فوجئ الآلاف من الزبائن المغاربة لمنصة "Shein" الصينية لبيع الملابس بمصادرة طلباتهم من طرف جمارك مدينة طنجة شمال المملكة، وعرضها للبيع في مزاد علني تم الإعلان عنه بشكل رسمي.
وحسب الوثيقة الرسمية التي حصل "عربي بوست" على نسخة منها، فإن سلطات ميناء طنجة المتوسط ستعرض آلاف قطع الألبسة والإكسسوارات الأخرى، قادمة من موقع "SHEIN" الشهير، للمزاد العلني.
وقبل مصادرة سلعهم، تفاجأ زبائن "Shein" بتغييرات غير متوقعة في أسعار الملابس والإكسسوارات التي دأبوا على شرائها، بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الشحن التي كانت في حدود 10 دراهم (دولار واحد)، أصبحت الآن 160 درهماً (16 دولاراً).
ارتفاع أسعار الملابس المعروضة للبيع للمغاربة لم يكن معقولاً أو يُساير موجة الغلاء التي يمر منها العالم، فالأسعار أصبحت مضاعفة بنسبة 300%، فاعتقد الزبائن أن الأمر متعلق بعطب تقني في الموقع الرسمي للعلامة الصينية.
غموض وتلاعب
بعد شهرين من الفوضى وتضارب البيانات، خرجت شركة "Shein" الصينية في المغرب، عن صمتها عبر رسالة جوابية على الحسابات الخاصة بعدد من زبائنها على مواقع التواصل الاجتماعي، تخبرهم بأن مشكلة بضائعهم العالقة في الجمارك قد تم حلها.
وتقول الرسالة: "عزيزي العميل عزيزتي العميلة، شكراً على تفضيلكم التعامل مع شركة "Shein"، إن مشكلة طلبك رقم (…)، الذي سبق وتم تعطيله في الجمارك، نخبركم بأنه تم حله، وسنقوم بتسليم طلبك في أقرب وقت ممكن. نشكركم".
هذه الرسالة، يقول عنها حسام، مستخدم في القطاع الخاص، وزبون لشركة Shein، إنها جواب متأخر على رسالة عالقة لحوالي شهرين، فمنذ منتصف أبريل تقريباً ونحن نطرح الأسئلة على الشركة، وفي كل مرة تجيبنا بطريقة مختلفة.
وتابع حسام في تصريح لـ"عربي بوست"، ما نتمناه أن تحل المشكلة، وأن تصلنا طلباتنا، وألا تتأخر أكثر، فكما تعلم أننا بدورنا وسطاء، وقد تضررت علاقاتنا مع الناس بسبب تعليق وصول بضاعتنا إلينا في الوقت المناسب.
الشركة الصينية لم تقدم لزبائنها جواباً واحداً، بل وفق مجموعة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، عدد من الزبائن يقولون إنهم توصلوا بنفس الرسالة، لكن جاءت رسالة فيما بعد تقول بإلغاء الطلبية بشكل نهائي.
في هذا الإطار اطلع "عربي بوست" على رسالة موجهة من الشركة إلى إحدى الزبائن على البريد الإلكتروني، جاء فيها: "عزيزتي الزبونة، بخصوص طلبك (…)، السلع التي طلبتها لم يتم شحنها بعد، بسبب مشكلة لوجستيكية، ولا نعمل في الوقت الحالي على إرسالها إليك، سنعيد إليك أموالك في أسرع وقت ممكن، نشكركم على تفهمكم".
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن عدداً من الزبائن الذين أخبروا بإعادة أموالهم، اكتشفوا أن الشركة أخذت منها جزءاً كبيراً، وقالت زبونة اسمها "منار": "لقد سبق وأرسلت لهم طلباً قبل مدة بمبلغ 1600 درهم (حوالي 160 دولاراً)، اليوم (الأحد 12 يونيو/حزيران) وصلت رسالة إلى حساب البنكي تقول فيه إن Shein حولت لحسابي 1200 درهم فقط (حوالي 120 دولاراً)".
وسجل حسام أن كل هذا الارتباك والتضارب والفوضى يأتي على حسابنا وأصدقائنا، خاصة هذا التحول في 24 ساعة، من تسليم البضائع، إلى التوقف عن ذلك، وصولاً إلى إعادة الأموال ناقصة بنحو ربع المبلغ الذي دفعناه.
موقف الحكومة
"عربي بوست" وجه سؤالاً إلى مسؤول في وزارة المالية والاقتصاد المغربي، فكان جوابه مختصراً: "هناك قوانين في المغرب، وجميع الشركات مدعوة لاحترام القوانين الجاري بها العمل في البلد".
المصدر أكد أن المغرب لم ولن يصدر قرارات ضد شركة بعينها، الحكومة تضع وتنفذ القوانين لحماية مصالح البلاد، وغير معنية بنقاش منع شركة من عدمه.
