لم تمضِ سوى سنتين فقط على زواجهما، حتى اضطرت الزوجة "أميمة. أ" إلى اللجوء لقسم قضاء الأسرة بالمحكمة الابتدائية بالناظور (شمال شرق)، ورفعت دعوى لتطليقها من زوجها.
وحكت السيدة أميمة لـ"عربي بوست" أنها "لم تجد بُداً من اللجوء إلى المحكمة لكي تطلقها من زوجها طلقة بائنة للشقاق، بعد معاناتها من العنف الزوجي منذ زواجها في بداية عام 2020، واعتداءات الزوج المتكررة عليها بالضرب والجرح، والتهديد بواسطة السلاح، والإهانة بمختلف أصنافها".
كل هذه العوامل "خلقت في نفسيتي الرعب والهلع، مستغلاً صغر سني وبُعدي عن مدينتي ووالدي وأهلي، الشيء الذي توسّعت معه هُوّة الشقاق والخلاف"، حسب ما تقول المتحدثة نفسها.
الطلاق في تزايد ملحوظ
في المجمل يمكن أن يكون الطريق الذي سلكته السيدة أميمة هو نفسه الذي اضطر العديد من الأزواج إناثاً أو ذكوراً للطلاق بأي شكل كان، وعلى أساسه سُجّل في المملكة ارتفاع ملحوظ في عدد حالات الطلاق خلال العام 2021 مقارنةً بالأعوام السابقة.
وكشف وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، في رد كتابي على سؤال للنائبة أن "حالات الطلاق انتقلت من 20 ألفاً و372 حالة سنة 2020، إلى 26 ألفاً و957 حالة في 2021".
كما لاحظ وزير العدل، في ردّه الذي حصل "عربي بوست" على نسخة منه، أن "الطلاق الاتفاقي أصبح يشكل النسبة الأكبر من حالات الطلاق بمرور السنوات، إذ انتقل من 1860 حالة خلال عام 2004 إلى 20 ألفاً و655 حالة خلال 2021".
فيما "شهد الطلاق الرجعي تراجعاً ملحوظاً عاماً بعد عام، واستقر عدد حالاته خلال العام الماضي عند 526 حالة طلاق مقابل 7146 حالة خلال عام 2004".
قوانين تُسهل الطلاق
ويعزى ارتفاع الطلاق الاتفاقي، وفق المصدر نفسه، إلى "المرونة والسهولة التي يتسم بها هذا النوع من الطلاق، الناتج عن اتفاق الزوجين، إلى جانب تنامي الوعي لدى الأزواج بأهمية إنهاء العلاقة الزوجية بشكل ودي، وحل النزاعات الأسرية بالحوار للوصول إلى الاتفاق".
يرى الباحث في قانون الأسرة وعضو نادي قضاة المغرب أنس سعدون، أن "تزايد إقبال الأزواج على إبرام الطلاق الاتفاقي، دليل على قدرة الكثير منهم على تسوية نزاعاتهم بشكل ودي، إذ إن فشل الزواج لا يعني بالضرورة فشل الطلاق، بل بإمكان الكثير من الأزواج الاتفاق على طريقة حضارية لإنهاء زواجهم".
وأوضح سعدون، في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "مدونة الأسرة تضع عدة قوانين للطلاق والتطليق؛ بعضها متاح للزوج وهو ما كان يعرف بالطلاق الرجعي أو الانفرادي، وبعضها متاح للزوجين معاً كالتطليق للشقاق والطلاق الاتفاقي، ومنها ما هو متاح للزوجة فقط مثل التطليق لعدم الإنفاق أو الغيبة".
لكن "رغم تعدد هذه القوانين، فإن التطبيق العملي لمدونة الأسرة أفرز واقعاً لا يمكن تجاهله، وهو اختزال هذه المساطر (القوانين) في مسطرتين أساسيتين: إما التطليق للشقاق، أو الطلاق الاتفاقي"، يردف الباحث في قانون الأسرة.
