“من هضبة إيران حتى بحر قزوين”.. “القوميون الأتراك” نشأتهم، أحزابهم، والدولة التي يحلمون بتأسيسها

عربي بوست
تم النشر: 2023/05/17 الساعة 19:43 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2023/05/17 الساعة 19:43 بتوقيت غرينتش
Shutter Stock/ القوميون الأتراك

يُفضلون أن يطلق عليهم اسم "Ulkucu" وهو مُصطلح "تركي" يعني باللغة العربية "المثاليين"، في الوقت الذي يُطلق عليهم أيضاً ألقاب أخرى مثل: "السياسيين مفرطي الحداثة، الوطنيين، الحقيقيين)، وأياً ما كان الاسم الذي يطلق عليهم فإن "القوميين الأتراك" هو اللقب الأشهر لهم، يتمتعون بشعبية مُتجددة وبروز اجتماعي ودور كبير يتصدر المشهد السياسي في تركيا.

فمن هم القوميون الأتراك، وكيف كانت نشأتهم، وما أهي أبرز أحزابهم، وما مدى تأثيرهم في الانتخابات التركية؟

من هم القوميون الأتراك؟

القومية التركية أو كما يطلق عليها باللغة التركية "Türk milliyetçiliği"، هي أيديولوجية سياسية، توصف بأنها تعريف قومي هدفها الأول هو تعزيز الشعب التركي وتمجيده.

بدأت القومية التركية في نهايات الدولة العثمانية، ونمت مع وصول مصطفى كمال أتاتورك إلى السلطة، والهدف منها كان إقامة وطن يتحدث التركية فقط، وتطهيره من اللغات الأجنبية التي يقصد بها اللغتان العربية والكردية. 

وعلى الرغم من أنّ القوميين الأتراك هم في الأساس أشخاص مُسلمون، فإنهم لم يهتموا كثيراً بالتقاليد الدينية، وكانوا منفتحين على "تغريب المجتمع".

كما كانوا أيضاً متأثرين بالعلمانية وسياسة التتريك التي دعا إليها عالم الاجتماع والشاعر ضياء غوك ألب.

وبالتالي فإنهم كانوا يدعون إلى ترجمة القرآن من اللغة العربية إلى التركية، وأن يكون الأذان من المساجد باللغة التركية، وهو ما كان سائداً خلال سنوات حكم مصطفى كمال أتاتورك.

Shutter Stock/ القوميون الأتراك
Shutter Stock/ القوميون الأتراك

أنواع القومية التركية

القومية التركية ليست واحدة وحسب، وإنما تشمل العديد من الأنواع مثل القومية التركية والقومية الإسلامية والقومية الكمالية والقومية الطورانية والقومية القبرصية والقومية الأناضولية.

1- القومية التركية

وتشمل الأتراك الذين يريدون توحيد كل الدول التركية في دولة واحدة وهي دول كازاخستان وتركمانستان وأوزبكستان وأذربيجان وقيرغيزستان وتركيا والمجر.

ويعتقد هذا النوع من القوميين أنّ جذورهم هي آسيا الوسطى، وأنهم جميعاً أبناء قبائل "غوكتورك"، وأن المجر هي دولة تركية أيضاً لأنهم أبناء قبائل الهون الأوروبيين

 الهون الأوروبيون

الهون الأوروبيون أو كما يسمون في مدونات التاريخ التركي بإمبراطورية الهون الأوروبية أو إمبراطورية الهون الغربية، وهم مجموعة قبائل أصلها أوراسي، بدأوا التحرك نحو دول أخرى في عام 350.

ويُقال إن القبائل التركية أنشأت إمبراطورية الهون العظيمة وحكمتها وأعطتها الثقافة التركية.

، ويعتبرون مصطفى كمال أتاتورك قدوتهم.

غالبية أتباع القومية التركية هم من المسلمين ولكنهم في الوقت ذاته لا يزالون يهتمون برمزية "التنغري".

