لا تبدو حصّة التغير المناخي عادلةً في توزيع المسؤولية والأضرار، فبينما تعاني الدول الفقيرة ومنخفضة الدخل من الأثر الباهظ لتداعيات الاحتباس الحراري والأحداث المناخية العنيفة التي تتبعه، إلا أن الدول الصناعيّة ومرتفعة الدخل هي المسؤولة عن الحصّة الأعظم من انبعاث غازات الدفيئة إلى الغلاف الجوي للأرض.
ولذلك يأتي ملفّ تعويضات "الخسائر والأضرار" ليكون واحداً من أبرز ملفات قمة المناخ المعقودة بمصر لعام 2022 وللمرة الأولى، وذلك بعد سعيٍ حثيث ومطالبات من الدول النامية الأكثر تضرراً من تداعيات التغيّر المناخي.
إليك قائمة بالدول العشر الأعلى تضرراً من التغير المناخي في العشرين سنة الأخيرة، والدول الأكثر مساهمةً في إنتاج غاز ثاني أكسيد الكربون عبر التاريخ، وكيف تتغيّر هذه القوائم عبر السنين.
الدول الأعلى مساهمةً في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
لمعرفة الدول التي ساهمت بالحصّة الأكبر في التأثيرات المناخية، يمكن العودة لمشروع أطلس الكربون العالمي (Global Carbon Atlas) الذي يغطّي مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة على صعيدٍ سنويّ وتراكميّ، لا سيما أنه المحرّك الرئيسي لما نشهده من التغير المناخي.
ووفقاً لأحدث بيانات الأطلس للانبعاثات الصادرة من عام 1750 إلى 2020، فإن الولايات المتحدة هي الملوّث التراكمي الأعلى دون منازع؛ إذ تكاد كمية الانبعاثات التي أطلقتها في هذه الفترة تقارب ضعف الدولة التالية لها، وهي مسؤولة وحدها عما نسبته 24.5% من مجموع الانبعاثات التاريخية العالمية.
ويأتي أكبر مصادر انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الولايات المتحدة من قطاع النقل وتوليد الطاقة والصناعة وغيرها، وذلك بالرغم من الجهود المبذولة لتقليل الاعتماد على الفحم لتوليد الكهرباء.
وتأتي بعدها الصين بنسبة انبعاثات 13.9% من المجموع العالمي، علماً أن الصين بدأت تتجاوز ما تصدره الولايات المتحدة من غاز ثاني أكسيد الكربون المُنتج سنوياً منذ عام 2005.
ومن ثم روسيا (6.8%)، ألمانيا (5.4%)، المملكة المتحدة (4.6%) والتي كانت وحدها المسؤولة الأكبر عن أعلى نسبة انبعاثات لثاني أكسيد الكربون من 1750 حتى أوائل القرن التاسع عشر (1903 تقريباً) بينما هي الآن ليست ضمن العشر الأوائل حتى (احتلت المرتبة السابعة عشرة في الانبعاثات عام 2020).
وبعدها اليابان (3.9%)، ومن ثم الهند (2.3%)، ثم فرنسا وكندا وأوكرانيا وبولندا وإيطاليا وجنوب إفريقيا والمكسيك وإيران.
ملوّثو اليوم غير ملوّثي الأمس
تبين الإحصائيات الأخيرة الصادرة عن أطلس الكربون العالمي لعام 2020، أن هنالك تبايناً كبيراً بين الدول الأعلى إطلاقاً لثاني أكسيد الكربون عبر التاريخ وبين الدول الأعلى حالياً، ولكن يركّز النشطاء والمعنيّون على الدول المتسببة بالنسب الأعلى تاريخياً لأن جزءاً كبيراً من ثاني أكسيد الكربون يبقى في الغلاف الجوي لمئات السنين بمجرد انبعاثه، ولا يعني انخفاض مساهمتهم الحديثة في الانبعاثات انزياح المساءلة عنهم وفقاً للنشطاء.
في أرقام عام 2020، كانت الصين المتسبب الأكبر بالانبعاث محققة 10668 طناً مترياً في ذلك العام، أي أكثر من ضعف ما أصدرته الدولة التالية في القائمة (الولايات المتحدة) التي أطلقت 4713 طناً مترياً في 2020.
وبعد ذلك أتت الدول في القائمة على التتالي بالشكل الآتي: الهند، روسيا، اليابان، إيران، ألمانيا، السعودية وهي الدولة العربية الوحيدة في القائمة؛ إذ أصبحت منذ عام 2010 تظهر ضمن الدول العشر الأولى الملوّثة بثاني أكسيد الكربون، وبعدها جنوب كوريا وإندونيسيا.
ويُعتبر التفاوت بين نسب التلويث وإنتاج ثاني أكسيد الكربون بين الحاضر والماضي أحد الأسباب الرئيسية التي تقف عقبةً أمام الوصول لنوعٍ من الاتفاق الدولي حول من يجب عليه حمل المسؤولية الأكبر في اتخاذ الإجراءات المطلوبة لتجنب الكارثة المناخية التي تهدد الأرض.
