خطة بيع ماسبيرو مستمرة.. المكاتب الرئيسية تتجه للعاصمة الإدارية، وفتح الباب لانتقال العاملين لهيئات حكومية

عربي بوست
تم النشر: 2022/09/13 الساعة 09:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/11/22 الساعة 07:51 بتوقيت غرينتش
مبنى التلفزيون المصري المعروف بـ"ماسبيرو"/ رويترز

للمرة الثالثة خلال أشهر، تضطر الهيئة الوطنية للإعلام في مصر إلى نفي بيع مبنى ماسبيرو التاريخي وتحويله إلى مجمع فندقي واستثماري، لكنها في الوقت ذاته لم توضح ما إذا كانت لديها أي خطط لتطوير التليفزيون الحكومي الذي يواجه أزمات.

في الوقت ذاته تشير التوجهات الحكومية إلى أن هذه الأخيرة تسير في طريق التصفية والاستفادة من الأماكن التي هجرها نصف العاملين في المبنى تقريباً، واللافت أن هناك إعلاميين بدأوا يروجون لفكرة التصفية ونقل المبنى العريق.

خطة تصفية مبنى ماسبيرو

كشفت مصادر مطلعة بالتليفزيون الحكومي لـ"عربي بوست" أن خطة البيع لتصفية مبنى ماسبيرو تمضي على قدم وساق، وأن النقاشات تدور في الوقت الحالي حول إغلاق القنوات الإقليمية وعدد من القنوات المتخصصة التي تحقق خسائر مستمرة.

وأضاف المصدر نفسه أن هناك توجهاً لإبقاء عدد من القنوات، عددها ما بين 5 إلى 10 قنوات أساسية بينها (الأولى، والثانية، والفضائية المصرية، والنيل للأخبار، والنايل تي في).

ويوضح المصدر أن الحكومة المصرية خصصت قطعة أرض لا تتجاوز مساحتها 600 متر في حي المال والأعمال الحكومي في العاصمة الإدارية، لكي تنتقل إليها المكاتب الرئيسية والإدارية.

وستُبقي الحكومة، حسب نفس المصدر، استوديوهات القنوات لتشغل حيزاً صغيراً من مبنى ماسبيرو الذي تبلغ مساحته 12 ألف متر مربع، مع استغلال باقي المساحات كغرف فندقية وشركات استثمارية، على أن يحتفظ المبنى بشكله، بعد أن أثبتت دراسات هندسية صعوبة هدمه.

يؤكد المصدر ذاته أن الهيئة الوطنية للإعلام في طريقها للإعلان عن نقل مئات العاملين لتقليل عددهم إلى وظائف إدارية لا علاقة لها بالإعلام، بهيئات حكومية أخرى كوزارة الصحة وهيئة المياه والصرف الصحي، بما لا يحمل ماسبيرو أي أعباء مالية.

مبنى ماسبيرو في العاصمة المصرية القاهرة / Getty images
مبنى ماسبيرو في العاصمة المصرية القاهرة / Getty images

الصحة والصرف الصحي.. هيئات حكومية لاستقبال عاملي ماسبيرو

كشف مصدر "عربي بوست" أن هيئة المياه والصرف الصحي فتحت قبل عدة أشهر الباب الانتقال إليها أمام مئات العاملين في ماسبيرو، ممن كانت لديهم رغبة في ترك المبنى جراء الأوضاع الاقتصادية، وعدم وجود زيادات مالية منذ 2011، والواسطة والمحسوبية حسمت انتقال ما يقرب من 200 شخص.

وأضاف المتحدث أن ماسبيرو على مدار العامين الماضيين فتح الباب أمام انتقال العاملين أيضاً إلى مصلحة الجمارك التابعة لوزارة المالية، والنيابة الإدارية التابعة لوزارة العدل، وعدد من الهيئات التابعة لوزارة الصحة.

وأشار المصدر نفسه إلى أن عدد العاملين في مبنى ماسبيرو انخفض من 32 ألف موظف وصحافي وإعلامي قبل عام ونصف تقريباً، إلى ما يقرب من 21 ألفاً في الوقت الحالي.

ويقنع أبناء ماسبيرو بأن خطة الحكومة تسير بخطوات بطيئة تضمن من ورائها تمرير مخططها دون معارضة تُذكر، بل إنها تفتعل الأزمات المالية وتؤخر مستحقات العاملين لأشهر وسنوات طويلة لدفع العاملين، إما لترك المبنى، أو الاستسلام لما تقرره مستقبلاً.

تصفية الحديد والصلب والكوك.. القصة تُعاد في ماسبيرو

وطبّقت الحكومة خطتها نحو إرغام العاملين على التسليم بقراراتها نحو التصفية والإغلاق في عدد من شركات القطاع العام الضخمة بينها الحديد والصلب، وأخيراً شركة النصر لصناعة الكوك.

وتعيد الحكومة الكرة مع التليفزيون الحكومي، وإن كان ذلك يجري بصورة أكثر بطئاً لحساسية التعامل مع الإعلام الرسمي، إلا إنها في الوقت ذاته تبعث إشارات مستمرة على أن المستقبل الذي تقرره للمبنى الحكومي لابد أن يرضى به الجميع.

