خلّف إعلان نادي الأهلي تعاقده مع شركة "اتصالات مصر" (تابعة للاتصالات الإماراتية) كراعٍ رسمي خلال السنوات الـ4 المقبلة، وانضمام بنك أبوظبي إلى قائمة الرعاة، مجموعة من التساؤلات.
وبعيداً عن حالة الغضب التي انتابت مرتضى منصور، رئيس نادي الزمالك، والفرق الكبير في قيمة العقود بين الأهلي والزمالك، فإن التساؤلات انطلقت بالأساس من هيمنة شركات إماراتية على أكبر نادٍ في مصر لكرة القدم.
التساؤلات التي طُرحت شملت أيضاً إمكانية استحواذ شركات إماراتية على الرياضة المصرية مثلما استحوذت على العديد من الكيانات الصناعية والتجارية بمصر في وقت سابق؟
"عربي بوست" تحدث مع مسؤول في إدارة النادي الأهلي؛ لمعرفة مزيد من التفاصيل، فقال إن عقود رعاية الأهلي هذا الموسم مختلفة نسبياً عما كان عليه الحال من قبل.
وأضاف المتحدث أن هذا الاختلاف بسبب اتفاق جديد مع الشركة المتحدة للتسويق مدته 4 سنوات، يُعطي للأهلي قيمة التعاقدات مع الشركات الراعية، مقابل حصول "المتحدة" على عمولة تسويق.
وأشار المتحدث إلى أن النادي كان في السابق يتعاقد مع شركة للتسويق على بيع حقوق الرعاية مقابل مبلغ محدد سلفاً، على أن تقوم الشركة ببيع الحقوق بمعرفتها ولصالحها سواء كان ذلك بالربح أو الخسارة.
وكانت حقوق تسويق رعاية النادي الأهلي في حوزة شركة "بريزنتيشن"، التي تملك الشركة المتحدة حصة حاكمة من أسهمها منذ عام 2018، وذلك مقابل 510 ملايين جنيه طوال 4 سنوات انتهت بنهاية الموسم الماضي.
وقبلها كانت الحقوق في حوزة شركة "صلة" السعودية للتسويق الرياضي بين عامي 2015 و2018 مقابل 231 مليون جنيه بخلاف 20 مليوناً أخرى لمعسكرات الإعداد، قبل أن تُجدد الشركة والنادي التعاقد مقابل 500 مليون جنيه.
وانسحبت "صلة" السعودية بسبب الخلافات بين تركي آل الشيخ رئيس هيئة الترفيه السعودية ومجلس إدارة الأهلي، لتحل محلها "بريزنتيشن" مقابل 510 ملايين جنيه.
بينما تبلغ قيمة عقود الرعاية التي أبرمتها المتحدة للتسويق الرياضي لصالح الأهلي حتى الآن نحو مليار و535 مليون جنيه لمدة 4 سنوات، 625 مليون جنيه من شركة اتصالات مصر (تابعة لاتصالات الإماراتية).
ويمكن أن تزيد هذه القيمة إلى 700 مليون في حالة فوز الأهلي ببطولات محلية وقارية، و250 مليون جنيه من بنك أبوظبي الأول (عبر فرعه في مصر)، بينما تبلغ حقوق بث المباريات 660 مليون جنيه.
لماذا أُلغي عقد "القطرية" مع الأهلي؟
فجأة، اختفى عرض الرعاية الذي كانت شركة "الطيران القطرية" قد قدمته لنادي الأهلي المصري، ,الذي أُعلن عنه في أغسطس/آب 2022 لكنه لم ير النور إلى الآن؟
حول حقيقة وجود عرض قطري لرعاية النادي بمبلغ أكبر من الذي قدمته "اتصالات مصر"، لم ينكر المسؤول الذي تحدث لـ"عربي بوست" ذلك، لكنه أشار إلى أن المفاوضات بين الأهلي و"الخطوط القطرية" لم تبلغ مرحلة التفاوض الرسمي.
وكان يدير مرحلة التفاوض ياسين منصور رئيس شركة الكرة في الأهلي "المستقيل"، لكن المفاوضات تم تعليقها بشكل نهائي بعد تعاقد النادي مع المتحدة للتسويق الرياضي، التي وفرت عروضاً مختلفة تم اختيار الأفضل من بينها.