من يدفع الثمن الأكبر؟
يُظهر مؤشر مخاطر المناخ لعام 2021 أن الظواهر الجوية المتطرفة الناجمة عن تغيّر المناخ تضرب البلدان الأفقر بصورةٍ أعظم أثراً، لا سيما أن هذه الدول ليست لديها القدرة على التكيف وتحتاج عادةً وقتاً أكبر لإعادة البناء والتعافي، لكن المؤشر يؤكد أن علامات تغير المناخ بدأت تظهر على بعض البلدان ذات الدخل المرتفع مثل اليابان.
عدنا إلى مؤشر مخاطر المناخ الذي يغطي الفترة الواقعة بين 2000 إلى 2019، لمعرفة البلدان الأعلى تضرراً على مدى العشرين عاماً تلك، ليظهر أنّ الأضرار والخسائر في الأرواح والمعاناة الشخصية والتهديد الوجودي الذي يتسبب به تغيّر المناخ هو الأعلى في البلدان الفقيرة، والدول الأكثر تضرراً من تغير المناخ ليست من ضمن المتسببين به أصلاً.
أتت بورتريكو في قائمة أعلى الدول تضرراً من التغير المناخي وفقاً للمؤشر الذي يُذكّر بإعصار ماريا الذي ضرب المنطقة في 2017، وتعتبر هذه الجزيرة الواقعة في بحر الكاريبي تابعة للولايات المتحدة ولا يُظهر بيانات أطلس الكربون مدى مساهمتها في إصدارات ثاني أكسيد الكربون.
ولفهم التباين الكبير بين المساهمة في دفع التغير المناخي وبين تلقي أضراره هذه مرتبة الدول في القائمتين للمقارنة:
الدولة الثانية الأكثر تضرراً في العالم هي ميانمار، التي تأتي في المرتبة 66 في ترتيب إصدار ثاني أكسيد الكربون لعام 2020.
الدولة الثالثة الأكثر تضرراً في العالم هي هاييتي، التي تأتي في المرتبة 145 في ترتيب إصدار ثاني أكسيد الكربون لعام 2020.
الدولة الرابعة الأكثر تضرراً في العالم هي الفلبين، التي تأتي في المرتبة 35 في ترتيب إصدار ثاني أكسيد الكربون لعام 2020.
الدولة الخامسة الأكثر تضرراً في العالم هي موزمبيق، التي تأتي في المرتبة 124 في ترتيب إصدار ثاني أكسيد الكربون لعام 2020.
ومن ثم البهاما (السادس تضرراً، 150 في إصدار ثاني أكسيد الكربون)، بنغلاديش (السابع تضرراً، 39 في إصدار ثاني أكسيد الكربون)، باكستان (الثامن تضرراً، 26 في إصدار ثاني أكسيد الكربون)، ومن ثم تايلاند ونيبال.
ما تفعله بنا غازات الاحتباس الحراري
تتالى التحذيرات منذ سنين بشأن ارتفاع مستويات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي إلى أرقام قياسية جديدة، والأخطار التي تحملها على صحة الجنس البشري ومعيشته والكارثة المناخية المتوقع حصولها قريباً في حال لم تُتخذ إجراءات حاسمة لمعالجة الأمر.
يُعتبر ثاني أكسيد الكربون أكثر الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، ولكنه ليس الوحيد؛ إذ يتفاقم الأمر أيضاً مع انبعاثات الميثان وأكسيد النيتروز وغازات أخرى تأتي من قطاعي الزراعة والصناعة.
ووفقاً للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، يُعدّ غاز ثاني أكسيد الكربون المسؤول الأول عن استمرار ارتفاع درجة الحرارة العالمية، وتُذكّر المنظمة بالعمر الطويل لهذا الغاز وإمكانية بقائه في الأجواء لمدد كبيرة؛ ما يعني أن مستوى درجة الحرارة المرصودة سيستمر كذلك لعقود حتى ولو خُفضت الانبعاثات بسرعة إلى الصفر.
يُرافق ارتفاع الحرارة ازدياداً مطرداً في حدوث ظواهر الطقس المتطرفة، بما في ذلك موجات الحر الشديدة وسقوط الأمطار وذوبان الجليد وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها، ونرى في الفيديو التالي ارتباط ارتفاع درجة الحرارة عبر السنوات مع ازدياد تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي:
كما أظهرت إحصائيات منظمة الصحة العالمية لعام 2022 أن جميع سكان العالم تقريباً (99%) أصبحوا يتنفسون هواءً ملوثاً إلى درجة غير صحية، وأن آثار هذا التلوث تظهر أيضاً بصورةٍ أعلى لدى البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل.
وكانت الصدمة بما توصلت إليه الأبحاث الأخيرة التي بيّنت أن تلوث الهواء الناتج عن الوقود الأحفوري يتسبب بخمس وفيّات العالم السنوية تقريباً، وهو الموضوع الذي ألقى عليه "عربي بوست" الضوء بالتفصيل في هذا التقرير.