من “المحروسة” إلى دلس والبليدة.. “عربي بوست” في جولة على أشهر أبواب مدن الجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2022/12/12 الساعة 19:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/12/12 الساعة 19:37 بتوقيت غرينتش
صورة من أبواب مدينة لبليدة في الجزائر (خاص عربي بوست)

يتساءل بلال (22 عاماً)، والذي وُلد في الجزائر العاصمة، عن أسباب تسمية عديد من شوارع المدينة بأسماء الأبواب، منها باب الوادي وباب عزون وشوارع أخرى موجودة بقلب العاصمة الجزائرية وقريبة جداً من حي القصبة العتيق. 

ولم يسبق لبلال الذي يقطن ببلدية باب الوادي وسط الجزائر العاصمة، أن علم أن مدناً أخرى في الجزائر تحمل شوارعها الأسماء نفسها باختلاف صفاتها. 

وتميزت مدن بالجزائر تاريخياً بوجود أسوار وأبواب تحميها من الغزو وتسهل دخول المواطنين إليها يومياً بشكل سلس يساعد على إعطاء طابع المدن المحمية بشكل يتناسب مع الفترات التي مرت على تاريخ الجزائر العريق. 

"عربي بوست" سعى إلى نقل ما تبقى من هذه الأبواب في الجزائر وأصل تسميتها بالصور.

5 أبواب تحمي "مزغنة" من الأعداء

مزغنة أو مدينة الجزائر اتخذت 5 أبواب لحراستها، وهي التي عانت من العدوان الأوروبي على مدار قرون، فكانت الأسوار والأبواب المزودة بالمدافع هي الملجأ وبها تتم حماية المدينة وأهاليها.

وعلى مدار القرن الـ15 الميلادي، وقفت مدينة الجزائر عدة مرات في وجه محاولات الغزو الإسباني، وبناءً عليه نالت عدة تسميات وهي: "دار الجهاد" و"المحروسة" و"مدينة الألف مدفع" و"الجزائر المنيعة"، كل ذلك عزز أهمية الأسوار المحيطة بالمدينة والتي كانت تسمح بولوج المدينة عبر 5 أبواب رئيسية.

في ذلك يروي ياقوت الحموي في معجمه: "مدينة الجزائر مدينة جليلة قديمة البنيان، فيها آثار عجيبة تدل على أنها كانت دار ملك لسالف الأمم".

وبحسب الدراسات الأثرية فإن الأبواب التي لم يصمد منها لليوم سوى بعض الآثار، تميزت في الماضي بالقوة والحصانة، فصُنعت كبيرة الحجم من الخشب المنيع، وصُفحت بالحديد وزُودت بمصاريع حديدية، كما تم تعزيزها بالمدافع للحماية.

ولعبت الأبواب أدواراً مزدوجة، فهي من جهةٍ الحامية ومن جهة ثانيةٍ الرابط بين المدينة والعالم الخارجي وتوصل الوافد إلى الطرق الرئيسية للمدينة؛ وكانت تغلق قبيل الغروب وتفتح بعد طلوع الشمس، ويكلف بذلك موظف يسمى "المزوار".

وأنت تجوب أحياء وأزقة القصبة السفلى اليوم ستلجها عبر باب العزون، وهي التسمية الحالية لأحد أبرز أحياء القصبة السفلى؛ إذ كانت تستقبل الوافدين من الجنوب والشرق والسهل المتيجي عن طريق الحراش، وتميزت في أوج مناعتها بجسر يرفع عند الخطر، كما يسلكه كل مغادر للمدينة ومنها تلج السلع، هذا الباب عرف بأنه كان الأكثر حركية إلا أنه تم تدميره من طرف المحتل الفرنسي سنة 1841.

