دفع الانهيار الاقتصادي في مناطق النظام السوري ومناطق تحكمها قوات سورية الديمقراطية إلى هجرة حوالي مليون مواطن من مناطق المعارضة بحثاً عن حياة كريمة أفضل.
واضطرت الآلاف من الأسر السورية إلى بيع آخر ما يملكونه من منازل وأثاث منزلية لتأمين أجور وتكاليف الفرار تجاه مناطق المعارضة السورية شمال غربي سوريا، ثم إلى تركيا وأوروبا.
4000 دولار للعائلة
أبو صالح، رب أسرة من ريف دمشق وصلت قبل أيام إلى مناطق المعارضة في عفرين، بعد رحلة شاقة استغرقت أسبوعاً كاملاً لتتنقل بين المناطق الخاضعة لسيطرة النظام السوري، إلى مناطق المعارضة.
وتُهاجر الأسر السورية من مناطق النظام تجاه مناطق المعارضة بتكلفة 4000 دولار للعائلة الواحدة تذهب لعناصر ميليشيا قوات النظام، مقابل تأمين عبور العائلات من عشرات الحواجز الأمنية والعسكرية، وتسهيل وصولهم إلى خطوط التماس إلى مناطق المعارضة.
يقول أبو صالح لـ"عربي بوست": "مع فقدان الأمل في النظام السوري أن يُحسن الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين لم يبقَ أمامنا سوى خيار واحد، هو أن ننجو بما نملك ونلجأ إلى مناطق المعارضة سواء في إدلب أو عفرين".
"في هذه المناطق يوجد أقاربنا كانوا قد هُجروا من ريف دمشق قبل سنوات واستطاعوا توفير فرص عمل تساعدهم على العيش، ولكن فرصة الفرار من مناطق النظام السوري مكلفة جداً، وهناك من يبيع منزله مقابل توفير المبلغ الكافي لتأمين وصوله إلى مناطق المعارضة"، يقول المتحدث.
وعن قصته يقول أبو صالح: "بعت منزلي في مدينة دوما بـ 22 ألف دولار، ذهبت 5 آلاف دولار منها لأجور تأمين طريق الوصول لمناطق المعارضة شمال سوريا، وتبقى لدينا حوالي 15000 دولار، ونفكر الآن بافتتاح فرن للخبز والمعجنات والمأكولات الشامية في مدينة عفرين".
وأشار أبو صالح إلى أن بيع المنزل من أجل الفرار لمنطقة آمنة فيها فرص العمل أفضل من أن يباع من أجل الطعام والدواء واللباس، وفي النهاية تصبح العائلة أشبه بالمشردة في وطنها، لا تملك منزلاً ولا حتى فرصة عمل أو أي مشروع.
رجال الأعمال يفقدون الأمل
أبو أسعد، أحد رجال الأعمال في مدينة حمص، قرر مؤخراً تصفية أعماله التجارية والصناعية واللجوء إلى محافظة إدلب، وباشر بتأسيس مشروعه الجديد لإنتاج المدافئ الشتوية ولوازمها.
يقول في تصريح لـ"عربي بوست": "بالرغم من الوعود المتكررة من قِبَل الجهات المعنية في حكومات النظام المتعاقبة على مدار 10 سنوات في تحسين الاقتصاد السوري وإنقاذه، إلا أنها بقيت تلك الوعود كلاماً لا أكثر ولم يتغير أي شيء".
وأضاف أبو أسعد أن الأمر فاقم من خسائر فادحة لحقت بأصحاب المعامل والمنشآت التجارية والصناعية، وكثير منهم اضطر إلى بيع مصنعه لشراء الدواء أو الطعام لعائلته، بعد توقف عجلة الإنتاج وتراكم الخسائر.