والتنغري هي ديانة الشعب التركي بكل أعراقه من كازاخ وأوزبك وغيرهما قبل مجيء الإسلام وكلمة تنغرية تعني السماء الزرقاء في التركية القديمة، ويُقال إنها نشأت في وقت ما في فترة العصر البرونزي ما بين 3600 و1200 قبل الميلاد وقد ابتكرها سكان جبال ألطاي في وسط آسيا. 

2- القومية الكمالية

يُعتبر أتباع القومية الكمالية هم الأكبر من بين أنواع القوميات التركية الأخرى، وهي الأيديولوجيا التي أنشأها مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك، وهي مزيج من الأفكار التركية والغربية، كما أنّ العلمانية أيضاً جزء منها.

يؤمن معظم الأشخاص الذين يدعمون القومية الكمالية بـ"أطروحة التاريخ التركي" التي وضعها أتاتورك والتي ادعت أن الأتراك كانوا أول سكان الأناضول لكنهم كانوا أولاً في آسيا الوسطى ومن ثمّ هاجروا في وقت مبكر جداً في عدة موجات. 

وفي ثلاثينيات القرن الماضي، أصبحت الكمالية أيديولوجية شاملة للدولة على أساس كلمات وكتابات أتاتورك، كما أُضيف تعريف الجنسية الكمالية إلى المادة 66 من دستور جمهورية تركيا.

من الناحية القانونية، يتم تعريف كل مواطن، بغض النظر عن العرق أو المعتقد الديني، على أنه تركي، بينما ينص قانون الجنسية التركية على أنه لا يمكن حرمان أي شخص من الجنسية إلا من قام بالخيانة.

3- القومية الأناضولية

تتخذ القومية الأناضولية من منطقة الأناضول نقطة انطلاق لها، معتبرة أنّ المصدر الرئيسي للثقافة التركية يجب أن يكون من الأناضول وليس وسط آسيا.

والسبب الرئيسي لهذا الاعتقاد هو أنّ السلاجقة الذين ينتمون إلى قبيلة قنق إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الأوغوز التركية قد أسسوا حضارة جديدة في الأناضول بعد الانتصار في معركة ملاذ كرد على البيزنطيين.

4- القومية التركية الإسلامية

القومية التركية الإسلامية، هي قومية تقوم على أساس أنها امتداد للدولة العثمانية ويريد أتباعها جعل تركيا دولة مسلمة فقط وإعادتها إلى أمجاد الدولة العثمانية.

تمت صياغة مصطلح القومية الإسلامية في عام 1972 من قبل المؤرخ المحافظ إبراهيم كافيس أوغلو، معتبراً أن على الأتراك أن يعودوا إلى أصول أجدادهم القراخانيين وهي أول سلالة مسلمة في القرن الحادي عشر.

5- القومية الطورانية

أما أتباع القومية الطورانية، فهم يريدون توحيد جميع شعب الأورال-ألطاي، تماماً مثل أتباع القومية التركية، لكنهم يرون أيضاً أنّ الأشخاص غير الأتراك مثل المغول والفنلنديين أيضاً "أشقاء".

6- القومية القبرصية التركية 

في حين أن القومية القبرصية التركية تدعم استقلال جمهورية شمال قبرص التركية، فإنها في الوقت ذاته ترغب بأن تظل هذه الجمهورية مستقلة عن تركيا، كما تُعارض فكرة قبرص الموحدة مع قبرص اليونانية.

ما هي أبرز الأحزاب القومية في تركيا؟

على الرغم من وجود الكثير من الأحزاب القومية في تركيا، فإنّ حزب الحركة القومية (MHP)، يُعتبر أحد أهم الأحزاب التي تمثل القوميين الأتراك وأكثرها شعبية في البلاد، على مدى العقود الخمسة الماضية.