بأعالي القصبة تم اعتماد باب الجديد كحامٍ للجزائر، وهو بعرض 3 أمتار ويوجد بالجهة الجنوبية–الغربية، ويعبره الوافدون من الجهة الغربية والبليدة، ويعود عهد الباب إلى فترة التحصينات العثمانية الأولى إلا أن مآل الباب لم يكن بأحسن حال من باب عزون، حيث جرى هدمه سنة 1866 ليسميه الاحتلال بشارع النصر، لأن الجيش الفرنسي دخل عبره المدينة.

مزغنة المطلة على الواجهة البحرية الشمالية، اعتمدت باب الجزيرة (باب دزيرة) أو باب الجهاد كباب يحمي المدينة من أي مخاطر قادمة من البحر الأبيض المتوسط، معززة بعدة حصون مزودة بمدافع.

ولأن البحر كان يزاوج بين الإتيان إما بالغزاة الطامعين وإما بالخيرات التي يحتضنها باطنه، سمي الباب أيضاً بباب الصيادين.

رابع أبواب الجزائر العاصمة كان باب الوادي، وهي التسمية الحالية نفسها لأبرز المقاطعات الإدارية بالعاصمة الجزائرية، وشيد باب الوادي في القرن الـ16 الميلادي، ويقع في شمال المدينة، ويفتح نحو الشمال باتجاه جبل بوزريعة. 

ويعود سر التسمية إلى الوادي الذي كان يمر بمحاذاة الباب وهو "وادي قريش"، ويعد أقل الأبواب أهمية، إلا أنه كان مزوداً بجسر يتم رفعه عند الخطر.

الباب الأخير هو باب البحر أو باب الديوانة أو باب السردين، ويتميز بصغره ويقع شرق المدينة مطلاً على البحر، ومخصصاً للتجارة البحرية ويدخل عبره الصيد البحري.

إلى جانب الأبواب الرئيسية يمكن تلمّس عدة أبواب داخلية، على رأسها البابان الداخليان بالقصبة العليا، وباب آخر داخلي وراء باب الجزيرة، فضلاً عن أبواب ثانوية داخل المدينة كانت تتبع المخطط نفسه الذي قامت عليه أسوار جزائر بني مزغنة منذ سنة 972 ميلادية.

دلس.. محمية بسور منذ عهد الرومان

فضول معرفة المدن المحصنة في الجزائر، دفع صحفي "عربي بوست" إلى التنقل 105 كيلومترات شرق العاصمة الجزائرية، وتحديداً إلى قصبة دلس التاريخية، التي تأسست سنة 1102 ميلادياً على يد معز الدولة بن صمادح، بعد أن فر من الأندلس واستقبله حاكم الدولة المحمدية منصور بن ناصر وأعطاه حرية الاختيار، ليقع خياره على دلس التي استقر فيها وأسس النواة الأولى لهذه المدينة التاريخية. 

وأثناء الجولة التي قادتنا إلى القصبة التي لم يبق منها الكثير جراء الزلزال المرعب الذي شهدته المدينة ومدن أخرى مجاورة سنة 2003، أشار إلينا مسؤول الديوان الوطني لتسيير الممتلكات الثقافية المحلية، فريد فريبش، إلى أن دلس مدينة محصنة وعدد أبوابها يتماشى مع مساحة السور المحيط بها. 

ويقول محدثنا عند حديثه عن أسباب بناء السور، إن ذلك يرجع إلى عوامل عديدة، منها الموقع الجغرافي للمدينة بحد ذاته أو حسب دواعٍ أمنية وعسكرية تستهدف حماية المدينة من أي عدوان خارجي.

وأضاف المتحدث أن "المدينة عرفت تعاقب حضارات عديدة: قرطاجية، رومانية، بيزنطية، إسلامية عربية، أندلسية وعثمانية، لهذا طريقة تحصن المدينة تختلف من حضارة إلى أخرى". 

وفي أثناء سيرنا على طول بقايا السور بأعالي المدينة حيث يوجد السور الشاهد على عظمة المدينة تاريخياً، ذكر قريبش أن هذا السور بُني أثناء الحقبة الاستعمارية الفرنسية للجزائر على بقايا السور الروماني الذي كان شامخاً لقرون عديدة رغم تعاقب الحضارات واختلاف الثقافات. 

