مع احتدام حرب الإبادة على غزة واستمرارها لأكثر من عام دون توقف، وجد العديد من الأميركيين العرب أنفسهم أمام خيارين صعبين في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، إذ لا يعبّر أي من المرشحين عن توجه العرب ضد ما يفعله الاحتلال في فلسطين: إدارة بايدن–هاريس التي لم تتراجع خطوة عن دعمها الكامل لإسرائيل أو دونالد ترامب المعروف بتأييده الصريح له، بما في ذلك اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال. وسط هذا الإحباط، برز اسم بشارة بحبح، رجل أعمال وأكاديمي أميركي من أصل فلسطيني، لعب دورًا محوريًا في تنظيم الجهود الانتخابية للعرب الأميركيين، وأسّس في عام 2024 منظمة "العرب الأميركيون من أجل ترامب" كخطوة احتجاجية على مواقف إدارة بايدن من الحرب على غزة.
ومع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، عاد اسم بحبح إلى الواجهة، لا سيما مع تداول تقارير تفيد بدوره في ترتيبات غير رسمية للتواصل بين إدارة ترامب وحركة المقاومة الفلسطينية حماس، وخصوصاً بعد الإفراج عن الأسير الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، الذي كان محتجزًا في القطاع.
من هو بشارة بحبح؟ ما خلفيته؟ وكيف أصبح طرفًا في المفاوضات لوقف الحرب في غزة؟
المولد والنشأة
وُلد بشارة بحبح عام 1958 في البلدة القديمة بمدينة القدس، لعائلة مقدسية الجذور. والده من سكان القدس، ووالدته تنتمي إلى عائلة ميسورة الحال من مدينة يافا.
عاشت عائلة بحبح في القدس حتى عام 1948، حين اضطرت إلى النزوح إلى الأردن إبان النكبة التي أعقبت إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي. ويرتبط هذا النزوح، بشكل وثيق، بتصاعد العمليات الإرهابية التي نفذتها العصابات الصهيونية آنذاك، ومن أبرزها تفجير فندق الملك داود في القدس عام 1946، الذي أسفر عن مقتل 71 شخصًا، بينهم 41 فلسطينيًا. كان والد بشارة بحبح يعمل حلاقًا في الفندق لحظة وقوع الانفجار، ونجا بأعجوبة بعدما قفز من الطابق الثاني قبل دقائق من وقوع التفجير، الذي نفذته عناصر من عصابة "الأرغون" بقيادة مناحيم بيغن، أحد أبرز رموز الحركة الصهيونية، والذي شغل لاحقًا منصب رئيس وزراء الاحتلال.

بعد نحو عامين من نزوحها إلى الأردن، عادت عائلة بحبح إلى البلدة القديمة في القدس واستقرّت هناك، حيث وُلد بشارة بحبح عام 1958. كان والده ووالدته قد أمضيا فترة في مخيم اللاجئين بمدينة الزرقاء، وسط الأردن، وهناك وُلدت إحدى شقيقاته. هذه المرحلة تركت أثرًا واضحًا في وعيه، إذ يعرّف نفسه بأنه "لاجئ وابن لاجئين"، ويصف نشأته في القدس بأنها كانت صعبة، تميّزت بالفقر وعدم الاستقرار، وهو ما دفعه لاحقًا إلى الإصرار على توفير حياة مختلفة لأبنائه.
ورغم حصوله على بطاقة الهوية الزرقاء التي تمنحها سلطات الاحتلال الإسرائيلي لسكان القدس، فقد سُحبت منه عام 2009 بحجة تغيّبه عن الإقامة الدائمة في المدينة.
لا يزال يحتفظ ببطاقة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، التي توثق الحصص الغذائية الشهرية التي كانت عائلته تتلقاها، أولًا في مخيم الزرقاء، ثم في القدس.
تابع بحبح تعليمه في القدس حتى عام 1976، ثم سافر إلى الولايات المتحدة بعد حصوله على منحة دراسية من جامعة بريغهام يونغ في ولاية يوتا. واصل دراسته في جامعة هارفارد، حيث تخصّص في العلوم السياسية والاقتصاد، وحصل على درجة الماجستير عام 1981، ثم الدكتوراه عام 1983، في مجال قضايا الأمن الإقليمي.
ثم عاد إلى القدس في العام نفسه، وفي بداية مشواره المهني عمل رئيسًا لتحرير الطبعتين العربية والإنجليزية من صحيفة "الفجر"، التي كانت تصدر في القدس الشرقية وتُعتبر مقربة من منظمة التحرير الفلسطينية. تولى هذا المنصب بين عامي 1983 و1984.