يتبعه الحزب الجيد (IYI) الذي أسسته ميرال أكشنار في عام 2017، بعد انشقاقها عن حزب الحركة القومية، وقد استطاع هذا الحزب خلال فترة قصيرة من توسيع قاعدة شعبية لا بأس بها مكنته من دخول البرلمان من أول انتخابات يخوضها في 2018.

Shutter Stock/ ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد
Shutter Stock/ ميرال أكشنار زعيمة حزب الجيد

فيما يبرز أيضاً حزب "الظفر" أو كما يطلق عليها أيضاً "النصر" وهو حزب سياسي يميني قومي كمالي متطرف تأسس في 2021، من خلال السياسي المثير للجدل "أوميت أوزداغ"، الذي كان في يوم الأيام عضواً في حزب الحركة القومية، قبل أن يطُرد منه، ومن ثمّ يعود وينشق رفقة أكشنار التي انضم إليها في حزبها "الجيد" قبل أن ينشق عنها هي الأخرى أيضاً.

ويُعتبر أوزداغ ابن عائلة معروفة بقوميتها، إذ إن والده كان من مؤسسي حزب الحركة القومية ومقرباً من ألب أرسلان توركش، ووالدته كانت أول رئيسة للفرع النسائي لحزب الحركة القومية.

1- حزب الحركة القومية (MHP)

تاريخ تأسيس الحزب: 1969

قائد الحزب: دولت بهجلي

تأسس حزب الحركة القومية MHP في 9 فبراير/شباط 1969، على يد السياسي والعسكري السابق ألب أرسلان توركش

آلب أرسلان توركيش

ولد آلب أرسلان توركيش، في 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1917، في مدينة نيقوسيا القبرصية، وتوفي في 4 أبريل/نيسان 1997، في العاصمة التركية أنقرة، وهو مؤسس حزب الحركة القومية وجماعة "الذئاب الرمادية"، وهو الممثل الأكبر لليمين السياسي في تركيا.

وكان توركيش من بين أول 16 ضابطاً جرى تدريبهم في العام 1948 من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل تشكيل منظمة مقاومة معادية للشيوعية.

راح توركيش يتنقل بين تركيا والولايات المتحدة، وأقام روابط قوية مع وزارة الدفاع الأمريكية البنتاغون ووكالة المخابرات المركزية.

وبين عامي 1955 و1958، خدم في واشنطن ضمن قوات حلف الناتو، قبل أن يعود إلى تركيا، في حين يبدأ نفوذه في الجيش بالازدياد، عندما شارك في الانقلاب على رئيس الوزراء عدنان مندريس وإعدامه.

في حين كان لمشاركته في الحرب الأهلية التركية، في سبعينيات القرن الماضي ضد الشيوعيين، السبب الأبرز في ازدياد شعبيته بين القوميين الأتراك.

الذي كان قبلها بعام زعيم حزب الأمة الريفي الجمهوري، وفقاً لما ذكره الموقع الرسمي لحزب الحركة القومية على الإنترنت.

ومنذ تأسيسه، أصبح الحزب ممثلاً للمبادئ القومية "التي تبناها" مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك.

وفي الوقت الذي يعرف الحزب فيه عن نفسه بأنه ينتمي إلى المعسكر اليميني المحافظ، فإن الغرب يصفونه بأنه أقرب للتوجهات "القومية المتطرفة".

أما عقيدة الأضواء التسعة التي وضعها مؤسس الحزب آلب أرسلان توركش، فهي لا تزال العمود الفقري لأيديولوجية الحزب وعمله.

وقد طرح توركش هذه العقيدة في عام 1969، من أجل الاتحاد حول وجهة نظر وطنية، من أجل حماية "الدولة التركية المستقلة الأخيرة" من المذاهب والأنظمة الإدارية الأجنبية، وخاصة الرأسمالية والليبرالية والشيوعية.