باع أبو أسعد مصنعه و5 محلات بنصف ثمنها الحقيقي وفرَّ إلى إدلب التي تشهد خلال الآونة نهضة اقتصادية وصناعية وأيضاً تجارية تتيح الفرصة لكل من لديه رأس مال العمل في كل المجالات، وهذا ما يطمح له التجار السوريون.
ويضيف: "ربما النظام السوري انتصر عسكرياً وسيطر على مساحة من البلاد، ولكن في الواقع لم ينتصر في الجانب الاقتصادي الذي يشهد انهياراً ساحقاً أو السيطرة على الميليشيات التي تستبيح أرزاق وممتلكات السوريين".
ويتعين على صاحب المعمل دفع إتاوة شهرية للميليشيات الموالية للنظام حتى يأمن على رزقه، ومع تدهور الاقتصاد وتراجع إيرادات الإنتاج باتت تلك الإتاوات عبئاً إضافياً على أصحاب المنشآت الصناعية والتجارية.
هروب الشباب أيضاً
لا تقتصر هجرة أو فرار السوريين من مناطق النظام السوري إلى مناطق المعارضة فقط على العائلات شبه الميسورة، وإنما طالت شريحة واسعة من الشباب، وتحديداً ممن أنهوا مراحل التعليم الجامعي ولم يحصلوا على فرص عمل، وممن يترتب عليهم الخدمة الإلزامية في قوات النظام.
أحمد البالغ من العمر 23 عاماً فرَّ مؤخراً من مدينة حلب بعدما أن أتم تعليمه الجامعي في مجال الهندسة ولجأ إلى مدينة جنديرس (المعارضة) شمال غربي حلب، برفقة مجموعة من رفاقه، بانتظار فرصة مناسبة للدخول إلى الأراضي التركية واللجوء إلى أوروبا.
يقول أحمد: "قررت الهرب من مناطق النظام السوري بعدما عشت شهوراً لا أستطيع التجول بحُرية في مدينة حلب بحثاً عن عمل، خوفاً من اعتقالي على أحد الحواجز الأمنية في المدينة وسوقي إلى الخدمة الإلزامية:.
وأضاف أحمد: "والدتي باعت ما تملكه من ذهب لتأمين تكاليف خروجي من حلب والوصول إلى الحدود السورية التركية، ونحن الآن بانتظار الوقت المناسب للدخول ورفاقي إلى تركيا، ومن ثم إلى الحدود الأوروبية واللجوء إلى إحدى الدول".
في أشهر.. مليون سوري غادروا مناطق المعارضة
من جانبه، أكد الناشط عمر الحلبي، وهو أحد أبناء مدينة الباب بريف حلب الشمالي، أنه "يلجأ بشكل يومي عشرات السوريين من مختلف الأعمار ومن جميع المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى مناطق المعارضة في شمال سوريا".
وأضاف الحلبي، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن عدد السوريين الفارين من مناطق النظام إلى المعارضة منذ بداية العام الحالي وحتى الآن قُدر بنحو نصف مليون سوري على شكل دفعات".
وحسب المتحدث، فإن عملية تهريب المواطنين تتم عبر إبرام اتفاق بين الراغبين من السوريين بالهجرة مع مكاتب افتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي تعود لزعماء أو وكلاء ميليشيات تابعة للفرقة الرابعة في قوات النظام وأخرى مرتبطة بالحرس الثوري الإيراني في دمشق وحلب.
ويتم الاتفاق بين الطرفين على دفع مبلغ يصل إلى 500 دولار للشخص الواحد مقابل تأمين مروره من مناطق النظام السوري إلى مناطق الليرمون وهنانو ونبل والزهراء في شمال وشمال غربي حلب الواقعة بالقرب من خطوط التماس مع المعارضة.
وبعدها يجري التنسيق مع الطرف الآخر في مناطق المعارضة لتأمين عبورهم خطوط التماس بسلامة، ويجري بعد ذلك توزيعهم على المناطق بحسب رغبتهم؛ إما إلى إدلب أو عفرين أو الباب أو الحدود السورية التركية".