ولدى النظام المصري مشروع تم الإعلان عنه منذ ثلاث سنوات لتحويل المنطقة التي يقبع فيها مبنى ماسبيرو في العاصمة القاهرة العريقة إلى وحدات استثمارية ومناطق ترفيهية وغرف فندقية. 

وترتب على هذا المشروع اقتطاع جزء من المبنى، وضم أرضه لمشروع التطوير الذي يطال 40 فداناً ضمن "مثلث ماسبيرو"، تمتلك منه الحكومة المصرية 10%، ويمتلك مجموعة من الأفراد 25%، والمساحة المتبقية مملوكة لشركات سعودية وكويتية.

وتنقسم تلك المساحة إلى 3 مناطق رئيسية: تجارية، ترفيهية، وسكنية، ومن المتوقع أن يصل سعر الوحدة الاستثمارية التي تطل على النيل إلى 20 مليون جنيه أي ما يعادل مليون دولار.

ومن المقرر أن تضم المناطق التجارية مولاً تجارياً به دار سينما، وسلسلة مطاعم وكافيهات تطل على النيل، وصالات رياضية، ومساحات خضراء، ومسارات الدراجات، وبرجين إداريين، و4 أبراج فندقية تطل جميعها على النيل وتسمى "أبراج النيل ماسبيرو".

ويشير مصدر مطلع، شغل منصب عضو الهيئة الوطنية للإعلام سابقًا – رفض ذكر اسمه – أن الخطة الاستثمارية للنظام الحالي تقابله خطة إعلامية تستهدف إنهاء وجود التليفزيون الحكومي لصالح القنوات التابعة لجهاز المخابرات العامة.

وأضاف المصدر أن الخطة تسعى لإخضاع القنوات الأولى والثانية والفضائية المصرية لسيطرة "الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية"، تحت مسمى "تطوير التليفزيون المصري" قبل عامين تقريباً عبر عن بدء تنفيذ هذا المخطط بشكل فعلي.

احتجاجات سابقة للعاملين بمبنى ماسبيرو / أرشيف
احتجاجات سابقة للعاملين بمبنى ماسبيرو / أرشيف

رفض مخطط إعادة هيكلة ماسبيرو

وأشار مصدر "عربي بوست" إلى أن الهيئة في تشكيلها السابق تقدمت بطلبات عديدة لجهاز التنظيم والإدارة وخاطبت وزارة المالية لاعتماد خطتها، لكنها واجهت تجاهلاً غريباً انتهى بإبعاد عدد من الشخصيات الذين تولوا مهمة إعداد إعادة الهيكلة.

وقال المتحدث إن إبعاد عدد من الأعضاء، على رأسهم الإعلامي جمال الشاعر، ومن قبلها إبعاد رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون، عصام الأمير، الذي اعترض على مخطط البيع برهن على أن الحكومة لن تولي اهتماماً بأي أصوات معارضة لتوجهاتها.

وقال المصدر نفسه إن الأمر يرتبط بالجهات الاستثمارية العربية التي تنتظر حسم أمر مبنى ماسبيرو لبدء تنفيذ مشروعاتها التي قد تأتي في مرحلة تالية عقب الانتهاء من الإنشاءات الجديدة المحيطة بالمبنى.

وعمدت الحكومة المصرية إلى تجريد ماسبيرو من كافة الامتيازات التي تحقق له مكاسب مادية، سواء على مستوى إضعاف قطاع الإنتاج وقصره فقط على إنتاج الأخبار والبرامج التلفزيونية.

وفي مرحلة تالية تريد الحكومة تجريده من إنتاج البرامج التي تحظى بنسب مشاهدة مرتفعة على القناتين الأولى والفضائية لصالح الشركة المتحدة، وتهيئة الأوضاع لفسخ التعاقدات مع الوكالات الإعلانية وتوجيه التركة إلى الفضائيات الخاصة.

وأخيراً سيطرت الشركة المتحدة على المحتوى الإخباري الذي تُقدمه القنوات الأولى والثانية والفضائية، إلى جانب الاستحواذ على أرشيف نادر لا يوجد له مثيل بالمحطات الإعلامية الأخرى أو قطاع الإنتاج أو شركات الصوتيات والمرئيات،.

وقامت جهات حكومية بتسهيل عملية تهريب أرشيف الدراما والسينما من مبنى ماسبيرو إلى شركات إنتاج عربية.

الأزمة تطال بطاريات السماعات

وبحسب أحد مخرجي برامج قناة الدلتا (إحدى القنوات الإقليمية التابعة لماسبيرو)، فإن الأوضاع تأخذ في التدهور بشكل سريع خلال الأشهر الماضية منذ تصاعد الاحتجاجات المطالبة بالحقوق المالية والرافضة لتطبيق نظام البصمة لتوقيع الحضور والانصراف.