في حين يتم تقديم كل ضوء من الأضواء التسعة على أنه مبدأ "الخير للجميع"،

بالإضافة إلى ذلك، ومنذ بدء مفاوضات تركيا للحصول على عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي في 2005، فإنّ حزب الحركة القومية يعتبر من أشد المعارضين لهذا الانضمام الذي لم يحدث بعد.

كما أن أيديولوجية الحزب، تتمثل أيضاً في رفض المزاعم الأرمنية حول أحداث عام 1915 بشكل قاطع، ويستنكر الدعم الغربي لهذه المزاعم، إضافة إلى رفض تدخل العسكر في الحياة السياسية للبلاد، وهو من أوائل الأحزاب التي وقفت في وجه المحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو/تموز 2016.

ومنذ عام 2018 دخل الحزب في تحالف مع حزب العدالة والتنمية الحاكم.

Shutter Stock/ علم حزب الحركة القومية
Shutter Stock/ علم حزب الحركة القومية

2- حزب الجيد (IYI)

تاريخ تأسيس الحزب: 2017

قائد الحزب: ميرال أكشنار

منذ خسارته عشرات المقاعد في الانتخابات العامة في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، انقسمت مجموعة عن حزب الحركة القومية بقيادة ميرال أكشنار لتأسيس حزب الجيد في 2017.

ويعرف الحزب على أنه ليبرالي وسط قومي تركي، إذ يشدد الحزب على أوراق اعتماده العلمانية والقومية وتمسكه بإرث أتاتورك، كما يسعى الحزب إلى تقديم نفسه كبديل يميني لحزب العدالة والتنمية.

خاض الحزب الانتخابات العامة التركية لعام 2018 وحصد نسبة 9.96% من المقاعد النيابية (43 مقعداً) كما أنه من أكثر الأحزاب القومية التي تدعم دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.

وفي انتخابات 2023 دخل الحزب في تحالف مع حزب الشعب الجمهوري و4 أحزاب صغيرة فيما يسمى "تحالف الأمة" أو "تحالف الطاولة السداسية".

Shutter Stock/ علم حزب الجيد
Shutter Stock/ علم حزب الجيد

فيما يلي أبرز الأحزاب القومية الأخرى في تركيا

اسم الحزبتاريخ تأسيس الحزبقائد الحزب
حزب اليسار الديمقراطي (DSP)1958محمد أوندير أكساكال
حزب وطن (VP)1992دوجو بيرينجيك
حزب الاتحاد الكبير (BBT)1993مصطفى دستيسي
حزب تركيا المستقلة (BTP)2001حيدر باش
الحزب الوطني (UP)2010جوكتشي فيرات شولهاوغلو
حزب الحقوق والعدالة (HAP)2012 برهان أتاس
حزب تركيا الجديدة (YTP)2013إنجين يلماز
حزب البلد (MP)2021محرم إنجه
حزب الطريق الوطني (MYP)2021رمزي كاير
حزب الظفر (ZP)2021أوميت أوزداغ

هل يمكن اعتبار حزب الشعب الجمهوري حزباً قومياً؟

على الورق، يُعتبر حزب الشعب الجمهوري حزباً قومياً كمالياً، لكن على أرض الواقع الأمر يختلف.

إذ يُعتبر الحزب الذي أسسه أتاتورك مؤسس جمهورية تركيا الحديثة حزباً علمانياً ليبرالياً ينتمي إلى معسكر يسار الوسط، كما أنّ جميع مناصريه هم أشخاص علمانيون.

تأسس الحزب في عام 1923، ويشكل المعارضة الرئيسية في البرلمان التركي بقيادة زعيمه الحالي كمال كليجدار أوغلو.

هل القوميون الأتراك هم ورقة رابحة بيد أردوغان للفوز بالانتخابات؟ 

مع بدء الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008، تغيرت الاتجاهات في البوصلة لدى حزب العدالة والتنمية الحاكم، إذ تباطأت عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ودخلت البلاد في سلسلة من المشاكل منها موجة اللاجئين الكبيرة الذين بدأوا في القدوم إليها منذ 2011، وانهيار عملية السلام مع حزب العمال الكردستاني التي كان يعارضها القوميون، والانقلاب الفاشل الذي قامت به جماعة فتح الله غولن في 2016، وتزايد هجمات الجماعات الكردية الإرهابية شرق البلاد.

