من الولاء لنظام الأسد إلى الاستقواء بإسرائيل.. من هو حكمت الهجري؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/17 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/07/17 الساعة 15:40 بتوقيت غرينتش
حكمت الهجري - عربي بوست

بينما كانت مدينة السويداء السورية تنزف من الداخل إثر مواجهات عنيفة اندلعت بين قوات الأمن الحكومية ومسلحين محليين، أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى، لم يتأخر الاحتلال الإسرائيلي في "استغلال اللحظة"، ومثل أي مستعمر، حضر بلهجة الحامي لا الغازي، مكرساً خطاباً استعمارياً قديم الطراز، يستثمر الفوضى ليعزز نفوذه بحجة الدفاع عن جماعة لا تزال تُعامل كمواطن من درجات أدنى داخل نطاق سيطرتها.

وفي تصعيد غير مسبوق، قصف الاحتلال العاصمة دمشق، مستهدفاً مواقع حساسة، بينها مقر وزارة الدفاع والمجمع الرئاسي، تحت ذريعة حماية الأقلية الدرزية. قوبل هذا العدوان بإدانات دولية، لكنه يبدو أنه جاء متناغماً بشكل مريب مع خطاب الشيخ حكمت الهجري، أحد أبرز مشايخ الطائفة الدرزية، الذي خرج مؤخراً بمواقف علنية يهاجم فيها الحكومة السورية، ويوجه نداءات إلى رؤساء أجانب مثل دونالد ترامب، ورئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو – المطلوب دولياً للمحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب – للتدخل في سوريا "باسم حماية الدروز".

رجل الدين الذي صعد من موقع المرجعية الروحية إلى موقع الفاعل السياسي، لعب أدواراً متغيرة في المشهد السوري. خلال عقد واحد، عبر الهجري مساراً غير خطي: من الحياد المُعلن إبّان الثورة إلى تأييد نظام الأسد، ثم إلى الاصطفاف مع الحراك المدني لاحقاً، وصولاً إلى معارضة حكومة ما بعد الأسد برئاسة أحمد الشرع. فاليوم، لا يبدو الشيخ الهجري مجرد مرجعية دينية؛ اسمه يثير انقساماً واضحاً داخل الطائفة، وداخل البلاد.

النشأة

وُلد حكمت سلمان الهجري في التاسع من يونيو/حزيران 1965 بفنزويلا، حيث كان والده يعمل في ذلك الوقت، قبل أن يعود إلى سوريا لاستكمال تعليمه الأساسي من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية. نشأ في بيئة دينية محافظة، متشبثاً بمبادئ وتعاليم المذهب الدرزي، وتلقى تعليمه في مدارس الطائفة، حيث اكتسب معرفة معمقة في الفقه والمعتقدات الدرزية. هذه الخلفية منحته مكانة بارزة في مجتمعه، إذ حظي باحترام واسع، وأضحى من أبرز المؤثرين داخل الطائفة، مع دور فاعل في توجيهها.

في عام 1993، استقر الهجري في مسقط رأسه للعمل، قبل أن يعود إلى بلدته قنوات شمال شرقي محافظة السويداء عام 1998. وقد تابع تعليمه الجامعي في جامعة دمشق، حيث التحق بكلية الحقوق عام 1985 وتخرج منها عام 1990.

قيادته الدينية

في عام 2012، خلف حكمت الهجري شقيقه أحمد في منصب الرئاسة الروحية لطائفة الموحدين الدروز، إثر وفاته في حادث سير، وهو المنصب الذي تتوارثه العائلة منذ القرن التاسع عشر، حيث تسلمه أحمد في عام 1989.

من الولاء لنظام الأسد إلى الاستقواء بإسرائيل.. من هو حكمت الهجري؟
حكمت الهجري – الأناضول

ويُذكر أنه نتيجة خلافات على زعامة الجماعة والهيمنة على المشهد الديني والسياسي في جبل العرب، انقسمت الهيئة الروحية للطائفة الدرزية في السويداء إلى هيئتين: الأولى تزعمها الهجري في بلدة القنوات، والثانية تزعمها الشيخ يوسف جربوع، والشيخ حمود الحناوي في منطقة ومقام "عين الزمان"، وهو بمثابة دار العبادة الأول للطائفة الدرزية في سوريا.

