم، مع وجود ظاهرة الصيد العشوائي للأسماك التي كان لها الأثر السلبي على الثروة السمكية.
وتابع قائلاً: "حتى قطاع تربية المائيات الذي يمكن أن يعوض نقص الثروة السمكية في البحر انتعش في الفترة الأخيرة فقط أين شرعت السلطات في التشجيع على تربية المائيات".
ويضع بولنوار أسعار السمك في الجزائر في خانة عدم الاستقرار، حيث يتراوح سعر السردين مثلاً من 800 دينار للكيلوغرام (4 دولارات) إلى 1000 دينار للكيلوغرام (5 دولارات) في هذه الفترة بالمقابل يصل سعره إلى 400 دينار للكيلوغرام (2 دولار) في الصيف.
أما الجمبري فيتراوح سعره في هذه الفترة من العام ما بين 3000 دينار للكيلوغرام (15 دولاراً) إلى 4000 دينار للكيلوغرام (20 دولاراً)، بالمقابل يكون سعره في الصيف ما بين 1500 دينار للكيلوغرام (7.5 دولار) إلى 2000 دينار للكيلوغرام (10 دولارات).
مقترحات لضبط السوق
ومن أجل النهوض بقطاع الصيد البحري وضبط سوق السمك بالجزائر، يقترح رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين الجزائريين، الطاهر بولنوار، تشجيع الاستثمار في قطاع تربية المائيات وتشجيع الاستثمار في تصنيع سفن الصيد وإصلاحها مع اعتماد برامج تكوين خاصة بالمهنيين الصيادين في هذا القطاع.
من جهته، يرى رئيس المنظمة الجزائرية لحماية وترشيد المستهلك، مصطفى زبدي، أن الذهاب إلى تربية المائيات أضحى ضرورة قصوى، خاصة أنه يوجد في الجنوب الجزائري الكبير تجارب رائدة ساهمت في خفض الأسعار ولو قليلاً.
ودعا المتحدث إلى ضرورة مراقبة عمليات الصيد بشكل أكبر بعد تسجيل تجاوزات وصيد حتى في الأوقات المحرمة، وكذلك ضبط السوق من خلال تنظيمه ومعرفة جميع المتدخلين.
إجراءات استباقية لكبح ارتفاع الأسعار
من جهتها، عمدت السلطات الجزائرية إلى اتخاذ جملة من الإجراءات على رأسها إنشاء تعاونيات وتنظيم أسواق مباشرة من المنتج إلى المستهلك إلى جانب توسيع الموانئ.
وأعلن وزير الصيد البحري والمنتجات الصيدية، هشام سفيان صلواتشي، مؤخراً، عن إنشاء حوالي 500 تعاونية في مجال الصيد البحري وتربية المائيات.
وتهدف هذه التعاونيات إلى تنظيم أفضل للقطاع وتحسين الوضعية الاجتماعية والاقتصادية للمهنيين، من خلال تخفيض تكلفة المنتجات أو الخدمات الخاصة بنشاطات الصيد البحري أو تربية المائيات لفائدة أعضاء التعاونيات.
وتشترط التعاونيات لإنشائها 5 أشخاص طبيعيين أو معنويين يمارسون نشاطاً في مجالات الصيد البحري وتربية المائيات لتوحيد نشاطهم، حيث أوضح المرسوم التنفيذي المنشئ لهذه التعاونيات أن التعاونيات من شأنها ترقية روح التعاون فيما بين الناشطين في القطاع وتخفيض تكلفة المنتجات.
البيع المباشر للأسماك.. بديل محاربة ارتفاع أسعار السمك في الجزائر
عمدت السلطات الجزائرية إلى آلية مستحدثة لزيادة وفرة الأسماك من جهة، وتخفيض أسعارها من جهة ثانية، عن طريق إنشاء آلية لضبط السوق تتمثل في البيع المباشر من المنتج إلى المستهلك، حيث تراوحت أسعار الدوراد (القاجوج) 990 ديناراً للكيلوغرام والتيلابيا (البلطي الأحمر)، بسعر 550 ديناراً.
وشملت العملية 15 محافظة، بهدف السماح للمواطن بشراء هذه المنتجات بأسعار مناسبة والعمل على وضع حد للاحتكار.
كما أعلنت وزارة الصيد البحري عن زيادة حصة الجزائر من صيد التونة الحمراء التي انتقلت الى 2.023 طن خلال حملة السنة المقبلة، مقابل 1.617 طن هذه السنة، معربة عن تفاؤلها في هذا المجال.
وتراهن الحكومة الجزائرية على إعطاء دفعة قوية لقطاع الصيد البحري، حيث كشف البيان الختامي لاجتماع الحكومة، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن مخطط عمل الحكومة في شقه المتعلق بتطوير الصيد البحري وتربية المائيات يرمي إلى رفع الإنتاج آفاق سنة 2024.
وشرعت السلطات الوصية في وضع أقفاص بحرية من أجل إنتاج أسماك الدوراد، حيث تم إنتاج 600 طن بسكيكدة و700 طن ببومرداس و400 طن بتلمسان و600 طن بالشلف، وإنتاج 400 طن ببجاية. وكذا تربية البلطي الأحمر عبر مختلف الولايات الداخلية.