بُنيت قبل ألفي سنة.. “عربي بوست” في جولة مصورة وسط مدينة جميلة الرومانية بالجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2022/11/16 الساعة 12:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/16 الساعة 13:02 بتوقيت غرينتش
مدخل مدينة جميلة في الجزائر (خاص عربي بوست)

تحت أشعة حارقة في نوفمبر/تشرين الثاني، انتقل فريق "عربي بوست" 318 كيلومتراً شرق العاصمة الجزائرية، وتحديداً لمدينة جميلة من أجل التجول في مدينة "كويكول" الأثرية، ونقل أسرار هذه المدينة المنبعثة من كتب التاريخ، والمرتبطة بمن عاشوا قبل مئات السنين بالجزائر. 

وقبل وصولنا تساءل إسلام، الذي كان دليلنا في الرحلة، عن السبب الذي جعل بناة المدينة يختارون هذا المكان، وبرر محدّثنا تساؤله بعد أن تجاوزنا في طريقنا جبالاً شامخة لا يسكنها أحد، خاصة بعد أن تبقى 20 كيلومتراً للوصول. 

وفي خضم حديثنا مع الدليل طيلة الطريق، كنا نجهز أنفسنا من أجل الغوص في تاريخ هذه المدينة ونحن نتجول بين أزقتها وأعمدة بناياتها الذهبية الشامخة التي تحكي للزائرين ما وقع طيلة آلاف السنين.. 

على أعتاب ألفي سنة وجود..

احتضنت أرض الجزائر عدة حضارات، نظراً لموقعها الاستراتيجي، وتحتفظ أرجاؤها بآثار تلك العصور، فمن طاسيلي نازجر جنوباً، الذي شهد مهد الحضارة والرسم على الصخور، إلى الممالك النوميدية والتفاعل الفينيقي، وصولاً للحقبة الرومانية، التي اشتُهرت ببناء المدن التي اتخذتها روما حصوناً لها بعد سقوط آخر الملوك النوميديين، فنجد من بقاياها مدينة تيمقاد وتيبازة وجميلة.

"عربي بوست" جالت في رحاب مدينة جميلة أو "كويكول"؛ لتنقل أبرز الملامح المتبقية وتطلع على أبرز أسرار هذه المدينة المصنفة ضمن مواقع التراث العالمي منذ سنة 1982 وفقاً لليونسكو، والتي تقع بالقرب من موقع إنسان ما قبل التاريخ (عين الحنش)، الذي يحتضن أقدم آثار للأدوات الحجرية في شمال إفريقيا بنحو 2.4 مليون سنة.

ويعود تأسيس هذه المدينة إلى القرن الأول الميلادي من قبل قدماء المحاربين الرومانيين، ومرّ إنشاؤها بعدة مراحل؛ إذ تم في البداية تشييد الساحة العامة والكابيتول والسوق، بالإضافة إلى المسرح في عهد الأباطرة الأنطونيين، ثم المعبد وقوس النصر والساحة السيفيرية الحديثة نسبياً، ثم الحي المسيحي على مدار القرنين الرابع والخامس الميلادي.

مدينة مكتملة الأركان 

وأنت واقف على عتبة هذه المدينة، التي تعود بك معالمها وأحجارها وأسوارها الصامدة إلى عبق عصر غابر، يروي لك مراحل تاريخ بعيد لا يزال يحتفظ بجماليته، حيث تتفرع معالمها عبر ساحتين عموميتين للمدينة، الساحة القديمة والساحة الجديدة التي أنشئت توسعة للمدينة، بعدما ضاقت بتجمعات أهلها.

يحيط بالساحة القديمة الكابتول والمحكمة، بينما يحيط بالساحة السيفيرية الجديدة معبد وقوس نصر كركلا والحمامات، هذه الساحة أنشئت خارج أسوار المدينة القديمة نهاية القرن الثاني وبداية القرن الثالث، وهي بمثابة ساحة عمومية لها شكل غير منتظم وتشرف على أرقى مباني المدينة، وهو الطابع الذي يميّز المدينة السيفيرية الجديدة نسبياً مقارنة بالساحة القديمة.

ويلج الزائر هذه الساحة عبر بوابة شمالية تتيح له النزول ببرج داخلي ليسير على طول مساحتها عبر أرضية مبلطة بحجارة كلسية رمادية، وسط الساحة، يصادفه قوس النصر الذي بني سنة 216 ميلادي على شرف الإمبراطور الروماني كركلا.

على الجانب يقف الزائر على مبنى الكابتول، وهو معبد بُني في القرن الأول الميلادي، ويضم 3 آلهات: جوبتر، جينون، ومينرف، وهي التي تحمي المدينة حسب المعتقدات آنذاك.

