“إجلاء قسري”.. سكان عوامات النيل مصدومون، والحكومة مصرة على الإخلاء

عربي بوست
تم النشر: 2022/07/02 الساعة 09:52 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2022/07/02 الساعة 10:12 بتوقيت غرينتش
عوامات النيل - مواقع التواصل الاجتماعي

لم يكن المصور الخمسيني يعلم أن تصويره لعملية إزالة عوامات النيل السكنية لأحد المواقع الإلكترونية التي يعمل بها سيؤدي إلى القبض عليه، لكنه كما قال لـ"عربي بوست" أُخلي سبيله بعدما مسح عناصر من الأمن ذاكرة الكاميرا الخاصة به، لكنه استرجع الصور ولم يسلمها للموقع الذي يعمل به خوفاً من تتبعه.

اللافت أن المصور سبق له تصوير تلك العوامات من دون تصريح بعد استئذان ملاكها، ولم يتوقع ما حدث. 

الغضب في مصر بسبب إزالة "عوامات سكنية" أو "البيوت العائمة" أربك المسؤولين في الحكومة؛ لأنهم لم يتوقعوا الضجة الشديدة التي حدثت حول عمليات الإزالة كما قال مصدر حكومي لـ"عربي بوست"، فعددها لا يتجاوز 32 عوامة، ونصف العدد "شبه مهجور"، بمعنى أن الأسر المتضررة جراء الإزالة عددها لا يتعدى أصابع اليدين، فضلاً عن أن هناك عوامات تعيش فيها سيدات مسنات بمفردها.

يشير المصدر إلى أن السبب في انزعاجهم هو تقارير الصحف العالمية، خاصة الفيديو المتداول للسيدة التي على مشارف التسعينيات، إخلاص حلمي، وهي تجمع محتويات عوامتها في صناديق ورقية أثارت تعاطف الكثيرين، وأظهرت الحكومة أمام العالم وكأنها تهجّر المواطنين من مساكنهم العائمة والحقيقة أن تلك العوامات مخالفة وتشوه منظر النيل.

لم يُجب المصدر عن: لماذا تركوا تلك العوامات لأكثر من خمسة عقود، بما أنها مخالفة، ولماذا سمحوا للمواطنين بالتعامل عليها بيعاً أو شراءً، في حين أنه كانت هناك نية لإخلاء النيل من العوامات السكنية، ولماذا قررت الحكومة فجأة هدم العوامات الخشبية الموجودة على سطح النيل، وليس بقية الإشغالات والمباني الإسمنتية الكثيرة التي تحتل مساحات هائلة من شاطئ النيل، أو الأبراج العملاقة التي تحجب رؤيته، واكتفى المصدر بإجابة مقتضبة: "غلطة بنصححها"، وأنهم ينفذون التعليمات.

لا يتعامل المسؤولون مع العائمات السكنية (أو العوامات كما يسميها أصحابها) التي سكنت لعقود فوق صفحة النيل، على أنها من معالم القاهرة التي عاشت فيها صفوة المجتمع المصري في القرن الماضي، من وزراء وفنانين ومثقفين، ولكن ينظرون إليها كـ"عائق" يقف أمام مخططاتهم.

تلك النظرة ليست بجديدة، ففي الستينيات عندما أعاقت تلك العوامات السكنية رياضة التجديف كان أسهل الحلول هو إصدار قرار من جانب رئيس الوزراء المصري، زكريا محيي الدين بنقل جميع العوامات، وكانت تتعدى الـ500 عوامة، من الزمالك والعجوزة إلى منطقة إمبابة، بدعوى أنها تشغل مسطحاً كبيراً من النيل.

لم ينل القرار استحسان الأثرياء الذين رفضوا الانتقال إلى المنطقة، واعتبروها شعبية، فاضطروا إلى بيع عواماتهم بمبالغ ضئيلة أو تركها لمصيرها القاتم، مثل عوامة المطرب فريد الأطرش، التي تحولت إلى كهف مهجور، ما اضطر شرطة المسطحات المائية إلى سحبها من الماء نهائياً وتفكيكها وبيعها خردة. 