وتنص المادة 114 من مدونة الأسرة، التي تنظم على الخصوص علاقات الزواج والطلاق والإرث، على أنه "يمكن للزوجين أن يتفقا على مبدأ إنهاء العلاقة الزوجية دون شروط، أو بشروط لا تتنافى مع أحكام هذه المدونة، ولا تضر بمصالح الأطفال".
حل لدفع أضرار شديدة
اللجوء لأبغض الحلال وحل عقد الزواج، الذي يعتبر في حد ذاته ضرراً، لا يمكنه أن يكون إلا في حدود دفع ضرر أشد منه، إذ تنص المادة 07 من هذه المدونة على أنه "لا ينبغي اللجوء إلى حل ميثاق الزوجية بالطلاق أو بالتطليق إلا استثناء، وفي حدود الأخذ بقاعدة أخف الضررين، لما في ذلك من تفكيك للأسرة والإضرار بالأطفال".
وتذكر رئيسة جمعية التحدي والمساواة (غير حكومية)، بشرى عبدو، أنه "لا أحد يحبذ وجود طلاق داخل المجتمع، لكن للأسف هناك عنف وعدم التوافق وعدم تواصل، أو بصفة عامة يوجد خلل داخل الأسر، ما يجعل بعض الأحيان الطلاق هو الحل الأفضل".
وتابعت الفاعلة الحقوقية النسائية، في اتصالها بـ"عربي بوست"، أن "ارتفاع الوعي لدى الزوجين لا يضطرهما لخوض مساطر معقدة، وبذلك يتوصلون إلى انحلال العلاقة الزوجية بطريقة حبية وتواصلية مع حفظ مستحقات نفقة أطفالهم".
تحولات قيمية في المجتمع
وتوقع المراقبون أن تستمر نسب الطلاق في الارتفاع على مستوى مختلف محاكم المملكة، مع استمرار وجود مسببات أبغض الحلال، وعلى رأسها وجود تغييرات واسعة يشهدها المجتمع المغربي حالياً.
يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، رشيد جرموني: "هناك تحول مهم جداً في المجتمع المغربي، وهو تحول على المستوى القيمي، وارتفاع الطلاق في السنوات الأخيرة مؤشر قوي جداً على هذا التحول القيمي، إذ تغيرت النظرة لمؤسسة الأسرة والزواج".
وأوضح جرموني، في حديثه لـ"عربي بوست"، أنه "لم يعد هناك تقديس للزواج والأسرة، بل أصبح ينظر إلى الزواج على أنه مجازفة ومحفوف بالمخاطر".
كما أن "ارتفاع الرأسمال الثقافي والاقتصادي والمالي للمرأة يعد عاملاً في تحديد كل ما آلت إليه الأسرة، إذ إنه رغم عدم تحررها بشكل مطلق، فقد ساعدها تمكينها الاقتصادي على الاستقلالية عن الرجل وسلطته، ومن ثم وقع تحوّل في نظرتها لارتباطها بالرجل"، كما يضيف أستاذ علم الاجتماع.
وأبرز المصدر ذاته أنه إلى جانب المستوى القانوني الذي جاء مسهلاً للطلاق، فإن "غياب الأسرة الممتدة ساعد على جعل الزوجين يتخذان بشكل فردي قرار إنهاء علاقتهما، في حين كانت الأسرة الممتدة تلعب دوراً حاسماً في منع الطلاق حفاظاً على القيم الاجتماعية".
تداعيات أبغض الحلال
إذا كان المشرع المغربي قد أجاز الطلاق، ففي نفس الوقت رغب عنه؛ لما يترتب عليه من آثار سلبية لا تقتصر على الزوجين فقط، بل تمتد إلى المجتمع ككل، بما تفرزه من ظواهر اجتماعية تعيق النمو والتقدم.
ويؤكد الباحث في قانون الأسرة وعضو نادي قضاة المغرب، أنس سعدون، أن "هناك تداعيات محتملة لارتفاع معدلات الطلاق والتطليق لا يمكن تجاهلها، خاصة على مستوى آثاره النفسية والاجتماعية على وضعية الأطفال، فضلاً عن ارتفاع النزاعات القضائية المترتبة عن الطلاق والتطليق والتي ترتبط بقضايا الحضانة والنيابة الشرعية وحق الزيارة والنفقة، دون أن ننسى الإشكاليات التي يثيرها موضوع اقتسام الأموال المكتسبة بعد الزواج".