جميع تلك الأمور دفعت بالحكومة التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية الحاكم، إلى بدء إنشاء علاقات جديدة مع القوميين وتحديداً حزبهم الأشهر "الحركة القومية" الذي أصبح حليفاً قوياً لهم، ودخل معهم في تحالف معلن منذ انتخابات 24 يونيو/حزيران 2018، ليفوز تحالفهم بأغلبية مقاعد البرلمان بنسبة 53.66% ( 344 مقعداً)، إضافة إلى مقعد الرئاسة.

وبذلك استطاع حزب الحركة القومية الذي يمثل الشريحة الأكبر من القوميين، أخذ مكان المجموعة التي تم إلقاء اللوم عليها إلى حد كبير في الانقلاب، وهي جماعة "غولن" الذين كانوا في يوم من الأيام شركاء مقربين لأردوغان.

كما بات زعيم القوميين دولت بهجلي الشخصية السياسية المقربة لأردوغان، وحل مكان شخصيات بارزة سابقة أمثال الرئيس السابق عبد الله جول ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو اللذين لعبا دوراً محورياً في رحلة صعود أردوغان قبل الانفصال عنه في النهاية.

Shutter Stock/ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي
Shutter Stock/ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهجلي

هذا التقارب استطاع جلب الأصوات القومية لصالح التحالف القومي اليميني المحافظ في الانتخابات التركية الأخيرة 2023، وساهم في توسيع إجمالي الناخبين الوطنيين.

ونرى ذلك من خلال الانتخابات البرلمانية التي استطاع فيها التحالف بين الطرفين "تحالف الجمهور" حصد انتصار كبير، من خلال الفوز بـ326 مقعداً نيابياً توزعت بين الحزبين، 269 للعدالة والتنمية و52 للحركة القومية.

أما على الصعيد الخارجي، فقد كان للقوميين أيضاً دور في نمو قوة الخطاب القومي للحكومة التركية، مما دفعها إلى ترسيخ نفسها عسكرياً، بداية من خلال توسيع رقعة محاربة حزب العمال الكردستاني لتشمل سوريا والعراق، وصولاً إلى تطوير الصناعات العسكرية الوطنية، من خلال صناعة المقاتلات الحربية، والطائرات المسلحة المسيرة، والمعدات والأنظمة الدفاعية المتطورة، والمنصات البحرية، وتصديرها أيضاً إلى دول أخرى.

كيف نشأت القومية التركية؟

في الفترة التي سبقت الحرب العالمية الأولى، عندما دخلت الدولة العثمانية بفترة الانهيار المُتصاعد، بدأت "القومية التركية" بالظهور رويداً رويداً إلى العلن، متأثرة بأفكار القومية المتصاعدة في أوروبا، في محاولة منها لإنشاء دولتها الخاصة.

سياسياً تُعرف القومية التركية بأنها حركة أيديولوجية هدفها الأول هو تعزيز وتمجيد العرق التركي، سواء كانوا جماعة قومية أو لغوية، وترتبط هذه الحركة ارتباطاً وثيقاً مع "حركة الوحدة التركية"

حركة الوحدة التركية

حركة الوحدة التركية هي حركة سياسية ظهرت خلال ثمانينيات القرن التاسع عشر بين المثقفين الأتراك في منطقة قازان الروسية (جمهورية تتارستان حالياً) وأيضاً في مدينة باكو (جمهورية أذربيجان حالياً) وبعض مناطق الدولة العثمانية، والهدف منها التوحيد الثقافي والسياسي لجميع الشعوب التركية في العالم.