لم يتبق من العوامات السكنية التي تم نقلها غير 32 عوامة راسية على ضفاف النيل في منطقة الكيت كات التابعة لحي إمبابة بمحافظة الجيزة، (غرب القاهرة)، في مواجهة حي الزمالك العريق، وسط القاهرة، والتزم أصحابها بدفع مقابل الرُّخص المطلوبة منهم.

لا تراجع عن إزالتها

لكن الحكومة المصرية بعد مرور 55 عاماً على عملية نقل العائمات السكنية اكتشفت فجأة أنها "غلطة" و" مخالفة" ولا تراجع عن إزالتها من دون وضع اعتبار بأنها جزء من تاريخ النيل وخزانة الأسرار للحياة السياسية والفنية في مصر، وليست مجرد فناطيس "خزانات" حديد تحمل غرفاً خشبية. 

يقول الباحث في التراث المعماري المصري ميشيل حنا، على صفحته في "فيسبوك"، "إنها واحدة من مميزات الطابع الثقافي والمعماري لمدينة القاهرة".

رصد "عربي بوست" ندم المعماريين على عدم تسجيل تلك العوامات كتراث شاهد على أحداث جرت على صفحة النيل، ويتساءل أحمد مصطفى عنان أستاذ العمارة بكلية الفنون الجميلة بالزمالك، وعضو اللجنة الاستشارية بنقابة المهندسين "إحنا إزاي مفكرناش نسجل العوامات دي، مع الأسف خطأ سمح بهذا الهزل".

ثمانية أيام فقط للتنفيذ.. لا مجال للطعن على القرار ولا فرصة للنقاش مع المسؤولين

المثير للريبة هو الاستعجال الشديد للتخلص من تلك العوامات، فلم تترك الوزارة لأصحاب العوامات فرصةً للطعن على قرارات تنفيذ الإزالة أو التفاوض بشأنها، حيث تسلم أصحابها إنذارات في العشرين من يونيو/حزيران، لتبدأ الإزالة في السابع والعشرين حتى الرابع من يوليو/تموز.

تجاهلت الحكومة طلبات إحاطة قدّمها نواب في البرلمان، منها بيان عاجل تقدمت به النائبة البرلمانية أميرة صابر، عضو تنسيقية الشباب، موجه إلى وزير المالية ووزيرة البيئة، حول التحركات الرامية إلى إخلاء عوامات النيل التاريخية، والتي كما تقول تعتبر شاهداً على وقائع تاريخ مصر السياسي والثقافي والفني، ورصدت النائبة محاولات الدولة منذ ستينيات القرن الماضي إنهاء وجود تلك العوامات، لافتة إلى أن الحكومة تستهدف العوامات السكنية التي لا توجد شواهد على تلويثها مياه النيل، في الوقت الذي لم تقترب فيه من العوامات السياحية المسببة للتلوث التي يملكها رجال أعمال.

وقدم أحمد عبد الهادي، أحد أعضاء فريق الدفاع عن أصحاب العوامات، وآخرون 32 دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، اختصموا فيها كلاً من رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء، ووزراء الري والعدل والداخلية، إلى جانب محافظ الجيزة ومديري إدارة حماية النيل وتراخيص العائمات، وطالبوا فيها بوقف تنفيذ وإلغاء قرار إزالة العائمات، وإلزام الحكومة بتجديد تراخيصها. 

تلك الدعاوى لم يُبت فيها، وجارٍ تحديد جلسة لها، إلا أن وزارة الري لم تلتفت لكل ذلك، وأعلنت يومي 27 و28 يونيو/حزيران، إزالة 15 عائمة، لتستقر المتهدمة والتي تم سحبها بجوار كوبري إمبابة، في منظر لا يسر العين، تمهيداً لنقلها إلى أماكن خاصة بالوزارة.