لاحقًا، عاد بشارة بحبح إلى الولايات المتحدة حيث عمل أستاذًا في جامعة هارفارد، متخصصًا في قضايا الشرق الأوسط، كما شغل منصب المدير المساعد لمعهد الشرق الأوسط في الجامعة. خلال تلك الفترة، شارك أيضًا كعضو في الوفد الفلسطيني إلى محادثات السلام المتعددة الأطراف حول الحد من التسلّح والأمن الإقليمي، التي جرت بين عامي 1991 و1993.
إلى جانب مساره الأكاديمي والسياسي، عمل بحبح في المجال المالي كمستشار متخصص في إدارة الثروات والديون والضرائب. وفي عام 2009، نشر كتابًا بعنوان "إدارة الثروات في أي سوق"، يُقدَّم كدليل عملي لمساعدة الأفراد على حماية أصولهم وبناء ثرواتهم في مواجهة التقلبات الاقتصادية.
اختار بحبح أن يسلك طريقًا خاصًا في تعامله مع السياسة والقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة، الدولة التي تربطها علاقة متينة مع الاحتلال، ساعيًا إلى إيجاد مساحات للحوار والتأثير داخل بيئة سياسية معقدة وشديدة الاستقطاب.
النشاط السياسي
في عام 2016، صوّت بشارة بحبح لدونالد ترامب، مدفوعًا بخيبة أمله من سياسات الحزب الديمقراطي، خاصة ما يتعلق بسياسة الرئيس باراك أوباما في الشرق الأوسط، كما أوضح لاحقًا في مقابلات إعلامية. لكن مواقفه بدأت بالتبدل بعد قرارات إدارة ترامب، مثل نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان، ما دفعه إلى التصويت لجو بايدن في انتخابات عام 2020.
مع ذلك، عاد بحبح في عام 2024 ليؤسس منظمة "العرب الأميركيون من أجل ترامب"، دعمًا لحملة ترامب الانتخابية، كرد فعل مباشر على ما وصفه بـ"الانحياز الكامل" لإدارة بايدن تجاه الاحتلال الإسرائيلي، والتي قدّمت دعماً لامحدود للاحتلال في عدوانه الجاري على قطاع غزة، وحرب التجويع والإبادة التي تواصل شنّها في القطاع.
Interview with Al-Ghad TV from Beloved Leb pic.twitter.com/Ope9eIVMPK
— Dr. Bishara A. Bahbah (@BahbahBishara) November 5, 2024
اعتمد بحبح في حملته على تعهدات ترامب المبهمة حينها بأنه سيوقف الحروب في الشرق الأوسط وفي أوكرانيا، وهي وعود جذبت اهتمام شخصيات عربية أميركية أخرى، من بينها بيل بزي، أمير غالب، ألينا حبة، ومسعد بولس، نسيب ترامب. وكان بحبح، وفق تقارير إعلامية، الفلسطيني الوحيد المعروف ضمن هذه الدائرة الداعمة.
بحسب تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" نُشر في 5 فبراير 2025، كان لبشارة بحبح دور مهم في التأثير على توجهات الناخبين العرب في مدينة ديربورن بولاية ميشيغان، حيث التقى هناك لأول مرة بمسعد بولس ضمن فعاليات حملة ترامب.
وبالفعل، فاز ترامب بالرئاسة وتوقفت الحرب في غزة لأسابيع، قبل أن يستأنف الدعم العسكري الأميركي لإسرائيل، بما في ذلك تزويدها بكافة الأسلحة والقنابل. وحصل عدد من الشخصيات العربية التي أيّدت ترامب علنًا على مناصب رسمية في السفارات والبعثات الأميركية في الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا، بينما خفتت مواقفهم من غزة، أو اختفت كليًا.
بحبح، بخلاف هؤلاء، لم يحصل على أي منصب رسمي، لكنه لم يغادر المشهد. ومع تصاعد الدعوات داخل إدارة ترامب لتهجير سكان غزة وبناء ما سُمّي بـ"ريفييرا الشرق الأوسط"، أعلن بحبح تغيير اسم منظمته إلى "العرب الأميركيون من أجل السلام"، معتبرًا أن تصريحات ترامب الأخيرة "غير مقبولة"، وقال: "لا يمكن اقتلاع الناس من أرضهم لإرضاء إسرائيل، هذا أمر غير مقبول ولن نرضى به أبدًا".
في مقابلة صحفية مع وكالة الأنباء الفرنسية، سُئل بحبح عمّا إذا كان نادمًا على تأسيس المنظمة، فأجاب: "لم نندم على دعم ترامب، فقد أوفى بوعده الأول وأوقف إطلاق النار. عملية السلام ستكون طويلة، وأعتقد أن السنوات الأربع القادمة ستكون حاسمة بالنسبة لمستقبل الشرق الأوسط. إذا لم تُقم دولة فلسطينية خلال هذه الفترة، فلن تُقام خلال العقود القادمة. وترامب هو الوحيد القادر على إجبار إسرائيل على قبول حل الدولتين."