وهي حركة شبيهة أيضاً بحركة "الطورانية" التي دعت إلى ذات الشيء واستمدت اسمها من المنطقة الممتدة ما بين هضبة إيران وبحر قزوين مهد القبائل والشعوب التركية.

وعلى الرغم من أن العديد من الشعوب التركية تشترك في جذور تاريخية وثقافية ولغوية واحدة، فإن صعود الحركة السياسية القومية لعموم تركيا كان في جزء منه استجابة لتطور القوميتين السلافية والجرمانية في أوروبا.

التي دعت في ثمانينيات القرن التاسع عشر إلى توحيد الشعوب التركية حول العالم في بلدٍ واحد.
تسلم القوميون الأتراك الحكم في أواخر عهد الدولة العثمانية قبل إعلان الجمهورية، عن طريق ما يسمى "جمعية الاتحاد والترقي" الذي أصبح فيما بعد الفصيل الأول في "حركة تركيا الفتاة"

حركة تركيا الفتاة

حركة تركيا الفتاة أو الشباب الأتراك هي تمرد قام به مجموعة من طلاب الطب في أوائل القرن العشرين أطلقوا عليه اسم "حركة إصلاح سياسية" ضد السلطان عبد الحميد الثاني في عام 1908.

استوحى التنظيم فكرته من حركة إيطاليا الفتاة السياسية.

، وعقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، قاد هؤلاء القوميون المقاومة ضد الحلفاء الذين احتلوا جزءاً كبيراً من أراضي الدولة العثمانية.
ففي عام 1913، بعد "انقلاب الباب العالي"

انقلاب الباب العالي

هو انقلاب نفذه عدد من أعضاء جمعية الاتحاد والترقي (الفصيل الأول في حركة تركيا الفتاة) بقيادة إسماعيل أنور بك ومحمد طلعت بك في الدولة العثمانية، عندما شنت تلك المجموعة غارة مفاجئة على مباني الحكومة العثمانية المركزية (الباب العالي).

واغتيل خلال محاولة الانقلاب وزير الحرب ناظم باشا واضطر الصدر الأعظم كامل باشا إلى الاستقالة.

وبعد الانقلاب أصبح حزب الاتحاد والترقي يدير الحكومة بقيادة الثلاثي المعروف باسم "الباشاوات الثلاثة" المكون من أنور وطلعت وجمال باشا.

، أتيحت الفرصة أمام الجناح القومي التركي في "جمعية الاتحاد والترقي"، الذي كان يتألف من أطباء ومفكرين متأثرين بالمفكر والطبيب الكردي عبد الله جودت والشاعر السياسي ضياء غوك ألب، لتشكيل السياسة الحديثة للدولة.
إذ يرى المفكر والشاعر وأحد أوائل متبني القومية التركية ضياء غوك ألب

ضياء غوك ألب

منظر قومي تركي وعالم اجتماع، وكاتب، وشاعر، وسياسي، شغل منصب النيابة في مجلس النواب والبرلمان التركي.

اشتهر أيضاً بلقب "أبو القومية التركية"، إذ كان متأثراً بالقومية الحديثة في أوروبا الغربية، وخاصة فرنسا وألمانيا.

أنّ القومية التركية كانت نتيجة طبيعية لوهن الدولة العثمانية وضعف الإسلام في مراحلها الأخيرة.
وقد عرّف القومية التركية بأنها مفهوم ثقافي وأكاديمي وفلسفي وسياسي يدعو إلى وحدة الشعوب التركية من الناحية الأيديولوجية، وكان ذلك مبنياً على "الداروينية الاجتماعية"

الداروينية الاجتماعية

الداروينية الاجتماعية هي إحدى نظريات المجتمع التي ظهرت في المملكة المتحدة وأمريكا الشمالية وأوروبا الغربية في سبعينيات القرن التاسع عشر، وتدعي تطبيق المفاهيم البيولوجية للانتخاب الطبيعي والبقاء للأصلح على علم الاجتماع والسياسة.