منذ توليه المشيخة، عُرف حكمت الهجري بمواقفه المؤيدة لنظام الأسد. فبحسب دراسة لمركز "جسور" للدراسات عام 2020، "قد عبّر الهجري عن مواقف تؤكد على اصطفافه مع النظام السوري". في عام 2012، زار الرئيس السوري بشار الأسد بلدة قنوات في محافظة السويداء لتقديم واجب العزاء بوفاة الشيخ أحمد سلمان الهجري، شيخ العقل الأول للطائفة الدرزية في سوريا.

وخلال الزيارة، ألقى خليفته في المشيخة، حكمت الهجري، كلمة أمام الأسد عبّر فيها عن ولائه الواضح للنظام، قائلاً: "تحوّل هذا الموقف (العزاء) إلى فرح، حضرتك الأمل، أنت بشار الأمل، بشار الوطن، بشار العروبة والعرب، الله يطولنا بعمرك ويأخذ بيدك".

وبحسب الدراسة، استضاف الهجري وفوداً من الحشد الشعبي العراقي، وأصدر بياناً في شهر مارس/آذار 2015 طالب فيه النظام السوري بتسليح الطائفة الدرزية، وقام بالتوسط مرات عديدة لدى القصر الجمهوري الذي يحكمه بشار الأسد من أجل حل بعض الملفات العالقة، مثل إعادة موظفين حكوميين إلى عملهم، كما دعا الهجري في شهر نوفمبر/تشرين الثاني 2018 أبناء الطائفة الدرزية إلى الالتحاق بالخدمة الإلزامية، عقب حادثة اختطاف 25 امرأة وفتاة من قبل تنظيم داعش، وأشرف على تشكيل فصيل محلي بالتنسيق مع فرع الأمن العسكري.

وقد واجه حكمت الهجري انتقادات متزايدة من ناشطين دروز بسبب صمته تجاه تطورات الأوضاع في البلاد، لا سيما مع سقوط قتلى من المتظاهرين برصاص أجهزة النظام، في وقت كانت فيه الاحتجاجات في السويداء تشتد وتتصاعد، وتخللتها مشاهد بارزة مثل تحطيم تماثيل بشار الأسد ووالده حافظ.

وفي تقرير لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تناول شخصية الهجري، قال عمر الأسد، عالم الاجتماع السوري المقيم في فرنسا والمنحدر من السويداء: "منذ انتفاضة 2011، كان رجال الدين سلبيين تماماً. الهجري لم يتدخل إلا كوسيط مع النظام للإفراج عن سجناء دروز أو في قضايا تخص المجتمع الدرزي".

في المقابل، ووفقاً للدراسة نفسها لمركز "جسور"، فإن الشيخين جربوع والحناوي ركزا على تحقيق مصالح الطائفة، وقاما بدور الوسيط في كثير من الأحيان بين الفصائل المحلية من جهة، والنظام السوري من جهة ثانية، وقاما بعقد مصالحة في منتصف عام 2017 مع حركة "رجال الكرامة" التي يتزعمها آل بلعوس، والتي تُعارض تجنيد أبناء محافظة السويداء في جيش النظام السوري، مما جعلهما أقرب إلى الموقف المحلي منهما إلى سلطة النظام، دون الدخول في صدام مباشر معها، باستثناء ما يتعلق برفض تجنيد شباب الطائفة في الجيش.

وبحسب تقرير لموقع "الجزيرة نت"، كان موقف حكمت الهجري مغايراً لموقف شقيقه الراحل أحمد، الذي عُرف بتأييده لانشقاق عناصر من الطائفة الدرزية عن جيش النظام السوري عام 2011، وانضمام بعضهم إلى صفوف الجيش السوري الحر. هذا التوجه دفع عدداً من الناشطين الدروز إلى تحميل النظام السوري حينها مسؤولية حادث السير الذي أودى بحياته، واعتبروا ما جرى بمثابة رسالة تحذير لكل من يفكر بالانخراط في صفوف الثورة.

كما أشارت الجزيرة إلى أن تقارير سابقة تحدثت عن ضغوط مارستها أجهزة مخابرات نظام الأسد على أحمد الهجري لإصدار فتاوى تؤكد الولاء للرئيس بشار الأسد، بهدف إحداث انقسام داخلي في الطائفة، لكنه رفض تلك الطلبات، وأعاد السيارة التي منحتها له الدولة، ما أثار غضب الأجهزة الأمنية. وقد اتهمها كثيرون بالوقوف وراء الحادث، بينما تمسكت رواية نظام الأسد بأنه توفي نتيجة حادث سير على طريق عام.