تتساءل سهير حواس، أستاذ التخطيط العمراني، وعضو جهاز التنسيق الحضاري: "لماذا الآن بالتحديد، وما السبب وراء إزالة العوامات، في الوقت الذي يُسمح فيه بإنشاء مبانٍ خرسانية ونوادٍ تحجب رؤية النيل وتشوه منظره".

القصة وما فيها.. 

يوضح أصحاب عوامات لـ"عربي بوست"، أن المستحقات الحكومية الأساسية تنقسم لثلاثة أقسام: رسوم مقابل حق انتفاع بالمرسى، ورخصة رسو بالمرسى، ورخصة تفيد بصلاحية العوامة ومتانتها، وكانوا يتعاملون في أوراقها الرسمية مع ثماني جهات مختلفة: إدارة الملاحة، الوحدة المحلية بالجيزة، إدارة حماية النيل، شرطة المسطحات المائية، وزارة الري، أملاك الدولة، الصرف الصحي، وزارة السياحة، وكانوا ملتزمين رغم كثرة التراخيص وتنوعها.

استخدم الملاك مرسى النهر بنظام حق الانتفاع، وكانت الرسوم المستحقة عنه عن المتر الطولي الواحد عشرة جنيهات حتى عام 2005، ثم زاد المبلغ إلى 20 جنيهاً، ثم 50 جنيهاً، و150 جنيهاً في عام 2015.

لكن في عام 2017 أصدر وزير الري قراراً غيّر أساس المحاسبة من المتر الطولي للمرسى إلى المتر المربع لمساحة العوامة مضروباً في عدد الأدوار، لتصل الرسوم السنوية إلى أكثر من 60 ألف جنيه.

 تلك الرسوم الكبيرة فاقت الرسوم المقررة على العوامات السياحية كما يقول الملاك، واعتراضاً على هذه الزيادة أقاموا دعاوى قضائية أحيلت جميعها إلى لجنة خبراء، ولم يبت فيها إلى الآن.

يقول مصدر سابق بوزارة الموارد المائية لـ"عربي بوست"، إن النية كانت مبيتة لإزالة العائمات السكنية لاستغلال أماكنها الحيوية، مشيراً إلى أن العلاقة بين أصحاب العوامات السكنية والجهات المسؤولة كانت جيدة، من خلال تحصيل الرسوم مقابل حق الانتفاع، ورسوم الملاحة والرسو على نهر النيل.

 لم يُجب المصدر عمّن وراء تلك الإزالات، لكنه اكتفى بسرد تفاصيل إذا تم الربط بينها يمكن التوصل إلى من وراءها.

 يذكر أنه في الرابع من ديسمبر/كانون الأول 2020، أصدر محافظ الجيزة اللواء أحمد راشد، قراراً بإيقاف إصدار أي تراخيص جديدة للمطاعم والمراكب والمراسي النيلية والعوامات الموجودة بطول شارع النيل لحين البت في مدى التزامها بشروط التراخيص الممنوحة.

وبعد تقديم الملاك أوراق تجديد الرخصة السنوية واستيفائهم الطلبات كافة رفضت المحافظة الموافقة على الرخصة، ولم تصرح بالرفض، بل ماطلت الملاك، وقالت لهم إنها في انتظار تصديق المحافظ على الترخيص، ثم زعمت وجود بعض المشاكل في العوامات.

تزامناً مع تلك الأحداث كان هناك قرار لرئيس مجلس الوزراء رقم 2647 لسنة 2020، بتفويض جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة بالقيام بأعمال الهيئة العامة لمشاريع التعمير والتنمية الزراعية (محافظة القاهرة وهيئة الإصلاح الزراعي)، في إدارة أراضي طرح النهر في القطاع من شبرا حتى حلوان (شرق النيل وغربه)، وخول جهاز المشروعات سلطة اتخاذ أي قرارات خاصة بها.

