في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة الإسرائيلية بشتى الطرق لفرض وصايتها على مدينة القدس، باعتبارها العاصمة ومركز الثقل السياسي والديني في إسرائيل، تشير الوقائع على الأرض إلى فشل محتوم لهذه السياسة.
حيث خلُصت ورقة بحثية إسرائيلية أعدها مركز القدس للشؤون العامة، تفيد بأن الميزان الديموغرافي في القدس يميل في السنوات الأخيرة لصالح الفلسطينيين، حيث وصلت نسبة اليهود في المدينة إلى 62% مقابل 38% للفلسطينيين، وهو أمر ينذر بخطر سيادي يهدد "أسرلة القدس" رغم كل محاولات التهويد والاستيطان والتهجير التي قامت بها سلطات الاحتلال على مدار العقود السبعة الأخيرة.
ففي الوقت الذي يبلغ فيه عدد سكان المدينة قرابة 920 ألف نسمة، فإن عدد اليهود يقدر بـ555 ألفاً، مقابل 350 ألفاً للفلسطينيين، ويمثل سكان القدس ضعفي عدد سكان منطقة المركز "تل أبيب وضواحيها"، وبذلك تصنف القدس على أنها المدينة الأكبر من حيث عدد السكان في إسرائيل.
التركيبة السكانية لليهود في القدس
تضم مدينة القدس طوائف مختلفة من اليهود، إلا أن السمة الأبرز في المدينة هو سيطرة اليهود "الأرثوذكس" المعروفين بميولهم المتطرفة، حيث يعيش في المدينة نحو 20% من إجمالي عدد اليهود المتدينين في إسرائيل بواقع 223 ألفاً، وهو رقم يفوق عدد اليهود في عاصمة المتدينين "بني براك" التي لا يتجاوز عدد سكانها 198 ألف نسمة.
بجانب ذلك يصنف 21% من اليهود في القدس على أنهم علمانيون، 20% متدينون، 36% من الأرثوذكس المتشددين، و24% يصنفون على أنهم تقليديون (قوميون).
خطة غافني لـ"أسرلة المدينة"
وضعت إسرائيل منذ احتلالها للقدس في عام 1967، خطة طويلة الأمد لإضفاء الصبغة اليهودية على المدينة، وجاء الهدف بإقرار حكومة غولدا مئير ما يُعرف بخطة "غافني" التي حددت هدفاً استراتيجياً بألا تتجاوز نسبة الفلسطينيين في المدينة 22%، واستخدمت بذلك مجموعة كبيرة من القوانين لضبط هذه النسبة فاحتدم الصراع على الحيز، وكانت أدواته القوانين والتشريعات والأموال التي صبت باتجاه تحقيق هذا الهدف.
بموازاة ذلك أصبحت سياسة مصادرة الأرض وهدم المنازل وسحب الهويات وقوانين التنظيم والبناء، والمناطق الخضراء، وفرض الضرائب جزءاً أساسياً من عمل بلدية القدس للسيطرة على الأرض والسكان.
وقد شملت بنود هذه الخطة توسعة المدينة من 19 إلى 72 كيلومتراً مربعاً، وبناء مجمعات استيطانية ضخمة كـ معاليه أدوميم، كفعات بنيامين، والتلة الفرنسية.
وكجزء من خطة "غافني" فقد جاء بناء الجدار الفاصل في عام 2003، ليقتصّ نحو ربع مساحة المدينة في القدس الشرقية، التي تضم غالبية فلسطينية، لتنقل إسرائيل بذلك نحو 150 ألف فلسطيني إلى منطقة ما وراء الجدار، ليصبحوا جزءاً من الضفة الغربية.
إلا أنه مع مرور الوقت ارتفعت نسبة المواطنين العرب في المدينة، ففي منتصف الثمانينيات وصلت النسبة إلى 28%، ثم عادت للانخفاض إلى 26% في منتصف الثمانينيات، وفي عام 2007 وصلت نسبة العرب إلى 29%، وحتى نهاية عام 2018 تضاعف عدد السكان العرب إلى 38%.
يعزى أسباب هذه الزيادة إلى ارتفاع نسبة الخصوبة لدى الفلسطينيين، حيث تتراوح نسبة الخصوبة ما بين 2.4-2.7، مقابل 1.5-2.1 لدى اليهود.
الهجرة العكسية في ازدياد
قلق إسرائيلي آخر وراء انخفاض نسبة اليهود في المدينة هو ارتفاع نسبة الهجرة العكسية من القدس إلى مدن أخرى، فخلال عام 2018، استوطن 12800 ساكن جديد في القدس، مقابل مغادرة 18800 من سكان المدينة لمدن أخرى، أي أن صافي ميزان الهجرة خلال عام 2018 هو سالب 6 آلاف خلال عام واحد.
وفي عام 2019 ارتفعت نسبة الهجرة العكسية من 8 آلاف إلى 10 آلاف، و9 آلاف في عام 2020.
يفسر المركز أن نحو 39% من هذه الهجرة جاءت للاستيطان في مستوطنات خارج مدينة القدس، وأن 36% انتقلوا للعيش في مدن المركز وتحديداً في تل أبيب، وجزء آخر قرر الانتقال إلى مناطق أخرى في شمال إسرائيل.
وعن الأسباب التي تدفع اليهود لمغادرة المدينة، فإن الحالة الأمنية السائدة في القدس هي السبب الرئيسي وراء مغادرة المدينة، كما أن جزءاً كبيراً من اليهود العلمانيين يرفضون مجاورة اليهود المتدينين، إضافة إلى الرغبة في تقليل الاحتكاك مع المقدسيين.
تشير التوقعات المستقبلية إلى أنه خلال عام 2040، سيتجاوز عدد الفلسطينيين أعداد اليهود في القدس، حيث ستتخطى نسبتهم 55%.
وقد تباهى رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية مؤخراً، بتجاوز عدد الفلسطينيين لأعداد اليهود في فلسطين التاريخية بنحو 200 ألف نسمة، لأول مرة منذ تاريخ الصراع الممتد لأكثر من 74 عاماً، وأن إسرائيل بهذا السلوك في طريق الموت الديموغرافي لتتحول تدريجياً إلى أقلية يهودية تحكم بأغلبية فلسطينية.