ولمدينة جميلة ككل بابين شمالية وجنوبية، إذ تتيح الأولى النزول إلى الوادي والالتحاق بالطريق الرئيسي، أما الجنوبية فيعلوها قوس وتمثل طريقاً ضيقاً بين طريق setifs  والشارع الرئيسي للمدينة، وتحتوي على محدد كيلومتري.

ساحات وأسواق وأماكن للراحة والجمال 

ولا تقتصر جماليات كويكول على هذه الجوانب؛ لأنها استضافتنا على مستوى سوق الأخوين كوزينيوس، وهو السوق الذي طالما مثّل الحياة التجارية لأهاليها على مدار قرون، إذ يمكن أن يقصده الخارج من البازيليكا عبر الباب الجنوبي الغربي ليلتحق بالشارع الرئيسي، ثم عبر رواقاً ضيقاً ليجد نفسه وسط السوق.

ولم تكن تبخل ساحات المدينة على مريديها بسويعات من الراحة يقضونها في حماماتها التي تأخذ مخططاً منتظماً، وتتربع على مساحة 2600 متر مربع، وتضم قاعات مختلفة للاستحمام وللرياضة وللراحة.

كما تمتعه بالبازيليكا الشمالية بعرض 15 متراً وطول 35 متراً، عبر 3 أجنحة، حيث يتوسطها المذبح الذي يحتوي على فسيفساء وصور حيوانية، إلى جانب البازيليكا الجنوبية، والتي تمثل كنيسة قديمة تضم جناحاً مركزياً ورواقين، ناهيك عن الزينة الفسيفسائية.

المسرح.. وكأن الفن وُلد هنا

وأثناء نهاية رحلتنا في هذه المدينة التاريخية التي دامت قرابة 3 ساعات ونصف، توجهنا جنوباً وبالتحديد إلى مسرح المدينة، حيث لاحظنا أنه ما زال قائماً يستقبل المقبلين عليه بحفاوة، وكأن الفن الذي تعددت مشاربه في عصرنا الحالي وُلد جنوب "كويكول"، وتنوعت منه الفنون وأضحت دسمة؛ ليستمتع بها السائح، حتى لو كانت مدارجه الحجرية فارغة من الجمهور. 

وحسبما استقيناه من معلومات، يعود تاريخ إقامة المسرح إلى القرن الثاني الميلادي، حيث تم اختيار رابية قصد حفر مدرجاته، ويتألف هذا الصرح الفني من سلسلتي مقاعد مدرجة، ويتخلله عديد الممرات، ويمكن أن يستوعب نحو 3000 شخص. 

ودائماً حول المعلومات التي تخص المسرح، فإن عرضه يصل إلى 3380 م، أما عمقه فيبلغ 6 أمتار، وبشأن المنصة، فهي تمثل واجهة مزدانة بكوات صغيرة، أما الحجرات ذات الحنيات، فهي محاطة بأعمدة بدعامة مربعة وتحتضن منبعاً مائياً وجدناه جافاً رغم أننا في عز فصل الخريف.

ولأن المسرح له تأثير خاص، عمدت السلطات الجزائرية منذ سنة 2006 إلى تنظيم مهرجان دولي على ركحه، بغرض التعريف بتاريخ المدينة ونشر الطبوع الغنائية العربية وحتى العالمية، وتم إلغاء تنظيم المهرجان سنتي 2020 و2021 بسبب الارتفاع المذهل لإصابات "كورونا" بالجزائر، ليعود مجدداً هذه السنة بمشاركة جزائرية وعربية.

ملحوظة مهمة حول المعلومات الطبية الواردة في المقالة

يؤكد فريق “عربي بوست” على أهمّية مراجعة الطبيب أو المستشفى فيما يتعلّق بتناول أي عقاقير أو أدوية أو مُكمِّلات غذائية أو فيتامينات، أو بعض أنواع الأطعمة في حال كنت تعاني من حالة صحية خاصة.

إذ إنّ الاختلافات الجسدية والصحيّة بين الأشخاص عامل حاسم في التشخيصات الطبية، كما أن الدراسات المُعتَمَدَة في التقارير تركز أحياناً على جوانب معينة من الأعراض وطرق علاجها، دون الأخذ في الاعتبار بقية الجوانب والعوامل، وقد أُجريت الدراسات في ظروف معملية صارمة لا تراعي أحياناً كثيراً من الاختلافات، لذلك ننصح دائماً بالمراجعة الدقيقة من الطبيب المختص.

تحميل المزيد