يستكمل المصدر بعد مرور عام على القرار أعلنت الحكومة عن خطة تطوير كورنيش النيل، بداية من ميدان الجيزة وحتى ميدان الكيت كات، وهو مشروع تشرف على تنفيذه القوات المسلحة، بالتعاون مع وزارة الري والمحافظة.

علم "عربي بوست" أن هناك مسؤولين ينتمون لجهات أمنية تضع أعينها على العوامات، وبالفعل أرسلت أشخاصاً للتفاوض مع السكان دون أن يظهروا في الصورة، وعرضوا عليهم سداد الغرامات وشراء العوامات لكن بأسعار بخسة، لكن المُلاك رفضوا وبعضهم أخذ مهلة للتفكير.

أصحاب العوامات مصدومون.. 

على الجانب المقابل قال أصحاب العوامات الذين تحدث إليهم "عربي بوست" إنهم تسلموا في الحادي والعشرين من أبريل 2021 إخطاراً من وزارة الدفاع يخبرهم بأن العوامات ومراسي النيل وكل ما يتعلق بها أصبحت تابعة لجهاز المشروعات للقوات المسلحة، ما فتح أمامهم باب أمل لإنهاء التراخيص، وبعضهم ذهب إثر هذا الإخطار إلى الجهاز.

لكنه طلب منهم وقتها إحضار جميع التراخيص الخاصة بالعوامة السكنية التي يقطنونها وقدموها بالفعل، وقال لهم المسؤولون بالجهاز بأنهم بصدد تشكيل لجنة لتحديد آلية إصدار التراخيص الخاصة بالعوامات تحت سلطة جهاز مشروعات القوات المسلحة تختص بتحديد سلامة تلك العوامات، بدلاً من المحافظة والري والزراعة، وبدأت اللجنة عملها في نوفمبر 2021. لكنها لم تقم بالبتّ في ذلك حتى الآن.

وعندما سأل أصحاب العوامات بداية العام الجاري عن التراخيص أخبرهم مسؤولو الجهاز بعدم مسؤوليتهم عن التراخيص، وأن وزارة الري هي المسؤولة عن تحصيل رسوم تجديد الترخيص، وأن الجهاز سيكون مسؤولاً فقط عن الأراضي المقام عليها المراسي بدلاً من وزارة الزراعة، وبالفعل أكدت مصادر داخل وزارة الزراعة المصرية هذا الكلام.

وتنص المادة السادسة بالقانون رقم 48 لسنة 1982 على "اختصاص وزارة الرى بإصدار تراخيص إقامة العوامات الجديدة وتجديد تراخيص العوامات القائمة".

بعد كل ذلك تفاجأ السكان بقرار الوزير بإزالة العوامات السكنية بدعوى أنها غير مرخصة، وأن أصحابها يرفضون دفع المستحقات المالية التي تفرضها الدولة عليهم، وصرح مدير الإدارة المركزي لحماية نهر النيل في القاهرة الكبرى، أيمن أنور، في مداخلة هاتفية، بأنه سيتم إزالة 15 عوامة يوم 28 من شهر يونيو، وإزالة 4 عوامات أخرى يوم 4 يوليو/تموز المقبل، وأن اللجنة التي اتخذت القرارات تضم عدداً من الوزارات، ويرأسها وزير العدل شخصياً.

اللافت أنه عندما تم سؤاله عن إمكانية وجود مساحة للتفاهم مع السكان، قال إن المنطقة أصبحت تحت سلطة جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة.

وعن مصير العوامات بعد تفكيكها قال مصدر بوزارة الري لـ" عربي بوست" إنه سيتم سحبها ونقلها إلى مخازن خاصة، وهناك مهلة لدفع الغرامات وفي حال عدم الدفع وانتهاء المهلة سيتم تخريدها وبيعها لدفع الغرامات المستحقة، وفي حال عدم التسديد الكامل سيتم الحجز على أموال أصحاب العوامات في البنوك، والمرحلة الأخيرة هي اللجوء للقانون والقضاء.