وعلى النقيض من توجه شقيقه، وبحسب ما ورد في دراسة صادرة عن مركز "جسور"، فإن الفصيل الذي يتبع للهجري كان يقوده مساعده "أبو فخر"، الذي أشرف على تشكيله بالتنسيق مع العميد في مخابرات نظام الأسد "وفيق ناصر"، وسانده أحد مشايخ الدروز وهو نزيه جربوع، الذي ارتبط بعلاقات وثيقة مع فرع الأمن العسكري في السويداء.

بعد سنوات من دعم الأسد إلى الانقلاب عليه

ورغم الدعوات المتكررة لاتخاذ موقف من نظام الأسد، لم يتراجع حكمت الهجري إلا حين تعرض للإهانة عام 2021 من رئيس فرع المخابرات العسكرية لؤي العلي أثناء مكالمة هاتفية كان يستفسر فيها عن مصير أحد معتقلي السويداء، بصفته الأقرب من مشايخ الطائفة إلى النظام السوري.

مظاهرات السويداء – رويترز

فكانت تلك المكالمة كفيلة بإنهاء حال الوفاق التي دامت طويلاً مع نظام الأسد، بحسب صحيفة "الإندبندنت"، وأججت تظاهرات شعبية احتجاجية تنديداً بالطريقة التي تعامل بها ضابط الأمن البارز في السويداء مع الهجري. ومن بعدها، اعتمد الهجري خطاباً يحمل تصعيداً بحق تصرفات الاستخبارات والنظام.

وفي العاشر من يونيو/حزيران 2022، دعا الهجري إلى إقالة رؤساء الأفرع الأمنية التابعة للنظام من مناصبهم في السويداء، متهماً إياهم بزرع الفوضى والانقسامات داخل المجتمع.

ورغم أن السويداء ظلت تحت سيطرة النظام خلال سنوات الثورة، ونجت نسبياً من العنف الذي شهدته مناطق أخرى، إلا أنها شهدت بين الحين والآخر مظاهرات مناهضة لممارسات الأسد، بعضها طالب برحيله، كما حدث في أغسطس/آب 2023 احتجاجاً على رفع الدعم عن الوقود وما تبعه من غلاء معيشي.

وبعد تحوله لدعم الاحتجاجات في السويداء، شهد حكمت الهجري ارتفاعاً ملحوظاً في شعبيته – رغم عدم تمتعه بشعبية واسعة سابقاً – كما لفت انتباه الدوائر الدولية. وكشفت صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية تكثيفه للقاءات مع دبلوماسيين غربيين، حيث أبدى مساعد وزير الخارجية الأمريكي إيثان جولدريتش دعمه العلني خلال اتصال هاتفي مع الشيخ الدرزي. هذا الدعم جاء بتنسيق من مجموعات سورية ناشطة في واشنطن، وحظي بتأييد نواب أمريكيين من الحزبين الديمقراطي والجمهوري، كما التقى الهجري بمبعوثين فرنسيين وأوروبيين.

وقد أشار الباحث السوري وائل علوان: "في السنوات الأخيرة، كان حكمت الهجري، رجل الدين الأبرز، معارضاً للنظام، وبذلك أخذ دوراً أكبر بكثير من الحناوي والجربوع، وهما من أبرز المراجع الدينية الأساسية لدى دروز سوريا. ولعب الهجري دوراً كبيراً في السويداء، لكنه لم يكن على علاقة جيدة مع البلعوس، الذي يمثل التيار المعارض الثوري ضد النظام السوري، حيث كان هناك تنافس وصراع بين المراجع الدينية التقليدية وبين المكونات الجديدة الثورية، أي التي عارضت النظام السوري وخالفت رأي بعض رجال الدين".

بعد سقوط الأسد

وبعد إسقاط نظام بشار الأسد، اتخذ الهجري مواقف متباينة تجاه الحكومة السورية الجديدة برئاسة أحمد الشرع، من التوافق في الرؤى إلى المعارضة والرفض القطعي لها، متهماً إياها بـ"الإرهاب"، والتحريض عليها من الخارج.