ويواصل محدثنا قائلاً: "دلس مدينة تاريخية، فمختلف الحضارات التي مرت عليها كانت تحصن المدينة، ففي الفترة الرومانية كان هناك سور في الفترة العثمانية، والسور الحالي الذي هُدمت أجزاء منه بسبب زلزال 2003 يرجع للفترة الاستعمارية الفرنسية للجزائر وهو يحوي 6 أبواب". 

ويلفت دليلنا في الجولة عبر المدينة إلى أن باب السور الذي بقيت منه بقايا سور مبني بالحجارة ومدعم بطبقات عديدة من الطين ومواد بناء مستعملة في تلك الفترة من الزمن، هو الباب الوحيد المتبقي والشاهد على تحصين المدينة من الأعداء، والذي يوجد في أعالي المدينة المطلة على البحر الأبيض المتوسط، والقريب جداً من غابة بوعربي. 

ومن أبواب السور التي كانت تزين مدخل مدينة دلس، يقول قريبش إننا نجد كذلك "باب البحر، باب القبائل (الزواوة)، باب سترليس، باب أزلي، باب دزاير، باب السور وباب لجنة (الجنان)، وهي كلها أبواب جديدة مقارنة بالأبواب التي كانت خلال الفترة العثمانية والتي كانت تعمل على تسهيل دخول وخروج المواطنين إلى دلس، في حين سمحت منذ الأزل بحماية المدينة من أي هجمات عسكرية". 

7 أبواب زينت مدخل البليدة

ولأن المدن ذات الطابع المعماري الأندلسي شبيهة ببعضها البعض، كان لزاماً على "عربي بوست" التنقل إلى مدينة البليدة 53 كيلومتراً جنوب غربي العاصمة الجزائرية، والتي تأسست عام 1535، على يد العالم سيدي أحمد الكبير، لتكون قبلة لعديد من الأندلسيين المهاجرين إلى الجزائر بعد سقوط غرناطة آخر مدن المسلمين في الأندلس والذين مازالوا يزينون بيوتها إلى اليوم الحاضر بتقاليد عديدة يشم عبقها كل شخص يتجول في أزقتها العتيقة.

وكغيرها من المدن الجزائرية التاريخية، تحصنت البليدة بسور خلال العهد العثماني؛ من أجل تسهيل دخول ساكنة المدينة داخلها، مع العمل على تأمينها من أي دخيل يسعى إلى نشر الفوضى أو تخريب الممتلكات، ما أعطى للمدينة طابعاً عمرانياً خاصاً يشبه تماماً الطابع العمراني لمدينة دلس التي تأسست قبلها بنحو 5 قرون. 

وعمدت السلطات خلال العهد العثماني إلى وضع 7 أبواب لمدخل المدينة يتقدمهم باب رئيسي وهو يقع شرق البليدة والمسمى بباب الجزائر، لأنه يقابل الطريق المؤدي إلى العاصمة الجزائرية، في حين سمي الباب الثاني بباب الرحبة والذي يؤدي إلى سوق الحبوب أو المنطقة التي كانت رحبة وفضاءً مفتوحاً للتسوق. 

أما الثالث المسمى بباب القبور، فيقع تحديداً بحديقة بيزو في الوقت الراهن، وسمي بهذا الاسم، لأنه يطل على مقبرة لغير المسلمين، وغير بعيد عنه- وتحديداً غرب البليدة- وُضع باب آخر يسمى بباب السبت، لأنه الطريق المفضل للسكان عند توجههم إلى السوق الأسبوعي كل يوم سبت. 

وشيد باب الزاوية، وهو الباب الخامس الذي يؤمّن المدينة، بمدخل شارع فلسطين، في حين يوجد باب الخويخة بالقرب منه فقط، بينما الباب السابع هو باب القصب نسبة إلى نبات "القصب الحر" الذي كان ينمو في ذلك المكان من المدينة.

تحميل المزيد