وكانت الإدارة العامة لحماية نيل القاهرة الكبرى، التابعة لوزارة الموارد المائية والري، قد أعلنت أنه تم التنسيق الكامل بين أجهزة الدولة المعنية، وهي وزارات الدفاع والداخلية والعدل والزراعة، ومحافظة الجيزة، وأنه تم الحجز على العوامات تمهيداً لبيعها في المزاد العلني بعد انقضاء المدة القانونية لإمكان تحصيل كافة مستحقات الدولة على هذه العوامات.

إزالة العوامات ما هي إلا مجرد بداية

علم "عربي بوست" من مصدر بمجلس الوزراء أن كورنيش النيل بمنطقة الكيت كات بالجيزة سيشهد الفترة القادمة تطويراً شاملاً، وهو الأمر الذي اقتضى إزالة العديد من العوامات، مشيراً إلى أن الحكومة تضع صوب أعينها نهر النيل، لتعظيم الاستفادة من كل شبر على ضفافه وستقوم باقامة عدد من المشروعات لاستغلال المراسي وضفة النيل، وأنه سيتم طرح المرسى في مزاد علني لتطويره على غرار ما حدث بممشى أهل مصر القريب من منطقة إمبابة.

وكشف المصدر أن الفترة المقبلة ستشهد المزيد من الإنذارات، وعلى جميع الأنشطة الموجودة على ضفاف النهر توفيق أوضاعها، فهناك توجه عام لإعادة هيكلة المظهر الحضاري لنهر النيل في محافظة القاهرة والجيزة والمناطق التي لها ثقل سياحي، خاصة أن الرئيس المصري يولي اهتمامه بتطوير أراضي نهر النيل، وشكل يوم 6 يونيو/حزيران الجاري "لجنة تصويب الإشغالات على طرح النهر وإزالتها، وتضم في عضويتها وزير العدل وكل الجهات المعنية للبت في الأمر".

مقترحات المسؤولين "متناقضة" و"عبثية" 

يبدو تربص الحكومة واضحاً في التناقضات التي حاصرت عملية إزالة العوامات السكنية، فمن جهة صرح مسؤولون حكوميون بأنها تشوّه المنظر الحضاري للنيل، وفي ذات الوقت قال رئيس إدارة حماية النيل بالقاهرة الكبرى بوزارة الري، أيمن أنور، في تصريحات تلفزيونية: "هنشيل السكني فقط وسنترك العائمات التجارية ونوادي التجديف، وننصح أصحاب العوامات السكنية بالذهاب بها إلى الورشة وتغيير نشاطها إلى تجاري أو سياحي ويدفعوا الرسوم".

تقول السيدة إخلاص حلمي إنها كانت تستيقظ في الماضي على صوت محمد الكحلاوي يصدح من العوامة المجاورة قبل نقل العوامات ويغني (يا نيل يا حلو المطالع.. بالليل نشوف الجزيرة عروسة والشمع والع) إلا أنها الآن تستيقظ على صوت جرافات الإزالة.

السيدة ليس لها أبناء ولا مأوى من الأساس، وتصف مقترح نقل العوامة إلى مكان آخر بـ"العبثي"؛ لأنه يعرّض جسم العوامة للتلف وربما تغرق، وتساءلت: من يتحمل تكاليف سحب العوامة وتفكيكها ونقلها للورش أو المخازن؟ ومن يتحمل تكلفة إرجاعها مرة أخرى؟ مشيرة إلى أن بعض العوامات لها دور ثانٍ في حال النقل سيتم إزالته لكي يمر من تحت الكوبري.

مشاكل أصحاب العوامات مثل السيدة إخلاص حلمي صاحبة العوامة رقم 77، والدكتورة نعمة محسن صاحبة العوامة رقم 65، ومنار مجدي صاحبة العوامة رقم 39، والكاتبة أهداف سويف، والسباحة إسراء الزهيري وغيرهم من أصحاب العوامات، أنهم لم يوفرون مسكناً بديلاً وباعوا كل ما يملكون ليسكنوا في أحضان النيل ولا يمتلكون شققاً أو أماكن أخرى للإقامة بها.