إذ تذبذب الهجري في المواقف من الحكومة الحالية، فبعد أن أبدى نيته "التعاون" مع الحكومة الانتقالية في إدارة المفاصل الحساسة في السويداء حتى تشكيل جيش وطني، ولفت إلى تقارب وجهات النظر مع الإدارة السياسية الجديدة، لكنه بعد ذلك أبدى الهجري موقفاً متصلباً ضد الحكومة الجديدة ومحاولتها لعودة مؤسسات الدولة وانتشار الأمن الداخلي في السويداء، ليبرز اسمه أكثر مع المواجهات الحالية ما بين القوات الحكومية السورية والمجموعات المسلحة التابعة للمجلس العسكري في السويداء المدعوم من قبله.

في مارس/آذار 2025، وجّه الشيخ حكمت الهجري اتهامات مباشرة للحكومة السورية، واصفاً إياها بأنها "حكومة متطرفة ومطلوبة للعدالة" دولياً، ودعا إلى تدخل الدول الخارجية في الملف السوري من أجل الوصول إلى "دولة مدنية". إلا أن هذه التصريحات أثارت موجة من الانتقادات في أوساط السوريين الرافضين لأي دعوات قد تمهد لتدخل أجنبي، معتبرين أن تلك النداءات قد تُفضي إلى مطالب بفتح باب التقسيم. وفي السياق نفسه، رفض الشيخان حمود الحناوي ويوسف جربوع، وهما من أبرز مشايخ الطائفة الدرزية، مطلب الهجري بمشاركة الدول المؤثرة، وأكدا رفضهما لأي حديث عن الانفصال.

وفي تقرير سابق لصحيفة "الشرق الأوسط"، أشار الباحث السوري وائل علوان إلى أن الفترة الأخيرة التي شهدت تصعيداً في مواقف الهجري ضد نظام بشار الأسد، شهدت أيضاً "فتح خط للعلاقة مع موفق طريف"، أحد الزعماء الدينيين للدروز في إسرائيل. وفي المقابل، حافظ كلٌّ من وحيد البلعوس وسليمان عبد الباقي على علاقتهما مع وليد جنبلاط في لبنان، ومع مجموعات عسكرية متحالفة مع البلعوس. ووفق علوان، فإن "هذين خطان متباينان؛ خط الهجري مع طريف، وخط البلعوس مع جنبلاط".

التقارب مع الاحتلال

في هذا السياق، أفاد تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية بأن 60 رجل دين درزياً سورياً عبروا خط الهدنة في الجولان المحتل إلى إسرائيل، في 14 مارس/آذار 2025، في أول زيارة من نوعها منذ 50 عاماً، وقد أشير إلى أن هذه الخطوة جاءت في إطار تنسيق بين الشيخ حكمت الهجري ورئيس الطائفة الدرزية في إسرائيل، الشيخ موفق طريف، ما أثار جدلاً واسعاً حول دلالات التوقيت وحدود هذا التقارب الديني ـ السياسي.

أما موقع "الجمهورية.نت"، فنشر تقريراً في أعقاب الأحداث التي شهدتها مدينة جرمانا في أواخر فبراير/شباط 2025 – وهي المدينة ذات التركيبة السكانية المتنوعة من دروز ومسيحيين وسنة وعلويين – أشار فيه إلى أن خلدون الهجري، قريب الشيخ حكمت الهجري وممثله في الخارج، التقى خلال الشهر نفسه مسؤولين أميركيين في واشنطن بصفته "ممثلاً سياسياً للشيخ حكمت الهجري". وخلال الاجتماعات، عرض خلدون خطة لـ"تنفيذ تمرّد مسلح على حكومة أحمد الشرع"، تقوده قوات مرتبطة بالهجري في السويداء، بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية في الشرق، ومجموعات علوية من الساحل السوري"، و"بدعم إسرائيلي"، بحسب ما ذكر التقرير.