من جهته، يعتقد أستاذ علم الاجتماع بجامعة مولاي إسماعيل بمكناس، رشيد جرموني، أن الطلاق ينتج عنه "تفكك أسري، والأبناء ضحاياه بالدرجة الأولى، إضافة إلى آثاره على خصوبة المجتمع المغربي، وعلى البنية الديموغرافية للمجتمع، بعد انخفاض مستوى الزواج وارتفاع الطلاق".
وإذا استمرت الأمور بالشكل الموجود، "فهذه التداعيات ستتجاوز الأبناء والأطفال، لتصيب المجتمع برمته، وعلى العلاقات الاجتماعية الصامدة إلى حد الآن"، يخلص جرموني.
التدخل الحكومي ضروري
الوضع هذا الذي وصل إليه الطلاق في المغرب، يستدعي من الوزارات الوصية على القطاع الوقوف عنده، إذ تطالب النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية، نعيمة الفتحاوي، الحكومة وخصوصاً وزارة العدل ووزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، بأن "ينتبهوا إلى تفاقم حالات الطلاق في المغرب بشكل مريع خلال السنة الجارية، والذي يعزوه الخبراء إلى المشاكل المادية والنزعة المزاجية وعدم اكتراث أحد الطرفين أو كلاهما للمسؤولية الأسرية وتراجع الثقة وأسباب نفسية أججتها جائحة كورونا".
لهذا يجب على الوزارتين المذكورتين على الأقل أن "تخصصا برامج تستهدف الاستقرار الأسري وتكوين المقبلين على الزواج، وتوفير دعم المتزوجين الجدد وعدم ترك الأسر تواجه الأزمات بلا عتاد حتى تنفجر، وتيسير شروط الحصول على السكن، ومواجهة التضخم وغلاء الأسعار الذي يؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الأسري"، تقترح الفتحاوي في تصريحها لـ"عربي بوست".
والأكيد أن أسباب الطلاق متعددة ومعقدة، لكنها "تحتاج إلى دراسات سوسيولوجية وسيكولوجية لفهمها وتفكيكها، وهو ما نطالب به الحكومة لتتحمل مسؤوليتها، عوض أن تتفرج في أفواج المتزوجين وهم يلجأون الى المحاكم طلباً للطلاق"، تستدرك النائبة البرلمانية عن حزب العدالة والتنمية.
تعديل المدونة وحلول ملائمة
سيكون اليوم ممكناً أكثر للبحث عن حلول مستعجلة لأمر الطلاق هذا في المملكة، مع فتح ورش تعديل مدونة الأسرة، خصوصاً بعدما دعا العاهل المغربي الملك محمد السادس، في خطاب بمناسبة الذكرى الـ23 لجلوسه على العرش يوم 30 يوليو/تموز الماضي، لفتح نقاش مؤسساتي فعلي بشأن بعض مضامين مدونة الأسرة لتجاوز سلبيات أبانت عنها التجربة، ومراجعة بعض البنود التي تم الانحراف بها عن أهدافها.
ويقترح الباحث في قانون الأسرة، أنس سعدون، أنه من الحلول الملائمة التي يجب أن يشملها إصلاح مدونة الأسرة "مأسسة الصلح، وتوسيع دور المساعدة الاجتماعية، وإعادة النظر في قوانين الطلاق والتطليق، وتفعيل مبدأ الرعاية المشتركة للزوجين على الأسرة".
لهذا "لا ينبغي لهذه الرعاية أن تبقى مجرد شعار، بل يجب أن تتحول إلى ممارسة يومية تظهر في إشراك الزوجين معاً في تحمل واجب الإنفاق مادياً ومعنوياً، وبنفس المنطق يمكن تفعيل الحضانة المشتركة للأبوين بعد الطلاق؛ لما فيه من إعمال لمبدأ المساواة بين الجنسين والمصلحة الفضلى للطفل"، يردف سعدون.