وأضاف المصدر في حديثه مع "عربي بوست" أن عدداً من البرامج لا تتوفر لديها بطاريات سماعات الضيوف، وفي كثير من المرات لا تستجيب الهيئة الوطنية للإعلام وكذلك إدارة المبنى لطلبات إصلاح أجهزة المكيفات بالاستوديوهات، بحجة عدم وجود اعتمادات مالية لشراء أجهزة جديدة.

ويشير المخرج إلى أن الحكومة تمارس حرباً نفسية ضد العاملين، وتضعهم تحت ضغوطات العمل بلا إمكانات، وفي الوقت ذاته تحمّلهم مسؤولية الخسائر التي يتعرض لها التلفزيون الحكومي.

وتسعى الحكومة، حسب المتحدث، إلى فتح الباب أمام العاملين للالتحاق بهيئات حكومية أخرى، أو تقديم طلبات إجازات بدون مرتب انتظاراً لما ستؤول إليه الأوضاع التي تشير إلى أن كثير من القنوات لن تتمكن من الاستمرار في العمل لأكثر من عامين أو ثلاث على الأكثر.

وانعكست أزمة الديون على أداء العاملين داخل ماسبيرو بسبب عدم توافر الأدوات اللازمة لسير العمل، سواء فيما يتعلق بعدم توافر أجهزة الكمبيوتر الحديثة والطابعات والأحبار وأوراق الطباعة.

أيضاً يعرف مبنى ماسبيرو عدم توافر الصيانة اللازمة لمعدات التسجيل، والمونتاج، والأجهزة داخل الاستوديوهات التي أصاب بعضها الشلل التام، إضافة إلى عدم توافر الصيانة اللازمة للسيارات الخاصة بتوصيل فرق التصوير الخارجي وإحضار الضيوف.

تفويت فرصة التخلص من الديون

يؤكد رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون الأسبق، عصام الأمير، أن "مشكلة ماسبيرو اقتصادية، سببها ديون بنك الاستثمار القومي التي ارتفعت من أصل ديون قيمتها نحو 6 مليارات جنيه لبناء مدينة الإنتاج الإعلامي والنايل سات إلى ما يزيد على 35 ملياراً، بعد تراكم الفوائد على مدار عقود.

وأضاف المتحدث أن هناك خطة كانت بين الدولة ووزارة التخطيط المالكة لبنك الاستثمار باستبدال الديون بالأراضي المخصصة لماسبيرو، وهي أراضٍ شاسعة قيمتها عالية، وكان هناك لجنة تثمين الأراضي والتي قدرت الأراضي بما يوازي حجم الدين أو يزيد في ذلك الوقت عام 2015.

ولم تستكمل الخطة التي كان من شأنها إنهاء ديون التليفزيون الحكومي، وكانت بمثابة عامل مساعد للحصول على أرباح من النايل سات ومدينة الإنتاج الإعلامي، وهو ما يفسره خبير إعلامي على صلة بأزمات ماسبيرو.

وقال الخبير الإعلامي لـ"عربي بوست" إن النظام الحالي ليس لديه الإرادة السياسية للتطوير، وأن الأجهزة السيادية التي تولت ملف الإعلام لديها قناعة بضرورة صرف الميزانيات المقدرة بمليارات الجنيهات سنوياً على قنواتها التي يحقق بعضها عوائد إعلانية تستفيد منها بشكل مباشر مع احتكارها سوق الإعلانات.

ويضيف المصدر ذاته أن نسبة 60% من الصحفيين والإعلاميين الذين ما زالوا يعملون في التلفزيون الحكومي في مراحل عمرية شبابية، وجرى تعيينهم على مدار الـ15 عاماً الماضية، ما يشير لوجود طاقات بشرية يمكن توظيفها بشكل سليم.

ومع هذه الظروف، يقول المتحدث إن هناك حداً أدنى لاستمرار القنوات التي ما زالت تحتفظ، ولو بالقليل من الجمهور والعمل على تطويرها، لكن الواقع يشير إلى أن هناك مساعي للتخلص من هؤلاء بطرق مختلفة مع استمرار تجاهل تطوير قدراتهم المهنية.

ولدى الخبير الإعلامي قناعة بأن الشائعات التي تخرج من مصادر مقربة من الحكومة مقصودة لهدم الروح المعنوية والنفسية للعاملين في ماسبيرو، ووضعهم في مأزق معيشي وإنساني مهني، يجعلهم يبحثون عن أي طرق لإنقاذ مستقبلهم بعيداً عن المبنى العريق الذي تجري تهيئته لأن يكون ضمن المشروعات الاستثمارية التي تعول عليها الحكومة لتوفير العملة الصعبة، مع تزايد حجم المشكلات الاقتصادية التي تجابهها.

ويرجع ميلاد ماسبيرو إلى العام 1960، حينما أصدر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قراراً بأن يكون لمصر صوت ناطق باسمها، وصورة تنقل للعالم ما يدور في مصر، وشُيد المبنى العتيق على مساحة 12 ألف متر مربع، بتكلفة 108 آلاف من الجنيهات آنذاك، وكان أول رئيس للإذاعة والتليفزيون محمد أمين حماد.

“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟

بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى. 

نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”

تحميل المزيد