محور الوساطة
ظهر بشارة بحبح في عدد من القنوات الإخبارية خلال الأشهر الماضية، وتحدث في أحد لقاءاته قائلاً: "أحاول الحفاظ على قنوات التواصل، ولكن في الوقت ذاته أرفض بشدة دعوات تهجير الفلسطينيين." هذا التوازن بين التواصل والرفض العلني لسياسات التهجير أثار الانتباه، خاصة في ضوء ما نُشر مؤخرًا حول دوره في الوساطة بين حركة حماس وإدارة ترامب.
فبحسب تقرير نشره موقع أكسيوس في 13 مايو/أيار، للصحفي باراك رافيد، كان بحبح أحد أطراف قناة اتصال غير رسمية بين حماس وإدارة ترامب، أدّت إلى الإفراج عن الجندي الأميركي الإسرائيلي عيدان ألكسندر. ووفقًا للتقرير، بدأت هذه القناة برسالة بين مسؤول في حماس وبحبح، بعد زيارة رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني للبيت الأبيض في 22 أبريل، حيث طرح خلال لقائه مع المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف والرئيس ترامب، اقتراحًا مدعومًا من حماس لإبرام اتفاق شامل لإطلاق الرهائن وإنهاء الحرب.
الرد الأميركي جاء بالتأكيد على أن اتفاقًا جزئيًا قصير الأمد هو الخيار الوحيد المطروح حاليًا. وبعد عودة آل ثاني إلى الدوحة، شجّع قيادة حماس على القيام ببادرة تجاه إدارة ترامب. بعد ذلك بأيام، بدأ مسؤول من حماس خارج غزة بالتواصل مع بحبح، في محاولة لفتح حوار مع ويتكوف. التقرير أشار إلى أن نحو 20 رسالة واتصالًا جرى تبادلها مع بحبح على مدار أسبوعين.
وفي موازاة ذلك، كان ويتكوف يجري اتصالات مع رئيس الوزراء القطري، حتى خلال لقائه مع وزير الخارجية الإيراني في مسقط، وذلك للضغط من أجل إنجاز الصفقة. وبحسب تقرير أكسيوس، قال مسؤول فلسطيني للموقع إن واشنطن أبلغت حماس بأنها، مقابل إطلاق سراح ألكسندر، ستدفع باتجاه وقف لإطلاق النار لمدة تتراوح بين 70 إلى 90 يومًا، ما سيكون أطول من أي عرض سابق، مع احتمال بدء مفاوضات أوسع خلال هذه الفترة.
My interview with Israel TV Channel 12 today https://t.co/VgvX2KeGgj
— Dr. Bishara A. Bahbah (@BahbahBishara) November 9, 2024
وقد وافقت حماس لاحقًا على إطلاق سراح ألكسندر، ما دفع ويتكوف للاتصال بنتنياهو، ووزير الشؤون الإستراتيجية ديرمر، بالإضافة إلى عائلة ألكسندر لإبلاغهم بالتطور.
ورغم أن التقرير نسب لبشارة بحبح دورًا في هذه القناة، فقد أشار الموقع على لسان مسؤول أميركي إلى أن بحبح كان "منخرطًا ولكن بشكل جانبي"، مما يعكس تباينًا في تقييم حجم تأثيره الفعلي ضمن هذا المسار المعقّد.
وقد ألمح بشارة بحبح في مقابلة سابقة مع القناة 12 الإسرائيلية أن دوره في الوساطة لم يكن مخططًا أو منسقًا مسبقًا، بل جاء نتيجة تطورات ظرفية. وقال: "لو كنتُ مكان ستيف ويتكوف، لقلتُ في نفسي: من هو هذا الشخص ليتحدث معي؟ وأنا أفهم ذلك تمامًا."
في نفس السياق، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريرًا أشارت فيه إلى أن سهى عرفات، أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، كانت حلقة الوصل التي فتحت أمام بحبح باب التواصل مع حركة حماس. وبحسب الصحيفة، زوّدت سهى عرفات بحبح برقم هاتف القيادي في الحركة غازي حمد مطلع عام 2025، ما مهد الطريق لفتح قناة اتصال غير مباشرة بين الطرفين.
وأكدت مصادر خاصة لعربي بوست، أن بحبح متواجد في الدوحة منذ أسابيع ومنخرط بشكل مباشر في مفاوضات وقف إطلاق النار. وبعد التوصل إلى مقترح أمريكي جديد يمهد لوقف دائم لإطلاق النار، سلمت حركة حماس الوسيط الأمريكي عبر بحبح موافقتها عليه. كما تشير المصادر إلى أن بحبح عرض المقترح الجديد على مكتب الرئيس ترامب، وويتكوف الذي قام بدوره بإرسال المقترح بعد ذلك إلى جانب الاحتلال الإسرائيلي للرد عليه.