وفي ضوء أزمة السويداء الحالية، بدا أن الشيخ حكمت الهجري يتجه نحو مزيد من التصعيد في مواقفه، وصولاً إلى المطالبة بالحماية الدولية، والتحريض العلني على الحكومة السورية، حيث ظهر مؤخراً كأحد أبرز أقطاب التوتر في أزمة السويداء، مناشداً دولاً وكيانات خارجية، من بينها الرئيس الأميركي الأسبق دونالد ترامب، ورئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو – المطلوب دولياً لارتكابه جرائم حرب في غزة – للتدخل في الشأن السوري، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة واسعة وقلقة داخل سوريا، خاصة بعد سلسلة الغارات الجوية الإسرائيلية التي استهدفت مبنى الأركان العامة ووزارة الدفاع ومحيط القصر الرئاسي في دمشق، عقب تجدد الاشتباكات في محافظة السويداء، بحجة دعم الدروز كما يزعم وزير دفاع الاحتلال يسرائيل كاتس.

وقد تباينت مواقف الهجري خلال الأزمة الحالية، ففي حين رحّب بداية بدخول قوات تابعة لوزارتي الداخلية والدفاع إلى مدينة السويداء، عاد وتراجع لاحقاً في بيان متلفز، قال فيه إن "البيان الذي صدر بتفاصيله الكاملة فُرض من دمشق وبضغط جهات خارجية"، مؤكداً أن المفاوضات مع الحكومة لم تفضِ إلى نتائج ملموسة، وأن ما جرى كان "من أجل حقن دماء أبنائنا".

وبعد ذلك، أعلن الهجري تراجعه عن الموقف الداعم لدخول المؤسسات الأمنية والعسكرية إلى محافظة السويداء، داعياً أبناء المحافظة إلى التصدّي للجيش السوري ومواجهته، واتهم الهجري الحكومة بـ"نكث العهد والوعد" و"قصف المدنيين العزّل".

وفي أعقاب الإعلان عن التوصل إلى وقف إطلاق نار بين قيادات درزية والحكومة السورية، وسرعان ما أيد شيخ العقل يوسف جربوع – وهو واحد من ثلاث مرجعيات درزية بارزة في السويداء – الاتفاق، لكن الهجري رفض ذلك، وأصدر بياناً على صفحته الرسمية على فيسبوك نفى فيه أي اتفاق أو تفاوض مع دمشق، مؤكداً على استمرار القتال.

في موازاة هذا الموقف، جاء تصريح رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليضيف بُعداً خارجياً لما بدا أنه تصعيد داخلي، بإعلانه عن سياسة واضحة لنزع السلاح من جنوب دمشق إلى منطقة جبل الدروز، مؤكداً أن وقف النار لم يُنتزع بطلبات، بل "بالقوة"، ولافتاً إلى أن "الزعيم الروحي للطائفة الدرزية في إسرائيل، موفق طريف، هو من طلب منا مساعدة الدروز في سوريا".

ورغم محاولات الحكومة السورية احتواء الوضع، جاء إعلان الشيخ حكمت الهجري للسويداء "بلداً منكوباً"، متبوعاً بدعوة صريحة لفتح الطرق مع مناطق سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" في الشمال الشرقي؛ وهي خطوة يراها بعض المراقبين بأنها قد تحمل إشارات لافتة إلى إعادة رسم خطوط التواصل خارج الإطار المركزي للدولة. ففي الوقت ذاته، تداولت أخبار أن فصائل محلية تابعة للهجري فرضت حظراً للتجوال في المدينة، عقب انسحاب الجيش السوري منها.

وفي تطورات ميدانية أكثر حدة، أفادت مصادر إعلامية محلية بوقوع حالات نزوح في أوساط العائلات البدوية، بعدما أُبلغت بمهلة محددة لمغادرة المدينة من قِبل مجموعات مسلحة خارجة عن القانون، تابعة لحكمت الهجري. في حين وثّقت "الشبكة السورية لحقوق الإنسان" مقتل 14 شخصاً من أبناء العشائر في المنطقة، وفق ما صرّح به مديرها لصحيفة الشرق الأوسط اليوم.

في السياق ذاته، نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن مصادر محلية أن مجموعات مسلحة هاجمت حي المقوس في السويداء، وارتكبت "انتهاكات بحق المدنيين"، من بينها مجازر وتصفيات ميدانية طالت نساءً وأطفالاً من أبناء العشائر والبدو. وأشارت الوكالة إلى سقوط عدد كبير من القتلى والمصابين، في تطور يعكس تصاعد حالة الفوضى، وتعدد الجهات التي تدّعي تمثيل الشارع المحلي، وتفرض وقائعها من خارج المؤسسات الرسمية.

تحميل المزيد