في المقابل كشف مصدر مقرب من مجلس إدارة الأهلي لـ"عربي بوست"، أن سبب رفض العرض القطري وجود محاولات من جهات "لم يسمها"، للدخول في الصفقة والحصول على عمولات.
ووصل مبلغ الرعاية الذي عرضته "الخطوط القطرية"، حسب المصدر نفسه إلى مليار و200 مليون جنيه مصري لمدة 4 سنوات بمعدل 300 مليون جنيه سنوياً، وهو أكبر عقد رعاية لنادٍ إفريقي وعربي في التاريخ.
وقد دفعت هذه الضغوط الشركة القطرية إلى الانسحاب من صفقة الرعاية، ويبدو أن الأمر كان مقصوداً، لأن المفاوضات كانت مع ياسين منصور رئيس شركة الكرة في النادي قبل استقالته، بعد علمه بتهميش العرض القطري عقب التعاقد مع "المتحدة".
وذكر المصدر أن من ضمن الضغوط التي مُورست على القطريين توجيه عدد من الإعلاميين المحسوبين على الأجهزة للهجوم على العقد المحتمل، مثلما فعل المذيع عمرو أديب حين قال في برنامجه: "أنا كمشجع مصري مش بالع أشوف الأهلي يلبس تيشيرت عليه رعاية الخطوط الجوية القطرية".
ووقتها ظن المشاهدون أن اعتراض عمرو بسبب غيرته كمشجع زملكاوي من قيمة العقد، بينما الحقيقة أنه كان يتحدث بتوجيه من جهات سيادية بعدما رفضت الشركة القطرية زيادة العمولات، حسب ما أكده المصدر لـ"عربي بوست".
حاول "عربي بوست" التواصل مع المكتب الإعلامي للخطوط الجوية القطرية عبر الإيميل؛ لاستيضاح الحقيقة حول ما تردد، لكننا لم نتلقَّ رداً حتى كتابة هذه السطور.
كما علم "عربي بوست" من مصدر موثوق داخل النادي الأهلي، أن جهة سيادية هي من أرغمت مجلس إدارة الأهلي على توقيع عقد مع المتحدة للتسويق الرياضي لمدة 4 سنوات.
هذه الجهات، حسب المصدر نفسه، طلبت تجميد عمل شركة الكرة التي كان النادي قد أعلن عنها العام الماضي وكان يرأسها رجل الأعمال ياسين منصور، أحد أكبر الداعمين لمجلس محمود الخطيب.
هذه الأسباب دفعت ياسين منصور إلى تقديم استقالته وتعيين عدلي القيعي بدلاً منه بعدما قبل بالشروط الموضوعة للمنصب وهو أن يشغل المنصب دون عمل على غرار "وزير بلا حقيبة".
لماذا أنشأت الشركة المتحدة شركة للتسويق الرياضي؟
أنشأت الشركة المتحدة شركة أخرى فرعية خاصة بالتسويق الرياضي، في الوقت الذي كانت تمتلك فيه الحصة الأكبر من ملكية شركة "بريزنتيشن" المتخصصة في التسويق الرياضي.
في اتصال هاتفي مع مسؤول في الشركة المتحدة، قال لـ"عربي بوست": "الشركة الجديدة مملوكة بالكامل للمتحدة، عكس (بريزنتيشن) التي كانت تملك فيها حصة حاكمة بمشاركة شريك خليجي كان قد اشترى حصة المالك السابق محمد كامل، العام الماضي".
وكانت هناك مناقشات على مستوى الإدارة العليا في "المتحدة" لإسناد التسويق إلى شركة جديدة أُمٍّ للشركة القائمة التي لا تملكها بالكامل، واستقر الرأي على إنشاء الشركة الجديدة في يوليو/تموز 2020.
وستتولى الشركة الجديدة، حسب المصدر ذاته، التسويق لنادي الأهلي ونادي الزمالك أيضاً باعتبارهما الناديين الأكبر في مصر من حيث الشعبية والقدرات التسويقية، بينما تُرك تسويق بقية الأندية المصرية لشركة "بريزنتيشن".