حال المهندس علاء الرفاعي لا يختلف كثيراً عن هؤلاء السيدات، فهو يعيش في عوامة كانت ملكيتها تعود للعمدة الفنان صلاح السعدني، مساحتها نحو 180 متراً مربعاً من طابقين، واشتراها في 2007 بنحو مليون و200 ألف جنيه، وسعرها السوقي يصل إلى أكثر من 10 ملايين جنيه، وكان يسدد كل الرسوم المقررة.

هؤلاء يشعرون بأن هناك ازدواجية في قرار الإزالة لأنه مقتصر على العوامات السكنية فقط واستثنى العوامات السياحية والتجارية.

يؤكد قاطنو العوامات أن هناك لجنة مرَّت عليهم وصنفت عواماتهم على أنها (سكن مستديم)، فضلاً عن أن جهاز مشروعات القوات المسلحة مرَّ عليهم مرات عديدة وهناك موظفون بالمحافظة ومن وزارة الري يأتون كل فترة بلنشات أو من على الشاطئ وبشكل مفاجئ للتأكد من إقامتهم في العوامة.

هل سيتعرض مالكو العوامات إلى المساءلة القانونية؟

الإنذارات التي تسلمها أصحاب العوامات أحاطتهم بأن تنفيذ قرار الإزالة لا يخل بحقوق جهة الولاية في استبداء المستحقات المالية الخاصة بها والسابق التنبيه عليكم بسدادها اعتباراً من تاريخ استحقاقها وحتى تاريخ 2022/6/30 وفقاً لأحكام القانونين رقمي (147) لسنة 2021 و(308) لسنة 1955.

ما يقلق أصحاب العوامات هو أنهم تحولوا بين ليلة وضحاها من ملاك قانونيين لعوامات سكنية دفعوا فيها الملايين إلى مخالفين عليهم غرامات بعشرات الآلاف، حيث جمدت الحكومة حساباتهم البنكية لضمان حصولها على قيمة تلك الغرامات، بالرغم من وجود دعاوى في مجلس الدولة ضد قيمة تلك التراخيص والمخالفات.

يشير المهندس علاء الرفاعي، صاحب عوامة 20، إلى أنه وصله قبل أيام إنذار بالإزالة، وما يصل إلى 950 ألف جنيه رسوماً متأخرة وغرامات مستحقة، مندهشاً: "الوزارة هي من أوقفت الترخيص وليس أنا!".

أما منار مجدي، صاحبة العوامة 39، فقد تسلمت قرار الإزالة في 20 يونيو، وطالبتها وزارة الري بدفع مبلغ 420 ألف جنيه غرامة الرسو على النيل سنتين من دون ترخيص، رغم أن الوزارة هي من أوقفت التراخيص.

لا تعلم السباحة إسراء الزهيري مصير الغرامة التي أبلغت بها من قبل الإدارة المركزية لحماية نهر النيل بالقاهرة.

يشير مصدر أمني إلى أنه سيتم التعامل مع أصحاب العوامات السكنية في حال عدم دفعهم الغرامات المستحقة على أنهم معتدون على أملاك الدولة، مشدداً على أنه لم يتم تعويضهم عن إزالة العوامات، وأمامهم طريقان إما دفع قيمة حق الانتفاع بالمراسي طوال السنوات التي لم يجددوا فيها التراخيص أو التعرض للمساءلة القانونية.

وفي النهاية ربما تكون هذه العوامات المتناثرة على ضفة النيل انتهاكاً لحرمة النيل وحق المواطنين في الانتفاع بمنظر مياهه، لكن هل هي الانتهاك الوحيد الموجود على النيل، أليس المصانع والمطاعم والكازينوهات والفنادق والنوادي انتهاكات أيضا؟!

علامات:
تحميل المزيد