نفي وجود قرار حكومي مغربي ضد Shein، يصطدم مع وثيقة حصل عليها "عربي بوست"، الوثيقة كشفت أن الأمر يتعلق بآلاف قطع الألبسة والإكسسوارات موزعة بين 44 نوعاً من الألبسة، والأحذية، والأدوات الإلكترونية الخفيفة.
وحددت الوثيقة التي تحمل ختم إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة بميناء طنجة، يوم 24 يونيو/حزيران لفتح طلبات العروض لبيع السلع المصادرة، ووضعت مبلغ 800 ألف درهم (حوالي 80 ألف دولار) ثمناً لها".
هذه الكمية الكبيرة من السلع، رغم التحفظ الرسمي عن اسمها أصحابها، إلا أن زبائن شركة Shein أكدوا أنها تعود لهم، وأنهم استوردوها قبل مدة من الصين.
مصادر حكومية سجلت أن هذه الشحنة، وصلت الميناء لكنها لا تعود إلا أي شركة، وأنها تدخل في إطار البضائع المتخلى عنها، وأنه يجري عليها القانون، وفي هذه الحالة الفقرة الثانية من الفصل 106 من مدونة الجمارك.
لماذا تم منع "Shein"؟
تستفيد شركة Shein من إعفاء ضريبي يقضي بالإعفاء الجمركي على كل طرد يقل ثمنه عن 1200 درهم (حوالي 120 دولاراً)، فتقوم الشركة بعد الاتفاق مع زبائنها بتصدير أقل من ذلك المبلغ، أو تقسيم البضاعة على اثنين أو أكثر، حتى تتهرب من أداء الجمارك.
وكشف موقع "360 le" المقرب من السلطات المغربية، أن "Shein" حققت أكثر من 80 ألف معاملة تجارية إلكترونية في ظرف شهر واحد فقط، ما يجعله أول بائع وموزع للملابس الجاهزة في المغرب.
مصادر حكومية ذهبت إلى أن الشركة حققت في شهر واحد أكثر من 80 ألف عملية بيع داخل السوق المغربي، كانت نتائجها صفرية على ضرائب الدولة، في مقابل إخراج كميات مهمة من العملة الصعبة.
مصادر مقربة من قطاع النسيج أكدت أن الحكومة واجهت ضغوطاً من المستثمرين في النسيج، في الأشهر الثلاثة الأخيرة، من أجل مزيد من تشجيع القطاع بسياسات حمائية له.
وسجلت المصادر أن الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يرأسه شكيب لعلج، واحد من أكبر المستثمرين في قطاع النسيج، رفع في الفترة الأخيرة عدة طلبات إلى الحكومة للحيلولة دون مزيد من إضعاف هذا قطاع النسيج.
في ذات الاتجاه، أكدت المصادر أن وزارة الصناعة والتجارة، بتنسيق مع وزارة الاقتصاد والمالية، قررتا في الآونة الأخيرة فرض القانون على جميع الشركات العاملة في المغرب سواء التي تعمل في الواقع أن التي تعمل افتراضياً.
وكانت مصادر "عربي بوست" قد ذهبت إلى أن الحكومة تعمل على إعداد مرسوم قانون يحدد فرض ضرائب جديدة على الشركات الأجنبية خاصة الصينية ونظيرتها التركية.
ونسبت "360" لمصادرها أن شركة "Shein" لا تؤدي أي أموال للدولة المغربية، في حين أن الشركات المستوردة الأخرى تؤدي للخزينة أكثر من 68% عن كل قطعة يتم إدخالها للمغرب، ما يشكل تفاوتاً خطيراً بين الشركات.
وتقول الأرقام إن شركة "Shein" التي ظهرت للوجود في 2008، تحولت إلى واحدة من أكبر الشركات نمواً في العالم، إذ ارتفع رقم معاملاتها في 2021 إلى ما يفوق 10 مليارات دولار، بزيادة 4 مليارات دولار مقارنة مع سنة 2020.
“لماذا المصادر مجهولة في هذه القصة؟
بموجب إرشادات موقع “عربي بوست”، نستخدم المصادر المجهولة فقط للمعلومات التي نعتقد أنها تستحق النشر والتي تأكدنا من مصداقيتها، لكننا غير قادرين على الحصول عليها بأية طريقة أخرى.
نحن ندرك أن العديد من القراء يشككون في مصداقية ودوافع المصادر التي لم يتم الكشف عن أسمائها، لكن لدينا قواعد وإجراءات لمعالجة هذه المخاوف، منها أنه يجب أن يعرف محرر واحد على الأقل هوية المصدر، ويجب أخذ موافقة مسؤول القسم قبل استخدام المصادر المجهولة في أية قصة. نحن نتفهم حذر القراء، لكن يجب تفهم أن المصادر غالباً تخشى على وظائفها أو علاقاتها التجارية، وسلامتها.”