ونفى المسؤول أن يكون الهدف من إنشاء الشركة هو محاولة الهيمنة على الأهلي أو الزمالك، ولكنها مجرد فكرة من مجموعة أفكار تتبناها "المتحدة" في الفترة الماضية لتوسيع نشاطها.
وتنوي الشركة الوليدة، حسب مصدر "عربي بوست"، الدخول بقوة في نواحٍ عديدة من الاستثمار الرياضي بخلاف التسويق، إذ يجري التحضير لتسويق اللاعبين الشباب والناشئين وأنشطة أخرى سيجري الكشف عنها في وقتها.
وأشار المصدر نفسه إلى أن هناك اتفاقاً مع نادي الأهلي ينص على أن عقود الرعاية يجب أن تحظى بموافقة مجلس إدارة النادي قبل اعتمادها من طرف الشركة المتحدة للتسويق الرياضي.
وحول ما تردد عن وجود اتفاق مسبق مع الخطوط الجوية القطرية لرعاية الأهلي تم تجميده، قال المسؤول إنه كان هناك عرض قطري بالفعل للرعاية أكبر قيمةً، لكن الاتفاق تعثر في الخطوات الأخيرة؛ ومن ثم تم الانتقال إلى العروض التالية.
وقوبل تعاقد الأهلي مع المتحدة للتسويق الرياضي بتحفُّظ أغلب جماهير النادي، الذين رأوا أن التعاقد ينقل ملكية النادي للدولة، في ضوء تبعية الشركة للمخابرات العامة المصرية.
واعتبر جمهور الأهلي أن العقد بمثابة عقد "تأميم" للنادي لصالح صندوق تحيا مصر التابع لرئاسة الدولة المصرية مباشرة، وربما يحد من حرية قرارات مجلس إدارة النادي بشأن صفقات اللاعبين والمدربين.
لكن المسؤول في الشركة المتحدة الذي تحدث لـ"عربي بوست"، استغرب هذه المخاوف قائلاً: "إن الاتفاق واضح، وهو خاص بالتسويق الرياضي فقط، ما يعني أن الشركة ليست لها علاقة بممتلكات النادي وفرقه الرياضية".
وأضاف المتحدث أن العقد في صالح الأهلي والزمالك؛ لكونهما سيحصلان بموجب الاتفاق الحالي على قيمة عقود الرعاية كاملةً مقابل 20% فقط تحصل عليها المتحدة للتسويق الرياضي.
بينما كان الوضع في السابق، يقول المصدر، يتمثل في حصول النادي على مبلغ مقطوع من شركة التسويق على أن تقوم الأخيرة بإبرام عقود الرعاية بشكل منفرد وتستحوذ على النسب الأكبر منها.
استحواذ إماراتي على الرياضة في مصر
هل تكون رعاية الأهلي مدخل الإمارات للاستحواذ على الرياضة في مصر؟ "عربي بوست" طرح السؤال على مسؤول سابق في الأمن الوطني، فقال إن هذا الأمر غير مستبعد.
وأضاف المتحدث أن هناك تقارير أمنية كشفت في الفترة الأخيرة، أن الإمارات لديها خطة واضحة المعالم للاستثمار في مصر والاستحواذ على كيانات اقتصادية حيوية فيها، وهو ما حذَّرت منه تلك التقارير.
لكنه في الوقت ذاته أكد أن المخاوف من رعاية شركة وبنك إماراتيَّين للنادي الأهلي "مبالَغ فيها"، مطالباً بالانتظار حتى اكتمال عقود الرعاية، وهل ستدخل كيانات إماراتية أخرى في سوق الرياضة المصري أم لا.
وكشف المسؤول، عن علمه بوجود تقارير أمنية حذَّرت من قبول عرض الرعاية المقدَّم من الخطوط الجوية القطرية للنادي الأهلي رغم ضخامته، باعتبار أن المزاج العام في مصر ليس مهيأً للتعامل مع جهات قطرية، بعد سنوات من الخلاف الذي بلغ حد القطيعة.
ونفى علمه بأن سبب تعثر الاتفاق وجود محاولات من جهات معينة للحصول على عمولات إضافية بخلاف مبلغ الرعاية.