تضاءلت شعبية الداروينية الاجتماعية على نطاق واسع في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأصبحت سيئة السمعة إلى حد كبير بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية، ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتباطها بالنازية، وجزئياً إلى الإجماع العلمي المتزايد على أنه لا يوجد أساس للنظرية من الناحية العلمية.

.

فيما باتت كلمة "تركيا" التي كتبها الجنرال أنور باشا أحد قادة حركة تركيا الفتاة، أكثر شيوعاً باعتبارها اسم الأمة، لتبدأ الدولة بقبول المزيد من الأتراك النازحين من الأقاليم العثمانية التي فُقدت من أجل تحقيق حلم القومية.

من جهته، يرى الأكاديمي التركي "علي آغجاكولو" أنَّ تطور الحركة القومية التركية كان إحدى النتائج غير المقصودة للهجرة الواسعة من أطراف الإمبراطورية وخاصة إسطنبول، إلى تراقيا والأناضول بعد فقد أقاليم الدولة العثمانية في البلقان.

بالإضافة إلى تكوين الدولة العثمانية تحالفاً وثيقاً مع ألمانيا، التي كانت تشهد تحولاً قومياً هي الأخرى، ليصبح المفكرون العثمانيون من أنصار نظرية القومية العرقية التركية الوليدة التي عرفت باسم التركية الشاملة.

وأضاف آغجاكولو وفقاً لما ذكره موقع "Ahval" التركي: "بعد ظهور القومية في أوروبا، والتي تركزت على العرقية أو اللغة كأساس للأمة، بدأ المثقفون العثمانيون، منهم أحمد وفيق باشا وسليمان باشا الكتابة عن العرق التركي واللغة التركية والتنظير بشأن الخصائص بمعزل عن الهوية المسلمة أو العثمانية، فكتبوا معاجم باللغة "التركية-العثمانية" وأرخوا تاريخ الشعب التركي، وسرعان ما بدأ المزيد والمزيد من الكتابات الأدبية القومية بالظهور".

وتابع: "بسبب ظروف الحرب، لم تعد القومية التركية حركة مثقفين عثمانيين وحسب، بل تحولت إلى أيديولوجية للدفاع عن الدولة".

القومية كانت عمود أساس الجمهورية التركية

مع تداعي الإمبراطورية العثمانية، أصبحت القومية التركية عنصراً مهماً ساهم في تأسيس جمهورية تركيا الحديثة، إذ تم استخدام هذه الأيديولوجية كطاقة مقاومة لحرب الاستقلال، ولاحقاً الدافع الأساسي لتأسيس دولة وطنية قومية على أنقاض دولة العثمانيين، وفقاً لما ذُكر في Sosyologer وهي منصة تركيّة ينشر بها فقط المتخصصون بالعلوم الاجتماعية.

في حين ذُكر في مقال بحثي نشرته الباحثة التركية "Cansu KOÇ BAŞAR" أنه بعد الاجتماع السري الأخير لمجلس النواب العثماني قبيل نهاية الحرب العالمية الأولى، توصل المجتمعون إلى "إعلان الدولة الأمة" أي أنّ الأمة التركية والدولة التركية هما شيء واحد.

وبالتالي فإنّ المُدن العثمانية ذات الأغلبية الكردية مثل الموصل وكركوك والعربية مثل حلب، بقيت خارج تصور الأراضي التركية، وذلك من أجل ضمان وجود أغلبية عرقية تركية داخل حدود الدولة.

إذ كانوا يعتقدون أنه سيكون من السهل استيعاب السكان الباقين وأغلبهم بدو ريفيون أكراد، ولو لم يرسم "إعلان الدولة الأمة" الحدود بهذا الشكل واحتفظ بالأراضي الكردية والعربية السورية والعراقية، لكان من الصعب على تركيا أن تؤسس دولة أمة وحدوية.

هل للقوميين في تركيا فصيل مسلح؟

لطالما توجهت أسهم الاتهام باتجاه جماعة الذئاب الرمادية، باعتبارها الذراع العسكرية المسلحة غير الرسمية التابعة لحزب الحركة القومية التركية "MHP".

آلب أرسلان توركيش هو من أسسها عندما كان رئيس حزب الأمة الريفي الجمهوري قبل تحويله إلى حزب الحركة القومية، كما بدأ بتوسيع هذه المجموعة عن طريق ضمّ الشباب الأتراك حصراً، والذين يملكون الفكر ذاته.

أبرز ما يميز الحركة هو الشعار الذي يرفعه أعضاؤها بيدهم، وذلك من خلال رفع السبابة والخنصر، بينما تضم باقي الأصابع إلى بعضها مشكلةً ما يُشبه رأس الذئب.

وترتبط تلك الإشارة بأسطورة تركية قديمة تتحدث عن أنثى ذئب رمادية تدعى "أسينا"، قامت بمساعدة أتراك بقوا عالقين في وادي "أرجينكون"، الذي يعتقد أنه يقع قرب ولاية فان شرق تركيا مدة 4 قرون.

حتى جاءتهم الذئبة آسينا، التي تمكنت من الخروج من الحصار عن طريق ممر نشأ بعد ذوبان الثلوج، وتعتبر هذه الأسطورة أساس نشوء القوميتين المغولية والتركية.

بينما تعود تسمية الجماعة إلى أسطورة أخرى، تتحدث عن تعرّض الأتراك لحرب أبادتهم جميعاً، عدا طفلاً واحداً اضطر إلى الزواج من ذئبة رمادية أنجب منها 12 شخصاً أعادوا بناء القبائل التركية.

في سبعينيات القرن الماضي خاضت الذئاب الرمادية معارك شوارع بشكل انفرادي خلال مواجهات مع اليساريين الذين كانوا يحاولون السيطرة على البلاد، متمثلين بــ "الحزب الشيوعي التركي"، و"الجيش الشعبي لتحرير تركيا"، وحركة "دفر يمسي يول".

ويكبيديا/ أبرز ما يميز جماعة الذئاب الرمادية هو الشعار الذي يرفعه أعضاؤها بيدهم، وذلك من خلال رفع السبابة والخنصر، بينما تضم باقي الأصابع إلى بعضها مشكلةً ما يُشبه رأس الذئب.
ويكبيديا/ أبرز ما يميز جماعة الذئاب الرمادية هو الشعار الذي يرفعه أعضاؤها بيدهم، وذلك من خلال رفع السبابة والخنصر، بينما تضم باقي الأصابع إلى بعضها مشكلةً ما يُشبه رأس الذئب.

ولم تكتفِ الجماعة بأنشطتها في تركيا، بل امتد نفوذها ليصل إلى دول كثيرة حول العالم.

فشارك "الذئاب" إلى جانب أتراك قبرص في صراعهم مع اليونانيين، وأيضاً قدموا الدعم للإيغور في إقليم شينغيانغ في الصين، ووقفوا إلى جانب الشيشانيين في حربهم الأولى والثانية ضد الروس، عن طريق جمع التبرعات لهم والمشاركة العسكرية.

في حين يعتقد أنّ المجموعة لديها عناصر شاركت حتى العام 2005 في القتال إلى جانب الجيش الأذربيجاني في حربه ضد أرمينيا، قبل أن يتورطوا في محاولة انقلاب فاشلة على الرئيس إلهام علييف، فتم طردهم وحظرهم.

تنتشر مجموعة "الذئاب الرمادية" في أوروبا بشكل كبير، إذ يعتقد أن عناصرها في ألمانيا وحدها يُقدّرون بنحو 20 ألف شخص، ما يجعلها أكبر تنظيم سري في البلاد، كما يعتقد بوجود نحو 5 آلاف عنصر في النمسا، وآلاف آخرين في فرنسا ودول أوروبية أخرى.

تحميل المزيد